الفنان التشكيلي إدريس بنادي: أنزع إلى ما أحس به ولا أرسم ما أراه عند زيارة مرسمه في مدينة خريبكة استقبلني الفنان إدريس بنادي نصف عار، كأنه خارج للتو من البورتريه الشخصي الذي أبدعه منذ سنوات...صمم إدريس مرسمه الفقير حد البذخ على سطح منزله محاطا بفضاء أزرق فسيح في مدينة انمحى عنها البحر منذ ملايين السنين، ولم يترك سوى ترسبات بحرية.. مرسم بنادي تحرسه في غيابه دمية زنجية غير آبهة بشكلها الأنثوي تماما كطوطم في معبد أفريقي سحيق.. يغلب الطابع الأسطوري على لوحات بنادي لشغفه برسومات الأساطير وقصصها منذ صغره، حيث رأى النور سنة 1956 في مدينة خريبكة الرائدة في إنتاج االفوسفاط عالميا، كما تشع المسحة الصوفية عندما تجد نفسك شاردا أمام لوحات وسمها الفنان بالتائه ليجعلك تبحث عن عالم لا يمكن بلوغه إلا بالحلم الذي يشكل اشتغالا للذات وسفرا في المسار الإنساني بكل تجلياته . لوحاته تتكلم لغة مجازية، فإدريس تسبح أنامله في ظلال اللون، لتظهر لنا تموجات الوحدة اللونية وتفرعاتها ويغزل لنا عبر تنويعات الأزرق والألوان الترابية أعمالا إبداعية تشكل الدليل على أن الفن هو بمثابة الروح عنده. يمارس إدريس بنادي مهنة التدريس التي سيودعها قريبا بفعل التقاعد، لذلك تراه منشغلا بالجهل الكبير الذي يعاني منه الفن التشكيلي عموما، والنقص الحاصل في قطاع التربية والتعليم الذي لا يولي مكانة للتربية الفنية. شارك إدريس، الذي لا يخفي نشوته الطفولية بقرب تفرغه للعمل الفني، لأن التزامات العمل قصت كثيرا من أجنحته، في عدة معارض دولية منها المهرجان الدولي للفنون التشكيلية في تونس سنة 1999 وفي فرنسا عرض بالصالون الدولي للفن المعاصر حول الموسيقى 2000 ومهرجان l'hay les roses سنة 2010 ....وعن تجربته الفنية كان لنا معه الحوار التالي. الفن لماذا يرسم الفنان إدريس بنادي؟ أرسم لأنني أحس بأن هذا العالم متناقض وأن كل زمكان لعبت به الأغراض والأهواء البشرية. فذاتي تفيض بكل ما فيه الخير وتكشف اللثام عما هو جميل. فتكون رسوماتي التي أسميها في كثير من الأحيان «تماثيل وهذيان» لأني أنزع إلى ما أحس به ولا أرسم ما أراه فالفن عندي هو الحياة أو ربما هو الروح. ما هي طقوسك في الرسم؟ لا أرسم إلا تحث تأثير موسيقى بدون كلمات وقد تحرضني على السعي لتحقيق وجود حالم. من هم الفنانون الذين تأثر بهم الفنان ؟ تأثرت في بداياتي الأولى بتولوز لوتريش وغويا، خاصة لوحته الشهيرة ساتورو والساحرات، وتأثرت أخيرا وما زلت بزوران ميزيك لأن له رسومات خارقة مستوحاة من ثيمة الموت.. وهذه الثيمة قديمة ذات تداعيات وهياكل مستوحاة من الحروب الأهلية والوطنية التي سمحت للفنانين الحقيقيين من العصور البدائية إلى غويا أو بيكاسو ليرسموا الرعب. اللون الأزرق حاضر في كل لوحاتك فلماذا يستغويك هذا اللون؟ أميل ويستغويني الأزرق لأنه لون الماء والسماء لماذا يغلب على لوحاتك الطابع الأسطوري؟ كان يا مكان، قصص منسية من زمان...إنني شغوف برسومات الأساطير لأنها تترك فيك أثرا وتأخذك إلى عالم النشوة وتحلق بك في أفق غريب الرؤى والأحلام، فأنا متأثر بالأساطير العالمية. قرأت حكايات بوشكين الخرافية وأساطير اليونان وبابل وآشور والخرافات عند العرب أيضا فمثلا يقال في أسطورة عربية إن «تأبط شرا رأى كبشا في الصحراء فحمله تحت إبطه فجعل يبول طول الطريق عليه فلما قرب من الحي ثقل عليه فرمى به فإذا هو الغول». هذه الأسطورة أثارتني لأنها فكرة سوريالية فالأسطورة وليدة اللذة كما كانت وليدة الألم والخوف. أرسم لوحات للأساطير لتكون نافذة يطل من خلالها المشاهد على قبس من وهج التراث الإنساني ينير طريقه إلى المعرفة الإنسانية، وكما يقول سوفوكليس في أنتيجونا «إن هناك الكثير من العجائب الغريبة، ولكن ليس ثمة ما يفوق الإنسان عجبا». في باقة من لوحاتك التي وسمتها بالتائه هناك حضور كبير للمسحة الصوفية ؟ إنها تمثل للسؤال الوجودي الذي طرحه المتصوفة خاصة، والكائن البشري عامة، وانعكاس لمسألة البحث عن الحقيقة التي هي تجل لحالة التيه التي نعانيها في جميع المستويات وعلى مدى كل العصور ولوحات التائه تشكل امتدادا لذلك . كيف ينظر إدريس بنادي بصفته رجل تربية إلى واقع الفن التشكيلي في المغرب؟ تجدر الإشارة إلى وجود جهل كبير يعاني منه الفن التشكيلي عموما، وهو جهل مرتبط اجتماعيا بالنقص الحاصل في تعليمنا، الذي لا يولي مكانة للتربية الفنية... لكن يجب أن نرى بعمق الصعوبة المرتبطة بالفن التشكيلي نفسه، إننا نقول دائما بأن الفن يشوه الواقع، في حين أن المفاهيم البصرية تتميز بقوتها على وجه الخصوص. فالجمهور يشعر بأنه مجتاح بسهولة أمام الأعمال التي تقدم ابتكارات شكلية. إن الواقع الذي يقوم الفنان بشكل تقريبي بتأويله وتحويله يخضع لرؤية ونظرة الفنان المستمدة من معتقداته الإيديولوجية وقناعاته الشخصية.