المأساة في سوريا مستمرة، وكان السؤال الذي رمى به المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي غداة استقالته من منصبه صادما ومفزعا. كم من القتلى والدمار سيأخذ الأمر حتى نجد حلا لسوريا؟ إنه السؤال... الدبلوماسي الجزائري صاحب التجربة الكبيرة لم يستطع الصمود أكثر، واختار التخلي، معبرا عن حزنه لترك سوريا في هذا الوضع السيئ. السؤال الاستنكاري الذي طرحه الإبراهيمي موجه للنظام البعثي في سوريا أولا، ولكل مكونات المعارضة والفصائل المسلحة، ثم للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والقوى الإقليمية ولمجموع المجتمع الدولي، وهو استفهام لا يخلو من تحميل للمسؤولية. اليوم قتل وفر المئات والآلاف، ويهيم وسط عديد بلدان حوالي ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وأكثر من نصف شعب سوريا يعاني من الخصاص في كل شيء، والبلاد كلها تحترق ولا توفر لشعبها استقرارا ولا أمنا ولا حدا أدنى من العيش الكريم. اليوم، حتى المعارضة في سوريا لفتها الطائفية وحرب المذاهب والتعصب، ويكاد الظلام يحيط بكل الجوانب، ويكبل تطلع الشعب السوري... تختلط الأوراق، تتعدد الأطماع، تشتد المعاناة، يبتعد الأمل، يتفاقم التجاهل، تحل أوكرانيا محل سوريا في اهتمام البلدان الكبرى، تتوارى سوريا إلى الخلف، ووحده القتل يتقدم إلى الأمام ويتصدر أخبار المعاناة، ولا الفصائل المسلحة تغير وعيها وزاوية النظر، ولا نظام الأسد يدرك عقله، بل إن النظام يسخر من كل شيء و... يعلن عن تنظيم الانتخابات. لا تثير كل هذه المأساة الضحك أو السخرية، وإنما هي مرعبة ومفزعة، خاصة عندما يعجز العالم كله أو يستقيل من البحث عن الحل، ويترك الهمجية وحدها تسود وتسيطر في سوريا وتمسك بأعناق السوريين وتزهق أرواحهم بلا أي حساب. المأساة السورية اليوم تعلن عن الوجه الحقيقي لعالم المصالح وحسابات الأقوياء، وتفضح ما بلغته الإنسانية من دموية وهمجية. لنعد إلى سؤال الأخضر الإبراهيمي: كم من القتلى والدمار سيأخذ الأمر حتى نجد حلا لسوريا؟ سيبحث بان كي مون ونبيل العربي عن خليفة للأخضر الإبراهيمي، وستقام المؤتمرات وتنظم الزيارات والجولات والمفاوضات، وستصدر البيانات والإدانات والمناشدات، لكن في غمرة كل ذلك سيتواصل القتل والتشريد، وسيتفاقم الظلام والرعب في سوريا وحواليها على صعيد بلدان المنطقة وفي عموم الشرق الأوسط. الشعب السوري يريد أن يعيش في بلده آمنا مستقرا، ويريد أن تعود الحياة إلى طبيعتها، ويريد الأمن والسلام، ويريد حريته وسيادة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة ودولة المؤسسات والقانون في بلاده التي تضمن له كرامته وتقدمه وانفتاحه. هي أهداف طبيعية لشعب لا يختلف في شيء عن بقية شعوب الدنيا، والعالم كله اليوم يجب أن يقف في وجه كل من يرفض هذه المطالب المشروعة أو يقف ضدها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته