التقدم والاشتراكية يفضل تحقيق نتائج ملموسة على إثارة زوابع إعلامية توخيا لمكاسب سياسوية.. حزب التقدم والاشتراكية يعارض أي تدبير يروم التحرير الشامل للأسعار وإلغاء صندوق المقاصة ضرورة التحكم في النفقات بمحاربة كل أشكال التبذير وتدعيم القدرات التدبيرية على مستوى الإدارات، وتقنين تعويضات المسؤولين الكبار للمؤسسات العمومية هناك تجربة حكومية جديدة وجدية وهناك محاولات شتى لإفشال هذه التجربة الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي أمر ضروري لمواصلة الإصلاحات ضرورة الإسراع في إنجاز الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وخاصة إصلاح النظام الضريبي، ونظام المقاصة، وأنظمة التقاعد، والقانون التنظيمي للمالية الصراع الحقيقي في المشهد السياسي اليوم بين الراغبين في الإصلاح الديمقراطي وبين المتمسكين بمصالح ومواقع وامتيازات الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، على غرار الدورة السابقة، تلتئم الدورة العاشرة العادية للجنة المركزية بعد سلسلة لقاءات جهوية، كنا قد أوضحنا، في حينه، المغزى من استقرار الرأي على عقدها، والمتمثل، حصريا، في الحرص على توفير فرص إضافية لتعميق النقاش، وتركيز الاهتمام على ما يشغل الرفيقات والرفاق، والتنظيمات الحزبية المحلية والإقليمية والجهوية، من قضايا، بارتباط مع مستجدات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكل ذلك في اتجاه ضمان أكثف مشاركة لأعضاء اللجنة المركزية في التحضير لدوراتها، والإسهام في وضع المضامين الأساسية وتحديد المحاور الرئيسية لتقرير المكتب السياسي المقدم في هذه الدورات، وبالتالي الإدلاء بأجوبة أولية في سياق إعداد صياغة دقيقة للمواقف التي يتعين أن تتمخض عنها أشغالها. لكن يبدو أن هناك أصواتا ترتفع لانتقاد هذه البادرة المحمودة، في محاولة لتصويرها، ضدا على واقع الأمور، وكأنها نوع من مصادرة حق الرفيقات والرفاق في عرض مختلف وجهات النظر خلال انعقاد دورات اللجنة المركزية. ولذلك وجب التأكيد، مجددا، على أن اللقاءات الجهوية إياها إنما تروم توسيع دائرة التشاور أقصى ما يمكن، علما بأن اللجنة المركزية تظل سيدة نفسها، وبأن أعضاءها، جميع أعضائها، لهم كامل الحق في ما هو مخول لهم من حقوق يضمنها القانون الأساسي للحزب، وفي مقدمتها، بالبداهة، حق التعبير الحر، في أثناء اجتماعات اللجنة المركزية، إلى جانب، طبعا، الواجبات التي ينص عليها أيضا هذا القانون الأساسي. من هذا المنطلق، وعلى أساس تفاعل إيجابي، في ضوء اللقاءات الجهوية المنعقدة في أفق الدورة الحالية، أشرع في تقديم تقرير الديوان السياسي، متوخيا الإيجاز، ما أمكن، وكلي يقين بأنه سيخضع، كما في كل دورة، لمناقشة مستفيضة، عميقة وبناءة. الرفيقات والرفاق الأعزاء، تنعقد الدورة العاشرة للجنة المركزية في سياق دولي وجهوي صعب ومؤثر، كنا قد تناولناه بالتحليل في الدورة السابقة، ومن سماته الرئيسية اشتداد حدة الأزمة المالية العالمية، التي هي في الجوهر أزمة هيكلية للنظام الرأسمالي وليس مجرد أزمة سياسات تدبيرية، وخاصة في منطقة الأورو التي تربطنا بها علاقات مميزة، كما يتجلى بوضوح من حالات إسبانيا واليونان وقبرص - نموذجا، وتزايد التأثيرات السلبية الضاغطة لهذه الأزمة على اقتصادنا الوطني، يضاف إليها استمرار وتفاقم حالات الاضطراب بالمنطقة التي ننتمي إليها ونرتبط بها، عربيا ومغاربيا، خاصة في سورية، مصر، وتونس، إلى جانب احتدام خطورة الأوضاع في منطقة الساحل وجوارها، في مالي على وجه الخصوص. مستجدات القضية الوطنية وفي ظل هذا السياق الدولي والجهوي، يسترعي الانتباه، في ما يتعلق بمستجدات قضية وحدتنا الترابية، قيام كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، مؤخرا، بزيارة للمغرب، في إطار جولة جديدة من أجل إيجاد تسوية لمشكل الصحراء المفتعل، وذلك وفق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، حيث أكد، بالخصوص، على أن «الوضع في منطقة الساحل وجوارها يجعل حل قضية الصحراء أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى»، بينما اغتنم المغرب هذه المناسبة للتشديد، مجددا، على إرادته القوية لإيجاد تسوية لقضية الصحراء تحظى بقبول الأطراف. وهذا مع العلم بأنه من خلال مقترح الحكم الذاتي، في إطار السيادة الوطنية، يكون المغرب قد قدم ما يمكن تقديمه من تنازلات، وخطا ما يتوقف عليه من خطوات في اتجاه إيجاد حل سياسي، شامل، عادل ومقبول للنزاع المفتعل بأقاليمه الجنوبية. ومن ثم، فإن المنتظم الدولي أضحى موضع مساءلة على أساس التماطل الذي تعرفه المفاوضات ذات الصلة بالموضوع، والذي يستهدف إفشال المبادرة المغربية، المتسمة بالجدية والمصداقية. ومن نافلة القول إن حرص الشعب المغربي، وقواه الحية، على التعامل مع قضية وحدتنا الترابية باعتبارها قضية مصيرية، تتبوأ صدارة الاهتمام ويشكل الدفاع عنها محور كل التعبئة، يستوجب التأكيد على أهمية، بل ضرورة تقوية وتعزيز الجبهة الداخلية، في مواجهة خصوم الوحدة الترابية، وخاصة من خلال إيجاد الحلول المناسبة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية المشروعة، في إطار مقاربة جديدة، مجددة ومجدية، مقاربة قائمة على حكامة جيدة طالبنا بها منذ زمان، ونتمنى أن تسهم خلاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ذات الصلة في إبرازها والدفع أكثر إلى اعتمادها وإعمالها. في هذا النطاق العام، تطرح مسألة معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وهي أوضاع صعبة جدا، في ضوء تقييم أولي لحصيلة الحكومة، بعد سنة ونيف من تنصيبها. الأوضاع السياسية العامة واللافت، لدى مقاربة هذه القضايا، هو الاهتمام الكبير الذي يوليه الرأي العام الوطني للأوضاع السياسية العامة، التي تقتضي منا تحليلا عميقا، وتستلزم، في المقام الأول، توضيح طبيعة الصراع السياسي القائم حاليا، دفعا بذلك للمحاولات الرامية إلى تغليط الرأي العام بهذا الشأن عبر تصريحات إما سطحية أو تبحث عن الإثارة أو تسعى إلى تحقيق ربح سياسي آني وضيق. وبالفعل، هناك من يحاول أن يصور الصراع السياسي الدائر وكأنه قائم بين معسكر الحداثيين، من جهة، والمحافظين، من جهة أخرى، مع إصرار مغرض على إقحام الحكومة في خانة المحافظين، ومن ثم الزج قسرا بحزبنا في غياهب تصنيفات تعسفية لا تستند إلى منطق سليم ومستقيم، ولا تصمد أمام واقع ووقائع المشهد السياسي الفعلي بالبلاد. وهنا، لابد، أولا، ليس فقط دفاعا عن الذات، وهويتنا كحزب، وعن صحة اختياراتنا، وسلامة مواقفنا، وإنما من باب الموضوعية والتدقيق في ما هو حاصل بالفعل، .. قلت: لابد من التأكيد على أن ما يقع اليوم في الساحة السياسية الوطنية لا يمكن تصنيفه وكأنه صراع بين معسكر حداثي، يسعى البعض إلى أن يدرج ضمنه كل من هب ودب - من بعض المكونات اليسارية، التي تظل، للأسف، غير قادرة، حتى لا نقول عاجزة، عن توحيد كلمتها، وضمنها تلك التي آثرت، في عهد قريب، التحالف مع مجموعة الثمانية G8، إلى من يتدثر بلباس الحداثة بحثا عن محو ماضيه البعيد والقريب، وأملا في اكتساب عذرية سياسية جديدة - وبين معسكر آخر يوصف بالمحافظ، والذي يجدر التذكير بواقع أنه أتت به صناديق اقتراع قبل الجميع نتائجها، وأفرزته إرادة شعبية في التغيير، انطلاقا من اختيار ديموقراطي اعتبر مكونات هذا المعسكر الأجدر بتجسيد الشعارات التي تم رفعها خلال الحراك الاجتماعي الواسع لسنة 2011، وهي شعارات تتوخى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وهي بالتالي أبعد من أن توصف بالمحافظة. وتبعا لذلك، فإن الصراع السياسي القائم حاليا، إذا كان لابد من فرز وتصنيف، هو صراع بين من يحملون، حقيقة، همّ الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، وبين من يريدون، بشكل أو آخر، أن يحافظوا على مصالح ومواقع وامتيازات، وحاولوا دفع الأمور في هذا الاتجاه عبر سعيهم إلى الهيمنة على المشهد السياسي بأساليب تحكمية بالية، منيت بالفشل الذريع والإخفاق المريع. بتعبير آخر، فإن الصراع اليوم ليس صراعا إيديولوجيا بالدرجة الأولى. صحيح أن هذا البعد يظل حاضرا، لكن في حجم لا ينفي واقع أن الصراع القائم هو، أساسا، صراع سياسي، صراع اشتد في خضم الحراك الاجتماعي الواسع الذي عرفه المغرب قبل نحو سنتين، بالشكل والسياق المعلومين، وبعد المصادقة بشبه إجماع على الدستور الجديد، وإجراء الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 غير المطعون في نتائجها، وإعمال المنهجية الديموقراطية في التعامل مع هذه النتائج، وتشكيل حكومة من أربعة أحزاب متحالفة حول برنامج سياسي، اقتصادي واجتماعي، حظي بثقة أغلبية برلمانية مريحة. وهو برنامج بوسع كل من يقرأه، بتأن