4 - استنتاجات وخلاصات 1 -لم تكن «رسالة الأديب» بدعا في شروطها مع مغرب الاستقلال، ولا بالأحرى قبيله، خاصة في الشمال (المنطقة الخليفية) لقد ترسخت قبلها ومعها تقاليد هذه الأداة الثقافية-السياسية، بل يمكن القول إن هذه المرحلة كانت «صابة» المجلات (كما يصطلح أهل الملحون). تم ذلك من خلال المبادرات المجتمعية أو الإدارية، لنتذكر في هذا الصدد ظاهر «المشاهد» ورئيس تحريرها الصحفي المتميز جدا ذ. ع. الرحمان السايح، والذي انتهى منتحرا من صومعة حسان، بعد أن انتحر سياسيا قبل ذلك (؟!) وباللغة الفرنسية مجلة «لام ألف» (زكية داوود) والتي تميزت بنفس الجدية والنقدية والابتكارية والشعبية والتقدمية... والمثير في هذا الصدد، ما نلاحظه على مستوى الإدارات المركزية للدولة نفسها، وتحت إشراف رموز ثقافية وطنية وتقدمية دائما، ومن ذلك ظاهرة «دعوة الحق» (ع. القادر الصحراوي) و»البينة» (علال الفاسي) و»التربية الوطنية» و»اللقاء» و»الإيمان» أبو بكر القادري، وغير ذلك كثير في حينه. ما يشبهه لاحقا في المغرب مد السبعينيات، ونفس الأمر نلاحظه في حالات وعلى دفعات في المشرق وفي العالم. والملاحظ في هذا الصدد، أن نفس الكاتبين تقريبا، نجد لهم نفس الحضور في المجلات المحسوبة على إدارة الدولة أو على المجتمع، ومن تم فاستراتيجيات الخطاب في الحالتين تكاد تكون واحدة، بل إن الدعاية متبادلة بينها (العلم لرسالة الأديب، وهذه الأخيرة لجريدتي «العلم» و»الشباب» أما الإشهار، فجهازه موحد كما سبق أن ألمعنا.) 2 -صدرت «رسالة الأديب» عن «جمعية الأديب» ويبدو أن هذه الأخيرة لم تكن حديثة التأسيس إلا على المستوى القانوني وإلا فإنها تعود كفكرة وكممارسة في شكل منتدى أو مجالس أدبية إلى ما قبل ذلك. أ-أوائل الثلاثينيات (1934) وبمبادرة من الزعيم ع. الله إبراهيم وفي منزله بالذات غالبا، حيث كان يجمع حوله شلة من الشباب، من طلبة ابن يوسف غالبا (درب لكنايز)، وذلك لمطارحة مناقشات أدبية (=ثقافية) تكوينية وتأهيلية واستنهاضية استقطابية... للعمل الوطني اللاحق، وكان للأستاذ المختار السوسي أثر وحضور ما في ذلك غير مباشر، حيث كان يحضر الجميع محاضراته عشية كل خميس، في منزله ب «الزاوية» في حي الرميلة حول كتاب «الكامل» للمبرد. ويخبرنا الأستاذ مبارك الغراس (من مؤسسي التعليم الحر وموقعي عريضة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية) ومن خلال أحد أعداد المجلة نفسها. كيف أنهم، ومنذ العام 1937، أسسوا «نادي التعاون الثقافي» الذي لم يعترف به إداريا. وتقدموا لاحقا (1948) بطلب الترخيص بإصدار صحيفة أدبية باسم «التجديد» غير أن إدارة الحماية رفضت الترخيص لها. ب-سيستمر «التقليد» الأدبي، غير المهيكل، ولكنه المنتظم، مع بدايات الاستقلال وما أثارته قضاياه من نقاشات وخلافات، خاصة في مدينة مراكش حيث الجناح اليساري في حزب الاستقلال أقوى، سواء بسيطرة عناصر المقاومة التقدمية (مثل ع. السلام الجبلي) أو الكشفية الحسنية (عمر السعدي) أو الاتحاد المغربي للشغل (المهدي الورزازي) أو طلبة أبن يوسف، وهم كثير، وعمومهم يساري بمقاييس المرحلة. إنها في المجمل حالة حصاد لزروع شخصيتين لم تكونا متطابقتين، ولكنهما كانتا متكاملتين، البعد الأخلاقي-الصوفي والعلمي السلفي للمختار السوسي، والفكر التقدمي الاشتراكي-الديمقراطي والعمالي لعبد الله إبراهيم، وأكثر جيل هذه المرحلة من شبيبة المدينة، يتمثل هذين الماهدين... المؤسسين... 