مسودة القانون الجنائي تؤطرها فلسفة تقليدية ذكورية بعيدة عن مسار الحداثة وصف المشاركون في الندوة الوطنية التي نظمها تحالف ربيع الكرامة تحت شعار "من أجل قانون جنائي يضمن العدالة الجنائية للنساء" مسودة القانون الجنائي بالنص الذي تغلب عليه الفلسفة التقليدية الذكورية البعيدة عن مسار الحداثة الذي اختاره المغرب، كما يغيب عنه تصور واضح ومتكامل بشأن حماية النساء ومناهضة التمييز ضدهن بل وحماية الحقوق والحريات، معتبرين أن الكثير من المستجدات التي حملها نص المسودة أدمجت بخلفيات متباينة، إذ منها ما هو إيجابي في حدود ضيقة، ومنها ما يعد بمثابة تراجعات تمس الحريات الفردية والجماعية. وأبرزت عاطفة تمجردين منسقة تحالف ربيع الكرامة، خلال افتتاحها أشغال هذه الندوة التي نظمت بالرباط، أن ربيع الكرامة مافتئ يرفع مطلب التغيير الجذري والعميق لمجموعة القانون الجنائي، شرط أن ينهل هذا القانون روحه من مقتضيات دستور 2011، ويلتزم بما تعهد به المغرب دوليا من خلال مصادقته على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تؤكد على المساواة وتناهض التمييز والعنف ضد النساء، بل ويمثل عنوانا لمسار نضالي خاضته النساء من أجل الديمقراطية والمساواة. واعتبرت أن السياق الحالي الذي يتم فيه إصلاح منظومة القانون الجنائي يختلف عن سياق إقرار القانون الجنائي سنة 1962، وعلى هذا الأساس يجب الأخذ بعين الاعتبار بما تحقق من مكاسب خلال هذا المسار وما بات يحمله المجتمع من تطلعات تنتصر لتكريس المبادئ الأساسية التي حملها دستور 2011 الذي تبناه المغاربة. ومن جانبها وجهت خديجة الروكاني، محامية عضوة التحالف، انتقادات لاذعة لنص مسودة القانون الجنائي بالنظر للخلفية المحافظة التي تحكمت في صياغته، موضحة "أن التشريع الجنائي، كي يكون منسجما مع ما التزم به المغرب دوليا ومع ما أقره في الوثيقة الدستورية، يجب أن يكون قائما على مقاربة النوع والمساواة ومناهضة التمييز بسبب الجنس ويضمن الولوج إلى آليات العدالة بالنسبة للنساء، ويضمن سبل الانتصاف خاصة من العنف والتمييز بسبب الجنس، بمعنى أنه عدالة جنائية للضحايا". ومن المؤاخذات التي أثيرت بشأن المسودة أنه تم توسيع السلطة التقديرية للقضاء، إذ أبرزت الروكاني في هذا الصدد أنه، في ظل فساد منظومة القضاء برمتها، فإن منح القاضي سلطات واسعة في تنزيل العقاب، وجعل ذلك دون رقابة، سيضرب في العمق جدية العقوبات المنصوص عليها. ومن جانبه اعتبر النقيب عبد الرحيم الجامعي أن كل التقارير والتوصيات الصادرة عن المؤسسات الوطنية أكدت بدورها على ضرورة انتهاج سياسية جنائية جديدة، وإصلاح سياسة التجريم والعقاب، هذا مع الملاءمة مع بالدستور والمواثيق الدولية، واحترام المحاكمة العادلة، مبرزا فيما يخص مسودة القانون الجنائي الجديدة، أن الفلسفة التي بنيت عليها يحفها الغموض لأنها لم تحدد معالم ومقاصد عددا من الجرائم التي تم التنصيص عليها كجرائم الإشادة بالإرهاب والخطب والمكتوبات ووسائل الاتصال التي كان يجب أن يتضمنها قانون الصحافة لأنها تتعلق بالنشر. كما انتقد النقيب الجامعي الإبقاء على الإعدام والتنصيص عليه في مسودة مشروع القانون الجنائي، مبرزا أن عقوبة الإعدام عقوبة سياسية وأن المغرب عاش اضطرابات سياسية وانتهت وليس من الحكمة أن يتم الإبقاء على الإعدام. واستغرب الجامعي من إسقاط أو التنازل عن إصدار هذه العقوبة حينما يتعلق الأمر باتفاقيات ثنائية، أي بين المغرب وبلد أجنبي، حيث يتم، وفق نص في المسطرة الجنائية، إعطاء وزير العدل سلطة قبول شرط ألا يحكم بالإعدام، مشددا على أن التنصيص على عقوبة الإعدام فيه إخلال بالإجماع التاريخي والأخلاقي للمغاربة بعدم تطبيق الحدود الشرعية والانضباط للقوانين الوضعية. وعلى خلاف ما تضمنته مختلف التدخلات، اعتبرت أمينة أفروخي قاضية ملحقة بوزارة العدل، أن مسودة القانون الجنائي اعتمدت المساواة بين الجنسين أمام قواعد التجريم والعقاب، بمعنى أنه لا يوجد فرق بين الذكور والإناث فيما يتعلق بالتجريم والعقاب، وكذلك فيما يتعلق بالحقوق والحريات، ووفرت المسودة الحماية للمرأة الضحية في وضيعات خاصة، كوضعية الحمل أو وضعيتها داخل العلاقة الزوجية، وهناك مقتضى وحيد متعلق بالتمييز بسبب الجنس. وأفادت أن المسودة وفرت الحماية للمرأة عن طريق تجريم أفعال جديدة، أو عن طريق مقتضيات أخرى تم عبرها حذف الإعفاء من العقاب، كما ثم تشديد العقوبة، وعددت في هذا الصدد الجوانب التي تم فيها التنصيص على الحماية للمرأة والمرأة الحامل من خلال تجريم الاختفاء القسري، وتجريم تهريب المهاجرين، والاتجار في البشر، وتجريم الكراهية بسبب الجنس، وتجريم سوء المعاملة والتحقير بسبب الجنس، وتجريم السب والقذف إذا استهدف المرأة بسبب جنسها. أما نزهة العلوي عضوة اتحاد العمل النسائي، فقد آخذت على المشرع تضمين المدونة مقتضيات تنص على تجريم الاتجار في البشر وهي تعد من المستجدات التي تضمنتها المسودة، في حين أن هذا الجانب يجب أن يتضمنه قانون خاص بالاتجار بالبشر والذي تمت المصادقة عليه في مجلس للحكومة، مسجلة أن هذا المشروع "الاتجار بالبشر" ظل طي الكتمان إلى حدود يومه ولم يطرح للنقاش العمومي بل وأعد خارج أية مقاربة تشاركية.