المغرب شعاع مضيء في منطقة يسودها الكثير من مظاهر العنف أجمع المتدخلون خلال الجلسة الافتتاحية للجمع العام للائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، أول أمس بالرباط، على أن المغرب أضحى نموذجا يحتذى به على المستوى الإقليمي في مجال المرافعة حول إلغاء تنفيذ عقوبة الإعدام. وأوضح المتدخلون، خلال الجلسة الافتتاحية للجمع العام المنعقد نهاية الأسبوع المنصرم، تحت شعار "عقوبة الإعدام، انتقام ومس بالكرامة"، أن النقاش البناء الذي يشهده المغرب حول إلغاء هذه العقوبة، وانخراط المزيد من الفاعلين في الجهد الجماعي الرامي إلى إقرار هذا الإلغاء، يدل على المناخ الإيجابي الذي يميز المغرب عن الكثير من بلدان المنطقة. وفي هذا السياق، قال منسق الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، عبد الرحيم الجامعي، في كلمة له، إن الائتلاف "راكم تجربة ميدانية هامة في مجال كسب التأييد من طرف المؤمنين بالحق في الحياة"، حيث عمل على وضع هذه القضية في جوهر برامجه وأفقا وحيدا لاهتماماته، و"خاض من أجلها تجربة فريدة من حيث تماسك وانسجام 14 جمعية على مدى أكثر من عشر سنوات". وأضاف الجامعي أن الدستور الجديد للمملكة الذي ينص على الحق في الحياة والسلامة البدنية هو بمثابة "آلية دستورية للمرافعة بالنسبة للائتلاف من أجل رفع درجة التعاطي مع مطلب الإلغاء"، مؤكدا على أن البعد الدستوري أوجد العناصر الضرورية لتطوير وبلورة المفاهيم وتعميق الحوار، وذلك على ضوء الحراك الفكري والحقوقي والميداني الذي يقوده الائتلاف بمعية مختلف مكونات الحقل السياسي والحقوقي بالمغرب. وذكر الجامعي في سياق متصل، أن "عقوبة الإعدام لا أساس لها شرعا، ولا مشروعية لها دستوريا، ولا مبرر لها قانونا ولا مصداقية لها في الواقع"، داعيا إلى ضرورة إلغاء هذه العقوبة من التشريع المغربي، مبرزا الدور الذي تضطلع به الحركة الحقوقية المغربية التي خاضت تجربة، وصفها ب "الفريدة" في انسجام وائتلاف على مدى 10 سنوات من أجل إلغاء هذه العقوبة. وأضاف الجامعي أن التطرف الداعشي والقتل باسم الشريعة خلف أجواء من الخوف والردة في العالم، جعلت بعض الدول تتراجع عن موقفها العملي بعدم تطبيق عقوبة الإعدام، إضافة إلى ارتفاع الدعوات في العديد من الدول حتى في أوروبا إلى التراجع عن إلغاء عقوبة الإعدام"، وقال "علينا أن ننتبه إلى عدم سيطرة تيارات المحافظين على النقاش في هذا الموضوع، والعمل على التعبئة وتأسيس شبكات كثيرة للترافع من أجل الدعوة لإلغاء الإعدام". وبدوره، أفاد الكاتب العام للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان أن مراجعة عقوبة الإعدام ينبغي أن تندرج ضمن مقاربة شمولية، خصوصا مع تصاعد الإرهاب وتهديد الحق في الحياة، ولنضمن كذلك العدالة للضحايا، وشروط التقليل من المساس بالحق في الحياة من طرف المعادين للحق في الحياة، مؤكدا على أن هناك توجها تدريجيا لإنضاج الشروط وتوفير الظروف لتحقيق هذه المقاربة، ومذكرا بكلمة جلالة الملك الموجهة للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان والتي أشاد فيها جلالته بالنقاش الدائر حول إلغاء عقوبة الإعدام بمبادرة من المجتمع المدني. من جهته، قال رئيس قسم التعاون والوزير المستشار لدى بعثة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، فيليب ميكوس، في كلمة مماثلة، إن إلغاء عقوبة الإعدام يشكل أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي قام جميع دوله الأعضاء بإلغاء هذه العقوبة، علما أن هذا الإلغاء يندرج في إطار الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وضمن الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية. وأوضح ميكوس أن الاتحاد الأوروبي يعمل على دعم المجتمع المدني والائتلاف المغربي وشبكة البرلمانيين في سعيهم إلى الإلغاء المتدرج لهذه العقوبة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن النقاش الدائر حول هذه الإشكالية بالمغرب يعد من بين النقاشات الأكثر تقدما وتميزا في العالم العربي. من جانبه، أكد الوزير المستشار بسفارة فرنسا بالمغرب، لوكور غرانميزون، في كلمة له، أن المغرب يشكل بالنسبة لفرنسا شريكا جوهريا على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال السعي إلى الإلغاء الشامل لعقوبة الإعدام على المستوى الدولي، الأمر الذي تؤكده الكثير من المعطيات، التي تتجلى على الخصوص، في إقرار دستور 2011 الذي ينص ضمن فصله 20 على الحق في الحياة، واحتضان أول مؤتمر إقليمي ضد عقوبة الإعدام الذي انعقد بالرباط في أكتوبر 2012، والذي جاء ليؤكد الدور المحوري الذي يضطلع به المغرب في هذا المجال. من جهة أخرى، أبرز غرانميزون الدعم الذي تقدمه فرنسا لمختلف الأطراف الداعمة لهذا الطرح الحقوقي، مشيرا إلى أهمية تعزيز التحالف المغربي المناهض لهذه العقوبة، والذي يتسع يوما بعد يوم بفضل انخراط فعاليات من مختلف المشارب. أما المدير العام للجمعية الفرنسية "معا ضد عقوبة الإعدام"، رافاييل شنوي هازان، فيرى أن المغرب قطع أشواطا كبيرة على درب إلغاء العقوبة السالبة للحياة، مما يجعله بمثابة "شعاع مضيء" في منطقة تسودها الكثير من مظاهر العنف والمس بحقوق الإنسان والعبث بالقيم الكونية. من جانبها، أوضحت منسقة الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، خديجة الرويسي، في كلمة لها، أن المغرب أعطى إشارة قوية بقراره إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام منذ سنة 1993، والذي شكل إنجازا مرحليا سبقه فتح العديد من الملفات الحقوقية الهامة. وأضافت الرويسي أن هناك نخبة مغربية مناهضة لعقوبة الإعدام تعزز صفوفها يوما بعد يوم، وأضحت تمتلك قوة ضاغطة بفضل إنشاء شبكة للبرلمانيين وأخرى للمحامين والمحاميات ضد هذه العقوبة.