تقديم : إن أفق التنمية والنهوض بأوضاع المجتمعات يمر عبر مراحل متعددة توصلها إلى تحقيق تنمية شاملة من الناحية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية. فأول ما يتبادر إلى الذهن هو إقرار الديمقراطية وتحقيق حق الشعوب في ممارسة العمل السياسي والمشاركة في الحكم بالتداول على السلطة وسن الدساتير والقوانين وتوزيع الثروات الوطنية، ونبذ التمييز العنصري والطائفي والديني والمذهبي بين مختلف فئات ومكونات المجتمع الواحد، وهذا يقود حتماً إلى تكريس المؤسسات بقوانينها وقيمها العادلة، إضافة إلى النهوض بالتعليم والمعرفة ونبذ التخلف والجهل والأمية والشعوذة الفكرية والسياسية... ثم في النهاية النفكير في بناء اقتصاد وطني قوي قائم على المنافسة الشريفة والاستفادة من المواد الأولية الوطنية لخلق خطة استراتيجية للقضاء على الفقر والبطالة والاستهلاك المفرط لبضائع وسلع الغير دون تفكير حقيقي في البضائع المحلية التي تعيش أزمة تسويق واستهلاك ... إن الوعي بهذه المقومات التي تحقق التنمية الشاملة داخل المجتمع، والطموح لتحويلها إلى عقيدة إنسانية يقتنع بها الجميع، يقود إلى خلق ثقافة جديدة تساهم في دفع الجميع إلى المشاركة في بناء المجتمع وتنميته، وإنتاج الوسائل الكفيلة بتحقيق كل هذه الأهداف . إن تجديد المعرفة وتطويرها وامتلاكها، بل والسيطرة عليها، يحقق استقلالاً وفرادةً، وهذا ما عمل الغرب منذ قرون على تحقيقه حتى يستطيع ترويض باقي العالم والتحكم فيه وفي مصيره وإملاء السياسات والقرارات عليه. بينما نجد العالم العربي لم يحرك ساكناً، فاستكان واكتفى بالاستهلاك وقبول الأمر الواقع ورفع الحرج عنه في بعض الأحيان بالضغط على الغرب باستعمال ثرواته الطبيعية (النفط، الغاز،.....)، لكن هذا الأمر لم يحقق له شيئاً يذكر، وبقي متأخراً بعيداً عن ركب التنمية بزمن طويل . فالوطن العربي يأتي في مقدمة المناطق الجغرافية التي تشكو شعوبه من كبت الحريات، واستبداد السلطة السياسية، وضعف التنمية البشرية، وتراجع مستوى التعليم والمعرفة،... وبالتالي فقد أوصى العديد من الباحثين والمفكرين الغربيين والعرب المغتربين بالنضال ضد الاستبداد، من أجل الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية،... حتى تتحقق التنمية المنشودة. فالشعوب تحتاج إلى الحرية كما تحتاج إلى الماء والخبز والهواء، وهي قادرة على التجديد والتطور شريطة أن تخرج نخبها الثقافية والسياسية من سباتها وصمتها القاتل وترسم طريقاً جلياً للخروج من أزمة التخلف والفقر والأمية والتبعية التي ترزح فيها أنظمتها منذ زمن طويل .
1- حول كتاب "أزمة النخب العربية: الثقافة والتنمية" : يحتمل كتاب "أزمة النخب العربية: الثقافة والتنمية" للدكتور حسن مسكين، قراءة مختلفة وخاصة به، تحلل مقولاته وفصوله المؤسسة له، وتقدم كاتبه الذي يعطي أهمية خاصة جداً لقضايا التنمية والثقافة سواء في هذا الكتاب أم في مؤلفاته الأخرى وكتاباته المتنوعة. فالأستاذ حسن مسكين يبحث في أسباب تخلفنا الثقافي والتنموي، وعن السبل الكفيلة بإصلاح شؤوننا السياسية والاقتصادية والثقافية، على مستوى النظر إلى العالم وإلى الواقع العربي والالتفات نحو المستقبل الذي ينتظر منا النهوض من نومنا العميق وتخلفنا المستشري . يستهل الأستاذ مسكين كتابه بالحديث عن الإشكال الذي نعيشه في البلدان العربية والإسلامية والذي يتجلى في التباين