المدخنون معرضون للاكتئاب مرتين إلى أربع مرات أكثر لا يسبب التدخين أمراضا جسدية فقط، وإنما قد تنجم عنه اضطرابات نفسية، ما زالت قيد البحث. فما نسبة الواهنين نفسيا بين المدخنين؟ وكيف يؤثر التدخين على الصحة النفسية؟ ولماذا يدُخِل النيكوتين الجسد والروح في حالة طوارئ؟ إذا تخلى الإنسان عن التدخين فإنه يخفض أخطار الإصابة بأمراض القلب والرئتين والوفاة المبكرة لديه. لكن التدخين أيضا قد يعرض الصحة الروحية والنفسية للخطر. وقد أظهرت دراسات طويلة الأمد أن المدخنين معرضون للإصابة باضطرابات الخوف والاكتئاب أكثر بمرتين إلى أربع مرات من غير المدخنين. ويزداد احتمال الإصابة بمثل هذه الاضطرابات النفسية لدى المدخن "الشّره". والعلاقة تبادلية: فالمصابون بأمراض نفسية كثيرا ما يكونون مدخنين، كما أن المدخنين كثيرا ما يكونون مصابين بأمراض نفسية، وفق ما ينقل موقع "فارماتسوتيشه تسايتونغ" الألماني الإلكتروني. المضطربون نفسيا موجودون أكثر في أوساط المدخنين ووفق دراسة أمريكية فإن الأشخاص الضعيفين نفسيا، مثل المصابين بالخوف بشكل عام أو بالهوس الاكتئابي أو بالخوف من الحياة الاجتماعية، يوجد فيهم عدد مدخنين أكبر من عدد المدخنين في أوساط الأشخاص الأصحاء نفسيا، كما يرتفع عدد السجائر المدخَّنة واستهلاك النيكوتين بزيادة شدة الاضطراب النفسي. لكن ليس من المعروف حتى الآن إن كان تدخين التبغ يتسبب بالفعل على وجه اليقين في اضطرابات نفسية أو اختلالات عقلية، وذلك لأن معظم الدراسات التي أجريت حتى الآن لم تأخذ، على الأرجح، في عين الاعتبار بقية العوامل (مثل وزن الجسم والعمر والحالة الاجتماعية والظروف السابقة وغيرها) التي قد ينجم عنها الاضطراب النفسي. ولكن باحثين من جامعة لندن كانوا أكثر دقة نسبيا فأخذوا في دراستهم، التي أجريت على آلاف الأشخاص، هذه العوامل في عين الاعتبار كي يتبقى لديهم فقط تأثير دخان التبغ على الصحة النفسية، لكن النتيجة لم تكن مفاجئة: فقد وجدوا كذلك علاقة قوية بين تدخين السجائر والضغط النفسي. ومن المعروف أن النيكوتين يصل إلى المخ خلال عشر ثوان فقط حيث يرتبط هناك بمستقبلات "الأسيتيل كولين" العصبية. الجسد والروح في حالة طوارئ ونتيجة لذلك، يتم إفراز الناقلات العصبية بازدياد، وهي مواد كيميائية متعلقة بالأمراض العقلية مثل: الدوبامين (الذي يؤثر على سلوكيات وأحاسيس عديدة مثل الانتباه وتحريك الجسم والتوجيه وكذلك له دور في الشعور بالسعادة والإدمان والمتعة)، والسيروتونين (المسمى بهرمون السعادة ويتسبب نقصه بالاكتئاب وله دور هام في تنظيم مزاج الإنسان والرغبة الجنسية)، والإندورفين (من أهم مسكنات الألم الطبيعية في الجسم)، وغيرها مثل المواد الأفيونية الذاتية. ويقول الخبراء إن المصابين بالاكتئاب والخوف يدخنون كي يغيروا من حالتهم المزاجية ويقللوا من حالة الاكتئاب والخوف لديهم، لكن التخفيف من الخوف والاكتئاب لا يحدث إلا لفترة وجيزة، فضلا عن أن هذا الارتياح القصير يتحول مع الزمن إلى العكس وإلى إدمان يجعل الشخص يحتاج دائما إلى النيكوتين، الذي يتسبب في إفراز المزيد من الأدرينالين (هرمون النشاط)، الذي يعمل بدوره على ازدياد نبض القلب وانقباض الأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم. وكذلك