عقدت عديد أحزاب وطنية في الفترة الأخيرة مؤتمرات استثنائية بغاية ملاءمة قوانينها وأنظمتها مع أحكام قانون الأحزاب، وصار عملها التنظيمي وأيضا بنيات علاقاتها الداخلية مؤطرة بمقتضيات قانونية محددة، ويعتبر ذلك محطة جديدة ولجتها ممارستنا الحزبية الوطنية لا شك سيكون لها بعض الانعكاس على حياة الأحزاب وعملها. في المقابل، لا يمكن الاكتفاء بهذا المدخل القانوني وحده من أجل إنجاح مسلسل تأهيل حقلنا الحزبي، وتقوية ديناميته وجاذبيته، وخصوصا مصداقيته ونزاهته، وإنما يبقى المدخل الذاتي كثير الأهمية بهذا الخصوص. لقد كرس المدخل القانوني اليوم مكاسب تتعلق مثلا بتحديد ولاية المسؤول الأول عن الحزب، وباقي أعضاء الأجهزة القيادية، كما أسس لخطوة متقدمة بالنسبة لتمثيلية النساء والشباب في هياكل الحزب، وحدد بعض الضوابط بشأن آليات اتخاذ القرار الحزبي وانتظامية اللقاءات والاجتماعات الداخلية، وهذه كلها شروط أساسية لتعزيز الديمقراطية الداخلية، ولجعل عمل الأحزاب طبيعيا ومؤطرا بالقانون. لكن من جهة ثانية، نحتاج اليوم أن تكون أحزابنا كلنا ذات تميز بين بعضها البعض، وتملك برامج ومشاريع فكرية وسياسية قادرة على إضفاء المعنى والمنطق على التنافس السياسي في البلاد، وعلى التعددية الحزبية، وهذه مهمة مناضلات ومناضلي هذه الأحزاب ونخبها ومفكريها وباحثيها. نحتاج كذلك إلى عمل ميداني متواصل في مختلف جهات ومناطق المملكة، وإلى حضور متفاعل لمناضلات ولمناضلي الأحزاب مع قضايا وانشغالات المواطنات والمواطنين، وإلى إسهامهم في تأطير شبابنا وعموم شعبنا، وهذه المهمة أيضا هي من صميم مسؤوية الأحزاب وأطرها ومسؤوليها وتنظيماتها الترابية والقطاعية والموازية. ونحتاج ثالثا أن تتحول أحزابنا اليوم إلى منتج حقيقي للأفكار والحلول والاقتراحات والبرامج، وإلى مدرسة تتخرج منها النخب والفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية، وأن تساهم في فتح أبواب الأمل والتفاؤل لشعبنا والدفاع عن مطالبه وانتظاراته، والعمل من أجل تحقيقها على أرض الواقع. ثم إننا نحتاج إلى أحزاب ذات تميز ومصداقية كي تدافع عن القضايا الوطنية الكبرى لبلادنا، بغض النظر عن موقعها في الأغلبية أو في المعارضة، أي أن تكون صمام الأمان الحقيقي لبلادنا داخل هذا السياق الإقليمي والدولي كثير التغير والسخونة. واضح إذن أن ما نحتاجه اليوم من أحزابنا هو أكبر مما تفرضه الملاءمة القانونية، وهو يمثل تحديات حقيقية مطروحة على هذه الهيئات وعلى مناضلاتها ومناضليها بالخصوص، كما أن الأحزاب المعنية بالتحدي هي تلك التي تمتلك تاريخا حقيقيا، وتميزا حقيقيا، ومصداقية واستقلالية قرار. ولكي تنجح هذه الأحزاب الحقيقية والجدية في كسب الرهان، لابد أن تكون قوية وموحدة داخليا، ولابد أن تتوفر لها إمكانات العمل، ولابد أيضا أن تعيش ضمن بيئة قانونية وسياسية تحرص على صيانة التعددية الحقيقية في البلاد، وترفض الهيمنة والتحكم... اليوم هناك إطار قانوني يتيح بعض الشروط للعمل، ولابد من تقوية هذه الدينامية بتكريس أجواء سياسية عامة تشجع عمل الأحزاب الجدية وتعيد لها وللسياسة نبلهما، وترفض التحكم والهيمنة، وتحرص على التعددية في القانون والسياسة والتعبير... البلاد في حاجة إلى أحزاب وطنية حقيقية وجدية، وإضعافها هو إضعاف للبلاد. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته