المغرب وفرنسا يحوزان جائزة أحسن دور رجالي والسويد تتوج بأحسن دور نسائي وكوريا الجنوبية تنفرد بنجمة مراكش الذهبية أسدل الستار يوم السبت الماضي على فعاليات الدورة الثالثة عشر للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بفوز الفيلم الكوري الجنوبي «هان كونك جو» للمخرج لي سو جين بالنجمة الذهبية (الجائزة الكبرى)، وعادت جائزة أحسن إخراج للفيلم الإيطالي «ميدياس» لمخرجه أوندريا بالاورو. أما جائزة لجنة التحكيم فكانت من نصيب فيلم «الدمار الأزرق» للمخرج الأميركي جيريمي سولنيي وفيلم «مسبح» للمخرج الكوبي كارلوس ماتشادو كينطيلا. وحازت الممثلة أليسيا فيكاندر على جائزة أحسن دور نسائي عن تجسيدها لشخصية إريكا في فيلم «الفندق» للمخرجة السويدية ليزا لانكسيت. كما كانت جائزة أحسن دور رجالي مناصفة لكل من ديديي ميشون، الذي جسد شخصية بنجمان في فيلم «حمى» للمخرج هشام عيوش، وسليمان دازي عن شخصية كريم. أما بالنسبة لجوائز سينما المدارس التي جرى الاعلان عن نتائجها يوم الجمعة الماضي فقد فاز فيلم «باد» لأيوب الهنود وعلاء أكعبون (المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش) بجائزة أحسن فيلم خلال مسابقة الأفلام القصيرة لطلبة مدارس السينما بالمغرب، وذلك في إطار الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش. ويحكي الفيلم قصة شاب أبكم وأصم يعاني من أجل تجاوز إعاقته في عالم عنيف وغير متسامح. وعرفت هذه المسابقة، التي تنظم للمرة الرابعة، مشاركة عشرة أفلام تمثل مؤسسات مختلفة للتكوين في المهن السينمائية، هي بالإضافة إلى الفيلم الفائز، «إخوة في النظام»، و»خروج»، و»صباح غريب»، و»الفائز»، و»غول»، و»حرية محجوزة»، و»سلالة»، و»نيكوتين»، و»أوروبوروس». وأعرب أعضاء لجنة تحكيم المسابقة عن انبهارهم بإبداعية ونضج الأعمال المشاركة والتي تبشر بمستقبل واعد للسينما المغربية. وفي التفاتة فريدة، أدى أعضاء اللجنة الرقصة الشهيرة لأغنية «باد» للمغني الراحل مايكل جاكسون. وتعتبر الجائزة الكبرى لأفضل فيلم قصير «سينما المدارس» هبة خاصة، يمنحها صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وتبلغ قيمتها 300 ألف درهم، يتم رصدها لمخرج الفيلم الفائز من أجل إنجاز شريطه القصير الثاني. ويجري تدبير مبلغ الجائزة من قبل مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، التي ترافق عملية إخراج الفيلم في غضون ثلاث سنوات، من خلال متابعة مختلف أطواره، بدء من كتابة السيناريو وصولا إلى مرحلة التوضيب. وقد ضمت لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، التي ترأسها المخرج المغربي نور الدين لخماري، الممثلة الفرنسية استريد بيرغيس فريزبي، والمخرجة الإيطالية وكاتبة السيناريو كريستينا كومانشيني، والكاتب والمخرج الأفغاني عتيق رحيمي، والممثلة والمخرجة الفرنسية سيلفي تيستود. الفيلم الفائز بالنجمة الذهبية وتدور أحداث، فيلم «هان كونج جو» الفائز بالنجمة الذهبية حول الاغتصاب والتفكك الأسري والشباب الباحث عن هويته وعنف المدينة... يجمع المخرج الكوري الفائز بالنجمة الذهبية لي سو جين، الذي كتب بنفسه سيناريو هذا الفيلم، بين هذه الموضوعات في قصة تمتاز بأسلوب سردي سلس ومتناسق، عززت جماله قوة أداء الممثلين والتصوير الرائع والإيقاع المتوازن للشريط. وتدور أحداث هذا الفيلم حول «هان كونج جو»، وهي فتاة مراهقة اضطرت إلى تغيير مدرستها لأن والديها أصبحا غير قادرين على رعايتها، لينتهي بها المطاف بالعيش مع والدة أحد أساتذتها التي سترفض في البداية استقبالها، لكنها ستغير رأيها في ما بعد عندما تكتشف أن الفتاة ضحية إهمال والديها. وفي إطار هذا الظرف الجديد الذي فرض نفسه عليها، ستقرر «هان كونج جو» الاعتماد على نفسها لمواجهة حياتها الجديدة ، والتأقلم مع وضعها، وستجعل من السباحة، وهي هوايتها المفضلة، متنفسا لها. تتوالى أحداث الفيلم ليكتشف المشاهد بعد ذلك أن «هان كونج جو» ضحية عملية اغتصاب جماعي وضحية ظروف وأخطاء والديها اللذين أهملاها وانشغلا عنها، حتى تورطت في هذه القضية التي ستتعقد أكثر عندما تقدم صديقتها الضحية أيضا على الانتحار. غير أن مسار الفتاة سيعرف منحى آخر عندما تتعرف على صديقات جديدات بالمدرسة التي انتقلت إليها خاصة عندما يقترحن عليها الانضمام لفرقة الغناء التي يشرفن عليها، حينها تحاول «هان كونج جو» نسيان الظروف المؤلمة التي سيطرت عليها وسلبتها السعادة ، إلا أنها تفشل في التخلص من قضيتها التي لاتزال مفتوحة لدى الشرطة والتي تلاحقها باستمرار. يرصد الفيلم صراع هذه الفتاة مع الخوف والرهبة والقلق من الحاضر الذي يحمل تساؤلات متعددة بلا أجوبة، والخوف من المستقبل المجهول. يتميز هذا الفيلم بالإخراج القوي والمتناسق الذي يسيطر فيه المخرج «لي سو جين» على مجمل أدواته الفنية والتقنية ، ويديرها على أكمل وجه، حيث استطاع أن يسخر لغة الصورة ويوظفها لخدمة المضمون العام للفيلم ، كما أن الحوار كان مركزا بعيدا عن الأسلوب المباشر والتطويل. أما الصورة في شريط «هان كونج جو» فهي قوية وشاعرية ومعبرة ، تصاحبها أحيانا موسيقى جميلة مؤثرة، مع توضيب متماسك ساهم في تألق الشخصيات وانسجامها مع الأحداث. وقد ساهمت هذه العوامل جميعها في خلق مشاهد جميلة ستبقى عالقة في ذاكرة المشاهد. كما أبرز المخرج طاقات أدائية مذهلة للممثلين الذين قاموا بأداء أدوارهم بصدق لشخصيات تجد نفسها في مواجهة واقع أليم ، حيث قدموا نسيجا من المشاعر والأحاسيس المغلفة بقدر كبير من التفاصيل الصغيرة والتي ساهمت بدورها كثيرا في تطور بناء بصري أخاذ لهذا العمل الفني. كاميرا المخرج لي سو جين لم تغفل أي تفصيل فني أو إنساني، إذ ركز على شخصياته، واعتنى بأدق تحركاتها. كما نجح في الغوص في أعماق شخصياته وتعرية طبيعتها ودوافعها. وتكمن قوة هذا الفيلم على الخصوص في قدرة السيناريو على إبراز الجوانب المتعددة لكل شخصية، بمناطقها المضيئة والمظلمة وذلك الرصد الموفق لتباين العلاقات واختلافها في ما بينها، ونجاحه في إثارة الكثير من المشكلات الاجتماعية في قالب فني متميز. هذا الفيلم الذي يمثل كوريا الجنوبية في المسابقة الرسمية والذي قام فيه بأداء أدوار البطولة كل من تشون وو-هي (هان كونك-جو) وجونك إن-سان (أون-هي) وكيم سو-يونك (هوا-أوك) ولي يونك-ران (والدة المدرس)، متكامل إلى حد كبير، فجميع مكونات الشريط الفنية والتقنية انسجمت في ما بينها بشكل مدروس لتعطي عملا فنيا جميلا ذا مستوى فني وتقني جيد. المخرج لي سو جين من مواليد سنة 1977 بكوريا الجنوبية. عرض فيلمه القصير» بابا» (2004) في مهرجان بوسان سنة 2005 ونال جائزة الأرشيف الكوري بمهرجان السينما المستقلة بسيول. وفاز فيلمه القصير الموالي «تفاحة العدو» (2007) بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم القصير بكوريا. ويعد «هان كونك جو»، أول فيلم روائي طويل له. فيلم يعلن ولادة مخرج واعد في خريطة السينما الآسيوية ذات الحيوية الدائمة. وللإشارة فالسينما المغربية سجلت حضورها خلال هذه الدورة في المسابقة الرسمية من خلال عملين في إطار الإنتاج المشترك، ويتعلق الأمر بفيلم «حمى» (فييفر) وهو إنتاج مغربي فرنسي من إخراج هشام عيوش، وفيلم «خونة» (ترايترز)، من إنتاج مغربي أميركي، وإخراج شين غوليت. ميدياس الحائز على جائزة أحسن إخراج يحكي الفيلم قصة «إينيس»، الذي يعمل في مزرعة للألبان ويسعى إلى الحفاظ على أسرته ونفوذه داخلها وتجاوز المشاكل المالية التي يعاني منها، وزوجته «كريستينا» التي تغيرت طباعها وأصبحت تنغلق تدريجيا على نفسها وتبتعد عنه وعن أطفالهما الخمسة. تتوالى أحداث هذا الفيلم وهو إنتاج أمريكي إيطالي ومكسيكي مشترك، ومعه تتسلل تباعا المشاكل إلى داخل هذه الأسرة وترتفع بها درجة التوتر ليضطر بعدها كل فرد من أفرادها إلى مواجهة طموحاته ومخاوفه بمفرده. هذا الشريط الحائز على جائزة أحسن اخراج، عبارة عن سفر في حدود غير متوقعة للسلوك البشري، يرصد تشابك العلاقات الإنسانية التي تتنازعها الأهواء المختلفة، مستعرضا قيم الحب والعائلة وقساوة الحياة بالريف الأمريكي، ومن خلالها وبها معاناة الزوجة (كريستينا) التي يساورها أحيانا شعور قوي بالوحدة والعزلة، ومستحضرا أثناء ذلك سلسلة من المشاعر التي تتحكم فيها مجموعة من الظروف في إطار ثنائية القمع والحرمان. وباعتماد الحوارات القصيرة وزوايا غير تقليدية للتصويرانتقالا من اللقطات القريبة جدا إلى تلك التي تكتسح الفضاء ككل، استطاع المخرج أوندريا بالاورو تكسير الرتابة التي يمكن أن تتسلل إلى الجمهور، وتمكن أيضا من اختراق أحاسيس الشخصيات، ناسجا بذلك سينما من نوع خاص، تتقن بمهارة وحرفية فائقتين الإمساك بجميع خيوط اللعبة الفنية. وعلى هذا النحو، يكون فيلم «ميدياس»، الذي قام فيه بأدوار البطولة كل من كتالينا ساندينو مورينو (كريستينا) وبريان ف. أوبيرن (إينيس) وكيفين أليخاندرو (نووا) وماري موزير (روت)، محاولة جريئة لتقديم عمل يخاصم المألوف ويتطرق بأسلوب متميز لمجموعة من المشاكل الاجتماعية والنفسية ضمن قالب فني متميز . يشار إلى أن المخرج أوندريا بالاورو، الذي ولد سنة 1982 بمدينة طرينتي (إيطاليا)، حصل على شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي من معهد كاليفورنيا للفنون. وعرض فيلمه القصير وونديركامير سنة (2008) في أزيد من خمسين مهرجانا دوليا، منها مهرجان صندانس السينمائي لسنة 2009، حيث نال ست جوائز دولية. وفي لقاء معه أكد نور الدين الصايل، نائب الرئيس المنتدب لمؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، أن الدورة 13 من التظاهرة، حققت مجمل أهدافها. وأعرب الصايل، عشية الإعلان عن جوائز الأفلام المتنافسة على نجمة المهرجان، عن ارتياحه لحصيلة الدورة مقارنة مع الأهداف المسطرة، سواء على صعيد المسابقة الرسمية، أو لجنة التحكيم، كما على صعيد دروس السينما (الماستركلاس) والفقرات التكريمية. وأضاف الصايل، في لقاء مع الصحافة قدم خلاله حصيلة أولية للمهرجان في دورته 13، أن «المهرجان وجد إيقاع تطوره المنتظم، الذي يمكنه من تأسيس حاضره ومستقبله». وأثنى، في هذا السياق، على جودة الأفلام التي دخلت المنافسة في إطار المسابقة الرسمية. وحول غياب السينما العربية والإفريقية من المسابقة، باستثناء الفيلمين المغربيين، «حمى» لهشام عيوش و»الخونة» لشين كوليت، المخرج الأمريكي المقيم بطنجة، برر الصايل هذا الغياب بضعف الإنتاج السينمائي بالمنطقة. وأبرز أنه «باستثناء المغرب ومصر، اللذان ينتجان في المعدل السنوي، 25 فيلما، فإن البلدان العربية تنتج خمسة أفلام»، وعلى نفس المنوال، فإن إفريقيا، باستثناء جنوب إفريقيا، لا تتجاوز سقف سبعة أفلام سنويا. وحتى في ظل وجود فيلم أو فيلمين يستوفيان الجودة المطلوبة للمشاركة، فإنهما يحجزان من طرف مهرجانات كبرى مثل البندقية أو كان أو برلين أو تورونتو، حسب الصايل الذي يعتبر أن توقيت تنظيم المهرجان في آخر السنة يصعب المهمة على هذا الصعيد. من جهة أخرى، أكد نائب الرئيس المنتدب لمؤسسة المهرجان أن الخط التحريري للتظاهرة يحكمه «الشغف القوي وحب السينما، مع هاجس برمجة أفلام تحفظ في الذاكرة من زاوية مستوى الكتابة السينمائية»، معتبرا أن الحضور المنتظم للسينما المغربية في المهرجان مبرر بقوة من حيث أن المغرب ينتج 25 فيلما سنويا. وذكر بأن المغرب شارك عام 2012 في 150 مهرجان دولي وفاز ب65 جائزة، ولذلك فمن الطبيعي أن يكون للسينما المغربية حضور في مهرجان مراكش. وبخصوص مساهمة المهرجان في تطوير الإبداع السينمائي الوطني، قال الصايل «إن دور المهرجان يتمثل في التعريف بالإنتاجات، وليس في إنتاج أفلام» موضحا أن دور النهوض بالإنتاج يعود ليس فقط إلى الدولة، بل أيضا للجماعات الترابية والقطاع الخاص. وأضاف في هذا الشأن أن الدولة لا يمكنها أن توفر كل شيء، على القطاع الخاص والأبناك والمؤسسات أن تكون لها سياسة ثقافية، معربا عن أسفه لكون السياسة الإرادوية للدولة في دعم الإنتاج السينمائي لا يوازيها نفس الالتزام لدى القطاع الخاص الذي يخضع لمنطق الريع بدل الاستثمار.