القائم بين الرصيد الثقافي الحضاري الذي نملكه، وبين إمكانية الإضافة إليه من إنتاج يدفع باتجاه الخلق والإبداع بدل الاجترار والإنشاد الفارغ مقارنة ببعض الشعوب التي حققت نتائج عظيمة في استثمار رصيدها ومخزونها المعرفي. فالمؤلف يرى أن التنمية في وطننا العربي بطيئة إذا ما قورنت بالتنمية في أقطار العالم الأخرى، سواء من خلال معدل نمو الدخل الفردي، أم مؤشر الإنتاجية، أم معدل الدخل الوطني العام، أم عدد الأميين،... وغيرها من المؤشرات التي توضح الإحصائيات أننا بعيدين كل البعد عن باقي دول العالم الأخرى . 2- في مفهوم الثقافة والتنمية : يعرف الدكتور حسن مسكين الثقافة بأنها ذلك "النتاج الذي ينتظم جماع السمات المميزة للأمة، من مادية وروحية وفكرية وفنية ووجدانية، وتشمل مجموعة من المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة فيها وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني وسبل السلوك والتصرف والتغيير، وطراز الحياة. كما تشمل أخيراً تطلعات الإنسان للمثل العليا، ومحاولته إعادة النظر في منجزاته والبحث الدائم عن مدلولات جديدة لحياته وقيمه ومستقبله، وإيداع كل ما يتفوق به على ذاته". فالثقافة هي ممتلكات الأمة حين الانخراط في عملية البناء الحضاري لإثبات الذات في مسيرة النماء الإنسانية المتسمة بسمة العلم النافع الخلاق والمعرفة النيرة . وإذا كان هذا هو مفهوم الثقافة بصفة عامة، فإن مفهوم التنمية عند المؤلف، يستند إلى شموليتها وقيامها على شرط الحرية والمعرفة ودعمهما في عملية دائمة وجدلية بينها وبين كل المجالات التي تقوم عليها حياة الأمة واستمرارها منتجة ومبدعة. فهي لم تعدْ مرتبطة بمستوى الدخل الفردي أو بمستوى ارتفاع الناتج السنوي القومي فقط، بل بالمستوى المعرفي والثقافي والصحي والاجتماعي والديمقراطي لأي أمة، لتحقيق مشاريع وتصورات وأفكار حرة ومسئولة في ظل دعم قوي لمثقفيها لمواصلة الإنجاز الذي يؤدي إلى تطوير شعوبها وضمان مشاركتهم في بناء نهضة أمتهم. فالتطور الهائل في مجالات النظم المعلوماتية والتواصلية ومجالات أخرى مرتبطة بالسياسة والاقتصاد أفرز مفهوماً جديداً للتنمية يتجاوز مفهومها السابق. وبالتالي يصعب على بلداننا العربية والإسلامية إنجاز هذا التحدي رغم إمكاناتها المادية والبشرية والطبيعية الكبيرة ودعوات المفكرين العديدة في هذا الاتجاه. وبذلك فمفهوم التنمية البشرية الشاملة قد حددت في مجالات ثلاثة هي: 1- تمتع الأفراد بصحة جيدة وحياة مديدة، 2- انتشار المعرفة الذي يقاس بمستوى التعليم بين الراشدين وبمعدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي والعالي، 3- مستوى المعيشة الذي يقاس بمعدل الدخل الفردي . ويرى الأستاذ مسكين أن الأمة العربية في حاجة إلى إعادة النظر أولاً في مفاهيم اعتبرت نهائية وقطعية بنيت عليها تصورات خاطئة، انتهت إلى نتائج مضللة، سواء من ناحية التخبط في الرؤى والتصورات الأساسية قبل التفكير في أي إصلاح، أم مسألة الاستقلالية، أم الاستلاب الثقافي والحداثي الذي يرى في الغرب المخلص الأمثل والنموذج الأوحد في الاقتداء... ويعتبر المجال السياسي أحد المداخل المهمة لبناء مشروع تنموي فعال، من خلال عملية إشراك جميع فعاليات المجتمع وفئاته وطبقاته في القرار السياسي، وبذلك فإن كل إهمال لهذه المسائل سينعكس سلباً على مجالات عدة منها السياسة الثقافية التي تعيش تخبطاً