3 -يجب القول مع ذلك أن شخصية الفرقاني في المجلة، تطغى على غيرها، بما في ذلك الجمعية إياها، والتي لا نجد لها أثرا أو وجودا واضحا في أعدادها، كل شيء في المجلة يعكس إستراتيجية الرجل وطاقته واجتهاده وابتكاره... بل ومزاجه أحيانا أيضا. ويكفي التذكير بنسبة كتاباته فيها، مقارنة إلى جميع كتابها، وهو لا يقل بحال عن ربع حجمها، إذا احتسبنا أيضا ما لم يوقعه بمختلف توقيعاته الكثيرة (مثل الفكاهة والطرائف والصور... وربما الكاريكاتور أيضا ؟!) الأديب والفقيه والشاعر والصحفي والمؤرخ... الفرقاني يعتبر في هذا الصدد ظاهرة وطنية استثنائية، فهو «كاتب» بالمعنى المصطلحي للكلمة، وهي حالة نادرة في المغرب مقارنة إلى المشرق، ومن الأمثلة المعاصرة له: الطعارجي والسوسي وعلال الفاسي وغلاب والجابري، إن الفرقاني لم يكن يُرى إلا قارئا أو محاضرا أو كاتبا، وتجربته في جريدة «المحرر» ويومياته التي تحتفظ بها أسرته... تستحق التوقف للبحث من قبل مختلف التخصصات المتصلة بالموضوع. وعلى سبيل التذكير والمقارنة، نذكر بحالتي شكيب أرسلان في الحديث والطبري في القديم (50 صفحة يوميا) 4 -إن مسألة تمويل انطلاق المجلة من قبل الزعيم أحمد بلا فريج، وهو المحسوب على يمين الحزب، تطرح عدة تساؤلات، تستحق التوقف، أرجح منها احتمالين: أ-تعاطفا مع المنحى الأدبي للجمعية وللمجلة وللفرقاني كشاعر، وذلك ليس مستغربا من بلا فريج الذي انطلق أديبا، قبل أن يكبت عمله الحزبي والسياسي-الدبلوماسي، ميولاته الأدبية. وفي نفس المنحى، فقد يكون الهدف أيضا استمالة الفرقاني (مفتش حزب الاستقلال حينئذ) وزملائه في الفرع المراكشي للحزب، إلى جانبه في صراع القمة بين قيادتي الحزب القادمة من المنفى (علال الفاسي) وقيادة الداخل. ب-أما الاحتمال الثاني، وهو الأكثر رجحانا في نظري، وذلك بالنظر لاحترافية بلا فريج السياسية. واحتدام الصراعات عهدئذ... فاستسمح لأجل فهمه تقديم المعطيات التالية: لقد كان الجناحان الوطني (علال..) والتقدمي (المهدي..) يرفضان منذ البداية الحل الأعرج والظالم لحكومة البكاي، وما تلاها من تآمر ضدا عليه (= الحزب) ومن خلط للأوراق بين الوطنية والوطنيين وبين المخزنيين حلفاء الاستعمار الجديد، ولذلك استمر ضغط جميع الأطراف المناضلة فيه، بما في ذلك خاصة: المقاومين والنقابة العمالية والطلاب... من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها وتنصيب حكومة «منسجمة» (=حزب الاستقلال) نظير ما حصل في جميع المستعمرات المستقلة عهدئد، والتي حكمتها الأحزاب التي ناضلت وضحت في سبيل الاستقلال، وليس الخونة أو أبناءهم أو «مناضلو» ربع الساعة الأخيرة. استجاب الملك للمطلب، وكلف لذلك الزعيم بتشكيلها، وهو الأمر الذي لم يستجب له بلا فريج، غير أنه لم يفصح عنه، وعندما تقدم الفاسي بتشكيلته إلى الملك وكان بلا فريج مقترحا فيها وزيرا للخارجية، صدم الفاسي عندما أخبره الملك بأن بلا فريج يرفض المشاركة وزيرا تحت رئاسته (أشفورد: التطورات السياسية في المملكة المغربية). سُقط في يد الفاسي، وتأكد استمرار الضغط الفرنسي، متمثلا