محمد المصباحي: الحراك لم يخطئ تاريخه وما زال حيا يحرك العملية التاريخية في بلدنا وفي البلدان الأخرى محمد الساسي: مصير الحراك آل إلى نخب تقليدية مسكونة بالمنطق الانقلابي محمد العلالي : الحراك لم يستطع بلوغ مرحلة البناء الديمقراطي المختار بنعبدلاوي: الحراك ألبس لباسا لا يستحقه لم يحسم باحثون ومفكرون مغاربة، فيما إذا كان الحراك العربي والمغاربي، قد أفضى إلى نتائج نهائية وإلى انتقال حقيقي إلى الديمقراطية في الدول التي عرفت هذا الحراك الاجتماعي والسياسي، أم لا. ففي الوقت الذي ذهب فيه الأستاذ محمد الساسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، إلى اعتبار أن الأنوية الأولى للحراك والمتشكلة أساسا من شباب متشبع بالعولمة الديمقراطية وبالقيم الكونية، ليست هي التي آل إليها مصير هذا الحراك، وإنما آل إلى نخب تقليدية مسكونة بالمنطق الانقلابي، وغير متشبعة بالعولمة الديمقراطية، قال الأستاذ محمد المصباحي، أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس، إن الحراك «ما زال حيا ويحرك العملية التاريخية في بلدنا وفي البلدان الأخرى، ولا يمكن الآن، القول أن الحراك قد أخطأ تاريخه». وأضاف المصباحي خلال ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية أول أمس الثلاثاء بالرباط، تحت عنوان «الحراك العربي والمغاربي والتحول الديمقراطي»، أن هذا الحراك ما زال يفرز ثمارا وصفها ب»الرائعة». ومن بين هذه الثمار، حسب المتحدث، التجربة المغربية التي قال عنها «بالرغم من محدوديتها، إنها تعطي نموذجا في إعادة بناء التاريخ المغربي» خاصة وأن الحراك الاجتماعي والسياسي الذي عرفه المغرب لم يأت من عدم، يضيف المصباحي، لأن الحراكات الاحتجاجية معطى مغربي ينبغي أن الاعتزاز به. من جانبه، ذكر الأستاذ الجامعي محمد العلالي، أن الحراك الاجتماعي والسياسي تمكن من إسقاط أنظمة استبدادية لكنه لم يستطع أن يذهب أبعد من ذلك، وأن يخرج من الوضع المتأزم إلى مرحلة البناء الديمقراطي، ويعود السبب في نظر العلالي إلى تراجع دور الأحزاب السياسية والنشطاء السياسيين. لكنه في الوقت ذاته، أقر العلالي أن الحراك العربي والمغاربي كان مهما جدا من حيث أنه وضع المنطقة في مرحلة جديدة، جعلت جزء من الفئات السياسية التي عانت من الإقصاء، خاصة جزء من الحركة الإسلامية، (جعلها) تصل إلى السلطة عن طريق الاقتراع، مما أفضى إلى خلاصة رئيسية، يقول المتحدث، مفادها أن «هناك حاجة إلى رؤية جديدة تقوم على الاعتراف المتبادل والاحتكام إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع». المختار بنعبدلاوي، الأستاذ الجامعي ومدير مركز الدراسات والأبحاث «مدى»، قارب موضوع الحراك من منظور آخر، حيث فضل عدم وصف هذا الحراك ب»الربيع» وقال إنه «ألبس لباسا لا يستحقه»، مشيرا إلى أن ما حدث في المنطقة العربية والمغاربية لا يعدو أن يكون مجرد انتفاضة غضب دون امتلاك رؤية ولا بوصلة لما ستكون عليه الأمور فيما بعد، ولا كيف يمكن الانتقال إلى بناء الدولة الديمقراطية. وأوضح بنعبدلاوي أن هناك تحولات عميقة عرفتها المنطقة ولم يتم الانتباه إليها بشكل كاف، سواء تعلق الأمر بالتحول االذي عرفته الأسرة المغربية التي انتقلت من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، أو التحول الذي عرفه سن الزواج ونسبة التعليم في المدن والأرياف. وفي سياق الحديث عن التحولات التي عرفتها المنطقة العربية والمغاربية، وقف محمد العلالي عند تأثير العامل الاتصالي في فيما حصل من حراك في المنطقة العربية والمغاربية، واعتبر أن الانترنيت وتقنيات الاتصال الحديثة خلقت جيلا جديدا في الإعلام الذي وجد فيه الشباب آلية أساسية للتعبير عن رغبته في التغيير وفي مواجهة الاستبداد، في وقت تراجع فيه دور الفاعل الحزبي ودور المثقف التقليدي. نفس الخلاصة تقريبا، صاغها محمد السياسي، حين أكد على أن الشباب «الفايسبوكي» تحرك في قطيعة مع النخب التقليدية التي التحقت فيما بعد بالركب، مشيرا إلى أن دور المثقف كان دورا بَعديا، أي بعد أن سئل من قبل هذا الحراك. وأضاف الساسي أن شباب الفايسبوك لا يشتغل داخل الأحزاب السياسية والتي عوضها بما يمكن اعتبارها أحزابا إليكترونية موجودة في العالم الافتراضي، مبرزا إن خاصية هذا النوع من الشباب أنه كان ذا نزعة علمانية ومنفتحا على العالم وينتمي إلى الطبقة الوسطى، متعلما متأثرا بالعولمة الديمقراطية وبثقافة الانتقال والتسامح الديني والانضباط والاعتدال، باعتبارها قيما كونية، وأن الأمر يتعلق بمطالب ديمقراطية محددة، ولم يكن هؤلاء الشباب يرفعون مطلب الوحدة العربية أو تحرير فلسطين ولم يحرقوا علم دولة أخرى إلا نادرا، مشيرا إلى أن هذه الخاصية وهذه المواصفات تنطبق على شباب 20 فبراير، الذي بدأت معه مرحلة دوران النخب لكنها لم تكتمل، وأجهضت، بحسبه، مباشرة بعد التصويت على دستور فاتح يوليوز 2011، الذي قال عنه الساسي «إنه اعتبر مجرد إطفاء للحريق»، مشيرا إلى أن الملكية قدمت تنازلات لكنها لم تتنازل عن جوهر صلاحياتها. وفسر محمد السياسي ذلك، كون الشباب الذي أطلق الحراك لم يكن هو من عاد إليه مصير هذا الحراك، وأنه لم يكن مسجلا حتى في اللوائح الانتخابية، مشيرا إلى أن الشباب عندما أطلق الحراك لم يكن بمنطق أيديولوجي ولكن بمنطق الانتقال الديمقراطي. وأوضح الساسي أن هذا الحراك أظهر الحاجة إلى توافق تاريخي بين الإسلاميين والعلمانيين وباقي الفئات الأخرى، مشيرا إلى أن هذه المرحلة يتعين فيها التمييز بين المهمة التدبيرية والمهمة التأسيسية، لأن لحظة التأسيس لا يتعين التعامل معها بمنطق الغالب والمغلوب، مثل ما حدث في التجربة المصرية، حيث لم يفهم أن المرحلة التأسيسية هي مرحلة توافق على قواعد اللعب بين مختلف الفرقاء. وفي سياق آخر، وصف محمد المصباحي الحراك العربي والمغاربي ب الانفجار» الاجتماعي الذي بعثر الأوراق السياسية وخلق وضعا سياسيا جديدا، متسائلا حول ما إذا كان هذا الحراك قد استطاع أن يقوم بالتغيير دون أن يقوم بالبناء الديمقراطي؟ حيث أنه نجح في إسقاط أنظمة قائمة لكنه لم ينجح في عملية البناء الديمقراطي. واعتبر المصباحي أنه لا يمكن تحقيق البناء الديمقراطي انطلاقا من الثورة بمفهومها الكلاسيكي، وأنه ما إن يتم إسقاط النظام إلا وتأتي البنيات القديمة لتأخذ المسؤولية وتقود الدولة. وذهب إلى القول بأن هذه الرجة التي حدثت مع هذا الحراك، هي إعادة لترتيب الأوراق التاريخية أي إعادة ترتيب الأسبقيات السياسية التي تضعها هذه المجتمعات لنفسها، مشيرا إلى أن هذا الحراك ليس له معنى واحد، بقدر ما أن لكل بلد حراكه الخاص به انسجاما مع بنياته التاريخية والسياسية. من جانب آخر، يضيف المتدخل، فإن ما سمي ب»الربيع العربي» أحدث دهشتين في المجتمعات التي عرفت هذا الحراك، الدهشة الأولى هي قدرة الشارع على تغيير التاريخ، والثانية هي أن الانتخابات لم تكن في مستوى الحلم الذي علقه الشباب على هذا الحراك، مؤكدا على ضرورة التعامل بواقعية وعقلانية في الممارسة السياسية، وان الحل في اعتقاده هو اللجوء إلى وانطلاقا من عنوان الندوة «الربيع العربي والتحول الديمقراطي»، تساءل محمد المصباحي عما إذا كانت هناك إمكانية للتوفيق بين الثورة والديمقراطية، وهل يمكن للثورة أن تتمخض عن بناء ديمقراطي؟ وأضاف أن الحراك الشعبي الذي عرفته المنطقة أبَان عن قدرة الشعوب على تغيير التاريخ، غير أن الانتخابات التي شهدتها المنطقة، يضيف المتحدث، لم تكن في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية. وذهب المصباحي إلى أن المرحلة الحالية تقتضي التحلّي بالعقلانية، لتجاوز الخلافات والصراعات، وذلك باللجوء إلى مفهوم الكتلة التاريخية، التي اقترحها غرامشي في ثلاثينيات القرن الماضي، من أجل تجاوز الصراعات الطبقية، مضيفا أنّ الكتلة هي «جمْع الجميع للدفاع عن الديمقراطية كقيَم كونية». من جانب آخر، ما سمي ب»الربيع العربي» أحدث دهشتين في المجتمعات التي عرفت هذا الحراك، الدهشة الأولى هي قدرة الشارع على تغيير التاريخ، والثانية هي أن الانتخابات لم تكن في مستوى الحلم الذي علقه الشباب على هذا الحراك، مؤكدا على ضرورة التعامل بواقعية وعقلانية في الممارسة السياسية، وان الحل في اعتقاده هو اللجوء إلى الكتلة التاريخية، وهي جمع الجميع من أجل الدفاع عن الديمقراطية باعتبارها قيم حداثية وقيم كونية مع تطعيمها بالقيم التراثية المستنيرة. وأوضح المصباحي أن الدعوة إلى الكتلة التاريخية لا تعني القفز على الصراع الطبقي وإنما هو الانفتاح على الأخر المختلف معي ثقافيا وأيديولوجيا، لأنه لم يعد مقبولا رفض الآخر بمبرر الاختلاف، خاصة وأن الجميع يمكنه أن يعمل من أجل بناء الديمقراطية. وفي علاقة مع التجربة الانتخابية التي أفرزت نجاح الإسلاميين قال المصباحي «يجب أن نفرح لذلك إذا كنا ديمقراطيين، مع أخذ الحذر لأن الديمقراطية لها ضوابط يتعين احترامها، من قبيل احترام حقوق الإنسان والحريات الفكرية والسياسية والثقافية واحترام الآخر بما هو مختلف عني فيه». وأبرز الأستاذ المختار بنعبد اللاوي أن المجتمعات التي نجح فيها التحول هي مجتمعات مندمجة مثل المغرب وتونس، مجتمعات تتأسس على قيم المواطنة، فيما المجتمعات التي أجهض فيها التحول هي مجتمعات غير مندمجة وقائمة على الطائفية والقبلية مثل ما هو الحال في سوريا وليبيا وإلى حد ما في مصر. واعتبر أن التجربة المغربية هي نموذج، وأن الخطاب الملكي 9 مارس كان خطابا استباقيا وهذا في نظره شيء أساسي وهم في تحويل الحراك إلى معطيات قابلة للصرف وإلى واقع مادي، دون أن يجزم فيما إذا كانت الأطراف السياسية قد استطاعت استثمار هذه اللحظة بالشكل الكافي، لكنه أكد على أن هذه اللحظة فتحت أفاقا على إمكانية التحول الديمقراطي. العامل الثاني الذي وقف عنده الأستاذ بنعبد اللاوي، هو برور الفاعل السلفي والنساء والشباب والمتقاعدين والطبقة الوسطى كمكون متنوع في هذا الحراك والذي رفع شعار «كفى» وضرورة إحداث التغيير، مشيرا إلى ذلك أظهر أن هناك تحولا عميق بات يعرفه المجتمع المغربي، وأصبح يفرض على الجميع البحث عن المشترك وعن التجسير السياسي الإسلامي والعلماني والاشتغال على المشترك بينهما. وخلص إلى أن المآل النموذجي للحراك المغربي كان هو الكتلة الديمقراطية وحزب العدالة والتنمية والتي أصبحت في نظره فرصة «مجهضة» لكنه في الوقت ذاته أثنى على موقف حزب التقدم والاشتراكية الذي وصفه ب»الشجاع» لأن الأمر في نظره يقتضي خوض هذه التجربة.