وموضوعية، أن يقف على حقيقته الساطعة، حقيقة أنه إنما يتوخى الإصلاح في اتجاه تقدمي وديموقراطي. إن الصراع القائم اليوم هو، إذن، صراع بين من يريدون تفعيلا حقيقيا لمضامين الدستور الجديد المتقدمة، ويحرصون، داخل الحكومة وخارجها، على التجاوب مع المطالب المشروعة للجماهير الشعبية التواقة إلى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وبين من يدافعون، بوعي أو موضوعيا من حيث لا يدرون، عن مصالح ضيقة تتعارض، في الجوهر، مع هذه المطالب، جملة أو تفصيلا. ولذلك، فإننا نعتبر أن الشعار الأساسي، اليوم، يتمثل في ضرورة العمل على إنجاح التجربة الحكومية الحالية، ليس من أجل أن تنجح الأحزاب المكونة لها، وإنما لكي تتم الحيلولة دون أي إمكانية للرجوع إلى الوراء، وإحداث قطيعة نهائية مع ما قد يكون البعض لا يزال في حنين إليه من أشكال الهيمنة والتحكم، وذلك بما يجعل المشهد السياسي الوطني ساحة لتدافع ديموقراطي حقيقي، وتنافس شريف لا مجال فيه «للمنشطات» السياسية وغير السياسية، ولا محل فيه من الإعراب للتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية ومصادرة استقلالية قراراتها، ولا سبيل معه لمحاولة احتكار قيم الحداثة، التي يجدر التذكير، هنا، بأن حزبنا لا يستجديها من أي وصي مزعوم عليها، وإنما يستمدها من تاريخه النضالي الطويل، وهويته اليسارية الأصيلة، ومرجعيته الفكرية النيرة، ومواقفه التقدمية المقدامة. إننا في حزب التقدم والاشتراكية، لا نعير أهمية للتصنيفات المتجنية في حقنا، لاقتناعنا بأننا، من خلال وفائنا لرصيدنا النضالي كحزب يساري، تقدمي، وديمقراطي، واعتمادنا لمنهجية جدلية الوفاء والتجديد في التعاطي مع مستجدات الحياة السياسية الوطنية، حداثيون بكل معنى الكلمة وضدا على من قد يكون نصب نفسه مانحا لشهادات الحداثة المفترى عليها. نحن، من هذا المنظور ودون أن نسمح لأنفسنا بنزع جلباب «الحداثة» عن أحد، لسنا جزء من طاقم حكومي محافظ، بل مكونا من مكونات أغلبية سياسية، نابعة من صناديق اقتراع شفافة، وملتفة حول برنامج حكومي مرحلي وله بعد إصلاحي واضح في جميع المجالات، برنامج يقوم على مقاربة لا تستند إلى قواعد إيديولوجية، وإنما هي قائمة على أسس سياسية فرضها الزمان والمكان، ونادى بها الشعب وتستجيب لمصالح الوطن. ومن غير أن نتطاول على حق أي كان في أن يتموقع ويتموقف أو يتخندق أنى طاب له أن يفعل، نود فقط أن نثير الانتباه إلى أن هناك من استفاق، مؤخرا، وصار يتحدث عن الكتلة الديمقراطية بينما كان، إلى عهد قريب، من ألذ أعدائها، وكان يواجه دعوتنا إلى العمل على جعل هذه الكتلة أداة ناجعة وفعالة لمواجهة مد التراجع عن المكتسبات الديمقراطية بالقول لنا ما مؤداه أنه يجب أن نعرف كيف نساير الطرف الغالب ونسير في اتجاه «الجهة الرابحة»، علما بأن من لم يتردد في ارتكاب هذا النوع من الكلام ما كان يجد حرجا في الدعوة إلى التحالف مع حزب العدالة والتنمية، لكن في سياق مغاير ولأغراض مختلفة تماما عن الدواعي والمسوغات الكامنة وراء قيام التحالف الحكومي الحالي، الذي أفرزته القراءة السياسية لنتائج الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011. وعندما نقول بأن التحالف الحكومي الحالي له طابع سياسي وقائم على برنامج مرحلي، فهذا معناه أننا لم نيأس من إمكانية عودة أحزاب الكتلة الديموقراطية إلى التحالف متى نضجت الظروف وتهيأت الصيغة المناسبة لذلك، بل ولا نيأس، في هذا الأفق، من إمكانية أن تتجمع أحزاب الصف اليساري قاطبة، في قطب واحد موحد. أما الآن، فإن معادلة الصراع السياسي القائم تظل على نحو ما أسلفنا: هناك تجربة حكومية جديدة وجدية، وهناك محاولات شتى لإفشال هذه التجربة. ونحن نرى أن هذه التجربة الحكومية ينبغي تقييم عملها بكل موضوعية، مرحليا، انطلاقا مما التزمت به في تصريحها الحكومي، الذي على أساسه نالت ثقة البرلمان، وفي ضوء ما تتعرض له من هجمات شرسة، بعضها واضح، وبعضها من خلف الستائر. الإيجابيات: فهذه الحكومة، المنبثقة من صناديق الاقتراع، والتي لا تزال تحظى بثقة الملك والشعب، قد تمكنت -رغم كل الاكراهات، المرتبطة بالظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة، بل والعسيرة، سواء على المستوى الوطني أو على الصعيدين الجهوي والدولي - من الإسهام، إسهاما وافرا، في تكريس جملة من المكتسبات الديموقراطية وتحقيق عدد من المنجزات الإيجابية، التي ضمنت للبلاد الاستقرار، خلافا لما هو عليه الشأن، على الخصوص، في بلدان لم تحسن التفاعل مع ما شملها من حراك اجتماعي واسع، ومسها من تداعيات أزمة مالية عالمية خانقة. وفي هذا الإطار اتخذت الحكومة عددا من القرارات الجريئة التي أتاحت تهدئة الأوضاع الاجتماعية، في ظل ما أشرنا إليه من وضع دولي ووطني صعب للغاية. كما وضعت مخططا تشريعيا، تم عرضه على البرلمان، يتضمن أولويات مضبوطة وجدولة زمنية مدققة لإخراج القوانين التنظيمية ذات الصلة بتفعيل مضامين الدستور الجديد، علما، في هذا المضمار، بأن حزبنا يلح إلحاحا خاصا على ضرورة تفعيل جميع هذه المضامين وفق التأويل الديموقراطي اللازم، وبما يتيح للمؤسسات المعنية بها أن تؤدي المهام المناطة بها على أكمل وجه، ومن بينها هيئات الحكامة، وخاصة منها مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. وفي ما يخص الجانب الاجتماعي، الذي يتبوأ مكانة بارزة في البرنامج الحكومي، تجدر الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى مجموعة من الإنجازات التي تطلبت اعتمادات مالية كبيرة، من قبيل تعميم المساعدة الطبية في اتجاه أن تشمل نحو ثمانية ملايين ونصف مليون نسمة، ورفع ميزانية الأدوية المخصصة للمستشفيات بمعدل ثلاث مرات لمواكبة هذه الاحتياجات، مع تخفيض سعر الأدوية ضمن قائمة تضم مئات الأنواع منها، والرفع بشكل محسوس من رصيد صندوق التنمية القروية الذي يعنى بحل المعضلات المرتبطة بالبنيات التحتية والتنمية البشرية في العالم القروي والمناطق الجبلية، إلى جانب رفع الحد الأدنى لرواتب التقاعد بالمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والمياومين، ومواصلة تنفيذ التزامات الحكومة بالمقتضيات المالية المرتبطة بالحوار الاجتماعي، وتوسيع الحماية الاجتماعية مع العمل على تحسين جودة خدماتها، وإخراج صندوق التماسك الاجتماعي إلى حيز الوجود، وتفعيل إجراءات الاستفادة من خدمات صندوق التكافل العائلي، واتخاذ تدابير عديدة مرتبطة بقطاع التعليم، ومن بينها إضافة 40 ألف طالبا للاستفادة من المنحة التي عرفت قيمتها الإجمالية زيادة بنسبة 50 في المائة، وكذا مضاعفة المخصصات الاجتماعية للطلبة، إلى غير ذلك من التدابير والإنجازات الملموسة، التي لا يسمح المقام، هنا، بالتفصيل فيها بمعطيات مرقمة، وقد يكون من المفيد أن تشكل محور ندوة أو ندوات دراسية في إطار أنشطة حزبية وطنية أو محلية. إن الثقة الكبيرة التي لا تزال تحظى بها الحكومة يعكسها، بجلاء، التجاوب الشعبي المستمر معها. ولعل خير دليل على ذلك نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة ( اقتراع 28 فبراير 2013 )، حيث فازت الأحزاب الأربعة المكونة للتحالف الحكومي بجميع المقاعد الخمسة المعنية. وهذه مناسبة سانحة لنسجل، باعتزاز، النتائج الجيدة التي حققها حزبنا، ليس فحسب من خلال استرجاعه لمقعده في اليوسفية بالحصول على نحو 10 آلاف صوتا، ولكن كذلك بحصوله على نحو 6700 صوتا في سيدي قاسم، و4500 صوتا في دمنات، و2700 صوتا في سطات، وهذا إضافة إلى حصول الحزب، في اقتراع جزئي سابق بأسابيع على أزيد من 10 آلاف صوتا بدائرة شيشاوة. وإذا كان من الواجب أن نثمن التنسيق الجاد، والملتزم، والطبيعي في ظل تحالف حكومي صادق، لحزبنا مع حزب العدالة والتنمية، وهو تنسيق كنا نتمنى أن يكون رباعيا تجسيدا للتحالف الحكومي، فإنه من الضروري أن نؤكد على أن ما حصلنا عليه من أصوات يعود، أساسا، إلى قدراتنا الذاتية ومواقفنا السياسية وشعبية مرشحينا. لكن قراءتنا لهذه النتائج الإيجابية، بما يليق من اعتزاز، يجب أن نقرنها بالتنبيه إلى ضرورة استخلاص العبر منها، في اتجاه بذل مزيد من الجهود الكفيلة بتأهيل وتقوية الهياكل والتنظيمات الحزبية، وتطوير أشكال التواصل مع الجماهير والمجتمع، على أساس برامج نضالية، فعالة، وقائمة على الالتزام، والصدق، والحضور الميداني الدائم وعمل القرب المتواصل. النقائص: وبالرجوع إلى حصيلة الحكومة، فإن الحديث عن إيجابيات لا يعني أن الأمر لا يستدعي اتخاذ خطوات أكثر جرأة وفعالية لتجاوز العديد من المعيقات، التي سبق وكانت موضوع تداولنا في مناسبات عديدة، بما في ذلك خلال الدورتين الثامنة والتاسعة للجنة المركزية، وذلك في ضوء ممارستنا لمهامنا الحكومية مع الحفاظ على مسافة النقد اللازمة، لكن بروح بناءة ومسؤولة وملتزمة بأخلاقيات التحالف الحكومي، بلا تطبيل أو تزمير، ودون السقوط في المزايدات السياسوية الضيقة. وهكذا نبهنا إلى أن عددا من الملفات لا يزال عالقا، ويعرف نوعا من التأخير في البلورة، وحذرنا من أن عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة في أوانها، لمواجهة الوضع الاقتصادي الصعب للغاية، من شأنه أن يرهن البلاد، لا سيما وأن مؤشرات دالة تشير إلى أن عجز الميزانية فاق 7 في المائة، ودين الخزينة يكاد يصل إلى 60 في المائة، وحساب جاري ميزان الأداءات في تدهور، ومداخيل السياحة والفوسفاط وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في استقرار أو تراجع، إلى جانب عدد من المؤشرات المالية والاقتصادية المقلقة، مع العلم أن التوقعات تشير إلى أن بلدنا سيحقق، مع ذلك، نسبة نمو تتراوح بين 4 و5 في المائة، في ظل سنة فلاحية ينتظر أن تكون جيدة. وهذا يحصل، كما أسلفنا، في إطار وضع دولي مؤثر سلبيا، خاصة في المنطقة الأوروبية التي نتعامل معها كشركاء أساسيين، مما يفرض علينا اتخاذ التدابير الكفيلة بتمكيننا من تفادي الانزلاق إلى ما آلت إليه اليونان وإسبانيا وقبرص، ودول أوروبية أخرى تعاني ركودا اقتصاديا خطيرا. ويجدر، هنا، تنبيه من يحاول استغلال هذه الأوضاع للتهجم على الحكومة الحالية، ودون استبعاد مسؤوليتها اليوم، إلى أن الصعوبات المالية والاقتصادية التي تعرفها بلادنا لها جذور وليست من تدبير هذه الحكومة. وترتيبا على ما تقدم، نرى أن المرحلة الراهنة تقتضي عدم الاستسلام، وقدرة حقيقية على قيادة التغيير، وجرأة فعلية في بلورة الإصلاحات. والمدخل الطبيعي والسليم إلى كل ذلك إنما يتمثل، أولا، في الحرص على وحدة الصف داخل الأغلبية الحكومية، والكف عن أي نوع من أنواع الخطاب المزدوج، أو محاولة تحقيق ربح سياسوي ضيق، والتصرف على أساس أن الانتماء إلى الأغلبية الحكومية يملي، بالضرورة، الالتزام والمسؤولية، مما لا يتعارض وحضور البعد الانتقادي في حدوده المعقولة، البناءة والموضوعية. إن مباشرة الإصلاحات التي تعرف تأخرا بينا، أمر ضروري ومؤكد، ولابد من إيجاد الأسلوب المناسب لإنجاز هذه الإصلاحات دونما إبطاء، وذلك بالرغم من أن الحلول غير سهلة، ويمكن أن يكون لها تأثير على الأوضاع الاجتماعية، وأن تمس مصالح معينة قد تولد ردود فعل متباينة من قبل أصحابها، خاصة في ما يتصل بإصلاح صندوق المقاصة وأنظمة التقاعد والإصلاح الجبائي. وفي هذا المضمار، لا يسعنا إلا أن نسجل الطابع الإيجابي لعودة الأغلبية الحكومية إلى تركيز اهتماماتها على مناقشة هذه القضايا الجوهرية، والبحث عن أنجع السبل لتسريع وتيرة الإصلاحات، والرفع من مستوى أداء الحكومة. وعلاقة بذلك، فإن حزب التقدم والاشتراكية، وهو يستحضر برنامجه الانتخابي الطامح إلى تحقيق عدالة اجتماعية فعلية ويشدد على ضرورة تفعيل البرنامج الحكومي بمضامينه الإصلاحية المتقدمة ويلح على ضرورة قول الحقيقة للشعب، يؤكد على أن هذه الإصلاحات لا يجوز أن تقوم على إجراءات تقشفية تمس بالقدرة الشرائية للجماهير الشعبية، لأن الأمر يستدعي العمل وفق تصور شمولي يمزج بين بعث الروح في الاقتصاد الوطني، وتحريك الاستثمار، وخلق فرص الشغل، وتحسين الحكامة، ومعالجة الأوضاع الاجتماعية، من جهة، وبين الحفاظ على التوازنات المالية الأساسية وعلى استقلال القرار الاقتصادي الوطني في إطار التحكم في النفقات العمومية، من جهة ثانية. وفي هذا السياق يشدد حزبنا على ضرورة التقيد بالبرنامج الحكومي، الذي يلتقي في خطوطه العريضة مع برنامج حزبنا، والذي يقوم على ثلاثة مبادئ وتوجهات أساسية تتمثل في: الرفع من مستوى تطور القوى المنتجة، وخلق الثروات مع الأخذ بعين الاعتبار بعدا إدماجيا للفئات الهشة، وبعدا تضامنيا بين الفئات الاجتماعية والأجيال ومختلف جهات البلاد، بالإضافة إلى تبني نظام حكامة قائم على المقاربة التشاركية، ومحاربة الفساد واقتصاد الريع بكل أشكالهما. كما يشدد على ضرورة التحلي بالمسؤولية والجدية في معالجة الاختلالات الماكرو اقتصادية دون المساس بالتوازنات الاجتماعية، ويحث على ضرورة الإسراع في إنجاز الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وخاصة إصلاح النظام الضريبي، ونظام المقاصة، وأنظمة التقاعد، والقانون التنظيمي للمالية، مع العمل على إعداد وإقرار القوانين التنظيمية الأخرى المنصوص عليها في الدستور. وبناء على ما تقدم، يقترح حزب التقدم والاشتراكية اتخاذ التدابير الآتية: 1) على مستوى إنعاش النشاط الاقتصادي والنهوض بالاستثمار، ينبغي: إزالة كل العراقيل أمام الاستثمار، من خلال تبسيط المساطير، ومرافقة المقاولات والمستثمرين، ومحاربة الرشوة، وخلق خلايا لليقظة على الصعيدين الوطني والجهوي لتتبع تنفيذ هذه المشاريع؛ حث الإدارة والمقاولات العمومية على الإسراع في تنفيذ برامجها الاستثمارية قصد الاستفادة من تأثيرها على النمو؛ إعادة النظر في أسعار الفائدة، في اتجاه تخفيضها نسبيا، بما يتيح توفير سيولة مالية، وتيسير تمويل المقاولات، وخصوصا منها المقاولات الصغرى والمتوسطة؛ تشجيع إعادة استثمار الأرباح، كليا أو جزئيا، بواسطة تحفيزات ضريبية والتخفيض من الضريبة على الشركات؛ الاستفادة التامة من الموسم الفلاحي الجيد، الذي يلوح هذه السنة في الأفق، بالتصدي لكل أشكال المضاربة والاحتكار، حتى يكون له تأثير إيجابي على النشاط الاقتصادي؛ العمل على اتخاذ كل التدابير التي من شأنها أن تحفز على الاستثمار، وخاصة عبر خلق جو من الثقة اتجاه الفاعلين الاقتصاديين، وبذل الجهد الاستثماري الضروري في العنصر البشري، بما يمكن من رفع تحديات المنافسة. 2) على مستوى الميزانية والحد من العجز، ينبغي: التحكم في النفقات، من خلال ترشيد النفقات العمومية، سواء الموجهة منها للتسيير أو تلك الخاصة بالاستثمار، وذلك بمحاربة كل أشكال التبذير، وتدعيم القدرات التدبيرية على مستوى الإدارات، ولابد كذلك من تقنين تعويضات المسؤولين الكبار للمؤسسات العمومية، وربط هذه التعويضات بالنتائج المحققة وبالوضعية المالية لتلك المؤسسات؛ تحسين الموارد العمومية، من خلال تحسين استخلاص الضرائب، ومحاربة جميع أشكال التهرب والتملص الضريبيين، وتوسيع الوعاء الضريبي، مع العمل على تقوية إمكانيات الإدارة الضريبية للقيام بأعمال المراقبة والشروع، تدريجيا، في تضريب الفلاحة، وخصوصا منها الفلاحة التصديرية. وفي الاتجاه نفسه، لا بد من إعادة النظر في النفقات الجبائية، والعمل، منذ الآن، على ألا تتجاوز هذه النفقات المستوى الذي بلغته سنة 2012، مما سيمكن الخزينة من اقتصاد مبالغ تقدر ما بين 5 ملايير و6 ملايير درهما. 3) على مستوى إصلاح صندوق المقاصة: من المعلوم أن حزبنا يعارض أي تدبير يروم التحرير الشامل للأسعار وإلغاء صندوق المقاصة، وبالتالي فإن الإصلاح الشامل الذي ننادي إليه لا يعني البتة الإقدام على هذا الإلغاء. وفي انتظار هذا الإصلاح، الذي ينبغي أن يتم بارتباط وثيق مع الإصلاح الجبائي، يقترح حزبنا وضع آليات لاسترجاع بعض الإعانات التي تستفيد منها، بلا حق، بعض الشركات أو الفئات الميسورة. كما ينبغي تشجيع النقل العمومي، ومواصلة إصلاح قطاع نقل البضائع. إن حزبنا سيبقى، في جميع الحالات، حريصا، كل الحرص، على الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، الذي يعتبر ضروريا لمواصلة الإصلاحات. وهكذا، كما ترون أيها الرفيقات والرفاق الأعزاء، فإن حزبنا، الذي دأب في الآن ذاته، عبر مساره النضالي الطويل، على نبذ منطق المعارضة المجانية والمساندة العمياء، لا يكتفي بملاحظة النقائص والتنبيه إلى العيوب، في نقاشات الأغلبية الحكومية أو داخل الحكومة نفسها، بل يسعى دوما إلى إعمال واحدة من مميزاته الأساسية ألا وهي أداء دور القوة الاقتراحية الفاعلة، موثرا في ذلك تحقيق نتائج ملموسة على إثارة زوابع إعلامية توخيا لمكاسب سياسوية. إننا إذ نؤكد، هنا، على الدور الأساسي الذي يؤديه حزبنا، من داخل هذه التجربة الحكومية، في الحفاظ على التراكمات الإيجابية، وفي تفادي أي إجراء يمكن أن يشكل تراجعا عن المكتسبات الديمقراطية أو الحريات أو أي مس بالمكتسبات الاجتماعية، نشدد على أن الحزب سيظل وفيا لهذا الخط، كما التزم بذلك عند اتخاذه قرار المشاركة في هذه الحكومة. ويجدر أيضا أن نسجل ما تبلور، خلال الأشهر الأخيرة، من دور هام لحزبنا في الوقوف ضد كل المحاولات الهادفة إلى عرقلة مسار هذه الحكومة، أو محاولة خلخلتها، دون أن يمنعه ذلك من الدعوة، في ظل الأوضاع الصعبة السائدة، إلى ضرورة أن تبقى الحكومة بناءة تجاه المعارضة، فتضعها أمام مسؤولياتها في البحث عن توافقات عريضة بالنسبة لقضايا جوهرية من قبيل القوانين التنظيمية ذات الصلة بتفعيل المقتضيات الدستورية الجديدة، والإصلاحات الكبرى المتعلقة، على سبيل المثال، بأنظمة التقاعد وصندوق المقاصة. الحزب الرفيقات والرفاق الأعزاء، إن حزبنا، وهو يتصرف على هذا النحو، إنما يبقى بذلك وفيا لمرجعيته الفكرية، وتاريخه النضالي، ومساره السياسي. وللمشككين والمتشككين نقول إن حزب التقدم والاشتراكية يظل هو حزب التقدم والاشتراكية.. يظل حزبا يساريا، مؤسسا لليسار، وسباقا إلى حمل ونشر أفكار اليسار، وخلاقا في التكيف مع الواقع والوقائع دونما تفريط في هويته اليسارية والتقدمية، التي يحتفظ لنفسه بها، ويكرسها بمواقفه، ولا يستمدها من شهادات الغير أيا كان هذا الغير. حزب التقدم والاشتراكية، بهذا المعنى، يظل مقتنعا بأن الموقع الذي يجب أن يكون فيه اليساريون الحقيقيون، اليوم، هو موقع تغليب معسكر الإصلاح والتقدم لا الاستسلام لمعسكر التراجع والجمود. ومن هذا المنطلق بالذات، وبالنظر للتحديات الأساسية المطروحة، ولدور الحزب البارز في التعاطي معها، يجب كذلك أن نتحلى بجرأة كبيرة في الجواب على سؤال محوري: ما السبيل لكي نتوفر على آلة حزبية حقيقية تكون في مستوى الوزن السياسي للحزب، وعلى قدر الدور الهام الذي يؤديه الحزب في التأثير على المسار السياسي العام للبلاد؟. بصيغة أخرى: إننا كحزب صوت سياسي مسموع، لكن إن نحن أردنا أن نرسخ هذه المكانة، ونطورها أكثر، وجب علينا أن نسائل الذات بجرأة، وأن نراجع، بالتالي، ما يتعين مراجعته. وأمامنا مناسبتان مواتيتان لخوض هذا التمرين السياسي والتنظيمي، العسير حقا، والحيوي بل المصيري دونما شك: المناسبة الأولى تتمثل في كون حزبنا مقبل، خلال السنة الجارية، على تخليد الذكرى السبعين لتأسيسه (نونبر القادم)، بينما تتمثل المناسبة الثانية في كون الحزب مقدم، خلال السنة المقبلة، بمقتضى قانونه الأساسي، على تنظيم مؤتمره الوطني التاسع. في هذا الاتجاه، وإلى جانب مواصلة الجهود التنظيمية الرامية، طبقا لمقررات الدورة السابقة للجنة المركزية، إلى إعادة هيكلة كل الهياكل الحزبية، يقترح المكتب السياسي للحزب أن يتم، منذ الآن، من داخل اللجنة المركزية، وقبل الشروع في التحضير العملي للمؤتمر الوطني التاسع، تشكيل فريق عمل يشتغل ويقدم أجوبة أولية حول التساؤل المحوري آنف الذكر: أي أداة حزبية نحتاج إليها؟ وما العمل من أجل توفير هذه الأداة، وإيجاد الصيغ الملائمة لاستخدامها بما يلزم من نجاعة وفعالية؟. وقبل هذا وذاك، لابد من العمل أكثر على النهوض بالأوضاع التنظيمية، والحرص، عموما، على تنفيذ البرنامج المتفق عليه، بهذا الصدد، خلال الدورة السابقة للجنة المركزية، والاجتهاد لحل بعض المشاكل التنظيمية القائمة، وإيلاء اهتمام خاص لما يتصل بضرورة تحريك التنظيمات القطاعية الحزبية، لاسيما العاملة منها في أوساط الشباب والنساء، وإدراك أهمية تفعيل القرارات الصادرة عن الاجتماع الناجح لمنتخبي الحزب. وهذه كلها مهام جسيمة من مسؤولية الجميع، بدء من المكتب السياسي. وفي هذا الإطار، يتعين تقييم العقود برامج التي تم إبرامها مع الفروع تقييما شاملا، يأخذ بعين الاعتبار حالات المقار الحزبية التي تحول مشاكل مالية من مواصلة تحمل نفقات كرائها، وواقع وجود مقار يتم أداء واجبات إيجارها لكنها تظل غير مشغلة حتى لا نقول معطلة. ومن باب الإنصاف، ينبغي أن نسجل، بارتياح، قيام عدد من الفروع الحزبية بأنشطة متعددة، وكذا الحركية المتنامية في مجال توسيع وترسيخ الحضور النضالي لحزبنا وسط المغاربة المقيمين بالخارج، حيث تم تأسيس فروع في عدد من بلدان الاستقبال، ومن بينها فرنسا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا. وبطبيعة الحال، فإن نجاحنا في إنجاز كل الأوراش المطروحة يتوقف، إلى حد كبير، على مدى توفقنا في تطوير أدوات وآليات التواصل الحزبي، وإرساء منظومة للتكوين الحزبي تستند إلى تصور شامل ومتكامل، وتوفير إدارة وطنية حديثة، إلى جانب تأمين التمويل اللازم. المسألة التواصلية: الملاحظ، في ما يخص التواصل الحزبي، أنه بالرغم من الجهود المبذولة، لا نزال دون المستوى الذي ارتقينا إليه إبان الحملة التفسيرية من أجل الدستور الجديد وخلال حملة الانتخابات التشريعية. إن هذه المسألة حيوية للغاية وعلى قدر كبير من الأهمية، ولذلك تبذل جهود متواصلة على مستوى القيادة الوطنية للحزب. وبارتباط مع ذلك، يجدر إخباركم بأن المكتب السياسي، وعيا منه بالصعوبات الجمة والمشاكل العميقة التي تعاني منها صحافة الحزب، بصدد عقد اجتماعات متعددة خاصة بمعالجة مسألة التواصل هذه في شقها المتعلق بجريدتي الحزب. مسألة التكوين: أما بالنسبة لمسألة التكوين داخل حزبنا، الذي تميز دائما بقدرة عالية على مقاربة أوضاع البلاد بعمق في التحليل، وبطاقة كبيرة على إنتاج الأفكار القابلة للتحول إلى تقدم، مما جعل منه قوة اقتراحية وازنة، فإن الحاجة باتت ملحة جدا لتسليح رفيقاتنا ورفاقنا فكريا وسياسيا إذا أردنا أن يحافظ الحزب على هويته الحقيقية، وأن تتقوى مناعة مناضلاته ومناضليه ضد أي محاولات للتغليط والتنميط، بما يجعلهم مؤهلين لعدم الانسياق وراء الأقاويل والشائعات، وفي منأى عن الوقوع فريسة للحملات المغرضة، وقادرين على التأثير في الرأي العام والتفاعل الإيجابي معه. إن أكبر خطر يمكن أن يهدد حزبنا وينال من هويته، كحزب يساري من طراز أصيل ومتفرد ومشهود له بقوة مناعته السياسية المكتسبة، لا يكمن في طبيعة تحالفاته السياسية المرحلية، ونوعية حلفائه الإيديولوجية، وإنما في احتمال تقلص دائرة المناضلات والمناضلين ممن يتمتعون بمستوى لائق من التكوين السياسي اللازم، وهو، للأسف، احتمال وارد، بل إن شبحه يخيم على مختلف التنظيمات الحزبية، ما لم يتم تدارك الأمر بالطرق الملائمة وفي الوقت المناسب. وانطلاقا من إدراك عميق لمدى حيوية هذه المسألة وما تكتسيها معالجتها من طابع استعجالي، هناك اشتغال جدي على الموضوع بين قيادة الحزب وإدارته الوطنية، نأمل أن يفضي، في أقرب الآجال، إلى وضع تصور شامل ومتكامل، تمهيدا لتأسيس مدرسة حزبية تتكفل بالتكوين السياسي الأساسي، والتكوين المستمر، وتنمية القدرات التنظيمية والتواصلية للرفيقات والرفاق، بما يمكنهم من تملك مواقف الحزب وأطروحاته في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، والعمل من أجل بلورتها على أرض الواقع. الإدارة الوطنية الحزبية: وسعيا إلى هيكلة وتطوير عمل الإدارة الوطنية لحزبنا، بما يجعلها تواكب إشعاعه السياسي ونموه التنظيمي، ورغبة في إعطاء دفعة جديدة لأدائها الإداري والتدبير المالي والتواصلي، وفق متطلبات الفعالية والنجاعة، بارتباط مع ما هو مطروح على حزبنا من مهام تنظيمية جسيمة ومتطلبات سياسية استراتيجية، قرر المكتب السياسي للحزب، كما تم الإخبار بذلك في حينه، تعيين عضو اللجنة المركزية للحزب الرفيق عبد الرحيم بنصر، ابتداء من فاتح مارس 2013، مديرا للإدارة الوطنية الحزبية ومديرا للمقر الوطني للحزب. في هذا الإطار، ووفقا للأهداف السياسية المسطرة وأنظمة الحزب، يتعين، بالخصوص، العمل على تعزيز القدرات التدبيرية للموارد البشرية العاملة بالإدارة الوطنية الحزبية، وعصرنة مناهج عملها، وتحسين خدماتها، وتتبع أشغال تشييد وتجهيز المقر الوطني الجديد للحزب كأولوية، ليلائم مكانة الحزب وتطلعاته، ودعم القيادة الوطنية للحزب من خلال توفير لوازم العمل والحاجيات الإدارية والخدماتية واللوجيستيكية، والتوظيف العقلاني للموارد المالية المتوفرة لتلبية الحاجيات التدبيرية والتنظيمية والتواصلية، والرفع من مستوى العلاقة العضوية بين عمل الإدارة الوطنية ومختلف الهياكل والأجهزة والمؤسسات الحزبية، والاهتمام بتحسين تفاعل الحزب مع محيطيه الداخلي والخارجي، سواء بالنسبة لأعضاء الحزب، من رفيقات ورفاق، أو بالنسبة للمتعاملين معه من فرقاء سياسيين ونقابيين وجمعويين، وشركاء ومؤسسات وعموم المواطنين. وعلى ذكر المقر الوطني الجديد للحزب، أود أن أبشركم بأن إشارة انطلاق أشغال إنجازه قد تم إعطاؤها أمس الجمعة (12 أبريل 2013). وبذلك يكون حزبنا قد ولج مرحلة متقدمة من شروعه في تجسيد حلم صعب طالما راود مناضلاته ومناضليه، حلم بناء مقر مركزي يكون القلب النابض لنشاط حزبي دائب، ومختبرا لإنتاج الأفكار وتلاقحها، وقاعدة انطلاق لبلورة البرامج المسطرة، ورمزا ساطعا للطموحات المستقبلية. أبشركم بهذا، وأتوجه إلى أريحيتكم، لأحثكم، مجددا، على بذل أقصى ما في وسعكم، عبر مساهماتكم الشخصية ومساهمات الأصدقاء والمعارف والأقرباء، من أجل الإسهام في توفير التمويل الضروري لاستكمال هذا المشروع الضخم، حتى يتأتى لنا، جميعا، أن نخرجه على نحو ما تصورناه: تحفة معمارية في شكل جناح أبيضPavillon Blanc ، ومعلم بارز في الساحة السياسية الوطنية.