فاز المخرج نبيل عيوش بالجائزة الكبرى، عن شريطه"كل ما تريده لولا" ضمن الدورة العاشرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وفي هذا الحوار الذي خص به "بيان اليوم" يتحدث عن شريطه الفائز وعن الوضع السينمائي ببلادنا.* في شريطك "لولا" نجدك تطرق قضايا بعيدة عن المجتمع المغربي، هل حققنا التراكم الذي يسمح لنا بذلك؟ - لا أعتبر أنه من المفروض على عمل فني أن يكون محكوما بنفس الاستمرارية، كما أنه لا يمكن لنا تقييم تجربة مخرج سينمائي من خلال بضعة أفلام. أنا أنجزت أربعة أشرطة قصيرة. عمري تسع وثلاثون سنة، لكن عندما أنتهي، بعد ثلاثين أو أربعين سنة، لا أدري بالضبط إن كنت سأواصل ممارسة العمل السينمائي. عند ذاك يمكن أن تكون لنا فكرة عن المسار. صحيح أنني بدأت بإنجاز أفلام لها صلة وثيقة بالواقع المغربي. لقد اكتشفت المغرب عن طريق السينما قبل فيلم مكتوب. كان لي شريط قصير من بطولة الدبوز، ثم علي زاوا، ولحظة ظلام، لكن هذه المرة،في شريط "كل ما تريده لولا" رغبت في شيء آخر، وهو ثمرة ملاحظات حول الوضع الجيوسياسي الدولي، وموقع العالم العربي الذي تم تحديده ضمن هذا الوضع، وهو وضع لا أرضى عليه ولهذا أردت التحدث عن ذلك عبر شخصيتين: لولا وأسمهان. وفعلا، فهذا سمح لي بالخروج عن حدود المغرب، اليوم هكذا هي السينما. * ألم يكن من الأفضل لو استثمرت ميزانية شريط "لولا" وهي ميزانية ضخمة، للتعبير عن مجتمعنا، سيما وأن الجميع يقر، بما فيهم السينمائيون، بأنه لا تزال هناك قضايا مغربية كثيرة لم تطرقها سينمانا، سواء ما يتعلق بالتاريخ المعاصر أو القديم؟ - هذا ليس أمرا حتميا، فنحن نجد مثلا، أن المخرج الفرنسي يقدم أعمالا لا صلة لها بمجتمعه، مع ذلك لا أحد يلومه على ذلك، وهؤلاء المخرجون الأمريكيون الذين يأتون إلى المغرب لتصوير أفلامهم، لماذا نحن في المغرب الوحيدون الذين لا ينبغي لهم الخروج من المغرب، هذا ليس أمرا حتميا، السينما هي بالعكس من ذلك، تساعدنا على الخروج ورؤية العالم الآخر بعين جديدة. * ما هي التدابير التي تراها ضرورية لإنقاذ القاعات السينمائية، وتوفير سوق لترويج الفيلم المغربي؟ - هناك مشكلتان تتخبط فيهما السينما المغربية حاليا: هناك التكوين، وهناك القاعات، لأنه حمدا لله، بالنسبة للإنتاج ونظام الدعم وسياسة الدولة في ما يخص دعم الثقافة، لا بأس، فإذا قمنا بمقارنة بين المغرب وبين بلدان العالم العربي وافريقيا، فنحن في وضع مريح، ولكن في ما يخص التكوين، ليس لدينا ما يكفي من مدارس. أنشئت منذ مدة مدرسة في مراكش، وهي تسير بشكل جيد، لكنها غير كافية. عندما نلقي مثلا نظرة على إيران نجد أنها تضم عشرين مدرسة للتكوين السينمائي، وفي كوريا هناك ما لا يقل عن ستين مدرسة، إذن إذا كنا نريد بناء شيء يكون صلبا،بالنسبة للصناعة السينمائية بالمغرب، يلزمنا إنشاء المزيد من المدارس. القاعة هي نقطة الوصل بين السينمائيين والجمهور، يمكن أن ننجز عشرين أو خمسين فيلما سنويا،لكن إذا لم تكن هناك قاعات لعرض هذه الأفلام، فكأننا لم نفعل أي شيء، إذن عندما نلقي نظرة على تونس أو الجزائر، نجد أنه لم تعد هناك قاعات، نحن في المغرب، لا تزال لدينا ثمانون أو تسعون قاعة، وأعرف أن هناك سياسة متبعة من طرف المركز السينمائي المغربي، لدعم القاعات، ويجب رفع التحدي وإضافة قاعات جديدة، لا ينبغي إغفال المركبات السينمائية، وهو أسلوب جديد لاستهلاك الصورة، لكنه لا يكفي، اعتبارا لأن الناس الميسورين هم الذين بمقدورهم ارتياد هذه المركبات، يجب علينا إذن أن نفكر لصالح جميع شرائح المجتمع. إذا كان هناك من لا يستطيع التنقل نحو القاعات، من واجبنا أن نذهب عند هؤلاء، علينا ملاءمة العرض مع الطلب. وفي ما يخص قضية الثمن، هناك من لا يستطيعون دفع خمسين أو أربعين درهما، وفي المقابل هناك من ليس في استطاعتهم دفع أكثر من خمسة دراهم، وعلينا أن لا نتركهم خارج القاعات. لقد مكثنا في المخطط الذي بنيت عليه سينما الخمسينات أو الستينات، حيث تذهب العائلات في نهاية الأسبوع، لقد انتهى هذا الوضع.حاليا مع انتشار الانترنت والهاتف النقال والفضائيات وغير ذلك ،أصبح العرض متوفرا بكثرة،إذن على القاعات السينمائية أن تجد لها مكانة جيدة ومتميزة وسط وفرة العرض هاته. ينبغي إعادة موقعة السينما في هذا الوسط وجعلها بالتالي أكثر ملاءمة مع العرض، مثلما هو الحال بالنسبة لقناة تلفزية. القاعة ستصبح شبيهة بقناة تلفزية، لها خريطة برامج، وإذا قمنا بهذه المبادرة، سنخلق فرصة لجلب الجمهور. بدون ذلك، فإن القاعة السينمائية ستظل مهددة لا محالة بالموت. علينا أن نستثمر في هذا الميدان كذلك ، لأن أرباب القاعات الذين راكموا ثروة طائلة في الستينيات والسبعينيات، لم يستغلوا ذلك في تحسين الجوانب التقنية، من قبيل الصورة والصوت، لأجل توفير فضاء جيد للعرض.اليوم لا يمكن لنا جلب الجمهور في غياب قاعات ذات جودة. الفائزة بجائزة أحسن دور نسائي هدى صدقي هناك شخصيات نسائية عرفها تاريخ المغرب لم يتم نقلها إلى السينما لعبت هدى صدقي دور البطولة في الشريط السينمائي الطويل "خربوشة"، حيث جسدت شخصية تاريخية تحمل إسم الشريط نفسه، وقد نالت عن ذلك جائزة أحسن دور نسائي في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وبهذه المناسبة خصت "بيان اليوم" بحوار حول تجربتها في هذا الشريط وحول منظورها لصورة المرأة في السينما المغربية. * هذا أول دور سينمائي بطولي تقومين بأدائه، كيف ولجت عالم السينما؟ - أنا بدأت مسيرتي الفنية من خلال المسرح، ولم أكن أتخيل في يوم من الأيام أنني سأشارك في أعمال تلفزيونية أو سينمائية،كنت أحب بشكل جنوني المسرح، لأنني كنت أريد معرفة ما هي الخشبة، وبدون أن أحس، وجدت نفسي في السينما.كسبت الحنكة في العمل الدرامي التلفزيوني، أما بالنسبة للسينما، فكان هذا أول عمل سينمائي بطولي أقوم بتشخيصه بكيفية مطلقة، وأنا فخورة بكوني شخصت دور "خربوشة"، وأعتبر نفسي من الممثلات اللواتي حظين بشرف تشخيص مثل هذا الدور، لأنه يتعلق بشخصية غير متخيلة أو مصطنعة، بل هي حقيقية، عايشها الناس في نهاية القرن التاسع عشر. * ماهو الدور السينمائي الذي تتمنين تشخيصه؟ - الدور الذي يعبر عن المأساة. أي شخصية مأساوية، أنا أرتاح التعامل معها. هناك شخصيات نسائية عرفها تاريخ المغرب، لم يتم نقلها إلى السينما مع الأسف. * كيف تنظرين إلى صورة المرأة في السينما المغربية؟ - أنا صريحة في رؤيتي، هناك بعض السينمائيين لم يعكسوا لنا المرأة المغربية، كما نريد أن نعرفها. ما زال هناك ما يمكن فعله، ما زالت المرأة المغربية لديها ما تقوله، هناك أشياء مخفية لم يتم الكشف عنها بعد. * ما هي الشخصية النسائية التي تتمنين نقلها إلى الشاشة الكبرى؟ - لا أستحضرها الآن، لكن أي شخصية تاريخية إلا وأتمنى أن أقوم بأداء دورها، ولكي لا نذهب بعيدا، لنأخذ كمثال، شخصية خربوشة، إنك ترى فيها المرأة المناضلة بمعنى الكلمة. الفائز بالجائزة الكبرى محمد مفتكر ينبغي تخصيص بعض القاعات الصغيرة لعرض الأفلام القصيرة! أخرج السينمائي محمد مفتكر لحد الآن، أربعة أشرطة سينمائية قصيرة، حظيت كلها بعدة جوائز، وضمن الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، أحرز شريطه "نشيد الجنازة" الجائزة الكبرى، وقد خص "بيان اليوم اليوم" بحوار حول تجربته السينمائية وحول وضعية الفيلم القصير ببلادنا. * راكمت لحد الآن أربعة أشرطة قصيرة، كيف تتأمل تجربتك السينمائية؟ - لقد خرجت بخلاصة وهي أن الإنسان لا يمكن له أن يتعلم إلا وهو محتك بطريقة مباشرة في العمل الذي يشتغل فيه. ليس هناك فقط المسائل النظرية والمدارس، بل هناك أساسا الممارسة والعمل والاحتكاك بالميدان. تجربتي كمخرج، انطلقت سنة 2001، ما تعلمته منذ اليوم الأول وأنا بصدد إدارة الممثل، أعطاني أكثر مما أعطتني عشر سنوات من العمل النظري، لقد وجدت نفسي أنني لم أكن أعرف شيئا، أن تقرأ كيف تسوق السيارة، ليس هو أن تسوقها بالتأكيد. اتخذت القرار إذن بأن لا أتسرع، فكل اشتغال على شريط، يأخذ وقته، على مستوى بلورة الفكرة والكتابة والإخراج والمونطاج وردود الفعل وعلى مختلف المستويات، بمعنى أن كل شريط قصير يستغرق مني ما يقرب سنتين. * لقد رسخت اتجاها معينا في تجربتك، وهو الارتكاز على الإيحاء، كيف اكتسبت هذه التجربة؟ - كنت أتمنى أن أكون عالما نفسانيا أو مهندسا معماريا، لأن هذين التخصصين هما اللذين كانا يستهوياني وأنا طالب. لما ولجت عالم السينما وأغرمت بها، لا أعرف كيف، ربما وجدت أنها تجمع بين التخصصين معا، بمعنى التعامل مع الفضاء بمكوناته الثقافية وإيحاءاته والتعامل مع الشخصية بلاشعورها، وبالنسبة لي، فالفن هو الذي يساعد على الاتجاه مباشرة نحو عمق الروح الإنسانية ونحو عمق الأشياء،بغض النظر عما هو أخلاقي وتربوي. ليس دور الفن أن نكون ديداكتيكيين تربويين. الوقت الذي سنطلب من الفنان أن يكون تربويا، سنحكم عليه بالقتل. بما أنني الآن، عندما أشتغل على هذه الأشياء، كفاعل في الحقل السينمائي، فهذا لا يعني أنني المصدر الوحيد أو المرجعية الوحيدة لقراءة العمل. أريد من أفلامي أن تثير النقاش والقراءات المتعددة، علما بأن الكتابة السينمائية هي كتابة تدخل فيها جميع العناصر المكونة لهذا الفن، الشخصيات تحكي، الإكسسوارات تحكي، الضوء يحكي، كل هذه الأشياء وغيرها لها حمولة حكائية. * ما هو تقييمك للتراكم الذي تحقق في ما يخص إنتاج الفيلم القصير؟ - منذ ثلاث أو أربع سنوات، برز هذا التراكم، وصار يتردد كلام استنكاري بأن هذا التراكم كثير وأنه مجرد تخربيق، لكن الناس الذين كانوا يرددون هذا الكلام لم يكونوا يعرفون أنه سيأتي يوم سيصبح لدينا تميز في هذا الجنس الإبداعي، الآن بدأنا نحصد نتائج ذلك التراكم، وهي أنه الآن، بشهادة الجميع، نجد مستوى الفيلم القصير في هذه الدورة أحسن من مستوى الفيلم الطويل، ربما هناك بعض من الصحة في هذا الحكم، لأن معظم الأفلام القصيرة التي شاهدناها في هذا المهرجان- من الممكن الاختلاف حول مضمونها- لكن تظل محتفظة بالجودة والحد الأدنى من التمكن من الصناعة السينمائية،وهذا مكسب يجب الحفاظ عليه وتطويره. * يقتصر عرض الفيلم القصير في المهرجانات، هل هناك حلول لبرمجته في القاعات السينمائية على طول السنة؟ - هذه المعادلة صعبة، ولم يوجد لها الحل حتى في الغرب، من الصعب الآن أن نبرمج فيلما قصيرا جنبا إلى جنب مع فيلم طويل، هذا حل كلاسيكي، لا أعتقد أنه ملائم. أرى أنه -وهذا ليس حل الغد- بغض النظر عن المهرجانات، من المفروض تخصيص بعض القاعات الصغيرة لعرض الأفلام القصيرة. الفنان محمود ميغري سررت بأن معرضي سيصاحب بشكل قار الدورات القادمة للمهرجان كان للفنان محمود ميغري حضور متميز في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، حيث قام بعرض مجموعة من رسوماته التشكيلية طيلة فترة المهرجان، باتفاق مع المركز السينمائي المغربي باعتباره الجهة المنظمة للمهرجان، ومن منطلق أن هناك صلة بين الرسم والسينما. التقيناه بنفس المناسبة وخص "بيان اليوم" بالحديث عن طبيعة حضوره في المهرجان وعن تجربته الفنية ككل. * تحضر هذا المهرجان ليس بصفتك سينمائيا بل تشكيليا، كيف جاءت فكرة عرض لوحاتك بالموازاة مع مهرجان سينمائي وما المقصود من ذلك؟ - حضوري في هذا المهرجان السينمائي وغيره، ليس شاذا، اعتبارا لأن لي إسهامات عديدة في أفلام مغربية.أنا من أنجز التأليف الموسيقي لفيلم "جمرة" لفريدة بورقية، وفيلم لليلى التريكي وشريط قنديشة لحميد الزوغي، وكانت مشاركتي في هذه الأشرطة وغيرها قد حظيت بالتتويج في محافل وطنية ودولية، إلى جانب ذلك شخصت عدة أدوار سينمائية في أفلام وطنية وأجنبية، وكانت الدعوة التي توجه إلي، هي بصفتي سينمائيا. هذه المرة، اقترحت على مدير المركز السينمائي المغربي السيد نور الدين الصايل، أن نستعيد تاريخ الصورة بموازاة مع لقاء سينمائي، علما بأنه قبل أن تكون السينما، كان الرسامون هم الذين يرسمون الملوك والحروب، إذن هذه هي العلاقة القائمة بين الرسم والسينما، وقد جاءت المناسبة لتجسيدها في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وقد سررت بأن معرضي سيصاحب بشكل قار الدورات القادمة للمهرجان. لقد قمت بتكريم والدي، لأنه كان رساما، أحضرت لوحات تعود إلى سنتي 1939 و1940، مع العلم أن الرسامين هم بدورهم لهم عين سينمائية، هذا هو المقصود من هذا الحضور. * ما هو الاتجاه التشكيلي الذي تفضل اتباعه؟ - ليس لدي اتجاه محدد أسير فيه خلال ممارستي للرسم، بإمكاني إنجاز لوحات سوريالية أو تعبيرية أو واقعية أو رمزية، وغير ذلك. الإتجاه الذي يمكن لي تحديده هو المتمثل في أدوات الاشتغال، اعتبارا لأنني أشتغل على المادة، لقد مارستها لمدة تفوق عشر سنوات، إلى أن تمكنت من تطويعها. * صورتك باعتبارك موسيقيا مهيمنة على سواها من اهتماماتك الفنية، ألا تشعر بنوع من الغبن؟ - لا ليس هناك غبن، كل ما هناك أن الموسيقى يحصل تلقيها بيسر وسهولة في البيوت عن طريق الإذاعة والتفلزة، في حين أن الرسم يواجه صعوبة في الانتشار، حيث ينبغي تهييء فضاء خاص للعرض وإعداد دعوات للحضور، وأظن أنه ينبغي على الإعلام أن يلعب دوره في التعريف بالمعارض التشكيلية وبأصحابها، لا أكره أن يكون هناك برنامج تلفزي أسبوعي ولو لمدة نصف ساعة، لمتابعة كل ما يجري في الساحة الوطنية التشكيلية. * أنت متعدد الإهتمامات:موسيقي وسيناريست وممثل وفنان تشكيلي، أين تجد نفسك أكثر؟ - أجد نفسي في كل هذه الفنون، لأن الله منحنا خمس حواس، هناك أشياء نريد رؤيتها وأخرى نريد سماعها أو تذوقها، إلى غير ذلك. إذن، كل هذه الفنون أفضلها، وليس هناك فارق بينها. يبقى الأهم هو طريقة التعبير عن هذه الفكرة أو تلك، بواسطة الصورة أو الكتابة أو اللوحة. عن بيان اليوم 28/12/2008