أصل هذا المؤلف «يوميات» كتبها مؤلفه (مؤسس جبهة التحرير الجزائرية ورئيس دولتها لاحقا) وهو مختطف في مستهل الاستقلال الجزائري. وذلك من قبل رفاقه هذه المرة لا عدوه، الاستعمار الفرنسي، كما حدث عند اختطافه طائرا مع رفاقه الأربعة فوق سماء المغرب وفي ضيافته، لا صدفة ولا عبثا، فالذي اختطفه في الحالتين، هو نفسه الذي اختطف قضية شعبين و»عقول» نخبتين... وزج بهما في أتون صراع إجرامي.. منذ... «استقلالهما»، المجزأ والمنقوص وحتى اليوم. بقي هذا النص غريبا أو شاردا مرتين، عند نشره ابتداء (1963) في لغة غير لغة الشعب الموجه إليه. ولم ينشر بالجزائر نفسها، ومترجما إلى اللغة العربية، إلا بعد الاغتيال المأساوي لصاحبه. أما المغاربة وغيرهم من المغاربيين، فهم، كما أريد لهم، معتقلون في الحدود التي وضعها الاستعمار أصلا، لمنع اتصالهم وتواصلهم مع أشقائهم (لا جيرانهم) والنخبة في الضفتين ممعنة في هجراتها ما تزال: جبنا أو انتهازا سيان(؟!) «يوميات مختطف» هو من حيث التاريخ، نص مؤسِّس. رغم أنه غير معروف، لما أضحى يصطلح عليه ب«أدب السجون» ولدينا منه اليوم، والحمد لمن لا يحمد على مكروه سواه، عشرات النصوص مغربيا وعربيا، غير أن هذا النص، وحسب معرفتي، يستحق أن يؤرخ له باعتباره اللبنة الأولى والأكثر معاصرة لهذا النوع الأدبي الخاص والمزدهر في أنظمة القمع الرأسمالي التبعى العربية وغيرها كثير للأسف. هو نص عصي على التجنيس، إنه شارد على هذا المستوى أيضا، هو أدب بحصر اللفظ والمعنى لاشك فيه: يسرد، يصف، يصور، يشخص، يسترجع، يتأمل، يحلل ويعلق أيضا... كل ذلك في جمل قصيرة، ولغة مناهضة للثرثرة، متقشفة ولماحة وتلقائية سهلة وشبه مباشرة مع الكثير من السخرية اللاذعة والتهكم المر... والأسى...إلخ. غير أنه أيضا نص حواري جدالي، يناقش بالحجة ويقارع بالوثيقة، يذكر ويؤرخ.. إنه نص سياسي بامتياز، فالمختطف، رجل حزب وضابط عسكري ورجل دولة... وموضوع الاختطاف وهدفه ليس غير ذلك كله.. اختلاف الرأي والمواقف حول الحزب والجيش وإدارة الدولة... فيه للمؤرخ والاقتصادي وعالم الاجتماع والثقافة.. مادة وفيرة ولا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للباحث كما بالنسبة للممارس المغاربي المختص أو المهتم. لنقل إذن إنه نص «جامع». استرجاع: يجب علي أن أسترجع بالمناسبة، وقائع وأفكارا قديمة نسبيا، وذلك لما أفترضه من علاقة... * في العام 1970، وخلال رحلة طلابية، نظمت عن قصد، إلى الجزائر باسم (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب)، تم لنا أول لقاء تواصلي مع ما كان «الاختيار الثوري» احتفظت منه بفكرتين عبر عنهما الأخ حميد برادة (قدم من فرنسا للقاء). 1-لا معنى لانشقاقنا (كيسار جديد) عن حزب الاتحاد الوطني ق.ش. ذلك لأن الجماهير المؤهلة لوعي وممارسة خطابنا.. لا توحد خارجه. 2-إن من بين معيقات الخيال السياسي المغربي (قضايا البرنامج والنظرية والتنظيم..) أن الذين مارسوا وأخفقوا، غير مؤهلين ذاتيا لتحليل تجربتهم، وليس في مصلحتهم لذلك، توثيقها... والذين يملكون أدوات ونظرية التحليل (شبيبة اليسار) يفتقدون إلى المعطيات عن التاريخ المعاصر لوطنهم وتجربته: حزبيا، نقابيا، عسكريا وثقافيا...إلخ. عندما أعيد التفكير اليوم في هذه الأطروحة الثانية ألاحظ ما يلي: 1 -إن الوضع اليوم ما يزال مستمرا في عمومه كذلك، إلا قليلا، وهو لا يعود فقط إلى «أطروحة، إحجام المغاربة عن الكتابة وتخوفهم منها بل وتقديسهم لها... بل أيضا إلى إرادة سياسية، لا تشجع على ذلك، إن لم نقل تمنع منه، ربما خوفا على المستقبل، أكثر منه إشفاقا على أخطائها في الماضي. فبعضهم مازالوا أحياء يرزقون، أو أن أبناءهم يقتعدون مناصب حساسة. ولا يسرهم لذلك فتح الملفات الموروثة والتي قد «تدين» آباءهم (؟!) 2 -قد تخف قبضة تلك القوة السياسية على مستوى بعض الكاتبين، وأيضا على مستوى الطبع والنشر، ولكنها أبدا لا تخف على مستوى التوزيع، ولذلك حتى ما هو مطبوع ومنشور... لا يصل إلى عموم المهتمين والمختصين. لأن شبكات التوزيع محتكرة أمنيا وفرنكوفونيا... 3 -والأخطر من جميع ذلك، هو مخطط الغش والتزوير ونشر البلبلة... من قبل مختصين مأجورين على ذلك، في أقنعة كتاب وصحفيين بل و»جامعيين» وهم في هذا يستغلون مسألتين: أ-الرغبة الجامحة للمغاربة الشباب في معرفة تاريخهم الحديث والمعاصر. ب-الاستجابة التجارية للعديد من الصحف الخاصة (لا المستقلة بالأحرى)، لهذه الحاجة، ولكن بشكل منحرف، غير موثق، شعبوي، ويستهدف الإثارة على حساب الوثيقة وعلى حساب الحقيقة وأسماء «المعنيين» أضحت معروفة نسبيا. 4 -يجب القول مع ذلك، وهو «تجديف» من قبلي، إن موقعنا الجغرافي (=المغرب الأقصى) وتركيبنا الطبقي ونظامنا السياسي... كل ذلك جعلنا «محظوظين»، ولكن أيضا ناقصي السيادة على تاريخنا... (=مجتمعنا، دولتنا، ثقافتنا) ومضيعين للفرص ولتلك الخطوط... (؟ !) -مع الحداثة، أحرقنا سفن الاتصال بها، وأغلق المغرب على نفسه نوافذه نحو الشمال الأوربي (المولى محمد بن ع. الرحمن). -ولأجل الإصلاح الديني، حرفنا الطريق نحو ابن تيمية، وذلك بتوسيط محمد ابن ع. الوهاب (المولى سليمان...). -وعندما بدأت في التشكل، طبقة وسطى مدنية، تدخل الرأسمال الأجنبي ليدجنها (=الحمايات) ويعمق تناقضاتها مع إدارة الدولة. وبذلك انتحرت، بعد أن حفرت قبرها بأيديها (فقدان الاستقلال ومن تم السيادة). -أما المخزن، بوجهيه المركزي والجهوي، والذي كان في سبيله نحو الاضمحلال، فلقد قدر له الإنقاذ من قبل نفس الرأسمال الاستعماري، الذي أنجز نقيض ذلك في بقية مستعمراته عدا المغرب الأقصى (؟!) -وثورة.. وجمهورية الريف... لم تستطع تجاوز جغرافيتها القاتلة... إلا كانتحار، لقد خذلها الجميع في الحقيقة: المخزن طبعا والحساسيات القبلية المجاورة.. -وخلال الحرب الامبريالية الثانية، لم نطالب بالاستقلال (والديمقراطية عرضا) إلا عندما أوعز لنا به الاستعمار الجديد الأمريكي (روزفلت في لقاء أنفا). -وحُل جيش التحرير المغربي في نفس زمن تأسيسه.. لا تجربة، لا تأطير، لا مؤسسات، لا أفكار... بل إن المعنيين به لم يعرفوا في حينه، وربما حتى اليوم، ماذا وقع بالضبط في مغرب «الاستقلال» (؟!) مفاوضات «سان كلو» ومقرراتها السرية حتى يومه، مع أنها ما يتحكم في وقائعنا ومصائرنا حتى يومه (؟!). -وعندما خلط لنا ادغارفور بين موضوعين في آن: الاستقلال ورجوع الملك، وقعنا في الفخ. فأصر الملك ألا يعود إلى الرباط إلا ومعه استقلال، تبين لاحقا أنه لم يكن كذلك. وفي انقلاب درامي انحل ميثاق (1944) الوطني-الديمقراطي وانعقد آخر (1955) جدد فقط معاهدة الحماية (1912) أي عمليا استعمار جديد. -كانت الكتلة الوطنية قائمة (حزب الاستقلال) فشققناها، لنعيد تأسيسها (1970) بعد تاريخ من الميلودراما، ضاع فيه الكثير.. وهي نفس الصورة التي سيستنسخها اليسار «الجديد» لاحقا مع نفس حزب «القوات الشعبية». -أحزابنا الوطنية، تمارس السياسة بمنطق نقابي، والعكس بالنسبة لأكثر النضالات النقابية والحقوقية بروزا وتأثيرا (؟!) -أما المجتمع المدني ومنه العمل