تستمر معضلة التشغيل في التموقع اليوم على رأس هواجس وانشغالات أغلب الأسر المغربية، وهي من أكبر المطالب الاجتماعية التي يطرحها اليوم شعبنا، وأكثرها استعجالية، والتي من شأن إيجاد حلول لها أن يؤثر إيجابا في المنظومة الاجتماعية برمتها، أي في تقوية أسس الاستقرار العام في بلادنا، وإعادة الثقة والأمل في المستقبل لشبابنا وللفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا. لا أحد ينكر اليوم كذلك أن من أهم أسباب تنامي البطالة وسط الشباب، وخصوصا الخريجين وحاملي الشهادات منهم، هناك ضعف مستويات التكوين، ومحدودية الاختصاصات والشعب التي يحمل هؤلاء الشباب شهاداتها، وانعدام تلاؤمها مع متطلبات السوق، وحاجيات المقاولة الوطنية في مغرب اليوم، وكل هذا يطرح معضلة جوهرية هي المتعلقة بالتكوين أولا وأخيرا. يحتاج نظامنا التعليمي والتكويني منذ عقود إلى إعادة توجيه، وإلى تطوير التوجيه المدرسي لفائدة تلاميذنا وطلبتنا، وإلى تفعيل إستراتيجية وطنية شمولية ومتكاملة تروم الاستجابة إلى الجدلية المهمة، وهي ربط التكوين بالشغل، وجعل منظومة التعليم والتكوين متفاعلة مع محيطها المجتمعي، وفاعلة في جر دينامية التنمية والتقدم إلى الأمام. لقد سلط اللقاء الذي ترأسه قبل أيام جلالة الملك في الدارالبيضاء حول قطاع التكوين المهني الضوء على الأهمية الحاسمة لميدان إنماء مهارات الشباب وتكويناتهم بما يلبي حاجة الاقتصاد الوطني للموارد البشرية ذات التكوينات الضرورية لمواكبة التنافسية العالمية، ولمواكبة المقاولات المغربية في مسارها نحو التميز والنجاح وتحقيق أفضل النتائج. وبقدر ما أن إصلاح التعليم بمختلف مستوياته يعتبر اليوم أولوية وطنية لا يختلف حول أهميتها إثنان، فإن تطوير التكوين المهني وتأهيله يعتبر كذلك ورشا ذا أهمية كبيرة، وذلك بما يجعل منظومة التربية والتكوين برمتها ضمن أفق موحد يسعى إلى تنمية البلاد وتحديثها وتوفير الشغل والكرامة والتميز لأبنائها. اليوم قطاعات اقتصادية وصناعية جديدة تتموقع في بلادنا ضمن دينامية دولية وإقليمية تبحث عن الفضاء المناسب للأعمال وللنجاح، ومنها مثلا قطاع صناعة الطيران، قطاع السيارات ولوازمها، بالإضافة إلى اللوجيستيك والنقل البحري والسياحة، وهي كلها مجالات مهنية تتطلب اليوم موارد بشرية كفؤة ومؤهلة، وعلى بلادنا أن تمتلكها وتتوفر عليها لتمتين تنافسيتها مع البلدان والمناطق الأخرى في العالم. وقطاع التكوين المهني في بلادنا لا يكتسي فقط هذه الأهمية الاقتصادية، والقدرة على التجاوب مع حاجيات المقاولة والمستثمرين المغاربة والأجانب، وإنما القطاع لا يخلو من بعد اجتماعي يقوم على تمكين الشباب المغربي من تكوينات وتخصصات وتدريبات من شأنها تقوية فرص حصوله على شغل يصون كرامته ويطور ظروف عيشه، ولهذا وجب اليوم رد الاعتبار للتكوين المهني، وعدم التعاطي معه كما لو أنه ملجأ لفاشلين دراسيا، فهو صار في بلدان متقدمة من أهم مؤسسات التكوين الجيد والمطلوب لإيجاد شغل في عالم يشهد كثير تحولات. الرهان اليوم ليس هو مواصلة إنتاج الأفكار والمخططات و»التنظير»، وإنما الانتقال من ذلك إلى مستوى الفعل، وتحويل الأفكار كلها إلى... تقدم، أي إلى قرارات عملية تتوجه إلى التوجيه المدرسي، وإلى مستويات التكوين سواء في المنظومة المدرسية أو في قطاع التكوين المهني، وإلى ربط المقاولات المغربية والفضاء الاقتصادي بشكل عام بدينامية النهوض بالتربية والتعليم وقطاع التكوين المهني.