التقرير الذي كشف عنه المجلس الأعلى للحسابات في الأيام الأخيرة حول تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها برسم السنة المالية 2012، يكرس خطوة مؤسساتية هامة تروم تمتين مؤشرات الشفافية في آليات تمويل الأحزاب، وفي منظومة التدبير المالي الذي تعتمده لصرف ما تتلقاه كدعم عمومي. لن نستعرض هنا تفاصيل ملاحظات قضاة المجلس الأعلى للحسابات ونتائج فحصها لمالية هذا الحزب أو ذاك، فهذا تتولاه صفحات أخرى وأجناس أخرى في الكتابة الصحفية، وإنما نود التأكيد على أن الغاية من انتظام الأحزاب ضمن مقتضيات نظام محاسباتي خاص، واعتماد تدابير احترافية في نفقاتها ولتأطير حياتها المالية كلل، هي تأهيل تسييرها وتحديثه، وتعزيز الشفافية المالية بداخلها، وهذا مسار يجب أن يرحب به الجميع، وينخرط فيه الكل ويسعى لتطويره. من جهة ثانية، لقد أسست بلادنا لهذه المرحلة الجديدة فقط في السنوات الأخيرة، ومن ثم هي على كل حال تجربة جديدة سواء بالنسبة لإدارات الأحزاب أو للمصالح الإدارية والرقابية ذات الصلة، ما يفرض الحرص الدائم على تطويرها والاستفادة مما يبرز كاختلالات وتجليات قصور أثناء التطبيق، وذلك سواء على مستوى الاستيعاب أو فيما يتعلق بمقتضيات المنظومة نفسها، إجرائيا ومسطريا ومحاسباتيا، وكل هذا بغاية السعي التدريجي لتثبيت منظومة متكاملة وواقعية وواضحة ومفهومة لمسك وتدبير محاسبة الأحزاب وماليتها. معطى آخر لا بد من الإشارة إليه هنا، ويهم محورية المال وضرورة توفر الإمكانات المالية الكافية لتطوير عمل الأحزاب الجدية والحقيقية، ولكي تنهض بكامل مهماتها التأطيرية والإشعاعية والديبلوماسية، وهذا يتطلب تقوية الوعي الجماعي في البلاد بأهمية وجود أحزاب قوية وذات مصداقية وحضور واستقلالية، لأن ذلك يعني قدرة البلاد على تطوير مسارها الديمقراطي العام، وبالتالي فلكي يتحقق ذلك لابد أيضا من"تمويل الديمقراطية"، أي تمكين الأحزاب والنقابات والجمعيات من وسائل للعمل ولتغطية نفقاتها. إن الأحزاب والنقابات والجمعيات، وأيضا الصحف وباقي وسائل الإعلام، هي رافعات لتعزيز الوعي الديمقراطي في البلاد، وهي صمامات الأمان الحقيقية لصيانة التعددية ولتأمين الاستقرار المجتمعي الحقيقي ولتكريس حرية التعبير والرأي، ولذلك يجب تأمين وجودها وتعددها، وضمان الإمكانيات اللازمة لتطوير عملها وإشعاعها، وبالتالي تجب مناقشة موضوع نفقاتها أو تمويلها العمومي ضمن هذا الأفق الوطني الاستراتيجي بلا أي تبخيس أو سطحية أو خفة كلام. وبقدر ما تتطلب إذن تجربة فحص نفقات الأحزاب وتنظيمها المالي العمل الدائم من أجل تطويرها، فهي أيضا تحتم على عدد من أحزابنا الانكباب الجدي على تطبيق ملاحظات قضاة المجلس الأعلى للحسابات أولا، ثم الحرص على تقوية مهاراتها الذاتية، وتمتين آليات تنظيمها الداخلي والمحاسباتي، انسجاما مع ذلك، وبغاية تكريس الشفافية والتحديث بداخل هياكلها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته