بيان اليوم تحاور عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية كمناضلة ذات باع طويل في الحركة النسائية وفي العمل السياسي ضمن حزب التقدم والاشتراكية، ما الذي يمثله بالنسبة إليك ميلاد منتدى المساواة والمناصفة؟ أولا حزب التقدم والاشتراكية كان وما يزال دوما يعتبر مسألة المساواة والدفاع عن حقوق النساء، بصفة عامة، جزءا لا يتجزأ من تحاليله ومواقفه واقتراحاته، وهو يركز عليها في كل وثائقه ومقرراته ومحطاته التنظيمية، وفي كل تحركاته ونضالاته الحزبية، وكذلك في عمله الحكومي على مستوى المواقع التي احتلها، سواء في حكومة التناوب التوافقي، أو في الحكومات اللاحقة وحتى ضمن الحكومة الحالية. إذن فقضية المساواة كانت دوما في صلب انشغالات حزب التقدم والاشتراكية من أجل تكريس كرامة المواطنين والمواطنات عموما والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم العادلة. وهذا ما كان الحزب يرغب بالفعل في تجسيده من خلال عدم تخصيص قضايا النساء بتنظيم خاص داخل الحزب، فلم يكن لدينا قطاع نسائي بمعنى الكلمة، انطلاقا من قناعتنا واختيارنا بأن قضية المساواة وحقوق المرأة يجب أن تكون قضية جميع الرفاق والرفيقات في الحزب بدون تمييز أو استثناء. طبعا تطور التفكير لاحقا داخل الحزب، حيث برزت فكرة إحداث منظمة معنية بحقوق النساء، خصوصا في ظل النقاش الذي دشن آنذاك حول مدونة الأحوال الشخصية. ومن هنا جاء قرار الحزب بإحداث «الجمعية الديمقراطية لحقوق النساء» كتنظيم مواز مهمته الأساسية النهوض بحقوق المرأة والانفتاح على أوسع فئات من النساء من أجل تملك أكبر لقضاياهن ودفاع أفضل عن حقوقهن. لكن المواقف تبلورت لاحقا حول ضرورة ضمان استقلالية مادية وتنظيمية لهذه المنظمة من أجل العمل أفضل في هذا المجال، في إطار عام طبعا هو القيم المتقاسمة بين جميع الرفاق والرفيقات حول حقوق الإنسان ومناهضة التمييز. وبقي التفكير قائما في خلق إطار داخل الهياكل الحزبية حيث كانت هناك تراكمات من خلال إحداث المجلس الوطني للمساواة، ثم قطاع نسائي، لكنها مبادرات وتجارب لم يكتب لها الاستمرارية، مما أفضى، خلال المؤتمر التاسع للحزب، إلى قرار إحداث إطار ينطلق من التراكمات السابقة وأيضا من الممارسات ومن التجارب المقارنة. ومن تم يمكن القول إن الإطار الذي نحن بصدد إحداثه داخل حزب التقدم والاشتراكية، وحسب هذا التصور الذي تحدثت عنه، ليس تنظيما أو هيكلا حزبيا لجمع مناضلات الحزب وخندقتهن وخندقة قضاياهن- فهذا المنظور كان ولا يزال متجاوزا- بقدر ما نريده إطارا منفتحا على كافة النساء بمن فيهن أولئك اللواتي لا يستطعن الانتظام في الأحزاب السياسية. ولذلك اخترنا أن نسميه «منتدى»، ليشكل فضاء لمناقشة قضايا النساء عموما وتحسيسهن وتأهيلهن حقوقيا وسياسيا، وأيضا، في نفس الوقت، لنشر وتفعيل ثقافة المساواة في الحزب الذي نناضل من داخله، ألا وهو حزب التقدم والاشتراكية. + هل أفهم من قولك أن المنتدى يطمح لأن يشكل قوة ترافعية واقتراحية لفائدة حقوق النساء داخل الحزب؟ كيف ستعملون على ذلك؟ وهل كان ذلك مهمة صعبة إلى حد الآن؟ - عندما أقول نشر ثقافة المساواة داخل الحزب، فأنا أعني تحسين مستوى حضور وتمثيلية النساء في الهياكل الحزبية. نعم، نحن نعتقد أن تمثيلية النساء ما زالت ضعيفة داخل الأحزاب بما فيها حزب التقدم والاشتراكية، وذلك على الرغم من وجود مناضلات مشهود لهن وكفاءات عاملة في مختلف المجالات، وقد تجدين المناضلة منهن ترأس جمعية وتشتغل في عدة واجهات لكن حضورها يظل نوعا ما باهتا داخل الحزب. نعم، هناك صعوبات حقيقية تواجهها النساء في التنظيمات الحزبية، ومهمة تغيير هذا الواقع كانت وما تزال صعبة. بالنسبة إلى حزب التقدم والاشتراكية قد لا يرتبط الأمر باختيارات وقناعات ولكن بتحديات تنظيمية- وهذه أيضا ثقافة يجب تغييرها- من قبيل التعبئة والإلزامية والاستمرارية التي يمكن أن تعطى أو لا تعطى لعدد من المقررات والمبادرات الحزبية. والدليل نحن وقفنا عليه اليوم من خلال عملية التحضير لتأسيس منتدى المساواة والمناصفة، فكون هذا التأسيس ارتبط بمقرر «ملزم» من مقررات المؤتمر التاسع، جعل منه موضوع تعبئة شاملة وسط الرفاق والرفيقات سواء على المستوى المركزي أو على مستوى الفروع والمناطق، وهو ما أدى بالفعل إلى تعبئة وحركية غير مسبوقتين ومكن من اكتشاف طاقات وكفاءات نسائية جديدة. وبالتالي فإن المشكل لا يكمن في وضع الإطار أو الهيكل، بقدر ما يتصل بما يمكن ضمانه من استمرارية لهذا الهيكل ومن تعبئة حوله من خلال إلزامية العمل واعتباره من الأولويات، والمتابعة على المستويين المركزي والمحلي. وماذا عن الأدوار التي يمكن أن يلعبها المنتدى في إطار الحركة المجتمعية لإقرار المساواة بصفة عامة؟ كما أشرت سابقا، فإن تصورنا للمنتدى يطمح إلى جعله آلية لترجمة أهداف المساواة والمناصفة داخليا، وأيضا إطارا منفتحا للتحسيس بقيمة وثقافة المساواة مجتمعيا، ملتصقا بقضايا النساء وهمومهن ومتواجدا مع باقي مكونات المجتمع وإطاراته المدافعة عن حقوقهن، على أساس أن يكون إطارا مرنا وليس جامدا، وأن يمتلك هامشا أوسع للتحرك والعمل بحرية أكبر وفعالية أكثر من خلال عدم إخضاعه لإكراهات الهيكلة والمسارات الحزبية، فهناك لجنة تنسيق وطنية يوكل إليها مهام التنسيق، ولكن العمل الأساسي يتم على مستوى الفروع الإقليمية والمحلية للمبادرة إلى تفعيل المساواة في جميع المجالات والسماح باستيعاب أوسع فئة من الطاقات. طبعا هذا التصور الذي أصبح ناضجا لدينا اليوم لم يأت من فراغ، بل كانت لدينا أسسه الأولية التي دافعنا عنها منذ عقود داخل حزب التقدم والاشتراكية، وأيضا في باقي التنظيمات المدنية المدافعة عن حقوق النساء. وهي كذلك قناعة نجدها اليوم حاضرة في التصورات المتوافق عليها وطنيا سواء من خلال مقتضيات الدستور حول المساواة والمناصفة، أو من خلال عدد من القوانين كقانون الأحزاب الذي ينص على لجنة المساواة. تأسيس المنتدى يأتي متزامنا مع إحياء اليوم العالمي للمرأة. بهذه المناسبة، ما الذي تطمحين أن تحققه المرأة المغربية في سنة 2015 على مستوى إقرار الحق في المساواة؟ بالطبع يكتسي إحياء ذكرى 8 مارس رمزية كبيرة بالنسبة إلى إقرار حقوق النساء والدفع بنضالاتهن وتكريس المساواة ومناهضة التمييز. وهو يكتسي هذه السنة أيضا رمزية خاصة من خلال تزامنه مع مرور 20 سنة على مؤتمر بيجين وانخراط المنظومة الدولية في صيرورة تروم تقييم مدى تفعيل أطراف الأممالمتحدة لخطة بيجين التي حددت لها ميادين ذات أولوية على رأسها الصحة، التعليم، التكوين، محاربة الفقر، الحقوق المدنية الأساسية والحقوق السياسية، وحقوق الطفلات. هذه الخطة التي تضمنت أهدافا منها ما يؤول تنفيذه للحكومات وأخرى للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم من المتدخلين في بلورة وتنفيذ السياسات العمومية. نحن في حزب التقدم والاشتراكية نعتبر أن هناك تراكمات إيجابية ومهمة تحققت على مدى السنوات الماضية وكرسها دستور 2011 خاصة في مقتضياته المتعلقة بإقرار المساواة ومكافحة التمييز. لكننا مع ذلك نجد أنفسنا اليوم في مواجهة إشكالية التفعيل، فالأكيد أن هناك إنجازات ولكننا لا نجد لها أثرا حقيقيا على المؤشرات التنموية التي تسجلها التقارير الدولية المختلفة كتقرير التنمية البشرية وتقارير المنتدى الاقتصادي والاجتماعي العالمي، وهي المؤشرات التي تجعل بلادنا تحتل مراتب ما تزال متأخرة فيما يتعلق بإعمال مقاربة النوع، سواء فيما يتعلق بالتعليم أو التكوين أو التشغيل. ففي التعليم لا يجب أن تغطي مسألة التعميم على مشكل الهدر المدرسي وضعف نسبة حضور الفتيات في المستوى الإعدادي، وفي التشغيل لوحظ خلال السنوات الأخيرة انخفاض في نسب تشغيل النساء. في مجال الصحة كذلك وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق على هذا المستوى ما تزال لدينا نسب مرتفعة من النساء اللواتي يتوفين عند الولادة. هذا بالإضافة إلى مسألة التمثيلية السياسية التي ما تزال تطرح مشكلا حقيقيا ببلادنا في غياب إجراءات حقيقية للرفع من تمثيلية النساء. علما أننا في الحزب، ومن خلال مساهمتنا في العمل الحكومي، ألححنا وما نزال على ضرورة إقرار إجراءات عملية للمساواة ومناهضة التمييز، لكننا مازلنا نلاحظ قصورا في البرنامج الحكومي على مستوى إقرار إجراءات مندمجة لإعمال لمقاربة النوع والتمييز الإيجابي لفائدة النساء. في مجال مناهضة العنف بذلت الحكومات السابقة والحكومة الحالية مجهودات واضحة لكننا نجد أنفسنا اليوم في مواجهة نوع من التراجع في هذا الصدد خاصة من خلال إلغاء الخط الاقتصادي الذي كان مخصصا على مستوى الوزارة من أجل استقبال شكاوى النساء بشأن العنف. كما لوحظ تراجع أيضا في نسب الدعم المخصص لجمعيات المجتمع المدني ومراكز الاستماع الفاعلة في المجال، وكذا في وتيرة ونسبة التقارير القطاعية في هذا الشأن خصوصا بالنسبة إلى قطاعي العدل والأمن. وهناك مشروع قانون مناهضة العنف ومشروع قانون إحداث هيئة المساواة والمناصفة ومكافحة التمييز اللذين لم يريا النور بعد. هناك مشاريع دعم تشغيل الشباب التي لم تتضمن إجراءات خاصة بالشابات. هناك كذلك القوانين التنظيمية والانتخابية التي لم تتضمن أي جديد يجعلنا نتأكد من ضمان ارتفاع نسبة المشاركة السياسية للنساء على مستوى الجماعات المحلية التي نعتبرها أساسية في تغيير أوضاع النساء وتحسين مؤشرات التنمية البشرية. حتى بالنسبة لبعض المكتسبات المسجلة في هذا المجال من قبيل إحداث صندوق التكافل وصندوق الأرامل، نجد أن الاستفادة من الدعم الذي تقدمه جاءت محاصرة بعدد من الشروط - كضرورة أن تكون الأرملة المستفيدة حاضنة لأطفال في سن التمدرس- والتي تحد من هذه المكتسبات وتجعلها أقرب إلى المقاربة الإحسانية منها إلى الحقوقية، بل مقاربة تنطوي على تمييز داخل التمييز، عوض أن تكون هناك مقاربة شمولية ومندمجة لتحسين أوضاع النساء بجميع فئاتهن. نشر ثقافة المساواة يعني أيضا تغييرا على مستوى الخطاب. لكن الواقع ما زال يحيلنا على خطاب يحط من كرامة النساء ويصدر الأحكام ضدهن وضد حقوقهن وحضورهن في جميع المجالات، وكذا من دور الحركة النسائية التي تدافع عنهن. هذا الخطاب ما يزال سائدا بقوة ونلمسه حتى في تدخلات رئيس الحكومة في قبة البرلمان. سنة 2015 يجب أن تكون إذن سنة تغيير هذه المعطيات والمؤشرات. يجب إخراج قانون مناهضة العنف وإصلاح ورش العدالة بما يضمن ولوجا أفضل للنساء، يجب إخراج هيأة المساواة والمناصفة إلى حيز الواقع، ويجب إقرار مقتضيات قانونية تضمن تمثيلية مشرفة للنساء في الجماعات المحلية. نحن نطالب بالمناصفة في الجماعات المحلية كآلية لتحسين أوضاع النساء في المجتمع.