البرلمان المغربي.. نصف قرن من التجربة التعددية يحتفل البرلمان المغربي، يومه الاثنين، بمرور خمسين سنة على ميلاده، وذلك عقب صدور دستور 1962 وإجراء أول انتخابات تشريعية سنة 1963. فعلى مدى نصف قرن، حاولت السلطة التشريعية في المغرب تسجيل تراكمات تتوخى تكريس خيار الديمقراطية البرلمانية التعددية بشكل يجعل منها تجربة ديمقراطية ذات خصوصية تميزها عن غيرها من التجارب. وبين البدايات الأولى للتجربة المغربية وواقع الحال اليوم في ظل الدستور الجديد ل 2011، يتضح أن المنحى العام للتجربة الديمقراطية سار في اتجاه توسيع أدوار السلطة البرلمانية والارتقاء بها إلى سلطة تشريعية مقارنة بالدساتير السابقة. ففي مجال السلطة التشريعية، أصبح الدستور المغربي الجديد ينص على أن «يمارس البرلمان السلطة التشريعية» وذلك بعدما كانت هذه الأخيرة في الدساتير المغربية السابقة موزعة بين المؤسسة الملكية والبرلمان والحكومة. فالتشريع في دستور 2011، أصبح اختصاصا شبه حصري للبرلمان، حيث توسع مجال القانون، ليرتفع من 30 مجالا في دستور 1996، إلى أكثر من 60 مجالا في الدستور الجديد. وعرفت اختصاصات البرلمان في مجال التشريع أيضا، توسعا موازيا في مجال الرقابة على العمل الحكومي. وهذا ما يتجلى بشكل صريح من خلال مجموعة من المقتضيات همت بالخصوص التنصيب البرلماني للحكومة، والأسئلة وملتمس الرقابة والجلسة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة. ومن أبرز الاختصاصات التي يتوفر عليها تلك التي تتضمنها الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور الجديد، والتي تنص على أنه «يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور». ومن ضمن مظاهر التطور التي عرفتها الممارسة البرلمانية، والتي تستهدف النهوض بالعمل البرلماني، والعمل على تطويره وعقلنته ومأسسته، تلك المتعلقة بالمعارضة البرلمانية، حيث خصها الدستور الجديد بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية. وإلى جانب تعزيز وتوسيع الصلاحيات التشريعية يمكن القول إن المؤسسة البرلمانية لعبت دورا مهما على صعيد إقرار القوانين المتعلقة بالرقي بتمثيلية النساء والشباب والنهوض بدور المجتمع المدني وتخليق الحياة السياسية. واستحضارا للمسار الذي قطعته الممارسة البرلمانية بالمغرب كان جلالة الملك محمد السادس قد أكد في خطابه الافتتاحي للدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة في 11 أكتوبر الماضي بمقر البرلمان، «إن الممارسة البرلمانية التعددية ببلادنا ليست وليدة الأمس، بل هي خيار استراتيجي يمتد على مدى نصف قرن من الزمن، نابع من الإيمان العميق للمغرب وقواه الحية، بالمبادئ الديمقراطية. وهو ما يجعل النموذج البرلماني المغربي، رائدا في محيطه الجهوي والقاري». ويبقى الرهان الحقيقي لهذه التجربة البرلمانية هو الإعمال السليم للدستور، سواء على مستوى الممارسة النبيلة للوظيفة التمثيلية التي لا يجب أن تكون متخلفة عن الدستور الجديد أو على صعيد نوعية المنتوج التشريعي وما يتعلق تحديدا بالنصوص التنظيمية المكملة للدستور على اعتبار أن المرحلة التي يعيشها المغرب اليوم تعتبر تأسيسية، واعتماد الحوار البناء، والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، بما يضمن ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق، والاستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية.