الدستور المغربي يلزم الدولة بدعم الثقافة.. والإعلام لم ينصفها أكد المتدخلون خلال ندوة حول «الإعلام والثقافة: رؤى متقاطعة» الجمعة الماضية بقاعة إدريس بنعلي ضمن فعاليات الدورة ال 19 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن هذا الموضوع يطرح منذ عشرينيات القرن الماضي، وأن العلاقة بينهما علاقة إشكالية ومتوترة في نفس الآن لأنها مرتبطة بالهوية. وقال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، إن الإعلام والثقافة قضية من القضايا المهمة لأن الأول هو الحامل والوسيط الذي يقدم الثاني، وبدون الإعلام تظل الثقافة رهينة صاحبها، مشيرا إلى أن هذه الإشكالية تستبطن علاقة الثقافي بالسياسي. واستحضر الخلفي أن الإطار الدستوري ينص في أربعة فصول على مكونات الهوية المغربية وروافدها لضبط الإشكالية المثارة، أهمها الفصل 28 الذي يتحدث عن التعددية اللغوية والسياسية والثقافية، والفصل 165 الذي ينص على أن الهيأة العليا للإعلام السمعي البصري تضطلع على احترام التعددية وتيارات الرأي والفكر، مستطردا أن الفصل 28 أكثر دقة. وأشار وزير الاتصال إلى التطور الذي يهم إحداث توازن بين القناة الأولى والقنوات التابعة لها كالقناة الأمازيغية وقناة العيون، ناهيك عن إضافة البعد الثقافي للقناة الرابعة بعدما كانت مقتصرة على البعد التربوي، وذلك في مرحلة الأجرأة بعدما تم اعتماد مجموعة من القوانين، يضيف الوزير. أما الفصل 26، يقول الخلفي، فيروم النهوض بالشأن الثقافي، حيث أن الدولة ملزمة بدعمه، لكن لا يلزمها إطلاقا أن تحل محل المثقف، بل يحذرها من التحكم باعتباره خرقا دستوريا، فيما يتحدث الفصل الخامس عن الثقافة المغربية في أفق خلق مجلس وطني للغات والثقافة المغربية. وأكد وزير الاتصال على ضرورة إعمال القواعد الدستورية إعمالا مركبا، حيث لا تكون بديلة للهيئات التنظيمية، خاصة أن الوثيقة الدستورية وضعت إطارا متقدما، كما تم وضع القواعد الفاصلة، في ظل الربيع الديمقراطي الذي جاء بعدد من التحولات العميقة، على رأسها إعادة الاعتبار للمثقف. وأبرز الخلفي أن اندحار النخب المثقفة يأتي نتيجة خلل في العلاقة بين المجتمع والدولة، كما لم يعد المثقف يعرف نفسه إلا بمعية السياسي، فعندما أصبح المجتمع في خدمة الدولة أصبح المثقف في خدمة السياسي، مشيرا إلى أن أعمق تحول يمكن أن يحدث هو عندما يصل هذا التحول إلى الثقافة. وقال الخلفي إن مضامين الدستور المتعلقة بالحقل الثقافي ليست مجرد إجراءات ومراسيم وقرارات، حيث أن دفتر التحملات رفع مما هو ثقافي مع دعمه، فمثلا سيتم انتقاء 50 مسرحية ستعرض بمسرح محمد الخامس بالرباط لبثها على مدار السنة، وتم إطلاق دينامية التنافس في البرامج الثقافية بالإعلام العمومي في إطار طلبات عروض، ناهيك عن تعزيز حضور الفنان ووضع «كوطا» للمثقفين. وأشار وزير الاتصال إلى توقيع شراكات مع عدة هيئات فاعلة في الشأن الثقافي، كاتحاد كتاب المغرب والنقابة المغربية للمهن الموسيقية والنقابة المغربية لمحترفي المسرح وغيرها، بغية تعزيز القدرات الذاتية للفاعل الثقافي، مؤكدا أن المغرب بدأ عملية الإصلاح بشكل تدريجي ومستمر، والمهم أنه بات يتوفر على إطار دستوري، معربا عن أمله في تجاوز المرحلة التأسيسية مع اعتماد القانون الجديد للاتصال السمعي البصري. وتطرق الخلفي إلى إشكالية المضمون الثقافي، حيث أكد أنه لدينا ثقافة الاعتراف بالآخر وتعزيز التعددية، مشيرا أنه سيتم تنظيم المناظرة الوطنية للثقافة موضوعها المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كمحطة من محطات الإصلاح المطلوب، مستحضرا نماذج من أمريكا اللاتينية الصامدة ثقافيا رغم أن بعضها لا يمتلك مقومات دولة. من جهته، قال الشاعر والإعلامي ياسين عدنان إنه من المهم تصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويجب على أن ينخرطوا في هاته المعركة، مضيفا أن السياسة، في المجتمعات المتقدمة، تحتل حيزا محددا، وفي ظل غياب الديمقراطية، تهيمن السياسة على كل شيء، ويصبح المثقف ملحنا وبوقا للسياسي. وأشار عدنان إلى أن الوضع السيوسيو - ثقافي بالمغرب يعرف مجموعة من المعطيات كصعوبة ولوج نقاط القراءة والمكتبات العمومية واختلالات الهيئات الثقافية ناهيك عن استفحال ظاهرة الأمية، وفي هذه الظروف نحتاج إلى الإعلام، خاصة السمعي البصري. وأبرز مقدم برنامج «مشارف» على القناة الأولى، أن أهم حدث ثقافي وقع مؤخرا، لكن الجميع تجاهله، هو الدستور الذي لم تتم مناقشته ثقافيا، مضيفا أن هناك محاولات لحصر المثقف خارج القضايا الكبرى التي هي أصلا قضاياه، كما شدد على ضرورة توسيع المدار الثقافي. وأكد عدنان أنه لا يجب حصر الثقافة في التلفزيون لأنها أي الثقافة، ليست برنامجا تلفزيونيا فقط، مستحضرا نموذج برنامج «مشارف» الذي ما هو سوى محاولة لمتابعة ما يعتري الساحة الثقافية الوطنية، خاصة أن لدينا ساحة ثقافية منتجة وخلاقة في مختلف الأجناس، بيد أن هذا يحتاج للمصاحبة لكي يتحقق الفعل الثقافي. وأوضح عدنان بخصوص معضلة القراءة، أن المغاربة لم يتربوا على الاستهلاك الثقافي، وأنهم بخلاء مع الثقافة، مشيرا إلى وجود خلل في الوسيط، بالنظر إلى أن الإعلام السمعي البصري هو الأقرب والأقدر على تمرير المواد الثقافية إلى الجمهور، وعلى هذه القناعة بنى برنامج «مشارف» محاوره واختياراته. ويقر الإعلامي والشاعر المغربي ياسين عدنان أن هناك دينامية ثقافية، لكن الإعلام غير قادر على إنصافها، كما أن التعددية في المغرب باتت واقعا بفضل نضال المثقف الذي أنهك جراء ذلك، مطالبا بإعادة الاعتبار للثقافة، وأن لا تكون في سياق التنوع البرمجي فقط، مؤكدا أن المغاربة لا يستهلكون المادة الثقافية ولا يقرؤون، في وقت يؤثر عليهم التلفزيون، وبالتالي يجب تمكينهم بواسطة الإعلام السمعي البصري من التقرب إلى المحيط الثقافي العام.