لحظة المعرض الدولي للنشر والكتاب في مدينة مثل الدارالبيضاء هي، في حدّ ذاتها، لحظة حضارية ورمزية شديدة الأهمية، أكثر من كونها دورة موسمية ترتبط بمتوالية العرض والطلب. يكفي أنّ الكتاب هو حلقتها الرمز التي تشدّ الناس بعضهم إلى بعض، وتنعقد حولها الأفكار وطاولات النقاش وحفلات التوقيع والكثير من الحبّ والإصغاء، وبالتالي فخطرها جليل «في أمّةٍ لا تقرأ». كزائر مفترض، بغضّ النظر عن مشاركتي من عدمها، عشْتُ كغيري غمار هذه الدورة الحادية والعشرين للمعرض، وشعرْتُ بأنّي وسط احتفالية تُمثّل بالنسبة لأصدقاء الكتاب والكتابة عزاءً في ظلّ الكساد المعمّم الذي يغشى وسطنا الثقافي، وتفشّي قيم الزيف وعلاقاته العامة التي زاد منسوبها عن ذي قبل. إنها مناسبة للتعرف على الجديد في سوق الإصدارات، والاستفادة ممّا يقدّم في أجنحة المعرض من نقاشات فكرية وقراءات أدبية وحوارات حميمية مع كتاب من المغرب وخارجه، وملاقاة الأصدقاء الذين عيينا من الاتصال بهم افتراضيّا. أسجل تأخر الإعلان عن فقرات برنامج المعرض، وسوء تنظيم أنشطته أو تدبيرها بشكلٍ حرفيّ ومُتّزن، وضعف الإقبال على حضور الندوات الفكرية والحوارية، والتقليل من أماسي القراءات الشعرية. في المقابل، هناك تراكم بلا شكّ في تاريخ المعرض وفعالياته، غير أنّ الجهود لم تتضافر بعد بين الجهة الوصية وأجنحة القطاع الثقافي الوطني، وإلّا ما الذي يبرّر إلغاء بعض الفعاليّات، أو تقليصها، أو إدراجها بشكل متأخر أو أنّها تمرّ بشكل عابر بدون أن تُحقّق المقصود منها في جلب جمهور الأدب وتحفيز الناشئة على القراءة والإبداع. عدا أن مشاريع دعم الكتاب لم يتمّ استثمارها في لحظة المعرض، عبر تخصيص لقاءات مباشرة وتلقائية مع كتاب وكاتبات ظفرت كتبهم وإبداعاتهم بالدعم، وإن كان شكل الدعم وطريقة تدبيره مجحفة في حقّ هؤلاء الذين صاروا نهباً لناشرين محترفين في كل شيء إلا في نشر الكتاب وتحفيز مبدعيه مادّياً ورمزيّاَ. المعرض موسميّ بما له وما عليه، إلا أني أتطلّع إلى أن يكون له امتدادٌ إشعاعيٌّ يُجسّد حضور الثقافة المغربية ويُبرز عراقة هويّتها وروافدها الغنية طوال العام، ومن ثمّة يجعلها تساهم في بث الحيوية في المشهد الفكري والأدبي الوطني وإثراء الفضاء العمومي.