يلقي نداء الصحراء ويؤسس فرعا له بالمدينة ويعقد ندوة فكرية وازنة نظم اتحاد كتاب المغرب مؤخرا، ثلاث فعاليات ثقافية كبرى، بمدينة العيون، بدعم من وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أقاليم الجنوب بالمملكة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وبحضور وفد كبير عن اتحاد كتاب المغرب، ناهز الأربعين عضوا، من مختلف الأجيال والحساسيات الفكرية والإبداعية والفنية والسياسية، فضلا عن حضور ممثلي المجالس المنتخبة، وفعاليات ثقافية وجمعوية بالمدينة. وتمثلت هذه الفعاليات في تأسيس فرع للاتحاد لأول مرة بأقاليمنا الصحراوية الجنوبية، وإعلان نداء الصحراء، باسم الاتحاد، فضلا عن تنظيم ندوة في موضوع «ثقافة الصحراء: ملامح وتجليات». هذا، وقد انطلقت أشغال هذه الفعاليات بعقد اجتماع تأسيسي لفرع اتحاد كتاب المغرب بالعيون، تحت إشراف رئيس الاتحاد وأعضاء من المكتب التنفيذي، حيث أسفرت نتائج الاجتماع على انتخاب أعضاء المكتب المسير لفرع العيون، طبقا للقانون الأساسي للاتحاد برئاسة الناقد التشكيلي إبراهيم الحيسن. بعد ذلك، ألقى رئيس الاتحاد، كلمة بالمناسبة، قدم فيها أعضاء المكتب المسير لفرع العيون، كما حددت كلمته الإطار العام الذي تنعقد فيه هذه الفعاليات، مبرزا، في الوقت نفسه، الغاية من تنظيمها في هذا الوقت بالذات. وقد جاءت تشكيلة مكتب فرع العيون على النحو التالي: ابراهيم الحَيْسن: الكاتب العام لفرع اتحاد كتاب المغرب بالعيون؛ لحبيب عيديد: أمين مالية الفرع؛ الطالب بويا لعتيك: مستشار مكلف بالعلاقة مع المؤسسات؛ هموني اسماعيل: مستشار مكلف بالإشراف على إبداعات الشباب؛ أحمد البشير ضماني: مستشار مكلف بالأرشفة والتوثيق. بعد ذلك، تم عرض شريط مصور، حول «بدو الصحراء: الثقافة، الهوية والمكان» من إعداد وإنجاز الفنان التشكيلي والباحث إبراهيم الحيسن. ثم تلا الشاعر ورئيس اتحاد كتاب المغرب الأسبق، الأستاذ عبد الرفيع جواهري، نداء الصحراء، الذي أعده الاتحاد بالمناسبة، ومما جاء في النداء أن «حضور اتحاد كتاب المغرب، اليوم، في مدينة العيون، جوهرة أقاليمنا الجنوبية، لحظة مفعمة بالصدق، محملة بالوشائج القوية التي تربط مثقفينا وكتابنا ببعضهم البعض عبر ربوع الوطن. لحظة وفاء لخصوصية الوطن والأرض، في أقاليمنا الجنوبية، بما يعتمل فيها من حراك ثقافي وحقوقي واجتماعي وتنموي ناهض، أفرز أصواتا مميزة، بحضورها الوازن وبإبداعاتها المتعددة، فباتت تشكل قيمة مضافة للمشهد الثقافي العام ببلادنا، في امتدادها الجغرافي في العمق الإفريقي، بما يعزز قيم التسامح والتعايش، ويدعم فضاءً التَّعدُّد والتَّنَوُّع الثقافي واللغوي». وأضاف نداء الصحراء أن «المثقفين والكتاب والمبدعين المغاربة، بمختلف أجيالهم وتياراتهم الفكرية والسياسية وحساسياتهم التعبيرية والجمالية، باعتبارهم طليعة النخب المثقفة، التواقة إلى الحرية والكرامة والمساواة، وفي قلبها الدفاع عن وحدة الوطن واستقراره، ما فتئوا يعبرون، في عطاءاتهم وإنجازاتهم الفكرية والإبداعية، عن القيم الرامية إلى توطين وترسيخ الاختيار الديمقراطي الحداثي والتنموي في بلادنا. ويعد انخراطهم اليوم في الدفاع عن الجهوية الموسعة، شكلا من أشكال ترسيخ الديموقراطية المجالية». ووفق هذا المنظور والصيرورة التاريخية- يؤكد النداء أن «اتحاد كتاب المغرب، منذ تأسيسه في بداية ستينيات القرن الماضي إلى اليوم، ظل يستحضر، في أنشطته وتظاهراته ومواقفه ومؤتمراته، كل ما يسند ويرعى ويدعم الوحدة الترابية للمملكة. وما حضور هذه الثلة من مفكرينا وأدبائنا ومبدعينا بمدينة العيون، سوى الرغبة العميقة في نسج حوار هادف ومخصب بالإصغاء لرافد مهم وأساسي في ثقافتنا الوطنية، التي شكل المكون الصحراوي دائما أحد مصادرها الغنية». وأوضح النداء أن «ما نسجله من توسع تنموي، اقتصادي واجتماعي، في أقاليمنا الصحراوية، يدعونا إلى استزادة الحضور الثقافي المبدع والفاعل، متعدد الأشكال والصيغ في هذه الأقاليم، وذلك بالمراهنة على دور المفكرين والكتاب والفنانين،وكافة الفاعلين المنشغلين بالشأن الثقافي ، كقوة منتجة للفكر والمعرفة والخيال، للتسريع بخطوات التنمية الشاملة». واعتبر نداء الاتحاد كذلك أن «هذا التوجه المستقبلي، أحد الأجوبة المنسجمة مع الانتظارات العميقة للنسيج الثقافي المحلي، بما يجعله منصهرا وفاعلا ومؤثرا في خضم الثقافة الوطنية، التي بالضرورة، تستشعر قيم العولمة والانخراط في العصر ومجتمع المعرفة، ما يتعارض مع أي شكل من أشكال الانغلاق والانكفاء وتسييج الأوطان والنعرات الشوفينية، وبما ينسجم مع تطلعات شعوب المنطقة المغاربية، لتصبح فضاء رحبا، مفتوحا للحوار والتواصل والاندماج والتضامن..». وتم ختم هذه الكلمة بالقول إن «نداء الواجب الوطني اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى،يدعونا لنكون يداً واحدةً، تحرص على استكمال الإصلاحات الديمقراطية العميقة، وتثبيت المؤسسات الدَّاعِمَة لها، فهي هي رهانُنا، وطريقنا نحو مغربٍ عصري، حداثي، منفتح، ينعم فيه الجميع بالعيش الكريم، ويساهم في توسيع وتنويع دوائر الخلق والابتكار، وصيانة حقوق الأجيال الصاعدة، وفي مقدمته الحقوق الثقافية واللغوية، والمشاركة في التأسيس لِقِيَمٍ المستقبل، ولحكامة أمنية جديدة، فلا شيْءَ في نظرنا يعلو على وحدة الوطن وأمنه وشموخه، ووحدة أراضيه، وتماسُك شعبه». و توالت أشغال الفعاليات بتنظيم ندوة في موضوع «ثقافة الصحراء: ملامح وتجليات»، بمشاركة فعاليات من أقاليمنا الجنوبية ومن خارجها (حسن بحراوي، الحبيب عيديد، أمينة المريني، يحيى عمارة، هموني اسماعيل)، فيما عرض الأستاذ هشام العلوي الجانب الثقافي، المتضمن في التقرير الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول «النموذج الجديد لتنمية في الأقاليم الجنوبية»، والذي يعتبر الثقافة حقا ومحركا للتنمية، وعنصرا فاعلا في تقوية التماسك الاجتماعي. وانتهت فعاليات الاتحاد بالصحراء، بإلقاء الشاعرة أمينة المريني قصيدة بعنوان «صورة التاريخ»، تستوحي فيها أجواء الصحراء المغربية وتقاليدها وعاداتها وفضاءاتها ورموزها.