الحراك الاجتماعي والتحديات الديمقراطية في إطار الاستعدادات التنظيمية والسياسية الجارية لعقد مؤتمره الوطني التاسع، وفي نطاق منتديات النقاش العمومي المفتوح حول مشاريع وثائق المؤتمر، ينظم حزب التقدم والاشتراكية منتدى وطنيا فكريا حول موضوع «الحراك الاجتماعي والتحديات الديمقراطية» اليوم الثلاثاء 6 ماي 2014 بالمكتبة الوطنية بالرباط، برئاسة الرفيق مولاي إسماعيل العلوي، وبمشاركة الأساتذة: محمد المصباحي، محمد الساسي، عبد العالي حامي الدين، المختار بنعبدلاوي ومحمد العلالي. وبهذه المناسبة، أعد الدكتور محمد المصباحي ورقة عمل بمثابة أرضية فكرية للمنتدى، ندرجها فيما يلي: الغرض العام من هذا اللقاء تبادل وجهات النظر حول القضايا السياسية والحقوقية والاجتماعية والنظرية التي خلقتها الموجة الرابعة المطالِبة «بالديمقراطية والدولة المدنية» التي نعِتت بالربيع العربي. فانطلاقا من هذا الحدث – المسلسل، اتخذت قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتسامح والتعدد الثقافي والطائفي... راهنية جديدة تقتضي منّا المزيد من المناقشة وتبادل الرأي. برهن «الربيع العربي» على أن هذه القيم الحداثية النبيلة تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية، وأنه لا حق لثقافة أو لوطن في احتكارها. فهذه القيم والمثل العليا لا تنتمي لا إلى الغرب ولا إلى الشرق، لا إلى بلاد الشمال ولا إلى بلاد الجنوب، وإنما هي أفكار كونية قادرة على تعبئة الجماهير والخروج إلى الشارع للمطالبة بالإصلاح الديمقراطي والقضاء على الفساد. ولا شك أن »الثورة الرقمية« بمختلف تجلياتها المعرفية والإعلامية والتواصلية، وبشبكاتها الاجتماعية (فيسبوك، تويتر، يوتيوب)، كانت فاعلا تاريخيا جديدا في الموجة الرابعة للديمقراطية، وخلقت نقاشا لم يسبق له مثيل حول مفاهيم الانتفاضة والحراك والثورة وعلاقتها بالإصلاح الديمقراطي والحقوقي والثقافي. إلا أن المسلسل الديمقراطي الذي أطلقه «الربيع العربي» يواجه حاليا في بعض البلدان العربية تحديات تهدده بالرجوع إلى الوراء. بل إن بعض دول هذا الربيع بعد أن أسقطت «أنظمتها» أصبحت مهددة بإسقاط «دولها» تماما، هذا ناهيك عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير القابلة تقريبا للحل في الزمن المنظور. لقد حدث «الربيع العربي» في فضاء ثقافي لم يعرف تقاليد ديمقراطية على مستوى الثقافة والمؤسسات. وهذا ما جعل الأسئلة حول شكل الديمقراطية وطبيعة التحالفات، والحق في التعدد الثقافي وحقوق الإنسان يكتسب راهنية سياسية وفكرية كبيرة. وبغض النظر عن الصدمة السياسية التي خلقتها نتائج أول انتخابات في كل من تونس ومصر والمغرب بعد نجاح الحراك العربي، فإن المطلوب هو كيفية التعامل العقلاني والواقعي مع هذه الوضعية الجديدة. فصعود حركات الإسلام السياسي، التي تطالب بحقها في أن تلعب دورا تعتبره بنّاءً في تطوير المسلسل الديمقراطي، يمكن أن يؤَوّل بوصفه تطورا إيجابيا في سياق قابليتها على تغيير مواقفها من الحداثة، كما يمكن أن يبعث الحياة في مفهوم «الكتلة التاريخية» ليكون أداة لتلافي السقوط النهائي. ومع ذلك يجب الحرص على أن لا يتم تسخير القيم الديمقراطية وآلياتها لخدمة مآرب إيديولوجية باسم الدين. إن تحيين فكرة «الكتلة التاريخية» يقتضي أن ندخل ضمن مطالبها الأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر الثقافية المحلية والعتيقة لإعادة التفكير في مسألة كونية القيم الديمقراطية والعقلانية والإنسية وإعادة صياغتها بما يتلاءم وميزان القوى السياسي. «الربيع العربي» أصبح مكسبا وتراثا للجميع وللأجيال المقبلة. لكن علينا ألا نغفل أو نتجاهل أن استراتيجيته العامة هي إحداث التغيير الديمقراطي الحقيقي بما يخدم حقوق الإنسان بشكل يضمن في نفس الوقت التعدد الثقافي والكونية. ولعل من حسنات «الربيع العربي» أنه أعاد طرح المسائل الشائكة بشكل جديد وملموس، كمسألة علاقة الدولة المدنية بالدين، ومسألة مضمون منظومة حقوق الإنسان العالمية في علاقتها بالثقافة الوطنية أو المحلية. بل أكثر من ذلك، أعاد طرح سؤال الدور الذي يمكن أن تلعبه المعتقدات الدينية في تشكيل وتطوير قيم الحق الوضعي، دون أن تودي بالضرورة إلى تقليص كونية تلك القيم. «العيش المشترك»، وهو مكوِّن أساسي للثقافة الديمقراطية، يقتضي الاعتراف بالتعددية الثقافية والسياسية والدينية. غير أن على هذه التعددية أن تكون مناسَبة للتفكير النقدي حول أنماط الحياة، ومقارنتها مع أنماط أخرى تنتمي لمجتمعات وجماعات أخرى، لاستخلاص القيم المشتركة بين الثقافات المتباينة. إن مثل هذا التفكير النقدي لا يقبل إعطاء الأسبقية لهوية ثقافية على أخرى، أو أحقيتها بالأولوية على حساب كونية ثقافة حقوق الإنسان. ذلك أن الغاية من التفكير النقدي لثقافة «العيش المشترك» هو الحيلولة دون العودة إلى تكريس مشروعية بنيات الاستبداد والفساد. انطلاقا مما سبق يمكن وضع الأسئلة التالية: هل أخفق الربيع العربي في مشروعه الديمقراطي والمدني، أم أن ما نعيشه اليوم هو مجرد مرحلة تمهد لمرحلة أخرى تكرس الديمقراطية بشكل نهائي؟ بعبارة أفضل، هل استنفذ «الربيع العربي» كل إمكانياته، أم أنه ما زال في أول الطريق؟ ما هي الآفاق التي فتحتها التغييرات الدستورية في البلدان الربيعية الثلاث: المغرب، مصر وتونس؟ ما هي الآليات المناسبة لتنزيل مضامين الدساتير الربيعية حتى تلبي رغبات الشعوب في الكرامة والحرية والعدالة؟ كيف نوفق بين الذاكرة وحقوق الإنسان وسيادة الدول في ديمقراطية مستقبلية؟ هل يمكن أن يكون الشارع، أو الجماهير، دائما معيارا لتأسيس ثقافة ديمقراطية حقيقية؟ هل يمكن أن نتكلم عن ثورات مضادة للربيع العربي في بعض البلدان العربية؟