الصحفي.. فلم يعد سوى إدارة تحاور نفسها من جهة، أو مقدمات ممهدة لحزب سري «أمريكي» يتخلق في الأحشاء ويتغذى من تناقضات الفرنكوفونيين ومن بؤس وعيهم وانحطاط «وطنيتهم». تلكم حالات وأشتات متفرقة موضوعا وزمنا، يجمع بينها هنا، المشترك الدلالي منها. لم أتقصد منها التأريخ ولا التفسير أو التحليل وأحرى التنظير، بل فقط الملاحظة والعرض لما اعتبره ظواهر مطردة الدلالة، على أن المشكل يوجد في الموضوع لا في الأشخاص، في الشروط أكثر منه في الناطقين أو المتكتمين عنها. فالعطب، كما عبر المولى عبد الحفيظ، داء قديم (=تاريخي). إذ ما الذي يمكن قوله أو التذكير به أو الاستعبار منه... كل أمر هنا يأتي منة أو ينتزع عنوة، ليس ثمة سياسة بالمعنى المخصوص للكلمة.. ملعب.. «الصراع» غير ممهد، وهو مائل، ولا تناوب للفرقاء على شطريه، مرمى أحد الفريقين بشباك، والآخر بدونه، واتساعهما غير موحد، وعدد اللاعبين في الفريقين غير متكافئ. أحد الفريقين حافي القدمين والآخر بأحذية لها مسامير، مرمى أحدهما بدون حارس والأخرى بحراس. ليس للملعب حدود وليس للعبة قوانين، ولا جمهور حقيقي يشجع أو يراقب. وفوق ذلك فإن الحكام يسجلون لهذا إصابات ذاك... رموزنا الوطنية معذورون في الحقيقة، في الممارسة كما في التعبير عنها، تاريخا أو نقدا أو نقدا ذاتيا... لم يستكملوا صنع تاريخ، فيكتبون عنه تاريخا كاملا. جميع تواريخهم مجهضة، وحدها قصيدة «التبوريدة» للشاعر المجاطي تمكنت بقسوة ومرارة من تصوير بعض ذلك اللاجدوى أو حتى «العبث». ترى هل هو ضيق الرقعة الذي فرضه الاستعمار على المغرب الأقصى، هو ما كان أقبح جرائره على تاريخه ؟ ربما، فالأقصى لم يكن له تاريخ، سوى بالأوسط والأدنى وبجنوبه الصحراوي وشماله الأيبيري كذلك، لم يقم أو يزدهر أبدا كقطر، بل فقط كمغرب كبير. 5 -وهذا بيت القصيد من هذه الفذلكة. إن الملاحظة التي بدت لي نبيهة للسيد برادة، لا تنطبق بحال على تجربة الأشقاء في القطر الجزائري، وهذه «اليوميات» هي نموذج مصغر، ولكنه بالغ الدلالة، على بعض ذلك. الجغرافية السياسية والبشرية هنا أيضا، ستلعب دورا سالبا، فالمغرب الأوسط لم يتمكن قط من الاستقلال وتأسيس دولة، ربما لاتساع رقعته وقلة ساكنته. فلم يكن من تم بحاجة إلى «نظام» تفرضه إدارة دولة (؟!)... غير أن قرنا ونيف من تحديث رأسمالي استعماري عنيف، فرض عليه إنتاج عنف ثوري وطني مضاد، لم ينقطع تواصله حتى بعد «الاستقلال» وأي مداد يكتب به التاريخ غير الدم. والأشقاء نزفوا منه الكثير، وربحوا لذلك على الأقل، التخلص من البنيات العتيقة والمعيقة للوعي ولحركية المجتمع وتحرره وانعتاقه وتقدمه... يلفتنا في هذا النص الكثير، فهو بالرغم من أنه محض يوميات اختطاف، كتبت في شروط قاسية، أخطرها الإضراب عن الطعام، والذي دام بالنسبة لصاحبها أكثر من أربعين يوما. فهو يدل على أمور: 1-وعي سياسي عميق وراق جدا، النقاش هنا شفيف، صريح، دقيق ويفصل جيدا بين ما هو مبدئي أو نظري أو استراتيجي أو تاكتيكي أو إجرائي تدبيري.. أو محض مناورات. يميز صاحبه بين مواقعه أو مقاماته وخطاباتها. كقيادي في حزب، أو كضابط عسكري، أو كرجل دولة... في شتى شؤونها وسياساتها العمومية، في الاقتصاد والاقتصاد السياسي والمجتمع والدبلوماسية والثقافة والتعليم...إلخ. وبالرغم من أن بوضياف، يشير إلى تدينه الاعتقادي، وهو بعض مما كان يميزه عن أخصامه، بل ويقف كثيرا عند قضايا أخلاقية مثل الاستقامة والتضحية والصدق... إلا أنه أبدا لا يخلط بين المستويات. إذ أن المؤسسة الأخلاقية، في سياق خطابه تستحيل مؤسسة إيديولوجية-سياسية، وذلك عندما يتصل الأمر بجموع وبعلاقات، لا بسلوك فردي وحسب. السياسة هنا تكاد تكون في الدرجة الصفر، لا بلبلة ولا تشوش ولا خلط. لا بالدين ولا ب»أخلاق» (هي غير أخلاقية في حقيقتها) ولا بالأحرى بالشخصنة والشعوذة وحتى السحر. 2-هذه السياسة، ليست سياسوية محترف وصولي وانتهازي بدون مبادئ، ولا هي براغماتية تدبيرية وحتى تاكتيكية بدون استراتيجية، ولا هي استسلامية انتظارية جبانة وخَنوع، قابلة للمساومة دون شروط، ولا هي بالأحرى سياسة عمياء دون وعي ودون نظرية أو عقيدة... من خلال تحليلاته، تأملاته، وصفه وتعليقاته... الوفيرة والتي تتخلل سرده ليوميات الاختطاف والإضراب عن الطعام. نستطيع الخروج بأهم أفكاره ويقينياته في هذا الصدد: أ-لقد استمر يكرر، ودونما شعارية أو جمود، إنه في السياسة يشتغل بعقيدة، ألا وهي الاشتراكية، مؤكدا باستمرار صفتها العلمية (لا الأيديولوجية) منتقدا ومتهكما على جميع الإضافات الديماغوجية والتحريفية لها، من قبيل: الإفريقية - الإسلامية - الجزائرية - العربية...إلخ. وذلك باسم «خصوصية» مدعاة، هي أصلا متطلب من أوكد متطلبات أي تطبيق للاشتراكية، وهو أيضا لا يحس نتيجة ذلك، بأي تناقض لهذا، مع عقيدته الإسلامية الراسخة، بل على العكس، فالاشتراكية هي التطبيق المعاصر للعدالة الإسلامية، بالنسبة له...(في الحقيقة للعدالة في جميع الأديان قبل تحريفها الإيديولوجي، الإقطاعي ثم البورجوازي...). الاشتراكية هي ما يحدد ويضبط «المبادئ»، وهذه ليست مجردات أو معتقدات مثالية أو... إنها بالأحرى الوعي الأعمق والأبعد بالمصالح. إنها المصالح الشعبية والوطنية البعيدة الآماد، وليست مصالح الأفراد أو الفئات، أو حتى تلك المؤقتة والعابرة بالنسبة للطبقات المحرومة. ب-ليست الاشتراكية برنامجا وحسب، بل هي أيضا مفاهيم للتفكير ومنهجية في التحليل، إنها وعي نظري لممارسة سياسية ناجعة تقلل الخسائر وتعظم المردودية. هي جدارة مثقف ومؤهل حزب، حتى يكونا قائدين، وإلا فلا ضرورة لهما أصلا، إذ الصراع قائم بدونهما، وبشكل موضوعي، وتضحيات الشعوب وكفاحاتها أمر مفروض وليس اختيارا حتى إذا لم يرغبوا في ذلك أو حاولوا التهرب والتملص.. يتحدث الشهيد بوضياف عن التناقضات ومستوياتها وانتقالاتها... عن نظرية الحزب الطليعي، وعن المركزية واللامركزية الديمقراطيين، عن الاستقلالية النقابية والمجتمعية... ويجتهد فوق ذلك في تصنيف المجتمع الجزائري، وفي تحليل تشكيلته الطبقية بخصوصياتها في شروط التبعية..إلخ. عمليا.. الوعي، بما هو حفظ وتوثيق للذاكرة الوطنية والإنسانية، وتأكيد على الحقائق العلمية وخيال سياسي-برنامجي... ت-الوضوح النظري ودقة المفاهيم... وهما لا يقلان أهمية لدى بوضياف، عن الوعي التاريخي بالمرحلة، والحس النقدي لفهمها وللفعل فيها. هو لذلك واقعي، ينطلق من الواقع، ولكن لا لقبوله وإنما لتغييره، وأيضا بما قد يفرضه ذلك من تدرج ومن تنازلات أو مساومات، في إطار المبادئ لا خارجها، ولا بالأحرى المتناقضة معها، كل ذلك مع وعي حاد واستراتيجي بتحليل ووعي الجغرافيات الوطنية والإقليمية والدولية، الاقتصادية منها والبشرية والسياسية والثقافية...إلخ. ث-شرط جميع ذلك وغيره، بالنسبة للشهيد، هو وجود مناضلين حقيقيين ف»الرفيق قبل الطريق» وهذا لا يتأتى وحسب، بتوفر البعد الأخلاقي للمناضل الطليعي والمتلخص عنده في مصطلح «الاستقامة» بل أساسا، في ضبطه وتأطيره وتكوينه ومراقبته... حزبيا من جهة، وارتباطه اليومي والحميمي بالشعب، الإنصات إليه والعمل معه والتضحية من أجله. ج-ينتج عن توفر كل ذلك، إحساس عارم بالتفاؤل، ورجاء مؤكد في المستقبل، يفترضهما، بل وتفرضهما، الثقة بالشعب والعمل في أوساطه، وخاصة منهم العمال والفلاحين والشباب... ليس تفاؤلا ساذجا إذن ولا شعبوية.. بل إيمانا بقدرات الجماهير على صنع التاريخ، إذا توفرت لها طليعة: منظمة، مخلصة، واعية، شجاعة وذكية. هكذا كان يرى ويعتقد رغم العزلة ورغم المحنة. ح-الديمقراطية، بما تعنيه، وعلى جميع المستويات، من وجود قانون متوافق عليه، وسيادته، واعتماد الحوار والإقناع وسيلة رئيسة لاتخاذ القرار، وآليات النقد والنقد الذاتي المستمرين، والمراقبة والمحاسبة والإصلاح المطرد... خ-ما يختصر جميع ذلك لدى بوضياف في مؤلفه كما في حياته. هو شعاره المركزي والذي لا يتعب من ترديده وتكراره «الحقيقة دائما ثورية»، لا الحقيقة المستبطنة والصوفية، ولا حقيقة النخب الغنوصية «الفلسفية» والتي تصنف الناس بين خاصتهم والعامة، ولا حقيقة المخابرات التي تستعملها البيروقراطية لقهر الناس والتسلط عليهم ومن تم استغلالهم... بل الحقيقة لمناضلي الحزب والنقابة، الحقيقة للجماهير الكادحة ومعها، ولا يتم ذلك بغير العلنية وبغير إشراك المنتجين والعاملين في النقاش وفي اتخاذ القرار وفي المراقبة وفي الإصلاح... تلكم مجمل تأكيداته وتذكيراته... بالتراث النضالي: الفكري والمناقبي للإنسانية الديمقراطية والاشتراكية، وذلك نقدا منه للعدمية والتي قد تصل حد العبثية كما حدث فعلا. نقف الآن عند المحطة الأهم في منجزه، ما يتصل بجديده، إن على مستوى التحليل، أو المقترح، أو رسمه لآفاق الحل أو الحلول المطلوبة والممكنة في آن... أولا: التحليل: 1-وقد سبق أن نوهنا بذلك، إذ هو يعتبر المجتمع وتحليل تركيبته.. مدخل وشرط وعي الواقع واكتشاف قوانينه، ومن تم التمكن من المساهمة في إصلاحه أو تغييره. وهو قدم في ذلك أفكارا مهمة بالنسبة لتصنيف طبقات المجتمع الجزائري: مصالحها، تناقضاتها وصراعاتها... غير أن منجزه الأهم في ذلك، هو وقوفه عند أهمها في شروطه: البورجوازية الصغرى، والتي يُرجع إلى تسنمها القيادة، أكثر أسباب ارتباكات الثورة وإخفاقاتها ومن تم إفلاسها وارتداداتها... وكذلك هي غالبا عند ما تتصدر القيادة. كما هي حالتها في المغرب المعاصر أيضا. إن هذه الطبقة التي لا يكافئ نضاليتها، سوى أمراضها القاتلة، هي في الحقيقة المسؤولة الأولى عن التاريخ المعاصر لمجتمعاتنا العربية جميعا، وليس الجزائر وحسب، رغم أن جرائرها في هذه الأخيرة كانت أقبح. لقد كانت أمراض الثورة الجزائرية المجيدة، والتي قدم فيها الشعب أعظم التضحيات الإرادية في التاريخ المعروف للبشرية. من أمراض هذه الطبقة بالذات: الأيديولوجية والسياسية.. وهو يقدم لذلك تحليلا شخصيا رائعا، لرمز من رموزها البارزة: الرئيس أحمد بنبلة، إنها مثل الجمل في المثل المغربي، يدك ما حرثه، وذلك سواء أكانت في المعارضة أم في الحكم سيان. وهذا في نظره هو المصدر الموضوعي للمأساة، وليس الأشخاص، والذي لا حل له سوى بعلاج موضوعي، لا شخصي-سيكولوجي، ولا بالأحرى إرادوي. لنتذكر بعض تلك العيوب الفتاكة: التجريبية واحتقار دور الوعي والنظرية (يسميها الارتجال) / الانتهازية والوصولية.. بحيث يهمها السلطة وأجهزتها أكثر من محتواها ومردودها / الازدواجية بل والانتقائية النظرية، ما ينعكس عليها في الارتباك والتردد والخلط والغموض... والتناقض... في شعاراتها ومواقفها التاكتيكية / التحالفات المفتوحة حتى على الخصوم والأعداء / احتقار الشعب، والخوف منه، والخوف عليه، ومن تم الاستعلاء والوصائية / الانقلابية والمغامرة والنفس القصير واستعجال الحصاد...إلخ. هذا التحليل الاجتماعي-الثقافي والسيكولوجي أيضا لجذور الأزمة ثم الهزيمة بل والردة، التي أصابت أنظمة الثورة في الجزائر كما في غيرها من أمثالها (مصر-العراق-الثورة الفلسطينية) هي ذاتها التي تفسر، ولو جزئيا، حالة إخفاق المعارضات العربية كذلك. ومن بينها طبعا حالتنا المغربية الخاصة، والتي رغم التضحيات الجسام، من قبل نخبتها ومن قبل الشعب، وهي لذلك قد تبلغ في انحدارها درجة «الانتحار» السياسي لأجل إنقاذ الخصم، وذلك فقط مقابل مقاعد في السلطة والحكم. هذا التحليل المبكر والألمعي من قبل بوضياف في هذا الكتاب... هو ما يفسر بعضا من التآمر عليه من قبل «الجميع»، والأهم من ذلك في حالتنا الخاصة، تواطؤ «الجميع» على تهميش هذا الأثر الجليل القيمة، وذلك قبل اغتيال صاحبه، وحتى بعده. ليس في الجزائر وحسب بل ومغربيا وعربيا كذلك (؟!) لقد تمكن «مثقفو» هذه الطبقة (=البورجوازية الصغيرة) من تسفيه منهج التحليل الطبقي للمجتمعات (مع أنه في الأصل غير ماركسي ولا بالأحرى اشتراكي). وركزوا عن قصد، على تهميش وتمييع هذا المفهوم بالذات، وذلك حتى يخفوا عوراتهم عن الشعب، ويهبونها خفية لأعدائه وخصومه، وهم حتى الآن للأسف، نجحوا، وهي جولة في معركة لا تقل واجهتها الثقافية والأيديولوجية، عن واجهتها السياسية أهمية. ولا سبيل لذلك، لاستدراك الهزيمة السياسية، بغير استدراك هزائمنا على هذا الصعيد المفاهيمي-التحليلي-الثقافي والأيديولوجي. ضمنيا، واستنتاجا، فهذه وصية من وصايا الشهيد. 2-لقد اكتشف منذ ذلك الوقت، أن الاستعمار لم يخرج من الجزائر، وأنه جدد أدواته ووسائله ورموزه فقط. وأضحى «استعمارا جديدا» أو متجددا (كما هي عبارة علال الفاسي المفضلة). إذن فالتناقض القديم بين الشعب الجزائري والاحتلال مازال مستمرا، اختل فقط ميزانه، لمصلحة المستعمر، وذلك بتمكنه من اختراق صفوف الثورة بعملائه، ومن جهة أخرى باستمالة الانتهازيين والوصوليين في صفوفها إلى التحالف معه ضدا على المناضلين الحقيقيين في صفوفها. هو تقريبا نفس ما حدث في بقية أقطار المغرب الكبير، إنها الثورة المضادة إذن، وهي لذلك تحتاج إلى استراتيجية بديل، وإلى حزب بديل وإلى مناضلين للاستئناف، آخرين... وهو ما حاول في هذا الكتاب، النداء به والدعوة إليه. مع الأسف، سيحتاج الشعب الجزائري إلى تراكم مآسي ثلاثة عقود، قبل أن يكتشف الحقيقة، التي بسطها له بوضياف، غير أنه منع من الاطلاع عليها، وذلك بمنع الكتاب ومحاربة نشره وتوزيعه. والأمر مازال يتكرر، وفي جميع الأمصار العربية، ذلك لأن شرط تغيير الواقع، هو الوعي به. والحاكمون وخلفهم الاستعمار، يعملون على الحيلولة دون ذلك دائما.. 3-وبالنسبة لبوضياف، فإن أهم المؤسسات التي تجسد وتكرس ظاهرة تجديد الاستعمار، ومن تم الثورة المضادة، ليست في الاقتصاد أو حتى المجتمع (كما حصل عندنا في المغرب الأقصى) بل أساسا في: أ-الإدارة كبنية وكأشخاص.. ولقد سفه بعمق، وحارب بالحجة نظرية الإصلاح بالوسائل الفاسدة. إن الاستعمار، هو إدارته (قوانينها-هيكلتها-علاقاتها-نظمها وأعرافها وأخلاقياتها..) ولا سبيل للتحرر منه بغير إصلاحها أو حتى تغييرها، وهو في ذلك يقتصر على ثلاثة اقتراحات: التطهير - التقليص - اللاتمركز (وهو ضد اللامركزية التي يعتبرها متضمنة في جدلية الديمقراطية المركزية). ب-المدرسة (التربية والتكوين)، وهو يرجع أكثر مصادر فساد النخبة آت من ثقافتها الفرنسية (يقصد الفرنكوفونية)(*) ذات الطابع الانتهازي والمحتقر لليد وللعمل اليدوي وللطبقة العاملة (=الشعب). ت-الجيش: وقد اكتشف منذ ذلك، أنه هو الذي أضحى يحكم باسم حزب (جبهة التحرير الوطني الجزائري) وهو المسؤول عن التآمر عليه والشروع في اغتياله، ولذلك هو طالب فقط بتقليصه عدديا، والصرف من الفائض على التنمية. يقول: إن الشعب والدولة الجزائريين، هما في شروط الدفاع لا التوسع، وإذن فإن تضخمه لن يعني سوى خطرين: 1-الانقلاب على المؤسسات (وهو ما حصل فعلا في (1965). 