يتحدث المخرج السينمائي أحمد بولان في هذا الحوار الذي خص به بيان اليوم، عن تجربته السينمائية، وعن الخبرة التي اكتسبها من خلال اشتغاله مع سينمائيين أجانب كبار. ويتطرق للحديث كذلك عن التقنيات الجديدة التي طرأت على هذا الميدان الفني، وكيف أنه لا يهابها، بالرغم من عدم تكوينه الأكاديمي. ويقترح صاحب «ملائكة الشيطان» بعض الحلول الممكنة لمقاومة تقلص القاعات السينمائية، من خلال تأكيده على أن الحل يكمن في إنشاء المركبات السينمائية، وليس قاعات القرب، ويشرح سبب ذلك بالتفصيل. ويعبر من جهة أخرى عن موقفه من وفرة المهرجانات السينمائية، ويقوم كذلك بتقييم جانب من أشغال هذه التظاهرات، باعتبار حضوره الدؤوب لمختلفها. ويتناول من جهة أخرى جديده السينمائي، مؤكدا على أنه يحب حكي الأشياء اللامعقولة، ولهذا السبب فإن شريطه السينمائي الجديد الذي يدور حول أزمة الجزيرة ليلى بين المغرب وإسبانيا التي وقعت في بداية الألفية الثانية، يحمل طابع الكوميديا السوداء. تحظى السينما بوفرة المهرجانات في مختلف مدننا، كيف تنظر إلى هذه الوفرة؟ المهرجانات تحتفظ بأهميتها، حيث تسمح للمخرجين وغيرهم من الفاعلين في الحقل السينمائي الاطلاع على التطور الذي يشهده هذا الميدان، والتواصل مع بعضهم البعض، وأيضا مع عشاق السينما، خصوصا وأن معظم هذه المهرجانات لا تقتصر فقط على عرض الأفلام، بل تعنى كذلك بتنظيم ورشات وأيام دراسية، غير أن لدي ملاحظة سلبية أسجلها في العديد من مهرجاناتنا، وهي أن الندوات التي تعقد لمناقشة الأفلام بصفة خاصة، تعرف الكثير من الاختلالات، فغالبا ما يغيب عنها النقاد المتخصصون في الميدان السينمائي، ونكون بالتالي أمام أسئلة ليس في محلها، وهناك من يحب أن يتحدث من أجل أن لا يقول أي شيء، أو من أجل الهدم، مما يساهم في خلق الشنآن الذي لا طائل من ورائه. ما هي القضايا التي تفضل التطرق إليها في أعمالك السينمائية؟ أنا دائما أقوم بإنجاز أفلام قريبة إلي، أفلام لها علاقة إما بشخصي وإما بالبلاد التي أعيش فيها أو بالمدينة التي نشأت فيها وترعرعت، أو بالمجتمع المحيط بي على العموم، الأفلام التي أنجزتها لها طابع سياسي، رغم أنني لست رجل سياسة، كما أن لها طابعا اجتماعيا، الأفلام التي تخرج بعض الشيء عن المعتاد، من حيث مواضيعها، لا أملك استراتيجية للعمل، بأن أقول مثلا إنه ينبغي علي أن أقوم بهذا الفيلم أو أن أخلق هذا الحوار، لكي أصل إلى قضية معينة، لكن أي فيلم يلح علي لأنجزه أقوم بإنجازه. تم إعداد قانون خاص بالسينما المغربية، ما هي اقتراحاتك لتطوير هذا القانون؟ لا يمكن لي الخوض في هذا المجال، بالنظر إلى محدودية ثقافتي القانونية، أنا تعلمت السينما في البلاطوهات واشتغلت مع سينمائيين أمريكيين وإسبانيين وغيرهم، وهذه هي حدودي العلمية، أما القوانين فينبغي أن نتركها لأصحابها، هم الجديرون بسن القوانين، لا يسعني إلا أن أشتغل في إطار هذه القوانين. باعتبار ما راكمته من تجربة في العمل السينمائي، ماذا تقترح للنهوض بالسينما المغربية؟ السينما المغربية تحتاج دائما للتشجيع، من طرف الأوصياء على هذا القطاع، نحن محظوظون بوجود صندوق الدعم السينمائي، هناك ما يقارب خمس عشرة شريطا سينمائيا طويلا تحظى بدعم الدولة، مما يجعل السينما المغربية مقارنة مع السينما العربية في مرتبة أرقى، بالفعل ينبغي علينا أن نواصل تحسين هذه المرتبة أكثر، سواء من الناحية الكيفية أوالكمية. هناك وفرة للأفلام في مقابل تقلص فضاءات العرض، كيف تنظر إلى هذه المفارقة؟ هذه مشكلة كبيرة جدا، ليس في استطاعتي أن أقترح حلا لها، أرباب القاعات السينمائية والأوصياء على هذا القطاع، هم من بيدهم الحل. هناك من يقترح إنشاء ما يسمى بقاعات القرب، باعتبارها حلا لأزمة القاعات، ما رأيك في ذلك؟ لا أعتقد أن القاعات الصغيرة التي تنشأ في الأحياء يمكن أن تشتغل بشكل جيد في بلادنا، على اعتبار أنه في زوايا هذه الأحياء تجد أقراص الأفلام المقرصنة معروضة للبيع، وعلى اعتبار أن الشباب يفضلون شراء علبة سجائر عوض الذهاب إلى قاعة سينمائية، رغم أنه مفلس، هذه ظاهرة أخرى وهذا جيل آخر، همه الأساسي هو الذهاب إلى قاعة أنترنت، نحن عندما كنا في مثل أعمارهم، كنا نذهب إلى السينما، أما هم فإنهم يفضلون الذهاب إلى السيبير، الذي لا يمكن أن نترجى منه خيرا. وما رأيك في المركبات السينمائية، باعتبارها حلا لأزمة قاعات العرض؟ يمكن للمركبات السينمائية على صعيد المغرب أن تنجح، مثلما نجحت الأسواق الممتازة، حيث هناك ظروف جيدة للاستهلاك، إنها نكهة تجارية على الطريقة الأمريكية سوف تطغى أكثر في بلادنا، فنحن نعيش عصرا آخر، ومضطرون للتأقلم معه. إذا تم إنشاء مركب في كل مدينة، أو على الأقل في مدننا الكبرى، سيكون مجال للسينما المغربية أن تحظى بمتابعة أكبر. هل أفادتك التكنولوجية الحديثة في عملك السينمائي؟ أنا استفدت من ربع قرن من العمل مع الأجانب، فكل ما جد في التكنولوجيا لا يخيفني، البعض يصبح طبيبا أو محاميا في خمس سنوات، أنا أمضيت ربع قرن من العمل مع السينمائيين الأمريكيين وغيرهم من الأجانب، وبالتالي فإن أي جديد في هذا المجال لا يخيفني. التقنية أنا على دراية بها. ماذا تشكل الرقمنة بالنسبة إليك؟ مثلما عبرت السينما من اللونين الأبيض والأسود إلى الألوان، يتم العبور من خمس وثلاثين ملم إلى الرقمنة، تظل مجرد أدوات للاشتغال، مثلما كنا نكتب بالمداد، ثم صرنا نكتب بالحبر الجاف، ومثلما كنا نكتب بواسطة الآلة الكاتبة وصرنا نكتب بواسطة الحاسوب، فالحروف هي نفسها واللمسات هي نفسها والجمل هي كذلك نفسها، لأنه عندما يكون هناك تكوين كلاسيكي، ويكون المشتغل في هذا الميدان يطلع على كتب ذات صلة بمجال تخصصه، فإنه سيكون متفوقا. ماجديدك السينما؟ قمت بتهييء شريط حول أزمة جزيرة ليلى التي وقعت بين المغرب وإسبانيا في بداية الألفية الثانية، أعالج هذا الموضوع بكيفية كوميدية، أو بما يسمى الكوميديا السوداء. بالرغم من أن هذا الموضوع يكتسي جدية؟ معلوم، هذا موضوع جاد، لكن لا ينبغي أن نقلل من شأن الكوميديا، فأنا أحب أن أتطرق إلى مواضيع بطريقة أكادابرا، أليست ملائكة الشيطان كوميديا، عندما يتم القبض على شبان بسبب عشقهم للموسيقى، هذه هي الكوميديا بالنسبة إلي، وليست ما يقوم به البعض من حيث تشويه ملامح الوجه أو غير ذلك، الكوميديا بالنسبة إلي هي حكي شيء لا يعقل.