بنعبد الله: الحكومة هي نتاج لصناديق الاقتراع قبل الجميع بنتائجها صادقت اللجنة المركزية في دورتها العاشرة المنعقدة أول السبت بالرباط، بالأغلبية المطلقة على تقرير الديوان السياسي الذي قدمه الأمين العام للحزب محمد نبيل بنعبد الله، وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت ومعارضة عضو واحد. وقد حظي التقرير الذي نال ثقة برلمان الحزب، بنقاش واسع ومعمق من لدن أعضاء اللجنة المركزية الذين وقفوا على دقة المرحلة التي تعرفها بلادنا سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، في ظل سياق إقليمي ودولي تطبعه انعكاسات الأزمة الاقتصادية على الاقتصاد والوطني. وكان الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في معرض رده على تدخلات أعضاء اللجنة المركزية التي أثارت الوضعية الاقتصادية التي وصفت ب «الصعبة»، أكد على أنه بالرغم من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي عرفها الجوار الأوروبي، فإن التوجهات التي انتهجها المغرب منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي مكنته من التحكم بشكل جيد في أوضاعه الاقتصادية، مشيرا إلى أن هذه التوجهات كانت تقوم بالأساس على اعتماد الدولة على الاستثمار العمومي كركيزة أساسية في تحقيق النمو الاقتصادي والحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية. ونفى محمد نبيل بنعبد الله، أن تكون الحكومة الحالية أو الحكومات التي سبقتها منذ حكومة التناوب التوافقي، قد نهجت توجها ليبراليا، مشيرا إلى أن التوجه السائد منذ 13 سنة والذي كان يدافع عنه حزب التقدم والاشتراكية ولا يزال، هو الحفاظ على أن تعلب الدولة دورا محوريا في الاقتصاد الوطني من خلال الاستثمار العمومي واعتماد سياسة الأوراش الكبرى التي ساهمت في تنشيط الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى إقرار استراتيجية تنموية قطاعية وهو ما كان يدعو له حزب التقدم والاشتراكية الذي يطرح حاليا وثيقة مؤطرة كخلاصة لنقاش اللجنة المركزية لمواجهة تداعيات الأزمة الحالية والتي ضمنها مجموعة من التدابير والإجراءات ذات الطابع الاستعجالي والهيكلي التي يتعين على الحكومة أن تتخذها من أجل الحفاظ على استقلالية القرار الاقتصادي الوطني عن المؤسسات المالية الدولية، مشددا على حرص الحزب لإنجاح هذه التجربة الحكومية. وفي ذات السياق قال محمد نبيل بنعبد الله «إن الشعار الأساسي، اليوم، يتمثل في ضرورة العمل على إنجاح التجربة الحكومية الحالية، ليس من أجل أن تنجح الأحزاب المكونة لها، وإنما لكي تتم الحيلولة دون أي إمكانية للرجوع إلى الوراء، وإحداث قطيعة نهائية مع ما قد يكون البعض لا يزال في حنين إليه من أشكال الهيمنة والتحكم، وذلك بما يجعل المشهد السياسي الوطني ساحة لتدافع ديمقراطي حقيقي، وتنافس شريف لا مجال فيه «للمنشطات» السياسية وغير السياسية، ولا محل فيه للتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية ومصادرة استقلالية قراراتها ولا سبيل معه لمحاولة احتكار قيم الحداثة». وفي جانب آخر، أبرز الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في التقرير الذي قدمه باسم الديوان السياسي، على أن الأوضاع السياسية العامة بالبلاد تقتضي تحليلا معمقا من أجل توضيح طبيعة الصراع السياسي القائم حاليا، دفعا بذلك للمحاولات الرامية إلى تغليط الرأي العام بهذا الخصوص عبر تصريحات قال عنها بنعبد الله «إما سطحية أو تبحث عن الإثارة أو تسعى إلى تحقيق ربح سياسي آني وضيق»، مشيرا إلى أن هناك من يحاول أن يصور الصراع السياسي الدائر وكأنه قائم بين معسكر الحداثيين، من جهة، والمحافظين، من جهة أخرى، مع إصرار مغرض على إقحام الحكومة في خانة المحافظين، ومن ثم الزج قسرا بحزب التقدم والاشتراكية في غياهب تصنيفات تعسفية لا تستند إلى منطق سليم ومستقيم، ولا تصمد أمام واقع ووقائع المشهد السياسي الفعلي بالبلاد. وأكد على أن هذه الحكومة هي نتاج لصناديق الاقتراع الذي قبل الجميع بنتائجه، وأفرزته إرادة شعبية في التغيير، انطلاقا من اختيار ديمقراطي لتجسيد شعارات الحراك الاجتماعي الواسع لسنة 2011، من قبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأن هذه الحكومة تشكلت على أساس هذه الرغبة الشعبية وهي أبعد من أن توصف بالمحافظة. وتبعا لذلك، يقول الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، «فإن الصراع السياسي القائم حاليا، إذا كان لابد من فرز وتصنيف، هو صراع بين من يحملون، حقيقة، هم الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، وبين من يريدون، بشكل أو بآخر، أن يحافظوا على مصالح ومواقع وامتيازات، وحاولوا دفع الأمور في هذا الاتجاه عبر سعيهم إلى الهيمنة على المشهد السياسي بأساليب تحكمية بالية، منيت بالفشل الذريع والإخفاق المريع»، مؤكدا على أن الصراع هو صراع سياسي بالدرجة الأولى وليس صراعا أيديولوجيا وإن كان هذا البعد حاضرا، لكن ليس في الحجم الذي ينفي الصراع السياسي القائم حاليا الذي هو بالأساس بين من يريدون تفعيلا حقيقيا للمضامين المتقدمة للدستور الجديد، ويحرصون، داخل الحكومة وخارجها، على التجاوب مع المطالب المشروعة للجماهير الشعبية التواقة إلى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وبين من يدافعون، بوعي أو موضوعيا من حيث لا يدرون، عن مصالح ضيقة تتعارض، في الجوهر، مع هذه المطالب، جملة و تفصيلا. وأوضح نبيل بنعبد الله أن حزب التقدم والاشتراكية عندما يقول بأن التحالف الحكومي الحالي له طابع سياسي وقائم على برنامج مرحلي، فإن ذلك معناه أن الحزب لم ييأس من إمكانية عودة أحزاب الكتلة الديمقراطية إلى التحالف متى نضجت الظروف وتهيأت الصيغة المناسبة لذلك، بل ولا ييأس، في هذا الأفق، من إمكانية أن تتجمع أحزاب الصف اليساري قاطبة، في قطب واحد موحد. ولم يفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي أكد على ضرورة تقييم التجربة الحكومية انطلاقا مما التزمت به في تصريحها الحكومي الذي على أساسه نالت ثقة البرلمان، (لم يفته) التذكير بأن الحكومة التي لا زالت تحظى بثقة الملك والشعب، قد تمكنت في ظل الإكراهات الموضوعية المرتبطة بالظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة سواء على المستوى الدولي أو على المستوى الوطني، من الإسهام بشكل وافر في تكريس جملة من المكتسبات الديمقراطية وتحقيق عدد من المنجزات الإيجابية، التي ضمنت للبلاد الاستقرار، خلافا لما هو عليه الشأن، على الخصوص، في بلدان لم تحسن التفاعل مع ما شملها من حراك اجتماعي واسع، ومسها من تداعيات أزمة مالية عالمية خانقة. وفي هذا الإطار فقد اتخذت الحكومة، بحسب المتحدث، جملة من القرارات الجريئة التي أتاحت تهدئة الأوضاع الاجتماعية، في ظل ما أشرنا إليه من وضع دولي ووطني صعب للغاية. كما وضعت مخططا تشريعيا، تم عرضه على البرلمان، يتضمن أولويات مضبوطة وجدولة زمنية مدققة لإخراج القوانين التنظيمية ذات الصلة بتفعيل مضامين الدستور الجديد. وأكد في هذا السياق، على أن حزب التقدم والاشتراكية يلح بشكل كبير على ضرورة تفعيل جميع هذه المضامين وفق التأويل الديمقراطي اللازم، وبما يتيح للمؤسسات المعنية بها أن تؤدي المهام المناطة بها على أكمل وجه، ومن بينها هيئات الحكامة، وخاصة منها مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، هذا، بالإضافة إلى إجراءات وقرارات أخرى ذات طابع اجتماعي له وقع مباشر على الفئات الشعبية الواسعة كنظام المساعدة الطبية (راميد) والرفع من منحة الطلبة والشروع في تفعيل إجراءات الاستفادة من صندوق التكافل العائلي. وفي الوقت نفسه، شدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على أن الحديث عن هذه الإيجابيات لا يعني أن الأمر لا يستدعي اتخاذ خطوات أكثر جرأة وفعالية لتجاوز العديد من المعيقات، التي سبق وكانت موضوع تداول وسط حزب التقدم والاشتراكية، في مناسبات عديدة، بما في ذلك خلال الدورتان الثامنة والتاسعة للجنة المركزية، وذلك في ضوء ممارسة المهام الحكومية مع الحفاظ على مسافة النقد اللازمة، لكن «بروح بناءة ومسؤولة وملتزمة بأخلاقيات التحالف الحكومي، بلا تطبيل أو تزمير، ودون السقوط في المزايدات السياسوية الضيقة». ومن ثمة، يضيف المسؤول الحزبي، فإن المرحلة الراهنة تقتضي عدم الاستسلام، وقدرة حقيقية على قيادة التغيير، وجرأة فعلية في بلورة الإصلاحات، مشددا على أن المدخل الطبيعي إلى كل ذلك إنما يتمثل في الحرص على وحدة الصف داخل الأغلبية الحكومية، والكف عن أي نوع من أنواع الخطاب المزدوج، أو محاولة تحقيق ربح سياسوي ضيق، والحرص على التصرف على أساس أن الانتماء إلى الأغلبية الحكومية يملي، بالضرورة، الالتزام والمسؤولية، مما لا يتعارض وحضور البعد الانتقادي في حدوده المعقولة، البناءة والموضوعية. ولمواجهة الوضعية الاقتصادية الراهنة، شددت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية على ضرورة التحلي بالمسؤولية والجدية في معالجة الاختلالات الماكرو اقتصادية دون المساس بالتوازنات الاجتماعية، والحث على ضرورة الإسراع في إنجاز الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وخاصة إصلاح النظام الضريبي، ونظام المقاصة، وأنظمة التقاعد، والقانون التنظيمي للمالية، مع العمل على إعداد وإقرار القوانين التنظيمية الأخرى المنصوص عليها في الدستور. وكانت اللجنة المركزية التي ترأس أشغالها مولاي علي الإدريسي عضو الديوان السياسي للحزب إلى جانب أعضاء الديوان السياسي ثورية الصقلي ورشيد روكبان ومصطفى عديشان ونزهة الصقلي، قد صادقت بالإجماع على التقرير المالي الذي قدمه أنس الدكالي عضو الديوان السياسي المكلف بالقطب المالي. كما تداول أعضاء اللجنة المركزية، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية العامة للبلاد، الوضع التنظيمي للحزب في سياق الرفع من درجة التعبئة في صفوف مناضلي وماضلات حزب التقدم والاشتراكية في مختلف الفروع المحلية والجهوية، وذلك من أجل مواجهة التحديات الراهنة وكذا الحرص على فتح نقاشات مع المواطنين للتعريف بمواقف حزب التقدم والاشتراكية من مختلف القضايا الوطنية.