اختزال تجربة المخرج من خلال شريطين متباعدين في الزمن ومختلفين من حيث المبنى والمعنى والنوع انطلقت ليلة الأربعاء الماضي، الأيام التكريمية للمخرج المغربي لطيف الحلو، التي ينظمها حزب التقدم والاشتراكية، ضمن نشاطاته الثقافية الرمضانية، بصالة سينما ريتز بالدار البيضاء، وقد تميزت ليلة الافتتاح بعرض شريطين للمخرج المحتفى به، الأول تحت عنوان سين أكفاي وهو شريط وثائقي بالأبيض والأسود، مدته 22 دقيقة من إنتاج المركز السينمائي المغربي سنة 1967. ويسجل هذا الشريط لحظة انطلاق المسار السينمائي للطيف الحلو، أما الشريط الثاني "حفلة الميلاد " فهو فيلم روائي طويل من آخر إنتاجات المخرج، وبين الشريطين بون شاسع من حيث المبنى والمعنى والنوع، لكنهما صادران من وعي ثقافي وإبداعي واحد، وزاوية معالجة واحدة، وهو ما شكل القاسم المشترك داخل التنوع الشديد في المسار السينمائي للمخرج المحتفى به، وجدير بالذكر أن اختيار عرض هذين الشريطين على تباينهما الظاهر والنوعي، كان اختيارا ذكيا توفق إلى حد كبير في اختزال تجربة لطيف الحلو السينمائية منذ البداية حتى النضج وسلط الضوء على مسار المخرج واختياراته الثابتة وإنتاجه المتنوع، وخلق لدى الحضور سفرا ممتعا ومولدا لفيض من الأسئلة عبر الزمن المغربي وعبر تناقضاته، زمن مغربي متباين لدرجة التطرف، ومع أن الشريطين معا يتحدثان عن رقعة جغرافية واحدة فان تيمتهما تختلف زمانا ومكانا وثقافة ومرتبة اجتماعية، وبين الشريط الوثائقي "سين أكفاي" والفيلم الروائي الطويل "حفلة الميلاد"، رابط واحد مشترك أنهما صادران من نفس الرؤية ونفس الموقف. سين أكفاي يتحدث هذا الشريط الوثائقي، عن قرية صغيرة تقع عند سفوح الأطلس الكبير، وعن علاقة قاطنيها بالأرض والماء، وعن ثقافة الإنسان المغربي الجوهرية والمتميزة وموروثه الحضاري الراقي، من خلال امتلاك جماعي لوسائل الإنتاج وعمل جماعي، وتوزيع متساوي للماء بين الساقيات، والاستفادة الجماعية منه مع ترشيده وعدم هدره، ووسط العناء والتعب يجتهد سكان القبيلتين في إخراج الحياة من صلب الطين وتفجير الحقول بالخضرة ومعها تتفجر سعادة الجميع وتنطلق الاحتفالات والغناء والرقص جماعيا، وإذا كان الشريط الوثائقي رافقه تعليق بالفرنسية يكاد يقترب من الشعر، فإن لغة الكاميرا كانت أبلغ في توثيق حقائق اجتماعية مغربية صرفة، وكأن المشاهد بصدد مخرج يمارس حفرا أنتربولوجيا في الزمن والمكان، و يحيله على نمط إنتاج جماعي مغربي متأخر أو بقاياه على الأقل، خصوصا حين يخبرنا بأن المنطقة المتحدث عنها معزولة، وأن كل طرق التواصل مع العالم الخارجي مقطوعة. عيد الميلاد أما الشريط الروائي الطويل "عيد الميلاد"، ويشارك فيه عدد من الفنانين المغاربة من بينهم يونس ميكري وآمال عيوش وحميد باسكيط وناديا كوندا وعمر لطفي وسناء موزيان وسناء العاجي ومحمد مروازي وفاطمة الزهراء الجوهري وعزيز الفاضلي، فيرصد واقع حال أربع أسر ثرية رغم الامتيازات وحياة الرفاهية التي يبدو أنها ترفل فيها بسعادة، إلا أن المخرج يبرز زيف هذه السعادة، من خلال التركيز على عائلة المهندس سعيد المزني (يونس ميكري)، وهو مناضل يساري سابق، يسيطر عليه الاعتقاد أنه مايزال ذلك المهندس المعماري الذي لم يتزحزح عن قناعاته السياسية. فبعد العمل على أفلام تناولت طبقات اجتماعية مختلفة، يتوقف المخرج عند الطبقة الثرية، لنقد السلوكيات داخل علاقاتها البينية، ويتخذ المخرج لطيف الحلو من حدث الاستعداد لإقامة حفلة عيد الميلاد، منطلقا يتيح له فرصة تحليل تصرفات طبقة متميزة متورطة في صراعات تغذيها مصالحها الأنانية المتضاربة، أسر مغرقة في المظاهر الاجتماعية والأهداف المادية، والتي تعيد إنتاج حالة تفكك عميق تلبس قناع الرفاه المادي والسعادة المزيفة. ويخلص الفيلم إلى تقديم صورة مأساوية لمصير أبناء هذه الأوساط التي تبني "سعادتها" على الرفاه المادي وهاجس النجاح الفردي، متجاهلة تعهد أبنائها بالرعاية والتوجيه اللازمين. وفي هذا الفيلم الاجتماعي ذو الطبيعة الانتقادية، يكرس المخرج طبيعة اشتغال لازمته خلال العديد من الانتاجات السابقة، ما يجعلنا أمام تجربة سينمائية متطورة تكاد تتماهى إلى حد بعيد مع تجربة المخرج الفرنسي كلود شابرول. ومن المعلوم أن الاحتفاء بهذا المخرج المغربي المتميز يمتد لثلاثة أيام يتم خلالها تكريمه من طرف حزب التقدم والاشتراكية بحضور الأمين العام للحزب الأستاذ نبيل بنعبد الله وعدد من أطر الحزب، بينما يتم تخصيص الليلة الأخير لندوة مناقشة فيلموغرافيا لطيف الحلو من خلال سؤال " قضايا مجتمعية ورهانات سينمائية يحضرها نقاد سينمائيون وصحافيون متخصصون.