استثنائية خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش الخامس عشر، وقوة مضامينه وأسلوبه، تفرضان اليوم استثمار اللحظة والانطلاق من أفقها لتطوير تفكير وممارسة جديدين ينسجمان مع حاجة بلادنا وأوضاع شعبنا إلى جيل جديد من الإصلاحات، وإلى نفس متجدد يمكن النموذج الديمقراطي والتنموي المغربي من التقدم إلى الأمام والتطور واكتساب زخم جديد. هذه المسؤولية يتحملها السياسيون في مختلف مواقعهم، وأيضا الفاعلون الاقتصاديون والنقابيون ونشطاء المجتمع المدني والفعاليات الثقافية والفكرية، وأيضا وسائل الإعلام. لحظة التأمل هذه التي يجب أن تقود إلى الفعل الملموس الذي من شأنه إحداث الأثر الملموس كذلك، والتي أسس لها اليوم خطاب العرش ستكون بلا أي معنى في ضل قراءة انتخابوية تبسيطية عقيمة لرسائل الخطاب الملكي. وإن قوة اللحظة لا تستقيم أيضا مع وجود ممارسة سياسية وحزبية وانتخابية وبرلمانية طافحة بالرداءة والجهل وقصر النظر، وهي لن تحقق هدفيتها، كما أرادها جلالة الملك، باستمرار هشاشة حقلنا السياسي والانتخابي والإعلامي، وتعدد اختراقاته من لدن الفساد والريع والتحكم. صراحة القول الملكي يجب أن تدفعنا اليوم إلى تأمل ما يعانيه حقلنا الحزبي والسياسي جراء تسرب كائنات انتخابوية فاسدة وجاهلة إلى المواقع القيادية، وهي لا تقدم لا للبلاد ولا للممارسة الديمقراطية شيئا سوى هذه الكلفة الباهظة التي ندفعها من صورة البلاد وسمعتها، وكل من كان يراهن على هؤلاء الأباطرة أو على فرض ممارسة تحكمية عتيقة، لا شك أنه اليوم اقتنع بفشل التصور والتطبيق معا، وبأن مستقبل بلادنا يوجد في الرهان على أحزاب حقيقية وعلى صحافة ذات مبادئ وقيم وتاريخ وكرامة وعلى زعامات ذات شرعية وأصل وتمتلك رؤية حقيقية، أما ما عدا ذلك فسنكون جميعا قد ضيعنا على بلادنا فرصة استثمار التوجيهات الواردة في الخطاب الملكي. بعض قصيري النظر اليوم، ما إن تحن فرصة الكلام عن خطاب ملكي إلا وتتم المسارعة إلى فعل الإسقاط البليد، وبالتالي إجراء مقارنات غريبة مع عمل الأحزاب، وبأسلوب لا يفرق بين حزب وآخر، وينطلق الهذيان، وتتطاير الأسئلة حول النخب الحزبية وحول برامج الأحزاب وشجاعتها وجرأتها ووووو.... العجيب أن كل هؤلاء الغيورين عن الشجاعة لا يعرف لهم أحد عملا ما في الميدان، وهؤلاء المنظرون الجدد عن النخب الحزبية هم أول من كان بارعا ذات سنوات رصاص أو في السنوات القليلة الأخيرة في الركض وراء شراء ذمم بعض هذه النخب أو إغرائها أو تدجينها أو ... «قتلها»وإبعادها. وعندما خلت الساحة وتربع الأميون والفاسدون وسماسرة الانتخابات على رأس الجماعات، وكثر النهب، وتعددت الفضائح، وشلت الحركة، عاد البحث والتساؤل عن النخب الحزبية، في حين كان الأجدر بهؤلاء»العباقرة»وصناع السيناريوهات الخفية أن يقروا أولا بفشل خططهم، وبارتطامهم بالجدار، وأن يخجلوا، وعندما تتوقف ممارساتهم المسيئة، حينها يمكن للنخب ذات الجدية والمصداقية أن تستعيد الثقة وتعود لخدمة البلاد والعباد، ويمكن للأحزاب الجدية أن تطور إشعاعها وعملها وجاذبيتها. الأساسي إذن اليوم هو أن نستثمر جميعا فرصة الخطاب الملكي، سواء الحكومة أو البرلمان أو الأحزاب أو الإعلام، من أجل تمتين الوعي المجتمعي بما عرضه جلالة الملك من تحديات ومهام، وأن نعمل على تأهيل حقلنا الحزبي والسياسي والانتخابي والبرلماني والإعلامي كي ينتظم في دائرة هذا الوعي الجديد بلا تحكم أو هشاشة أو خفة تفكير. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته