أدلى مجموعة من المخرجين السينمائيين والنقاد، لبيان اليوم، بشهادات حول الإنتاج السينمائي المغربي، الذي ميز السنوات الأخيرة،حيث تم التطرق إلى العديد من المشاكل التي يتخبط فيها هذا الإنتاج، كما تمت الإشارة إلى جملة من الإكراهات التي تقف في وجه هذا الإنتاج، من ضمنها على الخصوص، تقلص عدد القاعات، وتخلي قطاع كبير من الجمهور عن عادة الذهاب إلى السينما، والاكتفاء باقتناء أقراص مقرصنة، مع أن الفيلم السينمائي موجه أصلا للعرض في القاعات السينمائية. المخرج «عبد الحي العراقي»: عدم اهتمام المخرجين بالأعمال الأدبية يعد خطأ كبيرا أهم شيء في الإخراج السينمائي هو حسن اختيار الممثل، الذي سيؤدي الدور المسند إليه، وغالبا ما أواجه صعوبة في اختيار الممثلين المناسبين لهذا الدور أو ذاك، فعند العثور على الممثل، أكون عند ذاك مقتنعا بأن ثمانين في المائة من العمل السينمائي، قد تم إنجازه، وأنا عادة عندما أخاطب الممثل، لا أقول له إنه عليه أن يلعب الدور، أنا لا أستعمل لفظ اللعب،بل الشيء الأساسي هو أن يلبس تلك الشخصية،ويفكر فيها بعمق.وهذا عادة ما يكون أمرا صعبا، لأن الممثل عندما تراه في الحياة كثيرا، كأنك تراه في السينما، وأنا يروق لي أن أغير الممثلين، وأسند إليهم أدوارا مخالفة لما اعتادوا أن يجسدوه. العمل كله، يعود إليهم، أنا فقط تكون لي معهم علاقة حوار، المهم بالنسبة لي، هو أنني لا أقول للممثل ما يجب عليه القيام به، أنا أسلك طريقا معروفا ومسطرا، وعلى الممثل أن يعرف كيف يسير على هذه الطريق. مهمتي هي أنني أمهد له هذه الطريق. هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على المخرج، باعتباره مبدعا ومثقفا، وهي أنه يجد نفسه بين نوعين من السينما:سينما المؤلف وسينما الجمهور العريض. الشيء الأساسي هو أن نجعل المتفرج في حالة تساؤل دائمة. ليس هناك سينما تغير المجتمع.المهم هو خلق فرجة وجعل المتفرج يتخيل، وهاتان مهمتان من الصعب الجمع بينهما، في نظري. ألاحظ أن الكثير من المهتمين، يتحدثون عن السيناريو أوالقصة، طبعا القصة مهمة، لكن لا يمكن أن تكون لها قيمة بدون كتابة خاصة بها.أظن أن هذا ما تحتاجه السينما المغربية.أشاهد حاليا الكثير من الأفلام المغربية، التي أصبحت فيها القصة، تجد لها موقعا يليق بها، لكن طريقة التعبير، هي التي تظل صعبة. إن عدم اهتمام المخرجين بتحويل أعمال أدبية إلى أفلام سينمائية، يعد خطأ كبيرا. أظن أن هناك ذخيرة كبيرة من الروايات، التي تصلح لأن تنقل إلى السينما. من بين النقائص الكثيرة التي تعاني منها السينما المغربية، هناك بالدرجة الأولى السيناريو. فمن الناحية التقنية، لم يعد المشكل مطروحا، لكن السيناريو يعد عائقا كبيرا. إلى جانب هذا العائق، هناك التفكير السينمائي، الذي غالبا ما لا يجلب انتباه المتفرج. تقلص القاعات يظل مشكلا عالميا، حيثما يذهب الإنسان عبر أقطار العالم، سيلاحظ أن القاعات السينمائية تتعرض للإغلاق، وهذا يرجع بالأساس إلى ضعف الإمكانيات،وقد يكون للقرصنة دخل في ذلك، لكن أنا من بين الناس الذين يدافعون عن القرصنة،بشرط أن يكون منجزا بشكل متقن،ولكن بعد أن يكون المنتج للفيلم الأصلي قد نال حقوقه،وهذا شيء يمكن أن يساهم في جعل الناس يحبون السينما، وهذه التجربة نعيشها مع التلفزة، التي لم تقض على السينما، بل حفزت الناس على الذهاب إليها. أنا مقتنع بأن الفيلم المغربي له القدرة على منافسة الأفلام الأجنبية،لكن بشرط أن يكون مغربيا تماما، من حيث الموضوع، لأن الاهتمام بالمحلية، كان دائما يقود إلى العالمية. مشكلتنا أن السيناريو، غالبا ما يكون سطحيا، وهناك من الكتابات التي أرى أنها تصلح للتلفزة أكثر من السينما. المخرج السينمائي «لطيف لحلو»: ينبغي تقنين القرصنة الإنتاج السينمائي في المغرب، هو مرتبط بصندوق الدعم، لأنه كما هو معروف، قد عرف صندوق الدعم تطورا، فمنذ حوالي خمس عشرة سنة، لم يعد يعطى الدعم بصفة تلقائية، للمخرج أو للمنتج. حيث أصبح هذا الدعم عبارة عن سلف، للمنتج، الذي يكون ملزما باستغلال الفيلم وإرجاع قدر من الأرباح لصندوق الدعم. عندما كنا نطلب الدعم في بداية الثمانينات،كنا متيقنين، حسب الدراسات التي قمنا بها، من أن السينما في المغرب، أي في بلد يسير نحو طريق النمو، لا يمكن لها أن توجد، بدون تمويل من طرف الدولة، لماذا؟ لأنه ليس هناك رأسماليون يستثمرون في ذلك، كما أنه ليست هناك صناعة سينمائية، أو مجال واسع لتسويق إنتاجاتنا السينمائية.كان هناك دائما، تدخل من لدن الدولة، لضمان حضور إبداع سينمائي. وهذا ما تم بالفعل، ففي أواسط الثمانينات، قررت الحكومة أن تخصص نسبة من الميزانية المالية، لإنتاج أفلام سينمائية مغربية، بوتيرة منتظمة. مع العلم أن السينما، يمكن أن تكون أحسن سفير للدولة في الخارج، وهذا ما تم، حيث أن بعض أفلامنا أصبح لها حضور متميز في المهرجانات التي تنظم بالخارج، وأصبح الناس يطلعون على حقيقة المجتمع المغربي، على مشاكله، وعلى مزاياه، لأنه ليس هناك فقط المشاكل، بل هناك أيضا الأشياء الجميلة في بلدنا، سواء على مستوى المناظر، أو عادات وتقاليد الشعب، هناك ثقافة وحضارة، وإبداع. إذن صندوق الدعم، لعب دوره الإيجابي الذي يليق بنا. الآن، صندوق الدعم تغير، وأصبح عبارة عن تسبيق، أي سلف. لكن في نفس الوقت، بتنا نلاحظ أن القاعات السينمائية، لم يعد لها وجود تقريبا. ليس هناك سوق للتحفيز على إنتاج شريط سينمائي، تصل كلفته إلى عشرة ملايين درهم. من سيوفر لي هذا الدعم، إذا لم تسلمه لي الدولة. ليس هناك رأسمالي أو مؤسسة مالية خاصة، تدعم الإنتاج السينمائي المغربي. لأن هؤلاء، عندما يستثمرون بواسطة قسط من مالهم الخاص، فهم يسعون إلى الحصول على مردودية مادية، لكن الشريط المغربي، لا يمكن أن يضمن استرجاع، ولو نسبة 2 في المائة.لأنه، ليس هناك سوق داخلي، أما السوق الخارجي، فهو مشكل آخر، إنه مشكل عويص، لأن هناك صراعا ثقافيا وحضاريا، بالنظر للخوف من الغزو ، لكن نحن لا نسعى إلى الغزو، بل إلى التبادل.إن خوف الغرب من الغزو، راجع إلى كون حضارتهم بدأت تعرف اضمحلالا، وباتت تفتقد إلى قيم حقيقية، على مستوى عدة مجالات. ماهي الديمقراطية في أوربا؟ يجب أن نفكر في هذا الأمر.أنا أعتقد أن هناك بلبلة ديمقراطية. بالنسبة للسوق العربي، لاحتضان الفيلم المغربي، أعتقد أنه في طور التكون. لأن هناك بوادر نهضة، لأن المثقفين والسياسيين العرب،بدأوا يحسون بأنه آن الأوان، لرفع الرأس. لنا مشاكلنا، ومن اللازم أن نبني بيتنا بأيدينا. بالنسبة للقيمة الفنية والموضوعية لإنتاجنا السينمائي، أود أن أستحضر تلك المقولة الفرنسية، التي مفادها أنه عبر الاشتغال على الحديد، نصبح حدادين. فمادمنا نخرج أفلاما ونعرضها ونبحث في مكامن القوة والضعف فيها، فنحن نتعلم صناعة الأفلام. نحن لم نخلق سينمائيين، لا أحد خلق كذلك، لا أحد خلق كاملا. فمنذ مطلع الثمانينات، بدأنا نلاحظ قوة إبداعية وجمالية للأفلام المغربية التي تنجز بخطوات كبيرة، وتتقوى أكثر فأكثر.لكن إذا تراجعت نسبة الإنتاج السنوي، فإن ذلك سيحد من تطور هذا الإنتاج. لهذا، من الواجب على الدولة وعلى المهنيين، البحث عن الحل الحقيقي للسينما في هذه البلاد، عدا ذلك، فإننا لن نتقدم. لا أعتقد أن هناك تراجعا على مستوى الكتابات النقدية السينمائية، صحيح أنه في بداية الثمانينات، وحتى خلال التسعينات، كانت هناك نخبة من المثقفين المغاربة الممتازين، ولا يزالون حتى اليوم حاضرين. كان يمكن لهم في ذلك الإبان، أن يقوموا بنقد حقيقي، لكن في ما بعد، وقع نوع من الخلل، بالنظر إلى أنهم استشعروا بأن هناك من يريد أن يقودهم، ويتحكم فيهم، بمعنى أن يتحدثوا عن الأفلام حسب ما يملى عليهم،وهذا ما جعلهم يتراجعون.لكن مع ازدهار حرية التعبير، وبحضور المركز السينمائي، الذي يوجد على رأسه رجل يفهم المجال السينمائي. إذن النقد السينمائي، في الطريق إلى استعادة نشاطه وقدرته على التطور. وضعية القاعات السينمائية، تظل مشكلا عويصا، لكن باعتبارنا سينمائيين، لنا تصورنا الخاص للخروج من هذه المشكلة، من خلال مواجهة القرصنة. فمن المعلوم أن القاعات السينمائية لها دور اجتماعي وسياسي وثقافي، وهي ليست محلا لبيع الفول والحمص.إذا كانت القاعات السينمائية، من الناحية الاقتصادية، لم تعد صالحة للاستغلال، يجب على الجماعة أن تقتنيها، وتعمل على ترميمها، واستغلالها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لدينا اقتراح وهو أن المنعشين العقاريين الذين يعملون على بناء تجزئات سكنية، مع الحرص على أن يكون هناك موقع للمسجد والحمام، والفرن، يجب عليهم كذلك العناية ببناء قاعات متعددة الاختصاص التي يمكن أن تشتغل وتحقق مردودية مادية، ثم هناك مستثمرون يمكن للدولة أن تقدم لهم تسهيلات، لبناء مراكز في المدن الكبيرة. ينبغي كذلك تقنين القرصنة، لأنه من الصعب القضاء عليها بصفة نهائية، وذلك بكيفية سهلة، من خلال التعاقد على منح الحقوق للقراصنة وتقاسم الأرباح معهم. المخرجة السينمائية «فريدة بليزيد»: مازلنا لا نملك صناعة سينمائية السينما المغربية تعرف حركية ملحوظة، لكن مع الأسف، الناس لا يذهبون إلى القاعات. لا أعرف السبب. الكثير من الناس، يتساءلون، لا أستطيع أن أقترح حلا، لأن هذا مشكل عالمي. وضعية النقد، تعكس الواقع السينمائي، هناك الجيد وهناك السطحي. المواكبة الإعلامية تشكو من نقص واضح. هذا التراجع، أعتقد أنه راجع إلى أنه لم يعد هناك اهتمام. فعند انطلاقتنا منذ سنوات، كانت الصحافة تشجعنا وتواكب أعمالنا السينمائية، لكن حاليا لم يعد هذا قائما. لا يمكن لي الحديث عن السينما المغربية، هكذا بصورة مطلقة. هناك على العموم أفلام جيدة وأخرى دون المستوى. وعلى كل حال، وفرة الإنتاج لا بد أن تفرز أشياء جميلة، قابلة للمشاهدة، وهذا يحدث في مختلف بلدان العالم. هناك مواضيع كثيرة، لم تتطرق لها السينما المغربية بعد، مثل تاريخ المغرب، وهذا راجع في نظري إلى أننا لم نصل إلى وفرة الإنتاج التي تؤهلنا لذلك، أقصد أننا ليس لدينا صناعة سينمائية. ففي فرنسا، ينتجون مائة شريط في السنة، بينما نحن نكاد نطير بالفرحة، لكوننا ننتج عشرة أفلام. وبالتالي هذا لا يسمح لنا بالتطرق إلى جميع المواضع، التي ينتظرها المتفرجون. على كل حال، لا يزال العمل أمامنا. مصمم الألبسة السينمائية «العربي اليعقوبي»: الكتابات النقدية لا تهتم بدراسة تصميم الملابس الأفلام السينمائية التي قمت بتصميم أزياء أبطالها، كثيرة، لكن تبقى بعض الذكريات عنها.أنا دائما كنت أعشق التاريخ، وهذه المادة العلمية والمعرفية، هي التي أتت بي إلى الميدان السينمائي.عشقي للتاريخ، نابع من كونه يتيح لي التنقيب في أنماط اللباس التي ميزت مرحلة معينة، ضاربة في التاريخ. إنه من الضروري القيام بالبحث، لمن يريد أن يصمم أزياء، لا تنتمي إلى عصره الحاضر. وهذا هو السر الذي جلبني إلى السينما، فهناك جمالية القماش، وجمالية الألوان، وبالتالي يكون على مصمم الأزياء أن ينسق بين هذه الأشياء، ويخرج بنتيجة قد تكون مذهلة، ما شاء الله. هناك بالفعل جيل جديد من مصممي الأزياء الذين يشتغلون في الميدان السينمائي، وكل واحد له طابعه الخاص في العمل، ثم هناك ظاهرة، لا علاقة لها بتصميم الزي السينمائي، و تتمثل في أن كل ممثل يؤدي الدور بلباسه الشخصي، والسبب في هذا الاستهتار، يرجع إلى غياب الإمكانيات المادية التي يجب صرفها لإنجاز زي سينمائي، يلائم المرحلة التي تدور فيها الوقائع الحقيقية لقصة الشريط. أنا بصراحة، لم أعد أطيق الحديث حول هذا الموضوع. على العموم، السينما المغربية في ازدهار، هناك جيل من الشباب، الذي يمتلك الحماس لتقديم إضافات جديدة، وهو يبشر بالخير. أنا أشجع هؤلاء الشباب. الملاحظات السلبية التي يمكن لي أن أسجلها على الإنتاج الوطني، هو أن هناك ضعفا على مستوى كتابة السيناريو. كما أننا لا نشاهد ديكورات في المستوى المطلوب، ولكن هذا سيعرف تحسنا، مع مرور الوقت. أسجل كذلك، أن الكتابات النقدية، لا تهتم بمجال الهندام واللباس. لم يحدث لي أن سجلت عن ناقد سينمائي، يقوم بدراسة الأسلوب الذي تم به تصميم الملابس في هذا الشريط السينمائي أو ذاك، من الأشرطة السينمائية المغربية. باستثناء أفلام قدمت سابقا، مثل فيلم الرسالة، أما اليوم، فليس هناك من يتطرق إلى هذا الموضوع.