2-العدوان على الجيران، أو بالأقل المناوشة، لتبرير العسكرة، وهو ما يرجح بوضياف أنه حصل، بتواطؤ (صريح أو ضمني) من قبل الطرفين كليهما (الجزائر والمغرب) للتخلص من معارضتيهما معا، أي من المناضلين الحقيقيين في القطرين الشقيقين، وذلك لأجل استكمال شروط الثورة المضادة، ولا يستبعد لذلك، أن يكون ذلك قد تم بتنسيق أو توجيه أو بالأقل إيحاء من المركز الاستعماري الفرنسي (ألم يكن الضباط في الجبهتين في الجيش الفرنسي أصلا ! أليسا معا أبناء نفس مدرسته (!) لو كانوا مغاربة حقا ما اقتتلوا). ستنتبه الأنظمة لاحقا إلى نصيحة بوضياف (=التقليص)، ولكنها عوضا عن أن تعود إلى شعوبها (=الديمقراطية) ضخمت من أجهزة الأمن (الشرطة - الدرك - المخابرات...) على حساب جيوشها (أداة السيادة)، ولن يكون خطر تلك عليها، أقل من خطر هذه، والأمثلة عن ذلك أكثر من أن تحصى. (أول ما قرره الاستعمار الأمريكي للعراق، هو حل جيشه الوطني العتيد، وتحويل مخصصاته للأمن وللمخابرات وللفساد طبعا). (في تونس، وحتى الآن، فلقد تمكن الأمن من سرقة، أو بالأقل مشاركة الانتفاضة في انتصارها؟!). 4-ولأنه يتوسل بمنطق جدلي، يرى إلى قوة الذات في ضعف خصمها أو عدوها، فلقد انتبه بوضياف منذ ذلك الوقت، إلى أن مصالح الرأسماليات الامبريالية متناقضة وبالتالي فإن سياساتها متصارعة عكس ما قد تُظهر، فإنه تحدث لذلك على الحاجة إلى استغلال تلك التناقضات لمصلحة التنمية الوطنية. وكان هذا قبل حديث الصينيين عن نفس الأطروحة، واستثمارهم لها، وبلوغهم بها وبغيرها، ما بلغوه اليوم من نهوض بالوطن وتقدم بالاشتراكية. مثلا: التهديد الأمريكي لقضايا اللغة والهوية. لا يقاس مقارنة إلى انحطاط الاستشراق الفرنسي، والسياسات الخارجية المطبقة له. ويصح قلب الحكم بالنسبة لقضايا المال والنقد والاقتصاد... في الحالتين.. ثانيا: الحلول وهو لم يقصر على هذا الصعيد أيضا، ففي سياق نقداته، تقدم بجملة أفكار ومقترحات إصلاحية أو بديلة، لمعالجة الوضع وتقويمه، ومن ذلك خاصة: 1-تأكيده أن جذر الفساد الاقتصادي-الاجتماعي، ومن تم فشل وحتى إفلاس تجربة التسيير الذاتي في القطاع الفلاحي، مثلا، هو الفساد السياسي، ومن تم فلا حلول اقتصادية لإنقاذ معاش الناس، وتدبير حياتهم المأزومة، سوى عن طريق اتخاذ إجراءات ذات طبيعة سياسية أساسا، لا إدارية-بيروقراطية ولا ترقيعات إجرائية اقتصادية. 2-أهم ذلك، بعد ما قدمناه، هو التخطيط الشامل، العلمي والواقعي، المراعي للخصوصيات المحلية، والمتكامل، بحيث يربط بين الوضعين الفلاحي والقروي، ويقتحم مجال التصنيع، وما يقتضيه من إصلاح التعليم والتكوين وإصلاح الإدارة... ولعل ما يثير الاهتمام في أفكاره أكثر، موقفه الإيجابي وفي ذلك الوقت (؟!) من سياسة القروض الخارجية، حيث يدافع عنها ولكن تحت شرطين: أن تستغل تناقضات الدول المقرضة للحصول على الأفضل منها. وأن توظف في الإنتاج (لا التسيير) وحسب المخطط المنوه عنه أعلاه. وفي القطاع الفلاحي-القروي يقدم أفكارا أو مقترحات أكثر تفصيلا. ولقد ثبت لاحقا أن هذا القطاع كان مقتل التجربتين الجزائرية ونموذجها السوفياتي. وبالمقابل فلقد كان مصدر نجاح التجربة الصينية (والهندية والفيتنامية احتمالا، وسر الصمود المعجز لكوبا). 3-وهو لا يتصور سياسة اقتصادية ناجعة، بدون توسيع السوق الوطني، نحو بناء المغرب العربي الكبير، فالقطرية (الموروثة عن الاستعمار) لن تنتج سوى الإخفاق بالنسبة للجميع (وهو ما حصل ويحصل)، بل هو يتحدث فوق ذلك عن السوقين العربية ثم الإفريقية، المشتركين. ثالثا: استشفاف 1-أكد بوضياف أن الوضع السياسي الجزائري لحينه، لن يستقر، وهو لذلك عابر ومؤقت، وأن تحالف الأطراف السائدة فيه، انتهازي، غير مبدئي بل وملغوم. ولذلك فلقد استنتج أنه سينحل، بنفس النمط الذي حل به التناقض معه وأمثاله في الحزب والدولة. أي بانقلاب عسكري، وذلك ما حصل فعلا، مع أنه نبه ابن بلة إلى ذلك في هذا الكتاب، لا بناء على معلومات، وإنما على تحليل.. غير أنه لم ينتبه (=ابن بلة) ووقعت المأساة، والتي اصطلى بنيرانها الجميع في المغرب الكبير، وحتى اليوم... 2-وحول العلاقات المغربية الجزائرية، فلقد حذر بوضياف من انفجارها، ليس وحسب بفعل الألغام الاستعمارية في الحدود، وإنما بالذات في قضية الصحراء نفسها، وذلك بسبب ما لمسه من نزوع «جزائري» نحو التسلط والهيمنة ومن تم التوسع. رابعا: الأطروحة (=أصل العطب) ويبقى الأهم في الكتاب هو أطروحته المركزية، والتي يعود له هو بالذات فضل السبق في اكتشافها أو بالأقل إعلانها وإشاعتها. والتي تعتبر في نظره أصل جميع الأدواء، والتي هي بالمناسبة، مصدر استمرار جميع مآسي المنطقة، وحتى يوم الناس هذا. 1-إن الاستقلال المجزأ، والذي اصطنع أوضاعا سياسية مختلفة لأقطار المغارب... هو مصدر تأخرها وفساد أنظمتها، وهو نفسه، يعتبر إعادة إنتاج أسوء، لنمط استعمارها المجزء في الأصل، هو كذلك. إن «الحكم الذاتي» لتونس تم خاصة «مفاوضات» إكس ليبان ثم «سان كلو»... هما أصل ومصدر المآسي اللاحقة. لقد وقع التخلي عن الثورة الجزائرية، وأخر استقلالها، وضاعف من شهدائها وخسائرها، والأخطر من ذلك منعه لاحقا اتحاد أقطار المغارب، وحتى اليوم. لقد انطلقت جيوش التحرير المغربية وخاصة في القطرين المغربي والجزائري، بقرار سياسي واحد، وتواطأ المؤسسون على التدرج في التنفيذ، وبلغ الأمر درجة الحديث عن شبه نظام اتحادي ملكي برلماني للمغرب العربي بقيادة محمد الخامس. إذ لم يكن لدى الثوار الجزائيين، فضلا عن جماهيرهم، أدنى تحفظ على ذلك، خاصة والرجل في المنفى معتقل.. وكنا بذلك سنجد حلا تاريخيا للمعضلتين الوطنية والديمقراطية معا وفي نفس الوقت مثلما فعلت الولاياتالمتحدة نفسها. والتي أنجزت ثوراتها الثلاث في آن معا: الاستقلال والوحدة والديمقراطية. في حين لم نحقق نحن أي مطلب من ذلك حتى يومه، ذلك لأنها، إذا لم تتحقق جميعا، فإن أيا منها لن يتحقق وحده. وهذه في الحقيقة هي العبرة الأكيدة والدرس الأهم في تاريخنا المغاربي المشترك. لقد خلط المفاوض المغربي بين رجوع الملك والاستقلال، وهما أمران مختلفان، وكان يفترض التمييز بينهما. وأجل موضوع استكمال تحرير التراب الوطني، وهو أمر غير جائز. وما زلنا لذلك نؤدي عواقبه غاليا، وذلك فضلا عن قبول التفاوض المجزأ وعلى حساب وحدة المغارب. وبمشاركة رموز الخيانة والعمالة.. والذين هم من تولى الحكم لاحقا(؟!) كان من مصلحة فرنسا، عزل المغرب عن الجزائر، ومن تم جيش تحرير البلدين عن بعضهما أولا، ثم إحداث شرخ في التحالف الوطني مع القصر، وذلك بإعطاء حزب الاستقلال الحكم، ثم تنظيم استفتاء بعد ذلك على رجوع الملك، وذلك بما يحفظ لها في نفس الوقت كرامتها الدبلوماسية، هي التي ادعت أن خلعه كان مطلبا شعبيا. تمكنت القوى الأكثر يمينية، ولعل على رأسها الصهيونية، من قلب المعادلة وذلك بقلب التحالف الفرنسي، من الوطنيين إلى إعادة التحالف مع القصر، فلم يعد محمد الخامس إلا و»الاستقلال» معه. ولكن أي استقلال (؟!) إنها نفس اللعبة التي انطلقت منذ بداية القرن 20. اصطناع «بورجوازية» وسيطة، وتهديد المخزن بالتحالف معها على حسابه واستعمالها في الضغط عليه وابتزازه، ثم ركوع المخزن، وتسليمه بكل شيء، مقابل بقائه وتمكينه منها ومن «الحكم» معه (=الاستعمار)، ولعل «المسخرة» ما تزال مستمرة بنفس آلياتها ومنطقها حتى يومه، وإن تغير الممثلون وتغير الديكور وربما الإخراج أما النص فهو هو (؟!) أخطر ذلك: أ- استمرار الإدارة الفرنسية وقواعدها العسكرية وأراضي معمريها ومصانعها وأبناكها وعملتها ولغتها... والأهم الحفاظ على جميع عملائها في السلطة... ب- استمرار احتلال موريتانيا والصحراء الغربية والمدينتان والجزر وأراضي الحدود الشرقية بين الشقيقتين، والتي سبق للاستعمار الفرنسي أن ألحقها غصبا بالجزائرالمحتلة... ت- تمكين القصر من شروط الحكم المطلق لإدارة الدولة. ث- إحداث شرخ، لم تفتأ تعمقه، بين الحركة الوطنية والقصر، إلى حين انتهائه إلى الطلاق والعنف الذي بلغ (=الأوفقيرية وتناسلاتها..) درجة الهمجية... ضدا على اليسار على عموم الديمقراطيين. المسؤولية هنا تقع بالنسبة للمؤلف، على النخبة السياسية القائدة، والمتخرجة أغلبها من المدرسة الفرنكوفونية، اقترفت جميع ذلك، خوفا على مواقعها من البروز المتنامي لقيادة جديدة، أضحى يمثلها جيش التحرير الوطني. و/أو طمعا في استعجال خلافة المستعمر في مواقعه، وعلى مصالحه، فلم تكسب سوى الانتحار، إنه نموذج للسلوك السياسي البئيس دائما للبرجوازية الصغرى. لقد كان يمكن للإنقاذ الاستراتيجي الذي بادرت إليه أهم قيادات جيش التحرير المغربي، وبدعم من علال الفاسي خاصة، بفتحهم لجبهة الصحراء، أن يأتي منه الحل، غير أن التآمر المتعدد الأطراف، وخاصة منه الداخلي، والذي وقف على تنفيذه الضابط المتآمر أحمد الدليمي، انتهى بالرهان إلى الهزيمة بمؤامرة عملية «المكنسة» (الكوفيون) العسكرية الفرنسية الإسبانية. وتواطؤ رسمي مغربي بالصمت (؟!). ومنذ ذلك انشغلنا بالداخل عن الخارج، بالتناقضات الثانوية عن الرئيسية مع الاستعمار، بالخصوم والعملاء عن الأعداء الحقيقيين، الامبريالية الفرنسية في الداخل وفي الصحراء وموريتانيا وفي الشقيقة الجزائر... ستعتبر النخبة الجزائرية أن تأخر استقلالهم وتعاظم تضحياتهم، كانت بسبب من خذلاننا لهم، وسيعتبرون لذلك أن الحق في الأراضي موضوع النزاع، هي لمن يحررها ويريق الدم على ترابها لا لمن كان يملكها، خاصة وأن هذا الأخير كان يملك الجزائر كلها تاريخيا (!!) غير أنه تخلى عنها منذ 1944 (هزيمة إيسلي العسكرية مع فرنسا). والغالب، أن الجهة التي أخفقت فرنسيا، في رسم نمط استعمار المغرب، هي ذاتها التي شجعت على ترديد هذا الخطاب الملغوم، وذلك من قبل أتباعها... من الذين سربتهم إلى قيادة جيش التحرير الجزائري قبيل الاستقلال.. لنتذكر في هذا الصدد التاريخي، أن قيادة الشعب الجزائري المجاهدة في شخص أميرها عبد القادر خاصة، كانت قد بايعت للسلطان المغربي على رسم الجهاد، بعد أن خذلتها الدولة العثمانية، غير أن هذا الأخير خذلها أيضا، متخليا بذلك عن واجب هو الأسمى من واجباته (=الجهاد)، وبقي صوت الفقهاء والعلماء المغاربة بدون صدى. إذن فالخذلان له تاريخ كذلك. لقد تأكد اليوم، وبالوثائق التي نشر بعضها، أن الأمر لا يتصل وحسب، وبالنسبة للأسباب، في سيادة نمط ثقافة، تمكنت من نخبتي الشقيقتين (منتوج المدرسة الفرنكوفونية إياها، اللاوطنية واللاديمقراطية والكلبية...) هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من تأخر واستبداد وصراعات مصطنعة... بل أيضا بتسريب مخابراتي مدبر، واقتحام استباقي لبعض ضباط الجيش والإدارة الاستعماريين من المغاربيين، من أبناء الأعيان والخونة غالبا... إلى صفوف الحركة الوطنية وقيادات جيش التحرير في المغربين، وهم الذين ساهموا في توجيه الأحداث الوجهة التي أخذتها، رموز أولئك أضحت معروفة في المغرب، من أمثال البكاي وأحرضان وعدي وبه وافقير...الخ وفي الجزائر، الأغلبية الساحقة ممن استعملهم بومدين في الانقلاب، والذين ورثوا الدولة لاحقا، والمسؤولون اليوم عن مآسي العلاقات بين الشعبين الشقيقين وضحايا تندوف... من الصحراويين المغاربة أو عموم المغاربيين... «الموظفين» مخيمات الاعتقال إياها. (* )- ليسا أمرا واحدا، اللغة والثقافة الفرنسيتان، ثروة إنسانية عظيمة؛ أما الفرنكوفونية، فهي التوظيف الاستعماري للفرنسية ضدا على لغات وثقافات وشعوب ودول... مستعمراتها القديمة والمتجددة. كما أن الفرنكوفونية كأيديولوجية وكسياسة، قد تتوسل أيضا باللغة العربية أو الأمازيغية... كما يحصل راهنا. خاصة في الكثير جدا من الصحف «العربية» الخاصة والحزبية معا. في المحصلة: الاستعمار وحزبه في الضفتين معا، المبثوث في الإدارة وفي الجيش وفي المخابرات وفي الاقتصاد، ولكن أيضا وأيضا في الثقافة وفي الإعلام، هو من قام بالثورة المضادة في الضفتين، وحرف مسار الثورة الوطنية الوحدوية والديمقراطية... نحو التجزئة القطرية ونحو الاستبداد بالنتيجة، إذ لا استبداد دون قطرية ولا تنمية ولا ديمقراطية مع الكيانات القطرية الضعيفة والمستضعفة اتجاه الاستعمار.. ولكنها المستأسدة على شعوبها.. وأيضا، فإنها بعض عواقب ثقافة و»مثقف»، يحمل سلاحا خطيرا، ولكنه عندما يكون غير مؤطر من قبل حزب مناضل... يضبطه، يوجهه ويراقبه، فهو لذلك غالبا ينحرف، يتسيب، ينساق مع أهوائه ومصالحه الخاصة والشخصية، ويقدم خدماته لمن يقدم أكثر... وهي مرة أخرى حالتنا المعاصرة عموما. إن الذي يشتغل بدون استراتيجية، يسقط موضوعيا في خدمة استراتيجية غيره، وقد يكون هذا «الغير» خصمه، بل وقد يكون عدوه، وهذا بالضبط ما حصل لنخبتينا الوطنيتين في الضفتين (؟!) 2-وعند جوابه الضمني والمتخلل للنص، عن سؤال ما العمل لحل الأزمة بل الأزمات والاستجابة للتحديات؟ نستخلص مسألتين: أ-تأكيده المستمر على أهمية، بل ضرورة تطابق، أو بالأقل تقارب الوسائل مع الغايات، وإلا اختلت العلاقة، وكل استخدام لأساليب الخصم في محاربته، تُسقط حتما في خدمة أهدافه ومخططاته، وبذلك ينتهي التناقض والصراع، وينتهي الخصام، ليحل محله التطابق والتواشج، لذلك يرفض بوضياف مطلقا، استعمال العنف وخاصة منه الإرهاب، ويحتقر المغامرة وخاصة منها الانقلابية. ب-ولأن المرحلة مازالت بعد ذات طبيعة وطنية وانتقالية ديمقراطيا، فهو يدعو لذلك إلى إعادة إنتاج مصالحة وطنية، أو لنقل صياغة ميثاق وطني كفاحي جديد، لأجل مواجهة مستجدات الاستعمار، أهم مقوماته، فضلا عن إطاره الشرطي المغاربي، تصحيح الأخطاء المقترفة، ولا يكون ذلك بغير: 1- الحوار 2-إعادة بناء الحزب على أسس نضالية ديمقراطية، وتكريس مبادئ الثورة الوطنية الأصل، 3-العودة إلى الشعب: مكاشفته بالحقائق وضمان مشاركته في القرار وفي التنفيذ وفي المراقبة والتصحيح. كان الفقيد الشهيد يردد دائما قولته الشهيرة «أعداؤنا بالأمس هم أنفسهم أعداؤنا اليوم» إنها فرنسا الاستعمارية ب»ثقافتها» الفرنكوفونية (لا الفرنسية بالأحرى) ومؤسساتها المالية والاقتصادية... ولكن أيضا بعملائها في إدارات الدولة والمجتمع والذين تشترط فيهم أن يكونوا: 1-أبناء عملاء عريقين أو من أسرهم. أو 2-متزوجين من فرنسية أو 3-لفرنسا عليهم دالة. وخاصة تلقيهم العلم (النافع لهم ولها) من مدارسها وجامعاتها. وبالطبع فإن قابلية الفساد والاستعداد للعمالة والإفساد... يعتبران شرطا مسبقا. لعل هذا الوضع، هو ما يدفع اليوم البعض للأسف، إلى البحث لهم عن حماية في الحزب الأمريكي، والموجود خاصة في العديد مما يسمى ب»المجتمع المدني» وفي الجامعة والصحافة... وهو «اختيار» لا وطني ولا شعبي ولا ديمقراطي.. وأسوء من الأول. ويشبه ما قالته الأعراب قديما.. «كالمستجير من الرمضاء بالنار». وبعد، فما الذي يبقى للأحياء من موت بوضياف المأساوي، هنا أو هناك أو هنالك؟ 1-لقد عاش مثل أكثر الأنبياء والأولياء، محاربا ومعزولا بل ومنفيا... في مؤامرات شارك فيها الجميع قصدا أو تواطؤا، بما في ذلك شعوب ونخب المغرب غفلة. وحينما اعترفوا بالحاجة الماسة إليه، تبين أن حلوله هي أبعد من الحدود التي تضعها الأطراف للأزمة وحلولها.. فاغتالوه، جميع الأطراف لم ترتح لرئاسته، ذلك لأن انتصاره، كان يعني انتصار الحقيقة، انتصار الشعب، انتصار الديمقراطية والاشتراكية، وانتصار الاتحاد المغاربي... وهذه جميعا وغيرها هي ربح لشعوب المنطقة، وخسارة لحكامها بما فيهم خاصة الامبريالية (الفرنسية بالذات في حالتنا المغاربية). غير أن هذه العزلة والعزل... بالذات، والذي عانى منه هو أكثر من غيره، وإلى حين اغتياله رئيسا للجمهورية الجزائرية، هو ما يجعله متميزا ومؤشرا ودليلا على الحق وعلى الحقيقة... العزل والنفي ليس دليل ضعف أو هزيمة، بل العكس تماما «ووجدك ضالا فهدى...»بك الناس (الضالة: الشجرة المنفردة في مفازة، يستهدى بها عند التيه) وذلك بالذات، لأنها منفردة ومعزولة، وكذلك هي بالمناسبة كانت حالة شقيقه، وربما ابنه في التجربة وفي الفكر والاستراتيجية، الشهيد المهدي بن بركة.. قبل اغتياله هو أيضا. ونتيجة تواطؤ أطراف متعددة (؟!) لعل من المؤشرات الثقافية لنهوض سياسي-شعبي قابل، هذه العناية الخاصة والاهتمام المتميز، الذي يوليه القراء العرب اليوم، ومنهم المغاربييون للتاريخين الحديث وخاصة المعاصر لتجارب ولرموز أوطانهم، إنه نوع من النبش في الذاكرة والتدقيق والتحقيق في الوقائع والكشف عن الحقائق... تصحيحا لتاريخ، وصياغة لخيال سياسي جديد ومن أجل مستقبل أفضل... إنه نوع من عودة الوعي أو استرجاعه وترميمه (وفي هذا الإطار يصدر هذا الأثر) يبقى المطلوب، أن يتسع الاهتمام المغربي نحو أشقائه، فتاريخنا الخاص مرتبط أشد الارتباط بتاريخهم، والعكس، ولا يمكن فهم الأول دون فهم الثاني والاطلاع عليه تفصيلا. ومن ذلك مثلا، وفضلا عما سبقت الإشارة إلى بعضه: إن ظاهرة «الاختيار الثوري» للشهيد المهدي، باعتباره نصا يتيما في تاريخ الفكر السياسي المناضل بالمغرب، لا يمكن فهمه، دون الوقوف عند هذا النص الشارد لبوضياف. وذلك أمر نلاحظه في ثلاث قضايا على الأقل: 1-تحليل مسألة «استقلال المغرب» كمؤامرة استعمارية 2-نقده خوض المعارك في الكواليس وبعيدا عن مصارحة الشعب بالحقيقة 3-مسألة الأهمية الإستراتيجية بل والمصيرية لأداة الإصلاح والتغيير ألا وهي الحزب الثوري. والمثير أن يكون مسار القائدين هو نفسه، فالمهدي أيضا اغتيل في شروط «التفاوض» معه لاستقدامه للمساهمة في حل «الأزمة» المغربية. هل كان ذلك لذلك، أم بسببه؟ سيان. والمهدي لم يقدم على المنفى، إلا بعد أن «نفي» في الداخل ومن قبل رفاقه بالذات، وعلى جميع المستويات: في الحروب النقابية (ابن الصديق) وفي الشبيبة والطلبة، وفي صفوف قدماء المقاومين.. (البصري)، وذلك بالطبع فضلا عن إدارة الدولة (مذكرات ع. الواحد الراضي) بل وبتدبير منها هي بالذات. 2-يجب أن نذكر ونذكر، أن الحركة الإسلامية الجزائرية، خاصة منها جبهة الإنقاذ، أخطأت العلاقة مع الفقيد، فهو المسلم المؤمن والملتزم من جهة، ولكنه الاشتراكي أيضا، كان الأحرى بهم أن يحاوروه ويدعموه ويحموه، لا أن يتركوه معزولا لأخصامه في العسكر وغيره، لعل هؤلاء فعلا استقدموه لأجل قمعهم(!)، وأي عيب في هذا الاحتمال، كان عليهم أن يقلبوا عليهم ظهر المجن، وأن يدخلوا في مصالحة تحت قيادته. أخص بالملاحظة قيادة الخارج، إذ أن قيادة الداخل بادرت إلى شيء من ذلك، غير أن المتطرفين في السلطة اغتالتهم وشجعت المتطرفين في الجبهة، ذلك لأنهم وجهها (=السلطة) الآخر في حقيقة الأمر. غير أن ذلك كذلك يدل أيضا، وفضلا عن الفقر السياسي الفاضح للإسلاميين، على الفقر في المعطيات والمعلومات التاريخية وحول الأشخاص... وهو الأمر غير العفوي بالنسبة للسلطة (المحلية والاستعمارية) بل مقصود ومدبر، ذلك لأن الذاكرة سلاح أيضا، ومفتقدها يجرد نفسه منه فيصبح ضعيفا لذلك، ويسهل التلاعب به. لا يقبل التاريخ القطيعة بل الاستمرار، ومن لم يعتبر نفسه استمرارا، يحكم على نفسه مسبقا بالهزيمة. وهذه عموما حالة الحركات الإسلامية العربية المعاصرة، ونقطة من أخطر نقاط ضعفها القاتلة. لقد كان أولى بهم، وحتى اليوم، اعتباره جزءا من ذاكرتهم الإسلامية، ولكنها المتميزة باشتراكية علمية، يفتقدها للأسف خطهم السياسي (؟!) عمق هذه الملاحظة، لا يخص جبهة الإنقاذ، بل يعم الحركات الإسلامية المعاصرة، فهي إذ انبعثت متجاوزة بعض أهم عيوب اليسار (ضعف النضالية وضعف الارتباط بالشعب وبذاكرته وقيمه) فهي لم تستفد من إيديولوجيته ولا من تحالفاته، بل على النقيض تماما، قرأت الإسلام قراءة رأسمالية، وعادت الاشتراكية والاشتراكيين، وانتهت بذلك إلى نقيض سعيها، وهي الآن تعاني الويلات ممن تحالفت معهم بالذات (=الرأسمالية الأمريكية)، ولم تكتسب بعد ثقة من يفترض منها أن تتحالف معهم، الطرفان معا يحاربانها، فأي سياسة راشدة هذه؟! (لا حمار لا سبع سنتيمات) 3-لو كانت خسارة أوطاننا وشعوبنا في اغتيال المهدي وبوضياف وأمثالهما في أشخاصهم فقط، لهان الخطب، المعضلة اليوم، أن الذين في السلطة ولم ينصتوا إلى تنبيهاتهم وإلى نصائحهم، فأوصلونا إلى ما نحن عليه جميعا، حيث استوى الماء والخشبة، وانتهت الأنظمة إلى نفس المآلات تقريبا، وما حرثه الجمل دكه لاحقا، فعادت الجزائر لتصبح مثل غيرها على جميع المستويات تقريبا. النخبة الجزائرية التي حكمت بدون مبادئ، بدون ذاكرة، بالتالي بدون خيال... اقتصرت لذلك على فتح قمطرات النخبة العسكرية الفرنسية التي خلفتها، فكانت في العمق استمرارا لها وامتدادا لنفس إستراتيجيتها الرأسمالية والاستعمارية.. في نهاية التحليل. -تفكير هيمني توسعي في المنطقة، ومحاولة تأسيس المغرب الكبير بالقوة وبالتآمر... -احتقار الشعب، ومعاملته كمستهلك للخيرات، لا منتج لها بالأحرى. -سياسة تدبر الأشياء والممتلكات لا الإنسان. -ازدواجية ثقافية-اجتماعية قاتلة: أ-عربية للتدين وللأسرة وللذاكرة... مراجعها في الأغلب الكتب الصفراء ذات الطابع الإقطاعي التقليداني المستورد من المشرق باسم «التراث»، وما هو كذلك، يوظف لإرضاء «الشعب»، وأيضا لتخديره. ب-فرنسية-فرنكوفونية في حقيقتها، يوظفها تكنوقراط، هم في الحقيقة مخابرات، توظف لتسيير الإدارة وتدبير الاقتصاد، ولكن أيضا وبالأحرى لاصطناع تميز اجتماعي-ثقافي وتبرير السيطرة عن طريق «اللغة» (الفرنكوفونية = تحويل الفرنسية من أداة معرفة وتواصل... إلى أداة ووسيلة للاستقواء والتميز والهيمنة وحتى السيطرة والاستتباع). -بذلك، وبغيره من أمثاله، وقع تشويه استعماري في حقيقته، للصراع، ومن تم تحويله من أفقي اجتماعي بين طبقات، إلى عمودي ثقافي بين هويات. وكان لابد لذلك أن يؤدي إلى أزمة انتحارية، إلى انفجار، وإلى شبه حرب أو حروب أهلية، هدمت كل ما وقع بناؤه، وأوقفت المسيرة، وسمحت للامبريالية بالانتقام لها من جزائر الثورة وسياستها الخارجية المناضلة (تماما كما حدث لأمثالها في اندونيسيا، مصر، يوغسلافيا...) ويبدو، ومن خلال اللغم المزروع في الدستور الأخير، أن مخططهم المقبل في المغرب، يستهدف ذلك بالضبط تحريف الصراع من ميدانه الحقيقي بين طبقات اجتماعية: رأسمالية وكادحة وضد الاستعمار... إلى صراع أفقي بين هويات لغوية وجهوية وربما أيضا دينية: اليهود «المغاربة» في المهاجر، وأخطرها بالطبع، الكيان الضعيف الاستعماري لأرض فلسطين والإجلائي لشعبها. واليوم، ومرة أخرى، فإن سياسة بدون ذاكرة، هي سياسة بدون آفاق والاستقواء عن طريق إضعاف الأشقاء، هو إضعاف للجميع. لنتذكر أن هذه المنطقة في الشمال الإفريقي، لم تقم لها قائمة دولة، بالمعنى الدقيق للكلمة (إدارة مستقلة وذات سيادة..) إلا وهي موحدة مجتمعة، جميع الحالات التي حاولت إقامة كيان سياسي لدولة في جزء منها فقط، باءت بالفشل، بما في ذلك الأجنبية (رومان/ وندال/ أتراك/ فرنسيون في الجزائر خاصة) أو محلية (خوارج/ شيعة/ أمويون/ بورغواطيون/ حفصيون/ بنو عبد الواد...) وحدها الحركات والدول الموحدة والموحدة، قامت وتجاوبت معها شعوب المنطقة جميعا (مرابطون-موحدون-مرينيون) أما كون مراكز هذه الحالات الناجحة كانت جميعها في أقصاه تاريخيا. فذلك تم غالبا لسببين أمنيين واستراتيجيين، ولكنهما ظرفيين تاريخيا. الابتعاد عن المشرق سياسيا وعسكريا، والاقتراب من شبه جزيرة ايبريا، مكمن الخيرات ومكمن الخطر والتهديد في آن معا. ما حاولته وتحاوله نخبة الجزائر الحاكمة، سبقهم غيرهم إليه، ولكن دون طائل. إن الجغرافيا تشرط التاريخ، وكل وعي سياسي يتغيى أن يكون واقعيا وتاريخيا وطموحا... يجب أن يُدخل في اعتباره شروط الجغرافيا، الطبيعية منها والبشرية والاقتصادية والثقافية... وهذا ربما ما كان ينقص عموم نخبتنا المغاربية والتي انطلقت كذلك (=مغاربية): نجمة شمال إفريقيا (مصالي الحاج) / اتحاد طلبة شمال إفريقيا المسلمين / مكتب المغرب العربي في القاهرة ثم جيش التحرير المغاربي.. غير أنها سرعان ما تراجعت، لتشتغل ضمن نفس إستراتيجية الاستعمار القطرية التجزيئية، والتي ما نزال نؤدي جميعا عواقبها القاسية والمحبطة على الجميع وعلى جميع المستويات. ولعل مما له دلالات في هذا المنحى، اختيار بنبركة مدينة الجزائر لمتابعة دراسته الجامعية، واختيار بوضياف المغرب ملجأ لمنفاه الاضطراري. إن الجغرافيا، تنتقم ممن لا يعترف بها، رحم الله ع. الله بن ياسين وابن تومرت وعبد المؤمن واليعقوبين الموحدي والمريني... وذلك فضلا عن رموز الثقافة ممن نصبتهم شعوبنا أولياء عليها (تسميهم، الصلحاء)... فجميعهم تقريبا مغاربيون (راجعوا، للتأكد، سيرهم). لنرى الآن إلى الحصيلة في الأقطار الثلاثة. أما ليبيا وموريتانيا فليستا دولتين أصلا، وذلك بحكم الجغرافيا والتاريخ معا. لنر إذن إلى مشاريع الدول، إلى ماذا انتهت إليه اليوم جميعا بعد أن تقاربت سياساتها ونظمها، وأحيانا تطابقت: 1 -لم تنجح إدارات دولها في اكتساب المشروعية، فهي اليوم أبعد ما تكون عن تمثيل مجتمعاتها، بل وحتى الاقتراب منها. المجتمعات المغاربية في حالة هجرة متنامية خاصة منها شبيبتها: أ-عن سياسة الإدارة (وليس عن السياسة) وأكثر ما يظهر ذلك بمناسبة جميع أنواع الانتخابات وذلك بالمقاطعة. ب-هجرة في الزمن نحو الماضي، باسم الدين والمثل والبحث عن هوية. ت-محاولات الهجرة في المكان نحو الغرب بما قد يقتضيه ذلك من حس أو سلوك نضالي استشهادي (= الحريق لأوراق الهوية، صنيع سلفهم الماجد: طارق بن زياد مع السفن) ث-هجرات نفسية (= المخدرات) أو ثقافية (= الشابكة والفضائيات...) 2 -الفشل في الديمقراطية: أ-عمليا لا وجود لقانون أسمى (= دستور) وأحرى سيادته، فذلك يقتضي التوافق الوطني حوله، وأن يتحكم في جميع المؤسسات والأشخاص، وهما شرطان لا وجود لهما فعليا في أي من أقطارنا المغاربية. ب-قضاء مسخر من قبل أجهزة الأمن لمصالح سياسية واقتصادية-اجتماعية، إذن لا عدالة ولا إنصاف... ت-الحريات، وفي المقدمة منها الصحافة، هي في حالة سراح مؤقت. ث-المجتمع المدني: مخترق أمنيا أو حتى مصطنع في جميع صيغه وهيئاته: الأحزاب-النقابات-الجمعيات-الصحافة... هو في سبيله إلى الانقسام عموديا بين مجتمعين: إسلامي وإداري (؟!) ج-حقوق الإنسان: الأهم فيها ومنها، غير موجود وخصوصا بالنسبة للقرى والنساء والشباب: الشغل-السكن-الصحة والتعليم والتكوين الجيدين والملائمين. 3 -فشل في التنمية وأخصها الإنسانية في مجالي الثقافة (التعليم والتكوين والإعلام) والسياسة (=الديمقراطية). والباقي متعثر، غير استراتيجي وغير منافس عولميا وأكثره يخدم بالأساس الأجنبي (مستثمرا أو سائحا) وطبقات الحكم وفئاته إن المؤشر الأخطر والأفظع والأدهى، هو انهيار النظام التعليمي بجميع مستوياته وأزمة البحث العلمي وهجرة الكفاءات. سببان رئيسان لذلك : أ-سيطرة الأمن ومنطقه على إداراته ومسؤوليها ب-سيادة الايديولوجية على برامجه ومناهجه، والفرنكوفونية على جامعته ومدارسه العليا وتكويناته المهنية. 4 -الإدارة: استمرار، وإعادة إنتاج، للإدارتين الموروثتين عن الإقطاع وعن الاستعمار، متضخمة، كسولة، متعسفة، أمنية ومرتشية... 5 -أما المجتمعات المغاربية، ففي سياق محاولاتها الدفاع عن مقوماتها وكيانها، وفي حدود وعيها... انتهت، وهي تنتهي أكثر فأكثر، نحو المحافظة ونحو التقليدانية، مع أنها سلكت نقيض ذلك حتى الأمس القريب، لقد أحسن الأفراد وأحسست الجماعات، أن قيمهم ومؤسساتهم (أهمها الأسرة) مستهدفان بالعبث والميوعة والتحلل، فانكمشوا على أنفسهم، وتحصنوا بقواعدهم الموروثة، إلى حين اتضاح الرؤية واسترجاع المقاييس المائزة، بين الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، الطيب والخبيث، الجيد والردئ، التقدمي والرجعي...