وضعفاً وهشاشة واضحة المعالم. ولتحقيق القفزة النوعية في مثل هذه المجالات فإنه يجب القفز على التشبث بالماضي وعدم النظر إلى الحاضر بعين النقد والتهييئ للمستقبل، بربط الثقافة بالسياسات المتبعة في البلاد العربية، وابتعادها عن التدجين وتكريس الواقع، وإنتاج ثقافة الاستهلاك المستشرية في المجتمع العربي . إن الأزمة الحاصلة في العلاقة بين المثقف والسياسة ونخبها، تخلق توتراً وصراعاً نحن في غنىً عنه، وفي ظل عدم وعيٍ سليمٍ بدور كل منهما في المجتمع. فرغم مساهمة المثقف العربي الكبيرة في السياسة والتنظير لها فإنه سرعان ما ابتعد عنها وانزوى إلى ركن بعيد مؤثراً السلامة والراحة. ويعتبر الدكتور حسن مسكين أن الطريق إلى إعادة المياه إلى مجاريها وتحقيق توافق وتكامل حقيقي بينهما، يسمح بإنتاج معرفة خصبة تساهم فيها كل الأطراف، يمر عبر البعد عن النظرة الذاتية الضيقة للسياسيين أو الانتهازية الواضحة أو المبطنة لكثير من المثقفين، وتغيير رؤيتهم وسلوكهم تجاه القضايا المصيرية للأمة . 3- إشكالية الإعلام العربي وتنمية التخلف : يعيش أغلب المشهد الإعلامي العربي تخلفاً واضحاً، وتنميطاً ممنهجاً لنماذج محدودة، وصور معلومة تكتسح مختلف الوسائل الإعلامية التي خلقت أوهاماً لدى الشعوب، تشي بأنها أصبحت حرة دون أن تعيَ المفارقات المحدثة من طرف القوة المتسارعة لوسائل الإعلام المتدفقة بشعور الإنسان العربي بوهم الامتلاك والسلطة، والشعور بالتفرد والقوة، بينما هو في واقع الأمر غارق في عبودية الصورة، ضعيف أمامها تقوده، وتوجهه، وتصنع له الأحلام، وتبيع له الأوهام، وتخلق منه بطلاً خارقا ونجماً . إن الأستاذ حسن مسكين يرى بعين الناقد والباحث الأكاديمي الذي يريد أن يسميَ الأمور بمسمياتها، فهو يرد على عبد الله الغذامي الذي يعتبر أن الكثير من الفئات العربية قد وجدت وسائط إعلامية للتعبير عن رغباتها واحتكار سلطة التعبير،... بأن صناع الصورة ومنمطي الثقافة والفن معلومون، غير مجهولين، إنهم أصحاب الشركات المتوحشة، وعبدة المال، رغم تلون صورهم واختلاف مواقعهم. ومن هنا، فإن تغييب الثقافة وتكريس الرداءة وأصوات التفاهة كان على أيدي هؤلاء. وإن تهافت فئات عريضة من المجتمع العربي على وسائل الإعلام (التي تتناسل يومياً كتناسل النمل في مملكته)، لا يخدم التنمية والتنوير ويبقى آخر الأشياء المفكر فيها أمام هذا الانسياب المتدفق لفضائيات مختصة في شتى أنماط الأغاني والرقص (والتفاهة الفنية) . كما أن الإعلام القائم على الإعلانات والإشهار يبيع الأوهام والأحلام ويقلب الحقائق ويصنع عالماً مفعماً بالسعادة الوهمية التي تصدقها فئات عريضة من المجتمعات العربية، خاصة الشباب، والهدف من وراء كل هذا هو الربح الكبير والسريع بفضل الإشهار الذي يعيد تشكيل العالم على نمط واحد من سماته الأساسية الرفاه والراحة والسعادة والنجاح. ويرى المؤلف، أن المتأمل في خطاب منظري العولمة والداعين إليها يكشف مجموعة من المفارقات الغربية، والتناقض الواضح بين التنظير والممارسة، فتنكشف معها مجموعة من الأقنعة، وتتلاشى التصورات المبطنة تحت مسميات براقة كالحرية المطلقة، وتحديث الشعوب المتخلفة ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ... 