عبد الكبير الأيوبي: مؤسس فرقة الوفاء المراكشية الحلقة 18 حكاية عبد الكبير الأيوبي، حكاية رجل بصمت حياته بالألم والسجن والمقاومة. أصوله أمازيغية من قبائل أيت بويوب (مسيوة) نواحي مراكش. قبائل معروفة في المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الفرنسي وأذنابه. حتى أن جده علي أيت بويوب، ظل صامدا مع قبيلته إلى أن اعتقله الباشا كلاوي وقام بتعذيبه وسجنه بسرداب بقصر البديع. ظل هناك لمدة عشرة سنوات. عندما أطلق سراحه. خرج منهكا ومريضا بأسمال رثة ولحية طويلة أشبه برجال الكهف. عندما وصل لقبيلته، لم تتعرف العائلة عليه، هيكل عظمي وعينان غارقتان في الحزن والتعب. بعد أيام قليلة سيموت وستقرر العائلة النزوح نحو مراكش طلبا للأمان والعيش وبدء حياة جديدة ونسيان جروح دامية. هناك في مراكش وبالضبط في باب أحمر الحي القريب من القصر الملكي، سيولد عبد الكبير الأيوبي (1925)، وسيودع الحياة بمراكش (1996) في جنازة مهيبة حضرها رموز السياسة والثقافة، نظرا لمكانة الرجل ومساره النضالي النظيف. سيرا على تقليد الأجداد، أدخل كتاب القرآني وبقى فيه إلى أن أتم سلكته. بعدها انتقل إلى كلية ابن يوسف ليستكمل دراسته الإعدادية والثانوية. داخل فضاء كلية ابن يوسف، سيتشكل لديه الوعي السياسي والوعي الثقافي. عبر الحلقات الدراسية التي كان يؤطرها شيوخ الحركة الوطنية وعبر لقاءاته مع رموز تلك الحركة أمثال عبد العزيز بن إدريس وعبد الله إبراهيم وعبد السلام الجبلي والفقيه البصري وعبد القادر حسن وآخرين. وبإيعاز من الزعيم عبد الله إبراهيم المكلف بتكوين الخلايا الحزبية انخرط في حزب الاستقلال. وجعل من قضية التحرير والاستقلال هاجسه الأول.. أصبح عنصرا فعالا في التنظيم الحزبي ومشاركا في أنشطته في مواجهة سلطة الكلاوي واستبداده. بأمر من الحزب و توجيهاته سيشد الرحال نحو البيضاء رمز المقاومة والنضال الوطني، سيلتحق بخلايا الزرقطوني، وما أدراك ما الزرقطوني وأدواره وعملياته الفدائية. وبعد اشتداد الحصار على خلايا المقاومة واستشهاد الزعيم التاريخي الزرقطوني. سيتم اعتقال عبد الكبير الأيوبي وسيؤخذ نحو سجن ورزازات ومرة أخرى ستجمعه الزنزانة مع رفيقه الزعيم عبد الله إبراهيم، الذي كان يردد قولته دائما: «لا استسلام ولا تراجع ولا مهادنة حتى تعود الشرعية الوطنية. من ورزازات إلى سجن لعلو بالرباط ثم سجن العادر بالجديدة، هناك سيلتقي مع مناضلي الحركة الوطنية وهذه المرة سيقتسم الزنزانة مع المناضل الوطني الشاعر محمد الوديع الأسفي. بعد مغادرة المعتقلات سيعود للنضال الوطني عبر بوابة الثقافة و المسرح. ومع ثلة من النخبة المثقفة أمثال الحبيب الفرقاني والورزازي و آل العاصمي، التي ستسطر برامج في التأطير السياسي والثقافي عبر الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية. مع بداية الاستقلال سيلتحق عبد الكبير الأيوبي بإذاعة مراكش كصحفي و مسؤول عن البرامج الثقافية والفنية بالإذاعة. بمبادرة من رفيقه عبد الله إبراهيم سيشكل النواة الأولى لفرقة الوفاء المراكشية بحي القصبة التاريخي. ستتحول تلك النواة إلى فرقة مسرحية محترفة، سماها الوفاء، وفاء لقيم ورجالات الحركة الوطنية (1958) وسيترأسها وستقدم أول عرض مسرحي لها بعنوان «العم الظالم» بمشاركة الفنان الراحل أحمد العمري إلى جانب الحمياني والمكناسي. سيغادر الفرقة نحو مجال التربية والتعليم (منذ سنة 1958 إلى سنة 1988) مع استمراره بحزب الاستقلال مسؤولا عن فروعه بجهة مراكش.