اختتمت دورة جديدة من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء فعالياتها، وكل الأطراف المعنية قامت بتقييمها الخاص ورصدت حصيلتها من مختلف الجوانب، ولكن سؤال القراءة والكتاب بقي قائما، ويفرض الاستمرار في طرحه على الصعيد المجتمعي برمته، والسعي الجماعي لإيجاد الأجوبة وتفعيل الإجراءات الملموسة من أجل تحسين مستوى القراءة وسط شعبنا، وتطوير الوعي الثقافي العام في بلادنا. إن معضلة تراجع مستوى القراءة لا يمكن اليوم تفسيرها من خلال جانب واحد، وإنما هي نتاج عديد أسباب ووضعيات اقتصادية واجتماعية وأسرية وتعليمية وإعلامية ونفسية وقيمية متداخلة ومعقدة، وبالتالي فمقاربتها أو إيجاد حلول لها لابد أن تكون أيضا شمولية وتقوم على منهجية التقائية. عوالم الإنترنيت لم تنتج للأجيال الحاضرة ولغيرها بديلا عن القراءة الورقية، ذلك أن الإقبال عليها لا يكون دائما من أجل القراءة، وإنما من أجل التواصل البسيط والترفيه، وربما لأشياء أخرى ليس ضمنها، على كل حال، قراءة الكتب أو النصوص المتوفرة إلكترونيا، ولهذا يصعب اليوم تفسير تراجع مستوى الإقبال على الكتاب بكون تكنولوجيا الإنترنيت كرست بديلا في القراءة، ولكن مع ذلك بإمكان الإنترنيت أن يكون أداة ودعامة تقنية للتحفيز على الإقبال على الكتاب وعلى القراءة المباشرة، أي إبداع علاقة جدلية وتفاعلية في هذه المرحلة بين العالمين من أجل حشد جمهور قراء جدد للكتاب. من جهة ثانية، تبقى المدرسة وكامل المنظومة التعليمية الوطنية هي المدخل أولا وأخيرا لصنع قارئ، ولإشعاع القراءة والبحث والشغف بالكتاب، وهنا المسؤولية جماعية تبدأ من المقررات والمناهج وتوزيع الزمن المدرسي، وتشمل المدرسين أنفسهم ودورهم الذاتي داخل الفصل لتشجيع القراءة وتقوية ملكات الإبداع والبحث والتفكير النقدي لدى مختلف فئات المتعلمين، بالإضافة طبعا إلى أهمية الخزانات المدرسية ودور الأسرة وجمعيات الآباء والأنشطة الثقافية الموازية داخل المؤسسات التعليمية. وعلى مستوى آخر، فالكتاب بالمغرب لا زال سعره غاليا، وخصوصا ما يتعلق بكتب الفكر والتحليل والدراسات والآداب والترجمات الرفيعة، وهذا يسائل الناشرين وأرباب مطابع الكتب والموزعين وأجهزة الدولة، أي المنظومة الاقتصادية والصناعية والتجارية المرتبطة بالكتاب في شموليتها، وحتى في الدورة الأخيرة من معرض الدارالبيضاء اشتكى عدد من الزوار من ظاهرة غلاء أسعار الكتب المعروضة، وهنا لا يمكن تحميل المسؤولية للمؤلفين والكتاب والمبدعين، ذلك أنهم الحلقة الأضعف في هذه المنظومة، وإنما المسؤولية تقع على الناشرين بالدرجة الأولى، وهم من يجب عليهم اليوم أن يبذلوا مجهودا اقتصاديا ملموسا لتقريب الكتاب للناس وتشجيع الإقبال عليه. يبقى أن انخراط التلفزيون، بالخصوص، بتقديم برامج ومواد جاذبة حول القراءة والكتاب والاحتفاء ببورتريهات ناجحة ومغرية على هذا الصعيد والاهتمام بالإعلان عن الكتب الجديدة وتقديمها، علاوة على توفير المكتبات المحلية في مختلف جهات البلاد ودعم مبادرات الجمعيات المدنية ذات الصلة ومنح جوائز وتشجيعات، كل هذا يمكن أن يمنح أدوات وآليات مساعدة لإنجاح معركة بلادنا من أجل ... شعب قارئ. بلادنا في حاجة إلى خوض هذه المعركة الوطنية من أجل المعرفة، ومن أجل تكوين شعب مرتبط بالعلم ومعتز بهويته ووطنه ومنفتح عن العالم والمستقبل. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته