إذا قيض للانتخابات العراقية المقررة أواخر الشهر الجاري أن تتجاوز العوائق الأمنية وتجرى في موعدها، فإنها حسب المراقبين، لن تمثل عامل استقرار في البلد الممزق بالعنف والصراعات الحزبية والطائفية، بل قد تكون على العكس من ذلك- قادحا لمزيد من التوتر. تشير الأوضاع الأمنية المتأزمة في العراق إلى استحالة إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة آخر الشهر في عدة مناطق من البلاد لا سيما بمحافظة الأنبار حيث تدور حرب بين مسلّحين ينسبهم الخطاب الرسمي لتنظيم «داعش»، ولم تنجح القوات المسلحة في حسمها واستعادة أجزاء المحافظة الخارجة عن السيطرة، فيما الوقت المتبقي لموعد الانتخابات لا يتسع لاستعادة الهدوء المطلوب لإجراء عملية انتخابية سليمة. وحتى خارج الأنبار تخيم ظلال من الشك في قدرة الحكومة على تأمين العملية الانتخابية، بما في ذلك داخل العاصمة بغداد التي لم تنجح الإجراءات الأمنية المشددة في حمايتها من عشرات السيارات المفخخة على غرار ما حدث الأربعاء التاسع من أبريل الجاري. غير أن معضلة الانتخابات العراقية لا تنحصر حسب المراقبين في إمكانية إجرائها من عدمه، بل في إمكانية أن تحقق الاستقرار للبلد الممزق بالعنف وبشتى أنواع الصراعات الشخصية والحزبية والطائفية. ويرى هؤلاء أن الانتخابات العراقية، قد تكون، على عكس المراد منها، مدخلا لمزيد من العنف والتوتر في البلاد، حيث يستبعد مسبقا أن يقبل أي طرف من أطراف المعادلة السياسية في العراق بما ستفضي إليه من نتائج، باعتبار أن أطراف تلك المعادلة تحوّلوا من متنافسين إلى أعداء وخصوم قد تمثل خسارة أي منهم في الانتخابات خسارة «معركة وجود». ويذكر العراقيون كيف أن نتائج التصويت لم تكف في الانتخابات الماضية لتحديد الفائز والأحق بتشكيل الحكومة، حيث أفضت تلك الانتخابات إلى معركة قانونية بين رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ومنافسه الأهم آنذاك إياد علاوي الذي حصلت كتلته «القائمة العراقية» على 91 مقعدا متقدمة بمقعدين على كتلة المالكي «ائتلاف دولة القانون» لكن الأخير لم يسلّم بالهزيمة وتمسك بأن من يشكل الحكومة ليس الحائز على عدد أكبر من الأصوات والمقاعد بل القادر على تشكيل كتلة أوسع داخل البرلمان، وقد استعان بفتوى قضائية لفرض ذلك. ومن جهتهم قال مراقبون إن بوادر العنف الانتخابي ظهرت مبكرا مع بدء حملات المرشحين مستدلين بحادثة مقتل شاب في بغداد الأحد الماضي على خلفية تمزيق ملصق دعائي للانتخابات. ومنذ بدء الحملة الانتخابية في مطلع الشهر الجاري، تحوّلت العاصمة بغداد إلى ما يشبه ساحة حرب انتخابية حيث انتشرت في شوارعها صور المرشحين والملصقات الدعائية الضخمة، وسط حملات تشهير متبادلة غزت القنوات التلفزيونية المحلية. وقال المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري لوكالة فرانس برس إن «الصراع المحتدم الانتخابي هو صراع وجود، إذ أن الكثير من الكتل السياسية متوترة وتعيش حالة من الاضطراب السياسي». ويقول مراقبون إن عدم إجراء الانتخابات في أجزاء من العراق سيكون مطعنا إضافيا في شرعية العملية الانتخابية التي تحف بها شكوك التزوير والوقوع في دائرة الضغوط الخارجية وتأثيرات المال السياسي لتوجيه النتائج لمصلحة مرشح بعينه هو رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي رغم تراجع شعبيته ورفضه حتى من قبل شركاء له في عائلته السياسية الموسعة، عائلة الأحزاب الدينية الشيعية. وفي هذا السياق حذر ائتلاف «العربية» بزعامة صالح المطلك، أول أمس، من عمليات تزوير محتملة وتحركات لشراء مراكز انتخابية في محافظة الأنبار، داعيا إلى إعادة النظر في إجراء الانتخابات بالمحافظة. وقال الائتلاف، في بيان إن «دماء العراقيين أغلى وأسمى من عدد المقاعد البرلمانية»، مبينا أن «هناك من يصر على تأزيم الموقف في محافظة الأنبار لغايات انتخابية». وأشار الائتلاف إلى «تدهور في الأوضاع الأمنية والإنسانية في المحافظة وتصاعد العمليات العسكرية والقصف العشوائي الكثيف على المناطق السكنية»، داعيا المفوضية العليا المستقلة للانتخابات «لإعادة النظر في موضوع إجراء الانتخابات في محافظة الأنبار وذلك لعدم توفر المقومات الأساسية لأية عملية انتخابية وغياب مبدأ الشفافية والعدالة وحرية الاختيار، بسبب استمرار نزوح المدنيين والذي وصل إلى مئات الآلاف من العوائل مما يؤدي إلى اعتماد التصويت المشروط، والذي سيكون عرضة للتزوير والتلاعب بأصوات الناخبين وحرمان أعداد كبيرة من المواطنين من التصويت». وتابع أن «هذا يؤدي بدوره إلى غياب الممثل الحقيقي لهذه المناطق وعدم تمثيل إرادة أهالي الأنبار بشكل واقعي مما يضاعف فرص استمرار الفوضى في المحافظة». ودعا «الأممالمتحدة والمنظمات الدولية إلى أن تأخذ بنظر الاهتمام إعادة تقييم الوضع الانتخابي في الأنبار، والذي أصبح من المستحيل فيه إجراء انتخابات شفافة ونزيهة تتطابق مع أبسط المعايير اللازمة لذلك». وأكد الائتلاف في بيانه « لا نعترف بأية نتائج تجري تحت ظرف التهميش القسري وعمليات التزوير وشراء المراكز الانتخابية التي بدأ التحضير لها منذ الآن مما يوفر مناخا لفوز الفاسدين»، كما دعا إلى «بذل أقصى الجهود لإيقاف القصف على مدن المحافظة لتمكين سكان المدينة من العودة إلى منازلهم وخلق أجواء انتخابية سليمة تحقق الهدف المنشود من العملية الديمقراطية».