الخ. 6 -يعتبر الدين، بعد الأرض، آخر حصون الوحدات الوطنية، والمواثيق الاجتماعية... لم يعد بعد موحدا بل مفرقا. وذلك خاصة لدخول الايديولوجيا في تأويله والسياسة في توظيفه وتدبيره. وذلك من قبل إدارة الدولة أولا قبل أن يرتد عليها بعض المجتمع برد فعل مضاد، غير أنه من نفس الطبيعة والدرجة... (قانون الفعل ورد الفعل). وبذلك فسد الصراع السياسي، وأضحى عقيما غير منتج، إلا ما كان من أخطار الفتنة... إنها بعض من استراتيجية «الفوضى الخلاقة» الأمريكية، تطول الدين والتدين والعقيدة والمذهب، وذلك بدعوى «الحق في الاختلاف» و»التعدد» و»التنوع» والحال أن ضعف أو حتى انعدام الوحدة الوطنية ثقافيا، لا ينتج سوى الفتنة والحرب الأهلية سياسيا، إن ما يصنع شعبا في الجغرافيا والتاريخ، هو فضلا عن وحدة الأرض والمصالح والتاريخ المشترك... وحدته الثقافية. وفي الصلب منها، تجانسه أو بالأقل تقاربه الديني-الأخلاقي والسلوكي.. انتروبولوجيا. لقد تأسس مفهوم أو حتى مبدأ «الحق في الاختلاف» و»التنوع» لخدمة الشعوب وقضاياها، وحربا ضدا على أعدائها الطبقيين في الداخل وخصوصا الاستعمار في الخارج، هو سلاح للفرز السياسي، وللتمييز، يعكس التناقضات الأيديولوجية والسياسية وحتى الثقافية أيضا، أفقيا بين الطبقات أو بين الشعوب المستضعفة والامبرياليات. لا للفرز وللتمييز العمودي بين الفئات والجهات والقبائل واللغات الوطنية كما يحرف اليوم ويوظف لأجل تضبيب الرؤية وإحداث «الفوضى» و»الفتنة» عوض الصراع الطبقي والصراع الوطني الديمقراطي. والصراع التحرري والتحريري... للأرض وللاقتصاد وللسوق الوطنية وللمجتمع وللغة والثقافة... وللأذواق وللذاكرة وللخيال...إلخ. 7 -أما الثقافة: فهي تمارس وتشجع في صيغ: أ-الجماهيرية: مهرجانات الغناء والرقص/ الارتجال والتهريج في المسرح والتلفزة/ البورنو في السينما... ب-الفولكلور للفرجة والسياحة بما في ذلك تشجيع التدين الشعبوي والتصوف الطرقي والشعوذة والخرافة والسحر... أما الثقافة الواعية، العلمية، النقدية، الديمقراطية.. فهي على الأقل مهمشة ومعزولة وأحيانا محاربة... ت-الشكلانية والعدمية والعبث واللاأدرية والشعبوية... في الآداب والفنون.. لنختصر كل ذلك ونقول مع القائلين باحتضار السياسة، ونظيف إليها بالتبعية الثقافة، ما يعني موت المواطن، وبالتالي الدولة نفسها لمصلحة إدارتها، التي تتحول تدريجيا إلى محض بقالة لتصريف الأشياء وتدبيرها لا الإنسان، وإلى عسس وأمن يحيطون بحاكم «بأمر الله» لا باسم الشعب، بالتالي شخصنة الحكم والسلطة. في الجزائر، وفي سياق «الحرب الأهلية» التي لم تنته بعد، تمكنت السوق الأمريكية من احتكار سوق الحبوب الجزائري (أكبر سوق في العالم) واقتسمت مع فرنسا أسواق: الغاز والبترول واللغة. ولم يبق سوى سوق السلاح إذا انتهوا إلى احتكاره واقتسامه (مع روسيا خاصة) فينتظر لذلك أن تنتهي «الحرب» المصطنعة أصلا(؟!) أما في تونس، فالأصابع الأمريكية المنافسة للاحتكار الفرنسي واضحة سواء في انقلاب ابن علي أو الانقلاب عليه، محرفين بذلك انتفاضة شعب ومستثمرين لها... بين الامبرياليتين. أما المغرب، الجوهرة في التاج الفرنسي، فالحرب عوان بين الامبرياليتين، غير أنها باردة وبطيئة.. ولكنها قائمة.. والتقدم الأمريكي حثيث وبدون ضجيج، ويستعمل لتقدمه أدوات عدة، لعل بعضها لا يعي توظيفه، غير أن بعضهم الآخر واع لتحالفه أو بالأحرى لتبعيته، طامعا في الحكم وفي الثروة أو مأجورا فقط. مستفيدا من امتيازات توفرها له الدعوات والتعويضات والميزانيات الوفيرة للجمعيات (التنموية والإنسانية والحقوقية...إلخ) والإشهارات السمينة في الصحافة الخاصة، والتي هي ليست دائما مستقلة بالضرورة، إلا عن الشعب، قد تكون فعلا «مستقلة» عن الأحزاب وعن إدارة الدولة، ولكن ليس عن فرنسا أو عن الخارجية الأمريكية... وهي كثيرة اليوم مغربيا وعربيا. في هذا الصدد، لا يجوز بحال أن نستهين بمواقف وآراء العديد من المواطنين المغاربيين البسطاء اليوم، والذين يعتبرون أن مرحلة وحكم الاستعمار سابقا، هي أعدل وأهون على مصالحهم وأوضاعهم الحالية، وبعضهم فعلا، يحاول ذلك عن طريق حرب «الحريق» إلى الضفة الأخرى حيث هُربت ثرواتهم. فهم لذلك يتبعونها إلى الاستعمار القديم أو التقليدي، عوض الاستعمار «الجديد» وأزلامه في أوطانهم. إن أوضاع الاستعمار الجدي، هي فعلا، وفي بعض حالاتها الفاقعة، أسوء من شروط الاستعمار التقليدي السابق، خاصة في الأقطار التي سلمت إدارات «دولها» القياد لتوجيهاته بل ولأوامره. نمط «دول الخليج» مثلا. أما تلك التي تمانع أو حتى تقاوم، فالحرب عليها عوان وبجميع الصيغ والأشكال وتوظف لها بعض تلك «الدول» الذيلية نفسها، وقنواتها الفضائية، التي تدس السم الأمريكي-الصهيوني في عسل خطابها «الإسلاموي» و»القومجي» وحتى «اليسروي» أحيانا (؟!) (نمط القرضاوي وبشارة في الجزيرة). السياسة الراشدة في جوهرها وحقيقتها، تدبير للناس وإدارة للمجتمعات، لا للأحجار والبناءات. تنمية الإنسان والأوطان... أما تنمية العمران، فهي محض أداة ووسيلة لتحقيق ذلك، أما إذا كانت هذه على حساب تلك، فمصيرها ما حصل في أوربا مع الحرب الرأسمالية الكبرى الأولى والثانية، ثم ما حصل للاتحاد السوفياتي وشرق أوربا، بل وما حصل ويحصل في الجزائر نفسها مع الفتنة بها حيث «دك الجمل ما حرثه». عود على بدء هذه القيم وتلك العبر وذلكم النظر العميق والاستراتيجي للشهيد بوضياف. هو ما دفع بأعدائه إلى أن يختطفوه مرتين. ثم أبعدوه عن وطنه وشعبه بنفيه، ثم استقدموه طمعا في تراجعه وتوظيفا لمصدوقيته، ثم اغتالوه شهيدا، بعدما تأكدوا من نقاء معدنه وصفاء نظره وإخلاصه لمبادئه... خاصة جريرتهم في الصحراء المغربية والتي يوظفونها لأجل عرقلة تقدم شعبين ومنع وحدتهما... والتي بدونها (=الوحدة المغاربية)) لا تنمية ولا استقلال ولا سيادة ولا ديمقراطية... لأي منهما. ويجدر بجميع المغاربيين حقا وصدقا، وأخص منهم نحن في المغرب الأقصى، أن نحفظ ذكرى وتراث ورمزية هذا العلم والرمز، وذلك في نظري مطروح على الجميع القيام به: 1-إدارة الدولة وإدارات المجتمع، بتسمية شوارع ومدارس ومراكز بحث... باسمه، مع نصب ما يرمز إليه ويذكر به.. في مدينة القنيطرة خاصة... 2-من قبل اليسار الاشتراكي، وذلك لا يتم خاصة، بغير أخذ وصاياه الضمنية في اعتبارهم: تكريس المبادئ، والتشبث بها/ التحليل الاجتماعي الملموس للواقع/ الارتباط بالشعب ومكاشفته والثقة فيه/ المصالحة الوطنية/ القوة في الوحدة... 3-وبالنسبة للحركات الإسلامية المغاربية، فالمفروض لإنعاش ذاكرتهم وترسيخ مشروعيتهم، أن يبحثوا في التاريخ الحديث لشعوبهم عن رموز إسلامية قرأت الإسلام دون نظارات رأسمالية (السلفية والإخوان) بل باشتراكية علمية وبدون ايديولوجية، وعندئذ سيكتشفون في المقدمة منهم، شهيدنا وشهيدهم وشهيد المغارب جميعا، محمد بوضياف رضي الله عنه واسكنه فسيح جنانه. غير ذلك، فهو استمرار في الاغتيال، وهذه المرة من قبلنا نحن أنفسنا وبالذات. تطوان: 24/08/2010 تبييض: 20/06/2011 تنويه: في حدود ضيقة جدا، اضطرت هذه الطبعة للتدخل في صيغة الترجمة. تم ذلك في إحدى حالتين غالبا: أخطاء طباعية أو عند الاختلاف بين القطرين في ترجمة بعض المعطيات وشيوعها، فنرجو لذلك العذر من المترجمين الكريمين.