في حديث عبد السلام الصديقي لموقع هسبريس حزب التقدم والاشتراكية لم يفرط في مرجعيته الاشتراكية و ما يجمعه بالعدالة والتنمية برنامج حكومي واضح وبين اعتبر عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية أن الحد من البطالة يخضع لعاملين أساسي هما مستوى النمو البطيء، ومستوى التكوين غير الملائم الذي يزج بآالاف الشباب نحو الاحتجاج طلبا للوظيفة العمومية. وأقر وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، في حوار خص به موقع "هسبريس"، بارتفاع مستوى البطالة في المدن ، والتي تستفحل في المدن الهامشية، مشيرا إلى أن وزارته تعمل جادة على إيجاد حلول لهذه الظاهرة عبر إطلاق مبادرات محلية للتشغيل مع مختلف المعنيين بالأمر، وعبر توسيع دائرة عمل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل الكفاءات. وتطرق عبد السلام الصديقي في هذا الحوار الذي ننشر نصه الكامل لقضايا أخرى منها مرجعية حزب التقدم والاشتراكية، ومشاركته في حكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية الذي يجد نفسه، يقول الصديقي، مطالبا مطالب بالعمل من داخل دستور جديد يؤكد سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، ويجمعه بحزب الكتاب برنامج حكومي واضح وبين. أبدأ معك هذا الحوار من تصريحات سابقة لك أثارت ضجة إعلامية، عندما تحدثت عن اكتشافك لمشاكل في الوزارة التي عُيّنت على رأسها. هل لا تزال على موقفك نفسه؟ - المشاكل تعتري كل وزارة وليست وزارة التشغيل وحدها، لكن ما أراه يستحق الذكر هي تلك التراكمات التي وجدتها في هذه الوزارة، والتي مكنتني من الاستمرار في الاشتغال على ورشين أعطيا نتائج، الأّول هو إنشاء المرصد الوطني لسوق الشغل، والثاني هو إحداث نظام تعويض عن فقدان الشغل. غير هذا لا تنتظر مني أن أدخل في صراع مع من سبقني في تحمل المسؤولية ولا أن أتنكر لأفضالهم على رأس هذه الوزارة، وفي نهاية الأمر لست جهاز محاسبة كي أحاسب الوزراء. بما أنك ترفض الحديث عمّن سبقوك، فماذا تقول للانتقادات التي توجه لك خصيصا، والتي تشير إلى أنك وجه غير بارز في الحكومة الحالية، وأنك لا تحظى بأي شعبية؟ - أنا لا أبحث عن الشعبية، المهم بالنسبة لي هو إنجاز مهمتي على أحسن ما يرام وأن أنام قرير العين، زد على ذلك عدم وجود باروميتر علمي يحدد بوضوح شعبية وزير ما من عدمها، لكن ومع ذلك، أؤكد لك، أنني في كل زياراتي للمدن المغربية التي فتحنا فيها أوراشا للتشغيل، أجد تجاوباً كبيراً من شبابها مع عملي. لكن هذا العمل الذي تتحدث عنه، لم يظهر في الأرقام الرسمية، فقد بينت المندوبية السامية للتخطيط، كيف أن نسبة البطالة ارتفعت في المغرب خلال عام 2014 عما كان عليه الحال سابقًا؟ - صحيح أن الوزارة هي من تقوم بصياغة السياسات العمومية في مجال التشغيل، لكن الحد من البطالة يخضع لعاملين أساسين: هناك مستوى النمو البطيء، وهناك مستوى التكوين غير الملائم. فنمو المغرب للأسف لا يزال مرهونا بالتقلّبات المناخية وبوضعية الاقتصاد على الصعيد العالمي، وهو ما جعل نسبة النمو خلال العام الماضي ضعيفة، رغم أنه من المنتظر أن تعرف تحسنا خلال هذا العام. أما الشق الثاني، فلحد الآن، نعترف جميعا بعدم إيجاد طريق سليم يتيح بناء منظومة تكوينية فعالة. كيف يكون التكوين غير ملائم والمغرب يشهد سنويا آلاف الخريجين في مجموعة من التخصّصات؟ - ما هو العمل في القطاع الخاص، غير التدريس، الذي يمكن أن يتاح أمام الموجزين في الجغرافيا أو التاريخ أو الدراسات الإسلامية على سبيل المثال من الصعب إيجاد هذا العمل، وهو ما يدفع هؤلاء الخريجين إلى طرق أبواب الوظيفة العمومية التي لا تسمح باستيعابهم جميعًا والتظاهر في الشارع العام. زد على ذلك أن التكوينات الخاصة من قبيل الاجازات المهنية والتي نفتحها أمام طلبة الجامعات، تعاني من غلاء تكلفتها ومن قلة الأساتذة المؤهلين لتأطيرها. وفضلًا عن ذلك، يعود مشكل التكوين إلى سنوات التدريس الابتدائي، إذ لا يعقل وجود تلاميذ في الصف الرابع أساسي لا يستطعيون كتابة أسماءهم. قلتم إنه من المستحيل استيعاب كل الخرّيجين في الوظيفة العمومية. أليست المشاكل التي يتخبط فيها القطاع الخاص في المغرب، خاصة ما يتعلّق بعدم ضمان حقوق الأجراء، هي ما تدفع الشباب إلى التفكير حصريًا في القطاع العام؟ - صحيح أن المغاربة كانوا يبتعدون عن القطاع الخاص بسبب عدم منحه سابقًا للحقوق الاجتماعية، لكن العمل عند الخواص تطّر حاليا بشكل كبير، إذ يصل عدد الأجراء فيه حاليا إلى نسبة 92% من المجموع العام. فهناك وعي لدا المشغلّين بضمان حقوق شغيلتهم، وهناك زيارات متتالية لمفتشي الشغل لمحلات العمل رغم قلتهم. زد على ذلك، أن القطاع الخاص يمكن الموظف من أجور عالية لا توّفرها الوظيفة العمومية، فعدد من تتجاوز أجورهم في القطاع العام 30 ألف درهم يصل بالكاد إلى 10 آلاف موظف، بينما يتضاعف هذا العدد أكثر من مرة في القطاع الخاص، بل هناك من يربح أزيد من 100 ألف درهم شهريًا. لكنك تتحدث عن جزء محصور داخل القطاع الخاص، بينما تعيش فئات واسعة من الموظفين والعمال في القطاع ذاته على وقع التهميش وتدّني الأجور؟ - الوزارة لا تستطيع التدخل في القطاع الخاص إلّا من خلال السهر على تطبيق مدونة الشغل واحترام الحد الأدنى للأجر والذي يقدر في قطاعات التجارة والصناعة والخدمات إلى 12.85 درهما للساعة الواحدة ، ويصل أجر اليوم الواحد في القطاع الفلاحي إلى 66.56 درهما. وسيعرف هذا الحد 13.46 للساعة الواحدة في القطاعات الأولى، و 69.73 درهمًا لليوم الواحد في القطاع الفلاحي ابتداء من فاتح يوليوز 2015 . أما بقية الأجور، فهي تخضع لاتفاق المشغل مع من يؤجرهم حسب كفاءاتهم، وحسب الأدوار المنوطة بهم. ودعني أؤكد لك أن المقاولين يبحثون عن كفاءات معينة ولا يجدونها في المغرب، لدرجة أن هناك منهم من يستعين بطاقات أجنبية لسد الفراغ، دون أن أنسى أن هناك كفاءات أخرى لا تجد الوظائف المناسبة لها في المغرب. إن كانت بطالة الشباب القاطن في الحواضر الكبرى واضحة للعيان، فماذا تقول عن شباب المدن الهامشية، الذين تزداد معاناتهم في مناطق لا تستفيد من الاستثمار؟ - بالفعل، هناك مشاكل كثيرة في المدن الهامشية من ناحية التشغيل، إذ يضطر الكثير من شبابها إلى الهجرة نحو المدن الكبرى بحثًا عن عمل. نحاول إيجاد حلول لهذه الظاهرة عبر إطلاق مبادرات محلية للتشغيل مع مختلف المعنيين بالأمر، وعبر توسيع دائرة عمل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل الكفاءات. وقد استطعنا من خلال الزيارات التي قامت بها الوزارة، خلق عدد لا يستهان به من مناصب الشغل في مجموعة من الاقاليم النائية والتي تمت فيها مثل هذه المبادرات. ولكن بحديثك عن الANAPEC، هل تعلم أنها تقدّم الكثير من عروض العمل، التي تطالب المترّشح بأن يكون خريج الجامعة، بينما لا يزيد العرض عن مساعد بائع في شركة للحليب، أي من يحمل الصناديق، أو مُساعِدة في الطبخ؟ أليس في مثل هذه العروض تبخيسًا للشهادة الجامعية؟ - هذه تبقى حالات معزولة للغاية، وحتى وإن كانت، أليس من الأجدى للخريج الجامعي أن يعمل بدل أن يبقى في براثن البطالة حتى ولو كان العمل لا يوازي طموحاته؟ لا عيب في العمل أيًا كانت طبيعته، وشخصيًا التقيت بشاب مجاز يعمل في محطة للبنزين، وقال لي إنه فضل هذا العمل على البطالة، خاصة بعد اختياره مسلكًا جامعيًا لم يساعده في الحصول على وظيفة أفضل. كي نغلق ملّف البطالة وننتقل إلى ملف آخر، هل انتهت قصة التوظيف المباشر في المغرب؟ - أجزم أنها انتهت مع الحكومة الحالية، فالتوظيف المباشر يفتح الباب أمام الاتكالية والزبونية وإنتاج الرداءة. ومن يتظاهر من أجل هذا التوظيف، لا ألومه أو أنقّص من قيمته، فهو كذلك راح ضحية تكوين غير ملائم لسوق الشغل، إلّا أن عليه أن يعي أن الدفع بهذه البلاد نحو الأمام لن يتم بوظائف تُمنح دون مباريات. بالانتقال إلى حزب التقدم والاشتراكية الذي تستوزر باسمه، هل لا يزال فعلًا حزبًا يساريًا تقدميًا بتحالفه الأخير مع حزب يناقضه تمامًا المرجعية، هو حزب العدالة والتنمية؟ - حزب التقدم والاشتراكية كان ولا يزال وسيظل حزبًا يساريًا إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. لم نفرّط أبدًا في مرجعيتنا الاشتراكية التي تنهل من المادية التاريخية. أما حزب العدالة والتنمية، وبعيدًا عن مرجعيته الإسلامية، فهو مطالب بالعمل من داخل دستور جديد يؤكد سموّ المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، دستور يحدد بشكل واضح مسالك العمل السياسي في المغرب. كما أن ما يجمعنا بهذا الحزب، هو برنامج حكومي واضح وبيّن. ولكن هل نسي حزب "الكتاب" خلافه الإيديولوجي بهذه السرعة مع حزب "المصباح"؟ - حزب "المصباح" اليوم ليس كما كان سابقًا أيام المعارضة، فمصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، من المساهمين في النقاش الوطني حول الإجهاض بعيدًا عن مرجعية حزبه. ولا تنسَ كذلك، أن عبد الإله بنكيران اليوم ليس هو بنكيران أيّام المعارضة، فلن يستطيع حاليًا أن يطالب بطرد صحافية من البرلمان بسبب لباسها كما فعل قبل سنوات، ولا يجب أن تنسى كذلك أننا تحالفنا سابقًا مع أحزاب محافظة، منها حزب الاستقلال، حتى مع اختلافنا الإيديولوجي معه. هل وصل تناسيكم للاختلاف الإيديولوجي مع حزب العدالة والتنمية حدّ التسامح مع خطابات بنكيران، التي توصف من طرف يساريين آخرين بالرجعية والمتخلّفة؟ خاصة في ما يتعلّق بقضية المرأة؟ - ما يهمنا هو المواقف الرسمية التي يعبّر عنها بنكيران وليست نوعية الكلمات أو طريقة الخطاب. ليس من حقي انتقاد رئيس الحكومة في الكلمات التي يختار، وفضلًا عن ذلك، فكلمة "العيالات" مثلًا التي أثارت ضجة واسعة، هناك من تقبلها حتى داخل الحركات النسائية. منذ حكومة التناوب التوافقي، وحزب "الكتاب" حاضر في الحكومات المغربية، أيًا كانت مكوناتها. ألهذا الحدّ تحرصون على البقاء في الحكومة حتى ولو كنتم مجرّد قطعة غيار لسدّ الفراغ؟ - نحن لا نجري وراء المناصب، بل تتم المناداة علينا وبإلحاح للمساهمة في التجربة الحكومية، نظرًا لتجربتنا السياسية ورأسمالنا الاقتراحي وسلوكنا الحزبي. في مشاركتنا الحكومية، نعمل على الدفاع عن مصالح الحكومة بكل شجاعة، هدفنا في ذلك هو خدمة الصالح العام. في المقابل، هناك أحزاب في المعارضة يسيل لعابها للمشاركة في الحكومة منذ أمد بعيد، دون أن تُمنح فيها الثقة. لكن بقاءكم في الحكومات المتعاقبة طال كثيرًا. ألا تحتاجون لوقفة مع النفس في المعارضة، كما فعل مثلًا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟ - نحن نتهيأ الآن لمرحلة الانتخابات بغية تعزيز صفوفنا وبناء أكبر لموقعنا كقوة فاعلة في المجال السياسي. بعد الانتخابات، كل الاحتمالات تبقى واردة، وحزبنا تمرن على ممارسة المعارضة لعقود من الزمن، إلا أن خيار الاستمرار في المساهمة في تدبير الشأن الحكومي، يبقى هو المرجح، لكون هذا الخيار يبقى مطمحا لكل حزب سياسي. فالأحزاب السياسية، انشأت أساسا لهذا الغرض، حتى تتمكن من تطبيق برامجها شريطة توفر ثقة الشعب، وثقة ملك البلاد. أما حديثك عن وقفة مع الذات، فنحن نقوم بها باستمرار أي كان موقعنا، سواء كنا داخل الحكومة أو خارجها. نحن حزب نمارس دوما النقد والنقد الذاتي وهو ما يجعلنا نصمد ونستمر. (عن هسبريس)