عبد المجبد بن الطاهر:ما الذي يجعل المغرب الذي يتوفر على جيوش من الطلبة، و دزينة من الأساتذة، و مالا يقل عن 13 جامعة و65 من المعاهد والكليات، نهايك عن المدارس الخاصة، لا تتجاوز نسبة المقروئية فيه حد 2 في المائة، الإجابة عن هذا السؤال نجدها عينة من المثقفين شعراء و كتاب و أساتذة جامعيين في المغرب: الدكتور مصطفى رمضاني أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب بوجدة: د: مصطفى رمضاني ثقافة الدردشة الإلكترونية أصبحت البديل الثقافي لدى شبابنا هناك أسباب عدة وراء تدني القراءة في المغرب ، يأتي على رأسها فيما أعتقد تفشي الأمية ، خصوصا في العالم القروي ، والهدر المدرسي الناتج عن العزوف عن التمدرس في الوسط الحضري والقروي على حد سواء . فالدراسة في نظر عامة الناس لم تعد وسيلة للحصول على الوظيفة أو الشغل، بسبب انتشار البطالة بشكل متواتر وضمنها بطالة المتعلمين وذوي الشهادات المتوسطة والعليا . فالطفل منذ صغره يدرك بالملموس وسط محيطه العائلي أن الدراسة لم تعد تفضي إلى ميدان الشغل كما كانت من قبل . لذلك يطلق الدراسة الرسمية ، ولا يفكر في ما يرتبط بها من قراءة ولو على سبيل الاستئناس أو التثقيف الذاتي . وهناك من جهة أخرى البرامج التعليمية التي صارت تركز على المقررات من حيث الكم بدل الكيف ، ولا تسمح بالقراءة الحرة التي قد تكون موازية للمقررات الدراسية . وحتى بعض النصوص الإبداعية المقررة غالبا ما لا يدرسها التلميذ بسبب عدم ملاءمة الحيز الزمني مع طول المقرر ، مما يدفع الأستاذ والتلميذ معا إلى التركيز على الملخصات الجاهزة بدل قراءة المؤلف كاملا. ثم إن النظام التعليمي الحالي لا يحفز على القراءة الحرة ، وهذا يدفع التلميذ إلى التركيز على ما سيمتحن فيه دون سواه . أما على المستوى العام ، فأعتقد أن وسائل الاتصال والإعلام والترفيه الحديثة كالحاسوب والأنترنيت والقنوات الفضائية المتعددة قد ساهمت في تدني القراءة بالمغرب . فقد صار المواطن مستلبا بها إلى درجة أنها أضحت تنوب عن كل وسائل التثقيف الأخرى من كتب ومجلات وجرائد ونحو ذلك . فقد أصبحت ثقافة الدردشة الإلكترونية والفيس بوك ، أو ما يعرف ب " الشاط " هي البديل الثقافي خصوصا لدى شبابنا . أما المتعلمون من موظفين ، وضمنهم زمرة كبيرة محسوبة على الوسط التعليمي ، فكثير منهم انساق وراء الوضع العام للأميين المتعلمين لأسباب انتهازية ، لأنهم أيضا يعتقدون أن الثقافة لم تعد سبيلا إلى تحسين الوضعية الاجتماعية ، أو لنقل الاقتصادية . وبذلك غاب الهم الثقافي وحضر الهم الاجتماعي ، واستفحلت ظاهرة الأمية الثقافية حتى عند المتعلمين واأسفاه... الدكتور سمير بودينار رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة: د: سمير بودينار البيت المغربي لا يتوفر على مكان للتربية عادة القراءة السبب الرئيسي لهذه الظاهرة التي لا يقل مستوى خطورتها في نظري عن "كارثة وطنية" بكل معنى الكلمة، هو غياب وعي بأهمية القراءة أصلا، وهو الغياب الذي تتفرع عنه كافة الأسباب الأخرى، فلا يمكن في تقديري التفكير في تجاوز المعدلات المأساوية لنسبة القراءة العمومية وصياغة برامج وطنية للرفع من مستوى مقروئية الكتاب في أوساط الفئات العمرية المختلفة وخاصة الشباب، ما لم نبدأ بالوعي أن القراءة ليست ترفا، ولا حتى هواية تمارس في أوقات الفراغ، أو عملا يقتضيه التحصيل التعليمي. القراءة هي الأساس في تعلم كافة المعارف والمهارات واكتساب القيم الإيجابية الضرورية لحياتنا، وهي أمور لا يوجد توصيف لغيابها الممنهج سوى "الكارثة". صياغة الحلول المناسبة لهذا التحدي المجتمعي الكبير تبدأ من الوعي بضرورة القراءة لجميع الناس وفي كافة المراحل العمرية، وأهميتها الحاسمة في صناعة شخصية الفرد ومصير الأجيال ومستقبل المجتمع، فما معنى أن معدل مدة القراءة لدى المواطن عندنا لا تتجاوز بضع دقائق سنويا، في مقابل مئات الساعات لدى غيرنا من الشعوب الحية؟ سوى أننا نستمرء هذا الحالة المخزية ونتقبلها ولا نرى فيها حالة شاذة ومخجلة، رغم كل الأعذار التي تقدم للتغطية على هذا السقوط، من قبيل نسبة الأمية المرتفعة التي لا تعفي ملايين المتعلمين، والمستوى الاقتصادي الذي تفنده حالة الفراغ في الخزانات العامة، أو التوسع في استخدام "الرقمي" وطغيان الوسائط الحديثة على حياة الأفراد الذي تكذبه سلوكات القراءة بنهم والانتشار الكاسح لركن المكتبة وخزانة الكتب داخل أي بيت في الدول المتقدمة رغم أنها تعرف انتشارا أوسع لوسائط الاتصال الرقمية. "المشكلة هي أننا لا نعي حجم المشكلة"، بل لا نعترف في كثير من الأحيان بوجودها أصلا، وهذا راجع للتربية في البيت التي ليس فيها مكان لاكتساب عادة القراءة، وليس فيه آباء يعطون القدوة لأبناءهم في هذا المجال أو يعودونهم على صحبة الكتاب منذ الصغر، وفي المدرسة التي تنشأ الطفل على التلقي السلبي والكسل، ولا ترسخ فيه رغبة البحث، فتطفأ عنده لذة السعي إلى المعرفة ومتعة القراءة ودهشتها الخالدة. تلك الأسباب وغيرها من قبيل :عدم وجود الكتاب المدعم من الدولة لتحقيق الانتشار، واستقالة الإعلام والتلفزيون من دورهما التنويري في تحسين سلوك القراءة للمتلقي، والصورة النمطية المشوهة لمن يواظب على المطالعة، وغياب سياسة وطنية للمكتبات المدرسية والعامة، بل سياسة وطنية لتشجيع القراءة تتضمن الأندية والمسابقات التلفزيونية (ليس بالشكل الذي ينبت الضحالة، وينتج البلادة كما هو حال مسابقاتنا)، وجوائز القارئ المتميز، والبحث العلمي في شكل الكتاب المفيد والجذاب الذي يناسب مختلف الأعمار والفئات...كلها قد تكون أسبابا تفسر هذه الظاهرة المسيئة، لكنها تظل أسبابا ثانوية، في مقابل السبب الرئيسي وهو الوعي الذي نتحمل مسؤولية غيابه جميعا. ........................... الشاعرة سميرة فرجي: ذ:سميرة فرجي ندرة المكتبات العامة و ضعف السياسة الثقافية وراء نسبة 2 في المائة أعتقد أن أسباب ظاهرة العزوف عن القراءة في المغرب متعددة، فإلى عامل الأمية، و العادات والتقاليد التي لا تشجع على القراءة و اهتمامات الجيل الجديد الذي شغلته الرياضة والإنترنت والألعاب عن القراءة، ثمة عوامل أخرى أضعفت نسبة القراءة و منها ما يتعلق بصناعة الكتاب ومشاكل تسويقه و ضعف القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الكتب وندرة المكتبات العامة إلى جانب ضعف السياسة الثقافية المعتمدة بصفة عامة في المغرب التي كان من نتائجها في المغرب الذي يتوفر على 13 جامعة و65 من المعاهد والكليات وعشرات الآلاف من الطلبة الباحثين والمدرسين التراجع المخيف في نسبة المقروئية التي لم تتجاوزنسبة 2 في المائة حسب إحصائيات مكتب الدراسات الديموغرافية والاقتصادية والقانونية والإحصائية (ايدسا). ...................................... نو الدين الزاوش كاتب و باحث: ذ: نورالدين الزاوش ثلاث أسباب و راء تدني مستوى القراءة في المغرب إن أزمة تدني القراءة ليست خاصة بالمغرب فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من واقع بئيس للوطن العربي، الذي يعيش فيه أكثر من 97 مليون مواطن لا يقرؤون ولا يكتبون، حتى بلغ معدل القراءة عند المواطن العربي إلى نصف صفحة في اليوم سنويا، مقابل معدل قراءة الأمريكي 11 كتابا، والبريطاني 7 كتب في العام، ومرد هذا التجافي بين المواطن العربي عموما، والمغربي على وجه الخصوص، وبين الكتاب يرجع إلى عوامل بنيوية وحضارية ونلخصها في ثلاثة عوامل أساسية: 1/ المنظومة التربوية الفاشلة في أبعادها المتعددة، سواء ما هو متعلق بشق المعلمين، أو البرامج التعليمية، أو السياسات المتبعة في تنزيل هذه البرامج. 2/ انتشار ثقافة فاسدة في المجتمع، الذي أصبح مجتمعا ماديا يولي تقديرا للثراء والوضع الاجتماعي، أكثر مما يعير انتباها للمثقفين أو الشعراء أو المفكرين أو المبدعين، ومن ثم غاب الحافز الذي يجعل المواطنين يقبلون على القراءة بنهم. 3/ ثقافة المشافهة المستشرية في المجتمع، وكذا التطور العلمي والثورة التكنولوجية السمعية البصرية، التي جعلت من هذه الوسائل العصرية المبتكرة طريقا إلى المعرفة دونما الحاجة إلى اللجوء إلى الكتاب، مما جعل الإقبال على القراءة مجرد نافلة لا يقوم به إلا القليل.