خاصة في وزارة الداخلية (التي استمرت امتدادا للإقامة العامة) ومن تم استجابة المخزن لالتزامات «سان كلو» والتي كانت تقضي: بتهميش الحزب، وإقصائه عن الحكم، واستضعافه وخاصة عن طريق تقسيمه، وهو الأمر الذي ساهم بلا فريج موضوعيا في تحقيقه، إن لم يكن ذاتيا أيضا. وذلك بقبوله الغنيمة الشخصية (ممثل دائم لصاحب الجلالة) والطبقية (وهو ممثل البورجوازية العقارية) عوض التضامن مع الحزب لاستكمال مهام التحرر الوطني: ترابيا وإداريا ولغويا... تعميقا لإستراتيجية تقسيم الحزب، كان الأمر يقتضي بعد شق يمينه، إبعاد يساره عن الجناح الوطني المناضل منه (علال) فكان تكليف عبد الله إبراهيم بتشكيل الحكومة أخطر إسفين، دقهُ التحالف الاستعماري الجديد، في سفينة الكتلة الوطنية التاريخية (=حزب الاستقلال). إن خسارتهم النسبية مع حكومة ع. الله إبراهيم المجهضة، لا تعدل بحال، أرباحهم الأبعد، في إفشال مهام استكمال التحرير الوطني، والتي ما كان ممكنا إنجازها، بغير ما أنجزت به مهمة الاستقلال وإرجاع الملك، أي وحدة الطبقات الوطنية في إطار تكتل حزبي عتيد. وهو الأمر الذي وقع الانتباه إليه لاحقا واستدراكا في الكتلة الوطنية (1970) ثم الكتلة الديمقراطية أخيرا وراهنا. في هذا المعنى والسياق، يكون دافع تمويل بلا فريج للمجلة، أحد حالتين: أ-نكاية شخصية للزعيم، عن طريق دعم خصومه الموضوعيين في يسار الحزب، والذين كانت مراكش أكثر المدن المغربية تجميعا لهم. ب-أن يكون ذلك تم بإيعاز، مباشر أو غير مباشر، من قبل الجهاز الإداري الاستخباري الذي كان يقف على إنجاز مهمة تقسيم الحزب تدريجيا، وبتوظيف متناغم ومتعدد ومتلاحق وعلى جميع المستويات بما في ذلك خاصة: التخديل والاختراق وتشجيع التيارات الفوضوية والشعبوية... في صفوف بعض المقاومين الديمقراطيين، والذين لم يكن يعدل إخلاصهم ونبلهم... سوى أميتهم السياسية وسذاجتهم التنظيمية والاستخبارية (؟!) 5 -أما على مستوى المضمون وإستراتيجية الخطاب في «رسالة الأديب» فيصح القول ودون تردد، إنها تختصر وتمهد وتؤسس للملامح الرئيسية لكل الخطاب اليساري التقدمي اللاحق عليها عندما تؤسس «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» وتأسس إعلامه وتأسست صحفه... لقد شككت المجلة في حقيقة «الاستقلال» واعتبرته مؤامرة متعددة الأبعاد: ضدا على الوطن وعلى الشعب وعلى الحزب وعلى الثورة الجزائرية وعلى وحدة المغرب العربي وعلى وحدة ترابه وعلى اللغة العربية... وناهضت المساومة مع المستعمر الجديد، واستمرار رموزه وأتباعه في إدارات الدولة، وتابعت ودعمت جيش التحرير في الجنوب المغربي المحتل (بما فيه موريطانيا) وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، ودعت إلى استفادة جميع المواطنين وخاصة في «المغرب غير النافع» (البوادي) من ثمار الاستقلال... وحذرت من الحكم المطلق وازدواجية السلطة واستمرار القواعد العسكرية الأجنبية (فرنسية وأمريكية) وطالبت بالدستور... الخ، وحاربت الفساد وظواهر الاغتناء غير المشروع وطالبت بعزل ومصادرة ومحاكمة... الخونة... وعلى الصعيد المجتمعي دافعت عن المرأة، حقوقها وكرامتها.. وأشرعت الباب لنقاشات قضايا الأسرة ومحاولة معالجة مستجداتها بالتحليل وبالنصيحة... غير أن ما يبعث على التوقف أكثر على هذا المستوى، بالتالي ما يعتبر ميزة وتميزاً ل» رسالة الأديب»، في تاريخ الصحافة والفكر السياسي المغربي هو: أ-ما يمكن وصفه بالنزعة الفلاحية، والاهتمام بالبادية المغربية وبالفلاحين المغاربة، خاصة منهم الفقراء والمعدمين وذوي الملكيات الجماعية والرعوية أو الصغيرة في الأطلس الكبير خاصة... وقد سبق الوقوف عند بعض ذلك... ب-الوعي أو الفكر الاشتراكي الجنيني، المغربي من جهة، والعربي من جهة ثانية. الأمر الذي يسمح بالقول: إن أي تأريخ لذلك الفكر مغربيا، يفترض منه أن يبدأ ب»رسالة الأديب» ولا أقول بالضرورة «جمعية الأديب»، وبين يدي ذلك ندرج الإضاءات التالية، والتي أخذتها مباشرة عن كثيرين من رموز المرحلة: ت-لقد كان للرفيقين ع. الله إبراهيم والملاخ... التأثير الأبرز في الحركتين الثقافية والسياسية بمدينة مراكش والجهة وعموم الجنوب، والأكيد أن الأستاذ ع. الله كانت له ميولات اشتراكية فكرا وممارسة حتى قبل أن يسافر طالبا إلى باريس، وهذا الأمر هو الذي انعكس على تأطيره لطلبة ابن يوسف واستمر معهم إلى حين تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أقصد أمثال: ع. السلام الجبلي، الفقيه البصري، بنحمو، بنسعيد، عبد النبي بلعادل والمهدي الورزازي وغيرهم. وأيضا في التشكيلات النقابية الأولى في تاريخ المغرب والتي اهتمت بالحرفيين والصناع التقليديين، ثم بالطلبة وأيضا، وهذا مثير، بالمعدمين والسعاة، حيث نظموا بهم مظاهرة شهيرة ومباغتة للمقيم العام الفرنسي بمراكش. يجوز القول أكثر من ذلك، وبغض النظر عن الأثر غير المباشر للمهجر الطلابي الفرنسي، أن الحركتين النقابيتين: العمالية والطلابية في المغرب، قد أخذت خبرتها ودروسها الأولى، من تجربتها المراكشية وبقيادة وتأطير الزعيم التاريخي العظيم ع. الله إبراهيم ورفاقه. ث-لم يكن الفكر السلفي، بنمطه الصوفي في دروس وسلوك المختار السوسي، يتناقض مع ذلك المنحى، بل العكس. فإذا كانت الحركة السلفية خارج مراكش أكثر ليبرالية وأبعد عن التصوف، بل وتحاربه، فإن الأمر في مراكش كان يختلف، ومن المعروف أن التراجع اللاحق للزعيم علال الفاسي في موقفه من التصوف وتمييزه المغربي منه (العملي-الاجتماعي) عن المشرقي.. كان بتأثير من حواراته مع الأستاذ المختار السوسي. إن التصوف الزاهد والمتقشف والعملي-الاجتماعي، نمط أولياء المدينة وعلى رأسهم أبو العباس السبتي... لا يتناقض بحال مع اشتراكية مثالية أخلاقية أكثر منها علمية، وهو ما كان عليه حالها في «رسالة الأديب». ج-بتوجيه من الزعيم عبد الله، أو فقط بسبب ما تركه من تلقيح ثقافي لدى مريديه في المدينة، سنلاحظ كيف أن التنظيمات الاستقلالية (الحرفية غالبا) اهتمت بتأسيس صندوق خاصة بتمويل سفر وإقامة التلاميذ النجباء إلى فرنسا للدراسة (في الشمال كانوا يبعثون بهم نحو الشرق)، والمثير أن أغلبهم كانوا من أسر موسرة، ومع ذلك يقومون على تمويلهم، وذلك طبعا للمساهمة في تكوين أطر دولة الاستقلال المقبلة، ولكن أيضا مقابل تلقيهم دروسا من قبلهم، في الفكر الاشتراكي الفرنسي والذي كانوا يسمعون عن مواقفه السياسية، ويتطلعون إلى معرفة الدلالة الفكرية لذلك، وكان أولئك الطلاب يأتون معهم لذلك في العطل، بنصوص يترجمونها لهم باللسان الدارج (رواية عن الجبلي