من أجل سينما إفريقية جديدة وقعت 20 دولة إفريقية، من بينها المغرب، يوم السبت في مدينة الأقصر (جنوب مصر)،على مبادرة صندوق «اتصال» لدعم الفيلم الإفريقى، وذلك على هامش فعاليات الدورة الثالثة ل»مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية»المنظم من 16 إلى 24 مارس الجاري. وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط، أنه تم التوقيع أيضا على بروتوكول تعاون مع 27 مؤسسة إنتاجية وتوزيعية ومديري مهرجانات في 20 دولة إفريقية وأوروبية لتأسيس أول صندوق لدعم السينما الإفريقية القصيرة والوثائقية برأسمال قدره 100 ألف دولار. ونقلت الوكالة عن مدير مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، عزة الحسيني، القول إن تأسيس هذا الصندوق يأتي من أجل «تنمية وتطوير السينما الإفريقية، وتحديدا السينما المستقلة في القارة». وأضافت أنه بعد أن تم تأسيس الصندوق، فإن الهدف التالي يتمثل في إنتاج 10 أفلام وثائقية وروائية قصيرة في العام، مشيرة إلى أن ميزانية الدعم المتوقع تخصيصها للفيلم الواحد تتراوح بين 4 و 10 آلاف دولار، حيث سيتم الإعلان قريبا عن القوانين المنظمة للصندوق، وشروط الاستفادة من الدعم. يذكر أنه من بين الدول الإفريقية المشاركة في التوقيع على بروتوكول التعاون مع صندوق «اتصال» إلى جانب المغرب،هناك تونس وتنزانيا وجنوب إفريقيا وساحل العاج وإريتيريا وزمبابوى ومصر، إلى جانب إسبانيا وإنجلترا وفرنسا. في رصده للسينما الجديدة في إفريقيا يرى الناقد السينمائي الفرنسي أوليفيه بارليه أنها تخلصت من عبء ذاكرة مثقلة بماض استعماري وامتازت بإضافات جمالية ولكن النقد التقليدي يغفل ذلك ويكتفي بسرد محتوى الأفلام. ويقول في كتابه (السينما الإفريقية في الألفية الثالثة.. آفاق نقدية) إن وراء هذه الأفلام مخرجين «جددوا في أعمالهم في مواجهة انغلاق الهوية وقدموا مضمونا جديدا دون أن ينفصلوا عن الإرث القديم» حيث انطلقوا مما يسميه استراتيجيات سريعة لمقاومة التنميط الذي وقعت إفريقيا ضحية له قبل الاستقلال وبعده. ويقول «ينبغي مداومة التصدي لحملات التقليل من شأن إفريقيا... إفريقيا قادرة على تعليمنا الكثير من الأشياء إذا أردنا الإنصات إليها بدون الرغبة في إرشادها بهدف إنقاذها... أنا مهموم بإفريقيا عندما أرى تعرضها لكل أشكال الظلم وعدم المساواة ليس تعاطفا معها ولكن من جانب الإحساس بالمسؤولية». وبارليه (62 عاما) له دراسات نقدية كثيرة عن السينما الإفريقية جنوب الصحراء وهو مسؤول تحرير مجلة (أفريكيلتير) المتخصصة في الثقافات الإفريقية. والكتاب الذي ترجمته المصرية عبلة عبدالحفيظ سالم ويقع في 208 صفحات كبيرة القطع أحد إصدارات الدورة الثالثة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية -الذي يختتم الاثنين في مدينة الأقصر السياحية الجنوبية- وشارك فيه أفلام وسينمائيون يمثلون أكثر من 40 دولة إفريقية. ويحمل غلاف الكتاب صورة للممثلة المغربية صوفيا عصامي في فيلم (على الحافة) للمخرجة المغربية ليلى الكيلاني. ويقدم المؤلف كتابه بقول أحد أبرز مؤسسي الحركة الأدبية الزنجية الشاعر إيمي سيزار «الخيال وحده يستطيع اليوم أن يصنع شيئا آخر من العالم الذي أصبح شبيها بصخرة أصابتها صاعقة» وفي