يواصل محمد أديب السلاوي متابعته الحثيثة لمختلف أسئلة الشأن الثقافي بالمغرب من خلال كتاب جديد تحت عنوان «السياسة الثقافية في المغرب الراهن» يتضمن تشخيصا ل»الاختلالات التي تشوب تدبير المسألة الثقافية والمسالك التي يتعين نهجها من أجل النهوض بحركة ثقافية داعمة للمسلسل التنموي». ينطلق المؤلف في هذا الكتاب، الذي صدر في 144 صفحة من القطع الصغير، من قناعة بأن السياسة الثقافية ليست نشاطا وظيفيا، وإنما مزاجا إنسانيا، «إنها ليست فقط إنجازا سياسيا محكوما بالزمان والمكان، وإنما هي استراتيجية نابعة من صميم هوية وقيم المواطن. إنها سلوك ينبض بقوته وضعفه، ذلك لأن الثقافة في نهاية المطاف هي الإحساس بالذات الفردية والجماعية للأمة». ينتقد السلاوي التصور التقليدي للسياسة الذي أعطى الأولوية، منذ فترات بعيدة، للسياسي على حساب الثقافي، على اعتبار أن المناخات التي تكونت بها النخبة الوطنية المثقفة، تحكمت بها الإديولوجيات والمفاهيم السياسية بشكل مطلق، ما جعل من الصعب على المغرب الخروج من هذه التراتبية التي تعطي السياسة أولوية مطلقة على حساب الثقافة. ويؤكد أن الإشكالية الثقافية في مغرب اليوم «تتجاوز بأبعادها وقيمها كل ما يتصل بالآني، لتتداخل مع كل ما له علاقة بالهوية، بالتاريخ، بالجغرافيا، بالقيم اللغوية، بالتعددية، وبكل ما له علاقة بمضامين الثقافة وصناعتها وقوانينها». يشخص الكاتب أزمة تمتد إلى جميع القطاعات الثقافية، من صناعة الكتاب إلى المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والأدب، قطاعات «لم ترق إلى الاحتراف، لتبقى مشدودة إلى العفوية والمصادفة والهواية». في ظل هذه الأزمة يرصد المؤلف بروز دعوات طالبت «بإعادة تأمل ومساءلة المشهد الثقافي بالبلاد، وما يطبع هذا المشهد من تحولات راكمت العديد من الأسئلة المتصلة بالوضع الاعتباري للثقافة والمثقف، وعلاقة المثقف بالتحولات المجتمعية والأدوار التي ينبغي أن يلعبها باعتباره فاعلا اساسيا في كافة القضايا التي تهم مجتمعه وأمته». يعتنق محمد أديب السلاوي قناعة بأن قيادة الانتقال نحو المجتمع الحداثي لا يمكن أن تتم بمعزل عن وضعية الثقافة التي أصبحت تشتغل بعفوية خارج فلسفة البرامج والسياسات، «ذلك لأن الانتقال المنشود هو قبل كل شيء تصور ثقافي قبل أن يكون نضالا سياسيا»، وهو ما يجعل غياب استراتيجية وطنية واضحة المعالم لتحديث الثقافة وجعلها في مستوى «العصر الديمقراطي» عاملا مبطلا لمفعول الطاقات الثقافية للبلاد. ويرى، في هذا الصدد، أن أي حكومة «لا يمكنها أن تتعامل مع الثقافة سياسيا أو استراتيجيا، إذا لم تجعل منها فضاء للابتكار والإبداع وتأسيس وعي نقدي تسنده قيم الحرية والمساءلة في المجتمعين السياسي والمدني». ويخلص الكاتب إلى أن المغرب في «حاجة ماسة إلى استراتيجية ثقافية شاملة، ليس فقط من أجل خلق نهضة ثقافية على مستوى الطموحات، ولكن أيضا لمواجهة الاختراق الثقافي المتسلط على ثقافتنا من الداخل والخارج». قدم للكتاب محمد عياد الذي أبرز راهنية التعمق في السؤال الثقافي ضمن انشغالات اللحظة التاريخية، لكنه لاحظ في المقابل أن المؤلف «أعطى أهمية قصوى للكتاب وصناعته وتوزيعه وأهمل في المقابل كل ما يتعلق بالإعلام الثقافي بمختلف واجهاته، كما غفل عن سؤال الثقافة في إطار الكتاب المدرسي». بالنسبة لمحمد عياد «السياسة الثقافية في المغرب الراهن» بحث عميق وصريح وموضوعي في قضية على صلة وثقى بالهوية والمواطنة.