والحبيب بن موح). ح-في المشرق أيضا، وفي الأزهر الشريف بالذات، يخبرنا أنور ع. المالك بأن أول استقبال للفكر الاشتراكي «رأسمال» تم من قبل فقهائه في نفس زمن تأليفه، وأنهم استحسنوا مفاهيمه، واتفقوا على أطروحته المركزية حول «فائض القيمة» باعتباره أصل الاستغلال والظلم الاجتماعي. وكذلك كان الأمر في «ابن يوسف» وخاصة من قبل طلبتها. ويبدو أن الأمر في «القرويين» كان مختلفا (؟!) خ-ما يسمى باليسار الجديد لاحقا (أواخر الستينيات) والذي تعتبر أهم ميزاته هي: تعريب وتوطين وقومئة.. الماركسية، ومن ثم نشرها جماهيريا (التلاميذ والطلبة والنساء...) انبثقت نواته الأولى في معهد ابن يوسف بالذات: ذ بنرحال والتلميذ بوعبيد حمامة ثم طالب حبيب بعد أن عاد من المشرق (سوريا) د-لم تتردد المجلة في الدعاية للصناعة السوفياتية، ولأديب اشتراكي من ألمانيا ولكن باحتشام ومرة واحدة. ذ-في المقابل، فقد حكم الحزب الشيوعي المغربي على نفسه بالنخبوية وبالتالي العزلة.. وذلك خاصة بسبب أداة اتصاله الفرنكوفونية. وعواقبها على مستوى المضمون... ولذلك لا نجد أثرا لاتصال ما معه من قبل المجلة، في حين إنها نقلت أو لخصت غير مرة، موادا من مجلة «الثقافة الوطنية» المحسوبة على الحزب الشيوعي اللبناني. 6 لقد نجحت المجلة في كثير على مستوى المهام والوظيفة التي طرحتها على نفسها، ومن ذلك خاصة: أ-استكتاب العديد من الكتاب البارزين مغربا وشرقا، أهمهم علال الفاسي، ع. الله كنون، ع. الله إبراهيم، ع. العزيز بنعبد الله والحمداوي... مغربا ومن المشرق: أحمد زكي، حسين فوزي، خليل الجر، عمر فروخ، الاهواني، تقي الدين الصلح وطه حسين. ب-كما فتحت صفحاتها للكتاب والمبدعين الشباب ولحساسياتهم وأذواقهم الجديدة في الشعر والقصة، خاصة: ع. القادر حسن محمد الصادق الشاوي، مصطفى المعداوي، محمد برادة،ع. الجبار السحيمي، بنسالم الدمناتي، المهدي اليرجالي التناني، ع. الرحمن السايح، أحمد صبري، وع. الله المصباحي. ت-تمكنت من استكتاب الطلبة المغاربة وخاصة في المشرق (3 حالات) ث-ونفس الأمر بالنسبة لاستكتاب النساء المغربيات ( 5 حالات) لم يعد لهم أثر كتابي بعد توقف المجلة (؟!) (في الكثير من حالاتهن، كن زوجات بعض كتاب المجلة). ج-لم تقتصر عنايتها بالأدب المغربي الحديث والمعاصر، بل امتدت بعض مقالاتها لطرح قضايا تتصل بتاريخ وشخصيات... الأدب المغربي والأندلسي الوسيط. ح-تمكنت المجلة في عمرها القصير، من الالتزام الحرفي بما وعدت به، أن تكون مجلة جامعة، ولقد كانت كذلك بالفعل ودائما، وذلك بما لا يقل عن عشرين ركنا كما نوهنا، فضلا عن اشتغالها بعشرة أصابع على البيانو ما يقول المثل، وهكذا فلقد توصلت إلى أهدافها بجميع وسائط الاتصال والتواصل الكتابي التي ابتكرتها الحداثة: الافتتاحية-المقالة-الشعر (عمودي وحر) القصة-الفنون (الغناء-المسرح-السينما-الموسيقى)-الحوار-الاستطلاع-التحقيق الصحفي-المراسلة-رسائل القراء-الأقوال المأثورة - الدرس التعليمي ?الصورة ? الكاريكاتير- الطرائف والنكث -الأخبار... الخ. سمح لها ذلك بأن تكون مفيدة بقدر ما كانت مريحة وممتعة. خ-وأيضا، فإنها لم تسقط في النخبوية ولا في الاسفاف، لقد تمكنت من حل المعادلة الصعبة في هذا النوع من الصحافة، عمق بدون تعقيد وبساطة دون شعبوية، فاخترقت بذلك ووحدت جمهورا متعلما من فئات ومستويات متعددة ومتنوعة. د-والمعادلة الصعبة الثانية التي نجحت في حلها، هي التوفيق، ومن تم التوازن وحتى التكامل والانسجام، بين بعدها السياسي الحزبي (من حيث نواتها المؤطرة) وانفتاحها استكتابا على نخب متنوعة واستقبالا على جمهور واسع. ذ-يستطيع المؤرخ السياسي كما الثقافي أن يعتمدها مرجعا للأخبار عن النشاطين كليهما خلال تلك المرحلة، فلقد كانت في تقاريرها الشهرية ومراسلات المدن، تكاد تتقصى أهم الوقائع الثقافية والأحداث السياسية على الصعيد الوطني والجهوي والمحلي... ر-تمكنت أيضا من تجاوز الحدود الوطنية استكتابا واقتباسا، سواء مغاربيا أو عربيا أو أوربيا. وذلك بشكل نسبي طبعا وفي حدود ملائمة، مقبولة ومطلوبة. 7 اشتغل الأدب في «رسالة الأديب» في خدمة نفس إستراتيجية التحرير النضالية والتقدمية. لقد حافظ الاتجاه الرومانسي في المغرب والمشرق العربيين، على التراث النضالي والنقدي للمدرسة الرومانسية في الغرب، وخاصة منها الفرنسية والأمريكية، حيث وقع الربط وحتى الدمج بين حرية الإنسان وتحرير الأوطان، وحق الشعوب في تقرير مصائرها، وذلك فضلا بالطبع عن قضايا مناهضة الظلم والدفاع عن الحق في الكرامة ودعم المستضعفين (الفلاحين والنساء خاصة) ومحاربة اليأس... الخ. توسلوا إلى ذلك مضمونا، عندما اضطروا إلى المحافظة والتقليد في الشعر مثلا، أو شكلا كذلك، إن بالابتكار (القصة القصيرة) أو التجديد (الشعر الحر)، ولم يهملوا لأجل ذلك، استثمار الأدب المغربي الوسيط وبعض رموزه البارزة أو المغمورة (مقالات كنون). لقد كانت الآداب (النشيد والغناء والمسرح...) من أكثر الأسلحة الثقافية فاعلية، والتي اعتمدها مثقفو الحركات الوطنية لأجل التوعية والتثقيف والدعاية والتحريض... خلاف، أو حتى نقيض، ما هي عليه اليوم أغلبها. 8 تعتبر لكل ذلك وغيره، مجلة «رسالة الأديب» نموذجا لمعاينة حقلين متجاورين، مترابطين... أقصد الثقافة والسياسة، وجدل العلاقة بينهما، أحدهما يتغيى الحقيقة والمتعة والآخر الفاعلية والنجاعة. في التاريخ، وهو دائما تاريخ دول، أي تاريخ سياسة، نستطيع ملاحظة كون الشعار السياسي، يأتي دائما عنوانا لاحقا لمقالة، هي في الأصل والمبتدأ، ذات طبيعة ثقافية، وكلما كانت الإستراتيجية السياسية أبعد، احتاجت إلى تمهيد فكري-ثقافي أعمق وأشمل، وجميع التحولات السياسية الكبرى في التاريخ المعروف للبشرية، احتاجت أولا وضرورة إلى حركات فكرية وروحية... تغير ذهنيات ونفسيات الأفراد والجماعات، قبل ومن أجل، تغيير البنيات والعلاقات، ولعله لذلك يصح القول بأن انتصارها أو إخفاقها، يرتبط بدرجة نجاحها أو إخفاقها في تحقيق ذلك الربط الجدلي والإيجابي بين الحقلين، جديد السياسة يعكس جديد الثقافة... وإلا فلا جديد... كذلك كان الأمر في الحركات الدينية الكبرى المنتصرة، وفي حركة الأنوار الأوروبية بالنسبة للثورة الأوربية (الفرنسية) والإصلاح الديني السلفي بالنسبة للحركات الوطنية العربية... [ تعليق: قصور الحركة الوطنية العربية بهذا الفهم، هو منتوج قصور حركة الإصلاح الديني السلفي، واستدراك القصور الأول لذلك، يقتضي استدراك الثاني، وهو ما يحصل اليوم ربما وأن بإخراجات وصيغ تبدو متنافرة وحتى متناقضة...(؟!)] لقد شكل تأسيس «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حدثا بالغ الأهمية والخطورة في التاريخين الفكري والسياسي للمغرب المعاصر، وإليه يعود الفضل، ودون منازع وبجدارة قال نظيرها في دول العالم المنعوت بالثالث، في تأسيس وترسيخ الوعي والممارسة السياسيين اليساريين بمحتوى اشتراكي-ديمقراطي-ليبرالي-وإسلامي متنور، بامتداد شعبي عارم وشامل للوطن بجميع جهاته وأقاليمه بل وقراه أيضا، وذلك في إطار صيغة تنظيمية عبقرية (غرامشية في عمقها) تمكن بواسطتها، من علاج مبتكر لجميع التناقضات الموضوعية في صفوف الشعب ونخبه، وتوحيدها وتعبئتها في مواجهة أخصامه في الداخل وأعدائه في الخارج. في «رسالة الأديب» سنجد المقدمات الثقافية والإيديولوجية الممهدة فكريا وسياسيا لذلك أو بعضه، ويحق القول لذلك، وبغض النظر عن الوعي الظاهر أو الصريح لروادها بل ولخصومها أيضا، بهذه الوظيفة أو المهمة التاريخية، فالحدث في التاريخ هو حصيلة التقاء: (تطابق، تقاطع، تمفصل، تصارع...) أوعاء وإرادات.. لا وعي وحيد أو إرادة منفردة. لقد صارعت بكفاءة وجدارة ضدا على قديم آيل، ومن أجل تيسير انبثاق جديد آمل. ونجحت في المساهمة لتحقيق ذلك. في الاتحاد الوطني، ق.ش (الكتلة التاريخية للمرحلة) سيلتقي يسار الحزبين الوطنيين (الاستقلال والشورى) الذين أبعدهما عن بعضهما تكتيك المناضلة ضدا على الاستعمار، مع الحركة العمالية (أ.م.للشغل) والصامدين من مناضلي المقاومة وجيش التحرير في الجنوب، والإصلاحيين من الفقهاء، وفقراء الفلاحين والصناع التقليديين والشبيبة والحركة الطلابية والنواة الأولى للحركة النسائية... جميع أولئك سنجد لمصالحهم ومطمحهم... حضورا وصدى في «رسالة الأديب». لقد أنجزت من أجل ذلك، وفضلا عما سبق الوقوف عنده، نوعا من الاستقطاب والبحث، في صفوف الشباب والنخبة خاصة، عن الأشباه والنظائر، مع درجة من الفرز بينهم أيضا، وكذلك التشبيك للعلاقات فيما بينهم إقليميا ووطنيا. وكذلك فإن المعارك اليسارية الموازية أو الهامشية، والتي ما كان لها أن تجد صدى في جريدتي الحزب (العلم والاستقلال)، كانت «رسالة الأديب» منبرا لها، أهم ذلك كان: الاتحاد المغربي للشغل (فاتح ماي) والاتحاد الوطني لطلبة المغرب (مؤتمر 58 في تطوان) ومعارك جيش التحرير في الجنوب المغربي... الخ. ضغط الأحداث وتسارعها.. سيعجل بتأسيس الحزب اليساري الجديد، ويوقف من تم «رسالة الأديب» وهي بعد في تمهيدها الدعوى «الرسالي»، فتزبب العنب لذلك قبل أن يتحصرم، ووضع «الطاجين» السياسي مبتسرا وقبل أن ينضج ثقافيا، وكذلك هي كانت مسيرة اليسار المغربي، حتى في مرحلته الاستدراكية اللاحقة في السبعينيات (؟!). بتوقف أو توقيف... «رسالة الأديب» (ماي 1959) لم يتوقف الرهان الثقافي لليسار على المجلة كأداة، لقد تأسست مجلة «أقلام» (مارس 1964) (بن عمرو السطاتي وبوعلو) ومجلة (لا) الفرنسية (زكية داوود) ولهذه المرحلة تاريخها الخاص بها. وبعدها، ستأخذ المجلة المغربية، نظير أخواتها في العالم، منحى التخصص غالبا، ويقل نمط الجامع منها، وتخصصاتها اليوم في العالم لا تقل عن الثلاثين صنفا. لم نأخذ بعد حظنا منها إصدارا واستقبالا. مراكش 10 يناير 2011 (*)- مهداة إلى الأستاذ الجليل السيد عبد الله الشليح، بمناسبة تكريمه. (انتهى)