يؤدي النيكوتين إلى إفراز المزيد من هرمون الكورتيزون المنشط، ويصبح كل من الجسد والروح في حالة طوارئ، مع كل سحبة دخان. وقد يكون هذا هو سبب أن نوبات الخوف الشديدة تكون أشد لدى المدخنين منها لدى غير المدخنين، وربما يزيد التدخين من خطر التفكير في الانتحار لدى المصابين باضطرابات نفسية. ولذلك ينصح الخبراء -وفق ما ينقل موقع فارماتسوتيشه تسايتونغ الإلكتروني- الأشخاصَ المصابين باضطرابات نفسية على وجه الخصوص بالإقلاع عن التدخين. اكتئاب ما بعد الإقلاع عن التدخين يعمل الإقلاع عن التدخين، على انخفاض المزاج الإيجابي، وارتفاع معدلات المزاج السلبي، الذي يزيد من الرغبة الشديدة في تدخين السجائر، مما يحفز روح التحدي عند المدخن لوقف التدخين بشكل نهائي. و في مراحل الإقلاع الأولية، يعاني الأشخاص الكثير من القلق، والاكتئاب، والتهيج والأرق، والصعوبة في التركيز، وتدني الحالة المزاجية. لكن الدراسات تؤكد بأن التغيرات السلبية في المزاج، تقل و بشكل كبير، بعد شهر إلى ثلاثة أشهر على الأقل من ترك التدخين. ويعتقد بأن العجز العاطفي والمعرفي الذي يتعرض له المنسحبون من التدخين، ناتج عن تعديل لمسارات المخ، والتكيف العصبي، بسبب الاستخدام المزمن للنيكوتين، حيث يؤثر التكيف على أنماط التفكير، والدوافع، والاهتمام والتركيز، والتثبيط ( بحيث تكون المقاومة أقل للحصول على سيجارة)، مما يؤدي إلى تقليل المزاج الإيجابي، ولكن الشعور بهذه الآثار لا يدوم طويلا، بحيث تختفي مباشرة بعد الإقلاع عن التدخين بفترة قصيرة. كيفية مواجهة التغيرات في المزاج أولا بالعلاج النفسي، من خلال استخدام الكفاءة الذاتية، وهي الاعتقاد بالقدرة على إنجاز وتحقيق المهمة، حيث تلعب دورا مهما في التعامل مع التغيرات المزاجية السلبية، وتحتاج إلى تعزيز من قبل الآخرين. مثلا، يمكن اللجوء إلى طبيب مختص يعمل على تعليم بعض مهارات إدارة المزاج و تحسينه، ويساعد أيضا بالتقليل من خطر الانتكاس. بالمقابل، يعتمد العلاج الطبي على استخدام بدائل النيكوتين للحد من الرغبة الشديدة في التدخين والحالات النفسية الناتجة من الإقلاع عن التدخين، حيث يعمل على استبدال بعض النيكوتين الذي تم فقده، ويوفر تأثيرا مماثلا للتدخين، وبالتالي يساعد في التخفيف من الإجهاد. و أثبتت دراسات أجريت على بعض المدخنين الذين لم يعانوا من حالات الاكتئاب قبل البدء في التدخين، بأنهم أكثر تجاوبا للعقاقير، بحيث تقل معدلات المزاج السلبي لديهم، كما لاقى هؤلاء الأشخاص تجاوبا سريعا عند استخدامهم الفلوكستين، وهو أحد العقاقير الطبية الموصوفة من قبل الطبيب، خلال ثلاثة أسابيع فقط. نمط الحياة وتظهر الدراسات بأن كلا من النوم و النشاط البدني، له آثار إيجابية على تحسين المزاج بعد الانسحاب من التدخين. وقد تبين بأن الابتعاد عن النوم والإرهاق يؤدي إلى الإخلال في الاهتمامات العادية، و انخفاض الشهية، ويعزز التعب، و يقلل من التحكم بعملية التثبيط. كما تساعد الممارسة اليومية للرياضة، في التقليل من أعراض اكتئاب ما بعد الإقلاع عن التدخين و الحد من الرغبة في تناول السجائر، ويساعد في القدرة على التعامل مع القلق والتوتر، والتحكم في الوزن، كما يزيد من احتمالية الإقلاع عن التدخين.