الصفحة نفسها يهدي بارليه كتابه إلى الفنان التشكيلي المصري الشاب أحمد بسيوني الذي توفي في ميدان التحرير بالقاهرة يوم 28 يناير 2011 «جمعة الغضب» ذروة الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك. ويقول المؤلف إن العالم لا يتوقف عن الحركة وأثناء تأليف كتابه «أدت الثورات العربية إلى تغييرات جذرية في سينما المغرب العربي وفتحت آفاقا غير مسبوقة». ويستشهد بارليه بفيلم (على الحافة) 2011 قائلا إنه «يعبر عن العصر سواء على مستوى الشكل أو المضمون... يلقي الضوء على واقعنا الحالي بابتكاراته وجمالياته» مضيفا أن بطلة الفيلم صوفيا عصامي تعبر عن شباب الربيع العربي. وفي فصل عنوانه «رعب العبور» يستعرض المؤلف أسباب الهجرة غير الشرعية بعد أن ضاقت قرى ومدن إفريقية بأهلها فهي «كثيفة السكان. بطالة وبلا مستقبل» حتى إن راعي الغنم لا يكون أمامه إلا الحلم بالعبور إلى الشاطئ الآخر في فيلم (2000 درهم) 2002 للمغربية ليلى المراكشي. أما الشاب في فيلم (حراقي) 2009 للجزائري مرزاق علواش فينتحر تاركا «رسالة إدانة للوطن الأصلي.. إذا بقيت سأموت وإذا غادرت سأموت» في حين تستورد النخب سلعا استهلاكية لا تفيد المجتمع. ويضرب بارليه مثالا آخر بالفيلم الغيني (ذات صباح في وقت مبكر) 2005 للمخرج جاهيتي فوفانا الذي استند إلى «قصة غير عادية» وقعت أحداثها في الثاني من شهر غشت 1999 حيث وجد الشابان الغينيان ياجين كويتا وفودي تونكارا «مقتولين في بروكسل مجمدين ومعلقين في عجلة الهبوط بطائرة.» ويضيف أن الشابين تركا رسالة موجهة إلى المسؤولين في أوروبا جاء فيها أن هدف رحلتهما هو نقل معاناة شباب إفريقيا وأطفالها. ويقول المؤلف إن 60% من مجموع سكان إفريقيا دون سن 18 عاما ولكنهم يرون الأفق مسدودا في بلادهم والموت منتظرا في الطريق قبل الوصول إلى أوروبا وهكذا أصبح «الوضع شبيها بفخ مغلق على الشباب الإفريقي تماما مثل تجارة الرقيق» في الماضي. ويسجل قول المخرج السنغالي سامبا ندياي بعد عرض فيلمه «أسئلة الوطن» 2007 «عندما أرى هؤلاء الشباب يسافرون في البواخر مفضلين الانتحار لأنهم لا يجدون حلا لهواجسهم بشأن مستقبلهم يجب أن نجد جوابا على أسئلتهم وعدم السكوت. إن القدر يتحكم في إفريقيا من جديد» كما سجل أيضا «دموع المخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو خلال مناقشة هذه القضية مع الجمهور في إحدى دورات مهرجان كان. ويتساءل المؤلف.. أي دور تقدمه الأفلام الإفريقية وصناعها في شرح خصوصية الثقافة المحلية؟ ولا يقدم إجابة ولكنه يقدم نموذجا لا ينتمي إلى الغرب وهو السينما الهندية التي «يعشقها» الجمهور الإفريقي لأنه يجد الموسيقى الشعبية والغناء والرقص والحب والأحلام والالتزام الأخلاقي. ويضيف أن هذه الأفلام أسهمت «في نشأة أمة بعد الاستعمار... في السبعينيات استطاع الممثل أميتاب باتشان أن يجمع وطنا بأكمله حول شخصية رجل متمرد... بطل عصري شاب غاضب تسبب في وفاق وطني للجميع» وهي شخصية انتقلت مع باتشان من فيلم لآخر. ويتفاءل أوليفيه بمستقبل السينما الإفريقية على أيدي جيل جديد متمرد من المخرجين القادرين على تقديم «موضوعات جديدة قادرة على المجازفة في الشكل والمضمون وطرح أسئلة بدون إجابة واستكشاف الإنسان بلا هوادة.