من المؤكد أن التفاعل المغربي مع حركية الشارع كان مختلفا ومتميزا عما حصل في بلدان عربية أخرى، وأن اختيار المدخل الدستوري للتعاطي مع مطلب الإصلاح يؤكد قناعة سياسية واضحة بضرورة الولوج بالبلاد لأفق ديمقراطي وحداثي حقيقي. ومن جهة ثانية، فإن اتخاذ خطوات أخرى على صعيد تعزيز تدابير الثقة في المرحلة، يبين أن المغرب استطاع فعلا التقاط الإشارة مما يجري في جواره المغاربي والعربي، ومن ثم تقديم جواب سياسي ذكي، مكن من خوض مسلسل الإصلاحات في أجواء مستقرة. لكن مع ذلك بجدر التوقف عند درس جوهري أبرزته الثورات العربية، خصوصا في مصر وتونس، وتؤكده اليوم أحداث اليمن وسوريا، ويتعلق الأمر بدور الأحزاب الحاكمة في هذه الدول ومصيرها، وأيضا ماقدمته لأنظمتها. لم ينفع حزب الدولة حسني مبارك، وأركان النظام والحزب يقبعون اليوم في السجن، والقضاء المصري قرر حل الحزب، ولم يجد بنعلي حزبا أو «مناضلين» يستند إليهم ويحولون دون انهيار حكمه واضطراره للفرار، كما لم يعثر علي عبد الله صالح على حزب حقيقي يعتمد عليه، وترك وحيدا يسير اليوم نحو...السقوط، وما يجري في أرض الشام اليوم أيضا لم يحل دونه لا حزب البعث ولا جبهة الوهم هناك. من كان يحكم إذن في هذه البلدان؟ ولماذا انعدمت التنظيمات وبنيات الحزب الحاكم؟ عندنا هنا، وبالرغم من أن التميز المغربي هو الذي وقى البلاد منذ عقود نظام الحزب الوحيد، فإن بعض قصيري النظر باتوا معجبين بهذه العقلية الهيمنية، وعملوا في السنوات الأخيرة على الإعداد لشروط فرضها على البلاد وعلى الناس وعلى الأحزاب، لكن السقوط العربي وجه لهم صفعة تاريخية لم يعودوا قادرين، من وقعها، على الظهور العمومي، وعلى لوك ذات اللغة بنفس الاستعلاء السلطوي. ومع ذلك، فقد يكون الأسلوب انحناء أمام العاصفة، قبل أن تعود الانحرافات نفسها، بمجرد الانتهاء من الاستفتاء على الدستور الجديد، ولذلك فإن هذا السؤال السياسي المتعلق بسعي البعض لفرض الهيمنة على الحقل الحزبي وقتل كل الحساسيات الحزبية الجدية وذات المصداقية، يبقى مطروحا، ولن يكون هناك معنى لكل ما يحصل من دون جواب جريء عليه. إن المسار التحديثي الذي تخوضه بلادنا اليوم، ومن دون الحسم مع هذا الموضوع، فإنه سيبقى مغلولا بالانحرافات والاختلالات التي سادت حقلنا الحزبي والانتخابي في السنوات الأخيرة من طرف جهة حزبية سلطوية معلومة ومعروفة لدى الجميع. التنزيل العملي للدستور الجديد وأيضا للإرادة السياسية الجديدة سيكون خلال الانتخابات المقبلة وأثناء الإعداد لقوانينها، ومن ثم لابد من الجواب على سؤال «حزب السلطة» عندنا نحن أيضا، حتى تتحقق الثقة فعلا، وحتى نقطع مع عقلية العقم.