تستضيف الكويت، غدا، القمة الرابعة والثلاثين لمجلس التعاون الخليجي، وهي قمة تحمل الكثير من شروط الاختلاف عن سابقاتها، ما يجعل المراقبين وشعوب المنطقة يتطلعون إلى نتائجها وقراراتها، علها تؤسس لمرحلة جديدة في العمل الخليجي المشترك. من دون شك إن قضايا الأمن ستنال حصة الأسد من مباحثات القمة، وذلك اعتبارا لكونها تمثل دائما هاجس قادة بلدان الخليج والموضوع المركزي في مؤتمراتهم، لكن الملف الأمني هذه المرة سيطرح نفسه انطلاقا من المستجدات الدولية والإقليمية الجارية في محيط المنطقة، ولعل أبرزها الاتفاق الغربي الإيراني حول الملف النووي لطهران، وبروز»ابتسامة»القيادة الإيرانيةالجديدة تجاه جيرانها في الخليج، وتصريحاتها المتكررة حول حسن النوايا ودفاعها عن الاعتدال والوسطية والتعاون الإقليمي، وهذا سيفرض على قمة الكويت ضرورة الاتفاق على الخطاب السياسي الخليجي المطلوب تجاه إيران في هذه المرحلة، وأيضا التصور الأمني الناجع في ضل بداية تغير المعادلة على هذا الصعيد، وتوجه الإدارة الأمريكية وأوربا نحو التهدئة مع طهران. الملف الإيراني كان، في السنوات الأخيرة، موضوع تباين واضح بين بلدان مجلس التعاون نفسها، ذلك أن دولة الإمارات العربية المتحدة شرعت منذ فترة في تبادل الزيارات مع مسؤولي طهران، رغم المشاكل الحدودية المعروفة بين البلدين، وسلطنة عمان أسست لذات التوجه قبل ذلك، كما تدفع التغيرات قطر نحو الاستفادة من ورطتها المصرية وجعل بصمة أميرها الجديد واضحة ومختلفة على الصعيد الديبلوماسي، وتنشغل البحرين فقط بدرء المخاطر الأمنية عنها، وهذا هو ما كان قد دفع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في الشهر الماضي إلى استباق قمة الكويت بعقد قمة ثلاثية تشاورية بينه وبين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل خليفة، وذلك ضمن قراءة ذكية للوقائع المحيطة وللمستقبل، وأيضا لتحفيز القمة الرابعة والثلاثين على تبني سياسة واقعية تستحضر كل ما يجري في العالم وحول المنطقة من تبدلات سياسية وإستراتيجية. إن التحوّل النسبي الملحوظ إذن في الإستراتيجية الأميركية نحو آسيا، وعودة روسيا إلى الساحة الإقليمية انطلاقاً من الملف السوري، واعتبارا لعلاقاتها القديمة والمعروفة مع إيران، سيفرض على القمة الخليجية بلورة وتدقيق كثير من المواقف والرؤى، وذلك بما يعيد تأسيس مسلسل التعاون بين الدول الخليجية انطلاقاً من هذه التحولات العميقة عربياً وخليجياً ودولياً. ومع ذلك، فلن تكون قمة مجلس التعاون الخليجي منشغلة فقط بالقضايا الإقليمية والدولية المرتبطة بها، سواء ما يتعلق بالأمن والملف الإيراني أو الوضع السوري، وأيضا اليمني والعراقي والمصري، والمخاطر الإرهابية وسواها، وإنما ستنكب القمة كذلك على قضايا العمل المشترك، وإشكالات الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، الذي قال الأمين العام للمجلس إنه صار»ضرورة ملحة تفرضها التغيرات الأمنية والسياسية والاقتصادية»، لكنها لازالت فعلا إشكالات حقيقية، وتفرض المزيد من التباحث لتوحيد الرأي بخصوص تفاصيلها بين البلدان الست . إن قمة الكويت، بحسب كثير من المراقبين لشؤون المنطقة، تعتبر فعلا قمة التحديات، بالنظر إلى كل هذه الملفات والمستجدات المطروحة عليها والمرتبطة بسياقها، وهو ما يجعل رئيسها، أي أمير الكويت، مطالب باستدعاء كامل حكمته ونباهته لتوحيد وجهات النظر بغاية بلورة سياسة خليجية واقعية جديدة تستحضر كل ما يحدث من مستجدات عالمية وإقليمية، ومن أجل توجيه الاهتمام السياسي الخليجي نحو النهوض بالرهانات الداخلية ذات الصلة بالإصلاحات السياسية وتمتين الانفتاح والتكوين والتحديث، لإعداد هذا التكتل الإقليمي المكون من بلدان غنية ليصير فعلا قوة إستراتيجية واقتصادية وسياسية حقيقية في المنطقة والعالم. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته