توقف الكثير من المتابعين لشأننا السياسي عند مضمون المرتكز الخامس الوارد في الخطاب الملكي لتاسع مارس، والمتعلق بالأحزاب، وبالرغم من اختلاف التحاليل، ولجوء البعض إلى كثير من السطحيات في مهاجمة الأحزاب حول كل شيء، فإن الواضح من التوجيه الملكي، أن المغرب، كما بقية البلدان، لا يمكن أن يطور مساره الديمقراطي من دون أحزاب، ومن ثم فإن مصلحة البلاد ومستقبلها الديمقراطي يمران عبر تقوية الأحزاب الحقيقية وتمكينها من كل وسائل العمل القانونية والسياسية والمادية، سواء كانت ضمن الأغلبية أو في المعارضة. الأمر الثاني، الواجب تسجيله هنا، أن جلالة الملك رفع إشارة رفض قوية في وجه أي مس بالتعددية، أو كل محاولة تسعى لفرض حزب أغلبي يستقوي على بقية الهيئات، ويعيد البلاد سنوات إلى الوراء. وإلى جانب ما سلف، فإن تركيز الخطاب الملكي على الإرادة الشعبية وعلى الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة وعلى تقوية صلاحيات الوزير الأول ومجلس الحكومة والحكومة ككل، وتشكيل هذه الأخيرة اعتمادا على نتائج الانتخابات، ومراجعة الإطار القانوني والتنظيمي لعملنا البرلماني، كل هذا يبين حرص جلالة الملك على أن تستعيد السياسة نبلها، وأن يكون للعمل السياسي والحزبي معناه الملموس على مستوى تدبير الشأن العام، ومن ثم فإن المقصود هنا هو وضع نقطة النهاية لعهد التقنوقراط، ولزمن يقوم على إحداث تضاد بين الخبرة والمهارة التقنية والتدبيرية وبين الانتماء الحزبي والقناعات السياسية. الآن بقي أن نرى تحولات في الأرض تتناغم مع هذه التوجيهات الملكية، سواء داخل أو في محيط الجهة الحزبية التي توجهت إليها كل الأنظار عقب الخطاب الملكي، أو خلال الدورة البرلمانية القادمة، أو عبر بعض الديناميات الحزبية التي بدأت تتبلور هنا وهناك. ومن جهة ثانية، فإن قوة الخطاب الملكي يجب أن تعزز وتيرة المشاورات والاستعدادات التي انطلقت بخصوص تغيير القوانين الانتخابية، وذلك بما يقود نحو استحقاقات تشريعية ومحلية تعكس «ثورية» القرارات التي أعلن عنها جلالة الملك. الانتخابات القادمة يجب أن تمر في نزاهة، ويجب أن تتيح بروز نخب وكفاءات وطنية في مؤسساتنا التمثيلية، ويجب أن تقضي على الفساد الانتخابي وعلى كل العبثيات الأخرى، ويجب أن تقوي حضور المرأة والشباب والنخب السياسية الحقيقية، وبالتالي يجب أن تشكل الانطلاقة الحقيقية للمغرب الجديد، مغرب الجيل الجديد من الإصلاحات، والمغرب المتخلص من كل الانحرافات التي مست في السنوات الأخيرة فضاءه السياسي والحزبي والانتخابي والبرلماني. إن المغرب على أبواب تحول حقيقي يطرح الكثير من الرهانات، بما في ذلك على الأحزاب نفسها، وعلى هذه الأخيرة أن تحرص على يقظتها النضالية لمواكبة المسلسل وإنجاحه. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته