أبرز باحثون مغاربة في ندوة ضرورة مد جسور التفاعل الإيجابي بين الثقافة والتنمية، من منطلق أن البعد الثقافي هو ما يضفي على المشروع التنموي سمة الاستدامة والإجابة عن الحاجيات متعددة الأبعاد للانسان. وتقاطعت مداخلات الباحثين، في اللقاء الذي يندرج ضمن البرنامج الثقافي للمعرض الدولي للكتاب والنشر، عند التشديد على قصور الرؤية الحسابية الاقتصادية للتنمية في صناعة مستقبل المجتمعات والأفراد. وتحدث الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري عن "مصالحة مؤجلة" بين الثقافة والتنمية داعيا الى خلخلة اليقينيات الرياضية التي تؤطر أوهام التنمية الاقتصادية، بدءا بتجاوز سوء الفهم القائم بين العنصرين الاقتصادي والتنموي، ذلك أن الثقافة ينبغي أن ينظر اليها وتعاش بوصفها مجموع أنماط العيش، بل هي كل انتاج مادي ومعنوي ممهور بتوقيع الانسان. ومن منطلق حقيقة أن الإنسان "كائن ثقافي" يوضح العطري دور الثقافة كنشاط مدر للدخل ومنتج للثروة، بوصفها رأسمالا رمزيا وماديا في نفس الان. الثقافة، يضيف الباحث، غير قابلة للنفاذ، إنها "ثروات لا تخضع لقانون النضوب". ونبه العطري في الجلسة التي أدارها الباحث أحمد شراك، الى أن هناك صراعا بين داعية التقنية وداعية الثقافة ليذكر بأن أهم ثورة يعرفها راهن المجتمع البشري هي الثورة المعرفية الحاسمة في السباق نحو القمة، والدليل أن "أقوى الشركات هي الأكثر استثمارا في المعرفة". ومن جهتها، أكدت الباحثة أمينة التوزاني على أهمية حضور البعد الثقافي في صناعة مجمل القرارات العمومية لان العامل الثقافي يتميز بكونه ذا طبيعة متحركة وعابرة للقطاعات. واستعرضت الباحثة المهتمة بالدراسات الثقافية تجارب مقارنة في مجال تثمين الثقافة كفاعل في الحد من الفقر مقدمة نموذج التراث الموسيقي المغربي كحامل لعوامل جاذبة في القطاع السياحي (موسيقى كناوة في الصويرة مثلا). وراهنت الباحثة المغربية على وعي النخب المحلية بالمقومات الثقافية القابلة للاستثمار والتوظيف الاقتصادي للرفع من جودة الحياة والمستوى المعيشي في مختلف المناطق، لكنها سجلت بأسف وجود مظاهر ضعف على المستوى التنظيمي والاستراتيجي في المقاربة التنموية والاقتصادية للموروث الثقافي. وطرح الباحث سمير بودينار الثقافة من زاوية دورها في مواجهة النزعات التسليعية والاستهلاكية التي تهجم على المقومات غير المادية للوجود الانساني مشددا على ضرورة استحضار البعد الثقافي في عمليات التنمية المستدامة. وأشار بودينار الى البعد غير المادي للتنمية مذكرا بأن التنمية ليست لحظة بل منظومة أنساق وقيم ومدركات وسلوكيات تنتج تغييرات وتحولات في مناحي الحياة والانتاج. وأكد أن الثقافة مدخل المحافظة على إنسانية الإنسان في زمن العولمة الجارفة لكونها مرتبطة بذات الإنسان و بقيم إيجابية يحتاجها الكائن في تدبير علاقته ببيئته الخاصة. وخلص الباحث إلى أن السؤال مطروح بقوة على مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي ينبغي أن تضع الإنسان قاعدة ومحورا لمشروع التنمية في ظل القناعة المترسخة من دروس الواقع بأن الفعالية الاقتصادية لا توفر الإجابة على حاجيات الإنسان.