قدم «روح موغادور» في افتتاح دورته الثانية، المنظمة بشكل مشترك بين المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة والمجلس البلدي لمدينة الصويرة، بتعاون مع وزارة الثقافة وجمعية الصويرة موغادور، الجمعة والسبت الماضيين بالصويرة، عروضا ثقافية وفنية مزجت بشكل متميز بين الأدب والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية. وعرف اليوم الأول لهذه التظاهرة عرضا لأعمال كتاب وشعراء من الصويرة. ويتعلق الأمر بديوان «شوق القوافي» للشاعر الشاب نوفل السعيدي، و»الامتداد الأزرق» لحسن الرموتي التي تحكي رحلة مستوحاة من قصة واقعية لبحار صويري يسمى العربي بامبا، و»كناوة: الأصول والامتداد» التي تبحث في أقصى أعماق البعد الإفريقي للثقافة المغربية لعبد الله خليل. وكان النقاش حول هاته الأعمال الثلاثة فرصة لإثارة واقع الحياة الثقافية والفنية بالصويرة والتحديات التي ينبغي رفعها من أجل إشعاع أفضل والارتقاء بالمواهب الشابة في هذه المدينة. وتواصل البرنامج بعرض مسرحي بعنوان «شخير الموج» أدته فرقة جمعية أوطيلو للمسرح والسينما بالصويرة وكتبه حسن هموش وأخرجه يوسف آيت أوبلا. وتجسد المسرحية قصصا إنسانية قاسمها المشترك، البحر الذي يعد مصدرا للدخل والأمل من أجل عالم أفضل وفي الوقت نفسه مدخلا للهلاك والمجهول والحزن. وتميزت التظاهرة بتقديم أوبيريت «أضواء منيرة من أبواب الصويرة» التي تجمع بين المسرح والغناء، والتي تحمل المشاهد في رحلة في الزمن والفضاء، عبر مواقع رمزية في مدينة الرياح، وشخصيات تمثل التنوع الديموغرافي لهذه المدينة، متنوعة الثقافات. وانتهت الأوبيريت، التي كانت من إنتاج الملتقى، والتي تعتبر ثمرة تعاون بين الموسيقي عبد الصمد عمارة والمخرج محمود مانا والكاتب مصطفى كودالي وثلة من الفنانين الصويريين والفرق الفولكلورية، بالصوت الأصيل لعبد الرحمان الصويري، الذي خصص أغنيته للصويرة مسقط رأسه. كما عرفت فعاليات الملتقى ندوة فكرية في موضوع العلاقة بين الفن والإعلام تميزت بمشاركة الباحث والإعلامي محمد التهامي الحراق والمسرحي والصحفي الحسين الشعبي، واختتمت التظاهرة على إيقاع الموسيقى الراقية والأغنية الهادفة بصوت كل من المطربة المغربية إيمان الوادي والفنانة اللبنانية أميمة الخليل اللتين أطربتا الجمهور الغفير الذي حج إلى الساحة الكبرى للتمتع بجماليات الملتقى. في إطار الدورة الثانية لملتقى «روح موغادور» التي نظمت يومي الجمعة والسبت الأخيرين في مدينة الصويرة من طرف المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة والمجلس البلدي لمدينة الصويرة، أقيمت ندوة فكرية حول «الفن والإعلام» شارك فيها الأستاذان محمد التهامي الحراق (باحث وفنان في مجال المديح والسماع) والحسين الشعبي (ناقد وصحافي وفنان مسرحي). أوضح محمد التهامي الحراق في مستهل مداخلته أن علاقة الفن بالإعلام ثلاثية الأبعاد، تشمل الإخبار والعرض والتثقيف؛ واعتبر أن هذه العلاقة تندرج في المغرب ضمن إطار أشمل يتمثل في علاقة الثقافة بالمجتمع، متسائلا بهذا الخصوص عن موقع الثقافة في مجالات الإعلام والتعليم. وأعرب عن اعتقاده بكون الثقافة ما زالت تعتبر في المغرب شيئا ثانويا ومعطى مؤجلا، مشيرا إلى أن الفن لا يتحقق إلا بالمتعة الموصولة بالمعرفة وليس بالمتعة والفلكلور فقط. ثم انتقل إلى الحديث عن أدوار الفن، فقال إن هناك من يربط الفن بالأخلاق، وهناك من يربطه بذاته وبقيمته، وهناك من يربطه بإقبال الجمهور عليه وبنسب المشاهدة. وأورد الحراق عدة أسئلة من قبيل: كيف يتعامل الإعلام مع الفن؟ هل يصدر عن استراتيجية ورؤية موحدة للفن؟ هل هناك تصور ناظم للتعامل مع الفن؟ هل يجسد إعلامنا هذا التعدد الثقافي الذي يشكل الفسيفساء المغربية المتعددة؟ خالصا إلى القول إننا لا نملك دراسات دقيقة لحضور الفن في الإعلام، وكل ما يصدر هنا وهناك مجرد انطباعات وتجارب ورؤى. من جهته، أوضح الحسين الشعبي في مداخلته أن موضوع العلاقة بين الفن والإعلام يعدّ من بين القضايا الشائكة، لافتا الانتباه إلى وجود توتر وسوء فهم كبير بين الحياة الفنية والحياة الإعلامية في المغرب. وبعدما أشار إلى وجود مواكبة للفن عبر الوسائط الإعلامية منذ فجر الاستقلال إلى الآن، ذكر أن النقد الفني في المغرب لا يدرس في الجامعات وإنما يمارس في الإعلام، بحيث أن هذا الأخير أعطانا نقاد فنيين، خاصة على مستوى الصحافة المكتوبة. أما على مستوى الإعلام العمومي، فلاحظ الشعبي وجود تراجع في التعامل الإيجابي مع الفن، خلال الفترة الحالية، قائلا بهذا الخصوص إن هناك مقاربتين مختلفتين، أولاهما تتمثل في مقاربة المحطات الإذاعية العمومية والخاصة للشأن الفني والتي وصفها بالمتقدمة، أما على مستوى القنوات التلفزيونية ولاسيما القناتين الأولى والثانية فثمة تراجع من حيث عدد البرامج والمجلات الثقافية والفنية. واعتبر أن الأمر في الصحافة المكتوبة أصبح مقتصرا على المادة الخبرية فقط، مع ندرة في المادة التحليلية. وحسب صاحب المداخلة، فالإعلام أصبح يقوم على ثقافة جديدة تنصب على الإثارة، معتبرا أن الإثارة سيف ذو حدين، قد تثير انتباه الرأي العام إلى موضوع ما، وقد تحرف الاهتمام بجوهر القضية. وأضاف الشعبي أنه إذا كان الإعلام في العالم يصنع النجوم، فإن الإعلام في المغرب يعمل على تحطيمهم، مستدلا بطريقة تعامل التلفزيون المغربي مع مرض الفنانين، حيث قال: أول عدو للتلفزيون المغربي هو الفنان حين يمرض، إذ يسيء إلى وضعه الاعتباري ومكانته لدى الجمهور، بدفعه إلى الاستجداء والتسول واستدرار العطف. وأكد نفس المتحدث أن الإعلامي مطالب بجعل السياسة الإعلامية مواكبة للسياسة الفنية، وذلك من خلال إثارة الانتباه إلى القضايا الكبرى للفن عوض التركيز على القضايا الصغرى. واستدل على ذلك بقضايا من قبيل: ضرورة توفر البنيات التحتية الضرورية للممارسة الفنية، والدفاع عن حرية الإبداع وحماية التعدد والتنوع الثقافي الذي أقره الدستور الجديد للمملكة، وحقوق التأليف والحقوق المجاورة؛ خالصا إلى القول إن الفن يمكن أن يلعب دورا أساسيا في ما يطلق عليه «الدبلوماسية الموازية» مستدلا ببعض المهرجانات الفنية الناجحة. وتميزت الجلسة التي أدارها هشام لعبودي (رئيس المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة) بنقاشات ثرية ساهم فيها الحاضرون الذين أثاروا إشكالات تتعلق بوضعية الفن والفنانين في المغرب وبالأدوار التي يمكن أن يقوم بها الإعلام لخدمة الحركة الفنية وتقوية الجسور ما بين الفنانين المغاربة وجمهورهم. وفي إطار الجانب الفكري لملتقى «روح موغادور»، أقيمت أيضاً بفضاء دار الصويري جلسة تقديم لثلاثة كتب جديدة لمؤلفين من الصويرة: ديوان «شوق القوافي» للشاعر الشاب نوفل السعيدي وكتاب «كناوة: الأصول والامتداد» لعبد الله خليل وكتاب «الامتداد الأزرق» لحسن الرموتي. أما على المستوى الفني، فاحتضنت ساحة «مولاي الحسن» بالصويرة أمسيتين اثنتين، أولاهما أوبريت «أضواء منيرة من أبواب الصويرة» التي هي ثمرة تعاون بين المخرج محمود مانا والكاتب مصطفى كودالي وثلة من الفنانين الصويريين والفرق التراثية المحلية. أما الأمسية الثانية فكانت عبارة عن سهرة فنية شاركت فيها المطربة المغربية إيمان الوادي والفنانة اللبنانية أميمة الخليل. وتتبع هاذين الحفلين جمهور غفير وضيوف مميزون خاصة أندريه أزولاي مستشار جلالة الملك وعبد الوهاب الجابري عامل إقليمالصويرة ومنتخبون وممثلو السلطات المحلية وشخصيات أخرى. وقدمت فرقة عطيل للسينما والمسرح عرضا بعنوان «شخير لمواج»، من تأليف حسن هموش وإخراج يوسف آيت أوبلا. وأشاد الطاهر الطويل (أمين عام المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة) بنجاح الدورة الثانية من ملتقى «روح موغادور»، مستدلا على ذلك بالتطبيق السليم لبرنامجه المكثف وأيضا للحضور الكبير والوازن الذي تتبع فعالياته. كما اعتبر أن هذه التظاهرة تروم المساهمة في تحقيق نوع من التوازن بين البعدين العربي والأمازيغي الذي يميّز الصويرة خصوصا والمغرب عموماً، مشيرا إلى أن هذا الملتقى يمكن أن يلعب دورا أساسيا في التنمية الثقافية وفي السياحة الثقافية لاسيما لدى الوافدين من مشرق الوطن العربي. وأضاف قوله إن خصوصية ملتقى روح موغادور تكمن في الجمع بين تشجيع الطاقات المحلية في الصويرة والانفتاح على فنانين آخرين، مغاربة وعرباً، مثنياً على الدعم الذي لقيته هذه التجربة الفتية من طرف المجلس البلدي لمدينة الصويرة ووزارة الثقافة وعمالة الصويرة وجمعية الصويرة موغادور والعديد من وسائل الإعلام المغربية.