4- صراع المواقع والإيديولوجيات : لقد كان التوظيف المسرف للإيديولوجيات للنخب العربية المثقفة بكل توجهاتها اليمينية واليسارية والوسطية، سبباً في إخضاع شعوبها، وتدجينها لتكون في كل المجالات تابعة، مسيرة باسم ما تعتبره هذه الاتجاهات سلطة النخبة التي تملك الحق في الزعامة والقيادة، والتوجيه من أجل إبعاد الشعوب عن المشاركة في بناء المجتمع وإصلاح أحواله. كل هذا أدى إلى اختفاء وتبخر الشعارات اللامعة التي كانت تنادي بها هذه التيارات المدعية للدمقراطية والحرية والعدالة، لأنها بكل بساطة بعيدة عن الممارسة داخل تنظيماتها الحزبية والجمعوية وبرامجها السياسية . ويعتبر الأستاذ حسن مسكين أن من المفارقات المميزة للمثقف العربي رغبته الملحة في التغيير، لكن ذلك يكون من منطق الوصاية لا المحاورة، من خلال فرض حقائقه الثابتة، وهو يهدف إلى التأثير في العامة، وعينه على الخاصة في الوقت نفسه... ويقول بالانتماء إلى العامة، وفي ذاته الداخلية إحساس بالفوقية والتعالي على العموم، إن المثقف منافس في ساحة السلطة من خلال التأثير على اتجاهات العامة، من مثل السلطة السياسية التي يناهضها. ومن هنا يمكن الحديث عن مساوئ هيمنة الإيديولوجيا على مشاريع الثقافة والتنمية في العالم العربي لأنها خلقت لديهم خطاباً مهزوزاً منكسراً يتوسل الحلول في الماضي، والمخرج في السلف، يؤدي إلى إحداث خلل بنيوي في هذا العقل بكل شرائحه حتى لدى المثقفين الذين راهنوا على هذا المنحى ورفعوه إلى مستوى التقديس... وما يمكن استنتاجه هو أنه هناك انفصام واضح بين ما يصدره مثقفون من خطابات، وبين ما يطرأ من تحولات سريعة في واقعنا المجتمعي، الذي يكذب هذه الأفكار التي تشبث بها هؤلاء المثقفون بوصفها حقائق، بينما الوقائع تقول إنها مجرد أحلام وأماني وأوهام . لقد صار التقليد ثقافة شملت جل الميادين في المجتمع العربي والإسلامي، وتعطل باب الاجتهاد والإبداع تحت ذرائع ومبررات واهية. والدعوة إلى محاربة هذا التقليد وفتح باب الاجتهاد لم تثمر نتائج هامة تنعكس على المجتمع وتثمر فكراً يؤمن بالتعدد والاختلاف الذي لا يفسد للود قضية والمبني على الحوار والقابلية للرأي الآخر. ولتحقيق هذه الدعوة يجب الاعتماد على مقومات وشروط مهمة، منها: اعتماد المقاصد العليا للأمة في الشريعة والسياسة والفكر والثقافة ونبذ التعصب والإيمان بالحوار الخلاق، واحترام الرأي المختلف، والإقناع بالحجج، في حدود الجدال بالتي هي أحسن ... وبذلك يتحدث المؤلف عن صعوبة التفكير في مشروع عربي في ظل غياب تحديد دقيق للأدوار ومعرفة عميقة بالحاجيات وفي ظل فشل واضح في مد جسور التواصل الفعال. لأن الثقافة مسؤولية الجميع، بدءً بالأفراد والحكومات والمؤسسات الرسمية وهيئات المجتمع المدني، لكن دور المثقفين أكبر بحكم ما يتميزون به من تكوين معرفي ورؤية عميقة لأحوال المجتمع ومتطلباته الكثيرة. لكن لابد من التأكيد على ضرورة تحمل الحكومات العربية والإسلامية بمختلف قطاعاتها مسؤولية تهيئ المناخ الملائم الذي يكفل للمثقفين القيام بدورهم الكامل في إنجاح مشاريع التنمية والثقافة في جو من المسؤولية والحرية والدعم الكافي . ومن أسباب التنمية، يتحدث الأستاذ حسن مسكين عن اللغة باعتبارها كياناً وأساس وجود أي أمة، من خلالها تتحدد هوية وثقافة واستمرارية آمال الشعوب. وأزمة سوء فهم المسألة اللغوية في الوطن العربي مردها أسباب متعددة منها: عدم إلمام الكثيرين لدينا بالجوانب العديدة لإشكالية اللغة، وقصور العتاد المعرفي لمعظم منظرينا اللغويين، وغيرها من الأسباب التي خلقت هذه الأزمة... فالتاريخ يشهد بأن اللغة العربية كانت مستهدفة بشكل كبير، إضافة إلى أنها تعيش لامبالاة المسؤولين في الحكومات العربية الذين يصرون على مخاطبة شعوبهم بلغات أجنبية، وظهور صيحات متأججة لدعاة اللهجات والتضحية بالرصيد اللغوي والمعرفي والحضاري الطويل للغة العربية باعتبارها مجرد واسطة أو وعاء لنقل الأفكار لا غير... وفي هذا الإطار يقول المؤلف: "إن التخبط في رسم سياسة لغوية واضحة في البلاد العربية تساهم في تكريسه بعض النخب (المثقفة) بالتوازي مع حكوماتها، وبذلك يضاعف من الانعكاسات السلبية لهذا التوجه المعكوس غير الواعي بخطورة تصوراته المعمقة للتخلف، بدل المساهمة في تحقيق شروط التنمية ..." (ص. 72 من الكتاب) . 5- البدائل الممكنة ثقافياً وتنموياً : ومن المسائل التي يجب الوعي بها قبل التوجه نحو تبني التنمية الحقيقية والشاملة، نجد المؤلف قد ذكرها بشكل مكثف وواعٍ بأن لا تنمية إلا بها، وهي : 1_ إدراك الساسة والمثقفين معاً، على اختلاف مرجعياتهم بمدى جسامة المسؤولية المنوطة بهم . 2_ ترك الخلافات السياسية والإيديولوجية، لصالح إقامة مشروع عربي شامل، يضم كافة القوى الثقافية والسياسية والشعبية المؤمنة بالإصلاح والتغيير . 3_ خلق أرضية للحوار الهادف بين كافة المكونات لتصحيح مسارها، وتوجيه كل اهتمامتها نحو بناء وحدة ثقافية، حية، ومفتوحة على كل المبادرات الهادفة لخدمة مشاريع التنمية . 4- خلق مناخ من الثقة المتبادلة بين القطاعات الحكومية وصانعي القرار السياسي والفئات المثقفة للمساهمة في بناء صروح تنموية تشمل كافة القطاعات . 5- توجيه أنظار الحكومات إلى البعد الثقافي كخيار استراتيجي أساسي في كل مشروع تنموي . 6_ إشراك السياسة في عملية البناء الثقافي للأمة . 7- إشراك وسائل الإعلام في أي مشروع ثقافي تنموي . 8- تغيير كثير من المفاهيم المغلوطة عن الثقافة والتنمية والسياسة بوصفها قطاعات متكاملة وليست متنافرة . 9_ الإيمان بالديمقراطية الثقافية والسياسية والاستناد إلى الثروات الطبيعية الآيلة للنضوب عاجلاً أم آجلاً . 10_ تكوين ساسة يؤمنون بدور الثقافة في التنمية، ومثقفين يسعون إلى ترشيد العمل السياسي، وتوجيهه نحو أهداف واضحة ... 11_ الوعي العميق بدور الثقافة كقاطرة أساسية وحاسمة في تحقيق التنمية . 12_ إصلاح المؤسسات السياسية والإعلامية، وضمان مناخ من الحريات للمواطنين للانخراط في التنمية الثقافية، والتقريب بين سياسات البلدان العربية في مجالات التعليم والتربية والتكوين والاقتصاد ... 13_ إبراز الرصيد الثقافي العربي في تنوعه التكاملي وإعادة تقييمه ونقده، ورد الاعتبار للغة العربية واعتمادها في الفكر والعلم ... 14_ تقديم المنتوج الثقافي في تنوعه، بماضيه وحاضره، وآفاقه... 15_ إصلاح الفساد بجميع أشكاله وخلق مناخ سياسي تسوده الديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان، وجعل الاقتصاد والسياسة في خدمة المواطن، مع التأكيد على حق الاختلاف والتنوع وحرية الرأي في ظل احترام القيم الدينية والثقافية واللغوية . إن الأمن الثقافي والاعتماد على الذات من الجوانب التي تساهم في خدمة التنمية الشاملة، وذلك بخلق قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية وقومية، تتفوق على عقلية الاستهلاك وتكريس التخلف والتبعية. وقد حدد الأستاذ حسن مسكين الأسباب الحقيقية والمعوقات الأساسية التي تحول دون قيام تنمية في البلدان العربية، فيما يلي : 1_ تميز سياسات التنمية بتوجه واضح نحو مشاريع استهلاكية غير منتجة، والإنفاق العسكري غير المجدي، وذلك خلال مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين بالخصوص . 2_ اعتماد خطط التنمية على تبادل السلع التجارية (النفط، الغاز، وبعض المعادن) . 3_ عدم ظهور أي تكتلات اقتصادية عربية قادرة على منافسة الرأسمال الاحتكاري . 4_ القيام على بيع المواد الأولية تبعاً لتقلبات السوق العالمية بالدرجة الأولى . 5_ الاعتماد على قوى بشرية غير وطنية وغير عربية في مجال الاقتصاد والتنمية . 6_ إنجاز معظم خطط التنمية في العالم العربي بحماية قواعد عسكرية أجنبية ذات أطماع استعمارية للسيطرة على الموارد الطبيعية الكبيرة ... إن الاعتراف بهذه الأوضاع المختلة في مجال التنمية والثقافة التي تسود أغلب البلدان العربية، رهين بالدخول في مرحلة جديدة لتحليلها وتصحيحها في محاولة لتجاوزها، وذلك باقتراح بدائل واقعية وممكنة تتجاوز مستوى الرغبات والأماني. وفي ذلك يقول المؤلف: "وهنا من الطبيعي أن يقف المثقف وقفة تأمل ومراجعة للذات، يقدم فيها حصيلة إنتاجه، ومواقفه وتصوراته، ويجيب عن أسئلة حاسمة، من أبرزها: لماذا لم تستطع تلك الأفكار والنظريات والمواقف رغم غزارتها أن تغير شيئاً في مجتمعه؟ ولماذا تلاشت تلك الرؤى التي كان يبشر بها، ويصر على أنها قريبة التحقق؟ ولماذا فقد فاعليته في الإنتاج والتأثير والتغيير؟" (ص.108) . فالمثقف العربي قادر على استعادة دوره الريادي، والمساهمة في النهوض بتنمية بلدانه وأمته، وبكون المثقف هو الضمير الحي للأمة لا يبخل بفكره وثقافته على المجتمع... يقول الدكتور حسن مسكين: "أما آن للنخبة المثقفة أن تعود لتمارس دورها في التوعية والمبادرة والتوجيه؟ أما آن لها أن تتخلى عن دور المتفرج، بعد أن استقل معظم روادها، واكتفوا بلعب دور المشاهد الذي لم يرَ شيئاً، أو المهزوم الذي أعلن استسلامه الكامل من كل ما له علاقة بالفكر النقدي والثقافة البناءة والمشاركة الفعالة؟ أم أنه استكان للراحة الشاملة، فأعفى نفسه من مسؤولية اختياره طوعاً، ثم ما لبث أن تنازل عنها مجبراً أم كوعاً؟"(ص. 117) . ولا يمكن تحقيق ذلك والإجابة عن هذه الأسئلة إلا بمحاولة تجاوز هذه الوضعية، والاهتمام بالتعليم والمعرفة والبحث العلمي، وذلك بإصلاح مؤسساتنا التعليمية والجامعية من خلال تغيير وإصلاح مناهج التعليم والتكوين، ودعم البحث العلمي، والقضاء على البيروقراطية داخل مؤسساتنا التعليمية، وخلق ثقافة الديمقراطية داخلها، والاهتمام بالمكتبات وبرامج التدريب، وتطوير المعرفة العلمية والتقنية الحديثة،... يقول المؤلف: "إذن فلا مخرج من هذه الحالة الراهنة إلا بالأخذ بأسباب التقدم، والقطع مع السلوك المتردد، العاجز عن الإنجاز والمكتفي برد الفعل، والقابع في مكانه ينتظر استهلاك ما ينتجه الغير إن في الثقافة أو العلم" (ص. 131) . وعلى هذا المستوى من الأسئلة المعمقة والطرح الموضوعي للإشكاليات والمعالجة الرزينة والتحليل العميق لقضايا التنمية والثقافة في البلدان العربية، نجد الدكتور حسن مسكين قد توسع في معالجته لهذا الموضوع، الذي يعتبر من المواضيع التي تقض مضجع الكثير من الباحثين والمفكرين، من خلال اطلاعه على العديد من المراجع، وميله إلى الدقة والعمق والتحليل الرزين لكل قضية من قضايا التنمية الشاملة . * كاتب وباحث من المغرب.