و نظرا لتضارب المصالح واختلاف وجهات النظر في مغرب ما بعد الاستقلال. كان من القادة التاريخيين المؤسسين للجامعات المتحدة لحزب الاستقلال والتي ستفضي إلى تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (يناير 1959). كان عضوا بارزا في جمعية الأديب بمراكش والتي ستبادر في إطلاق مشروع ثقافي طموح، تمثل في إصدار مجلة رسالة الأديب (مابين يناير 1958وماي 1959)، وهي مجلة تبحث في الأدب والفكر والسياسة والاجتماع. كان يرأسها الشاعر محمد الحبيب الفرقاني وعبد الكبير الأيوبي عضو في هيئة تحريرها. نذكر من الأسماء المساهمة في المجلة: عبد الله إبراهيم، إبراهيم الهلالي، عبد الجبار السحيمي، عبد الله كنون و علال الفاسي و العلامة عمر الساحلي و الشاعر عبد القادر حسن و آخرون... نظرا لمكانته في الوسط السياسي والثقافي والفني، سيعين عضوا باللجنة العليا للثقافة الشعبية التي استقبلها المغفور له جلالة الملك محمد الخامس (31 يناير 1959)، حيث ضمت أسماء بارزة في العمل السياسي والثقافي. نذكر منهم الفنان المسرحي الراحل الحسين المريني والسياسي أحمد الحليمي... كان مشروع الثقافة الشعبية إحدى أولويات حكومة عبد الله إبراهيم في نشر وتعميم الثقافة والفنون والمسرح بمختلف أشكالها وألوانها وسط الأقاليم والمدن والأحياء الشعبية. لقد شمل هذا المشروع التأسيسي الوطني، خلق مجلس أعلى للثقافة الشعبية، ولجنة عليا تسهر على مخططاته ولجان إقليمية، منجزة ومنفذة لبرامجه وأنشطته. سيخفت هذا المشروع تدريجيا بعد حل حكومة عبد الله إبراهيم الوطنية وما تلاها من انكسارات وتراجعات مجتمعية. سيكرس عبد الكبير الأيوبي، مسار حياته في التربية والتعليم، أستاذا ومفتشا ومديرا. يشهد له الحقل المدرسي. أنه من الأوائل الذين أدخلوا المسرح إلى المدرسة العمومية بمراكش. حيث كان يكتب نصوصا مسرحية ويدرب التلاميذ ويهيئ التقنيات اللازمة لذلك، استعدادا لتقديمها في المناسبات الوطنية.سيعتقل سنة (1977) إثر الهجمة على حركة اليسار المغربي الجديد واختفاء ابنه (شين). وستتعرض عائلته للاضطهاد مرة أخرى مع أحداث مراكش (1984)، إثر اعتقال ابنه (جيم).. هذا الرجل اسمه الحركي عبد الكبير الأيوبي واسمه الحقيقي بنيوب عبد الكبير. لولاه لما عرفت المسرح وعوالمه ولما عرفت عالم السياسة. في مكتبته، حيث تجد أمهات الكتب ومصادر تفسير الحديث والقرآن، إلى جانب أصل الأنواع لداروين وأصل الملكية الدولة والعائلة لإنجلز.عجيب وغريب جيل الحركة الوطنية، كان جيلا منفتحا وموسوعيا ولا ضرر في أن يتسلح بأدوات علمية وتحاليل موضوعية تخالفه الرأي والقناعة. الذي يغريني في المكتبة: صور عبد الرحيم بوعبيد، عبد الكريم الخطابي وعلي يعتة، وعلال الفاسي، وعمر بن جلون وعبد الله إبراهيم وحمان الفطواكي والزرقطوني وعلال بن عبد الله وعزيز بلال والشهيد البقالي واللائحة طويلة. كان يقول لي: لولا هؤلاء.. لما زلنا نباع ونشرى في أسواق النخاسة وسماسرتها.