أكد عدد من الفاعلين المغاربة والأجانب في المجال السينمائي أن الانخراط في التكنولوجيا الرقمية يعد فرصة وحلا، وتحديا حقيقياوضرورة ملحة تتطلب دعما واستثمارات ضخمة للنهوض بالقاعات السينمائية في المغرب، التي تعاني، منذ سنوات، من مسلسل الإغلاق وتراجع الإقبال عيها، إذ أصبح عدد القاعات، التي يتوفر عليها المغرب اليوم، 77 قاعة في مقابل 250 قاعة سنة 1980. وأضاف المشاركون في منتدى نظم في الدورة الرابعة من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، الذي اختتم يوم 25 شتنبر الماضي، حول موضوع "مستقبل القاعات السينمائية بالمغرب في ومن الانتقال إلى التكنولوجيا"، نسقه نورالدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، أن الرهان الحقيقي اليوم يكمن في استرجاع القاعات السينمائية لمجدها الغابر، خاصة أن الإنتاج السينمائي المغربي اليوم أصبح يعرف تناميا مطردا سنة بعد أخرى، ولم يعد من المقبول أن تستمر القاعات في مسلسل الإغلاق، أو أن تظل على تلك الحالة، التي هي عليها، لأنها لن تجلب الجمهور الجديد، المتطلع إلى السينما الحديثة بأبعادها الثلاثة، وبتقنياتها المتطورة، ولن تستطيع الحفاظ على وجودها بالتقنيات، التي أصبحت اليوم متجاوزة، قد تصلح للأرشفة لا غير. خلال هذا اللقاء، قدم نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي، تشخيصا للوضع الراهن للقاعات السينمائية بالمغرب، كما طرح مجموعة من القضايا المرتبطة بمستقبل هذه القاعات في زمن الانتقال للتكنولوجيا الرقمية. وقال إن ما قام به المغرب في المجال السينمائي هو الاهتمام بالإنتاج من خلال الدعم، لكنه غير كاف، لأن النهوض بالمجال السينمائي يقتضي الاهتمام، أيضا، بجانب التوزيع والعرض، وهو ما أغفل بالمغرب، إلى أن تفاقم الأمر، ولم تستطع المركبات السينمائية، التي افتتحت في ما بعد، الإسهام في حل جزء منه. وأشار الصايل إلى أن القاعات السينمائية تعد اليوم مشكلا حقيقيا في المغرب، وإذا لم تتدخل الدولة، وتخلق فضاءات صالحة للعرض وتخصص دعما كبيرا للنهوض بالقاعات، فإن الإنتاج السينمائي سيظل معاقا، لأن خلق سوق سينمائية بالمغرب لا يعني فقط إنتاج الأفلام، بل، أيضا، خلق فضاء اجتماعي وثقافي لائق لعرضها، شريطة أن يكون هذا الفضاء منتجا وذو مردودية، كما دعا القطاع الخاص، أيضا، للاستثمار في هذا المجال. وأوضح الصايل أنه يجب أقلمة الرقمنة مع الواقع المغربي، والتحلي بالواقعية في مقاربة هذا الموضوع، موضحا أنه "من الواجب حل مشكل القاعات قبل المرور بطريقة مباشرة إلى الرقمنة، التي أصبحت تفرض نفسها في الوقت الحالي، مبرزا أنها قد تخدم مصلحة السينما، وهيمنة الرقمنة لا يعني بالضرورة إقفال القاعات السينمائية". من جهته، اعتبر كلود ايريك بوارو، مدير عام "أوروبا سينما"، أن الرقمي اليوم فرصة للسينما كي تتطور، وفرصة للقاعات كي تتطور وتجدد، وتصبح ملائمة لمتطلبات العصر. وأشار إلى أن شريط "أفاتار" بتقنيات 3D، هو الذي حث على تجهيزات القاعات السينمائية بالتكنولوجيا الرقمية. وذكر أن 1500 قاعة فرنسية مجهزة اليوم بشكل طبيعي من طرف أصحابها، دون تدخل للدولة، وأن وزير الثقافة الفرنسي، فريدريك ميتران، صرح بتخصيص 25 مليون أورو من أجل تجهيز باقي القاعات. أما برونو بوايي، صاحب ثلاث قاعات سينمائية بكريتي الفرنسية، فأوضح أنه لا يمكنه التخلي عن 35، حتى ولو تحول إلى الرقمي، لأن بفضله يمكن له أن يقدم الأعمال السينمائية القديمة للأجيال الجديدة. وأشار إلى أنه يحتاج إلى 150 ألف أورو من أجل رقمنة قاعاته الثلاثة. وعبر بوايي عن تخوفه من الرقمنة، شأنه شأن المغاربة، وتساءل: ماذا سنرقمن؟ وماذا سنستثني؟ وما الذي سيختفي؟ من جهتهم، اعتبر المتدخلون الآخرون وهم: آن زين جوستان عن غرفة المخرجين الفرنسيين، ومخرج المغربي نبيل عيوش، والمنتج المغربي محمد العيادي، وهالة جلال، المسؤولة عن القافلة الأوروبية – العربية في برنامج "أورو ميد الثاني"، أن الرقمنة فرصة حقيقية للسينما العالمية، مشيرين إلى أنها "وسيلة مهمة لتحقيق انتشار المنتوج السينمائي عبر العالم ووصوله إلى أبعد حدود". وأبرزوا أن الرقمنة تجذب عددا كبيرا من الجمهور خاصة الفئات الشابة، لكنه يمكن أن يصبح مشكلا إذا لم يجر التفكير في باقي الجوانب المرتبطة به، التي تطرح تحديات أمام أصحاب القاعات السينمائية. وأشاروا إلى أن الرقمنة، رغم أنها امتياز للسينما الحديثة، إلا أنها تشكل خطرا على الإنتاجات الناشئة، أو أفلام المؤلف، لأننا سنصبح أمام هيمنة للأفلام الضخمة، على حساب الأفلام الصغيرة. وأكدوا على ضرورة تدخل الدولة لتصحيح الوضع السينمائي، مضيفين أن "الرقمنة حاضرة في القنوات التلفزية والإذاعات، لذلك فمن الممكن اعتبارها عاملا منقذا للسينما"، مضيفين أن إنقاذ القاعات السينمائية ووقف نزيف الإغلاق أمر مستعجل، وأن السينما "ليست مجرد فضاء لعرض الأفلام، وإنما هي مكان للتواصل بين الأفراد وتقاسم المشاعر الإنسانية نفسها".