مدينة بني ملال أو حاضرة بدون صفيح كما سبق أن أعلنتها وزارة الإسكان، مخالف للواقع كشعار، بحكم البراريك القصديرية التي ما تزال منتشرة في عدة أحياء، نموذج ذلك دور الصفيح التي ماتزال بسوق «الثلاثاء» الذي تم نقله إلى مكان آخر وخلف ذلك بعض الارتياح لذا السكان المجاورين. تطوق هذه الحاضرة من تراب المملكة، أن تصبح فعلا بمواصفات المدينةالجديدة ،وأن تشهد عملية تأهيل وإعادة الهيكلة لشوارعها وأزقتها حتى تصبح في حلة جديدة تضفي عليها الرونق والجمال. إلا أنه لبلوغ هذا الهدف وظهور التغيير المنشود في المدينة لابد من تحقق شرط ضروري يتمثل في وضع تصور يقطع مع جميع أشكال البداوة من عربات مجرورة وبهائم تعرقل السير على الطرقات ومطارح عشوائية للأزبال تشوه الشوارع ومحاربة أكواخ القصدير الجديدة التي نبتت وتنبت كالفطر لتزيد من تفاقم الوضع بالمدينة التي صارت تبدو وكأنها قرية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من توفر إرادة قوية في التغيير لدى القائمين على تدبير الشأن المحلي كما لابد من توفرها لدى ساكنة المدينة، وهذا الأمر لن يتم إلا عبر التحسيس والتوعية وبث روح ثقافة المشاركة في بلورة القرارات وتنفيذها على أرض الواقع. ففي هذه الحاضرة التي أعلنتها بالأمس القريب وزارة الإسكان مدينة بدون صفيح، ما تزال عددا من الأسر تعيش هنا وهناك في مدن القصدير حيث تواجه صخرة الواقع المتمثل في انعدام الإنارة وقنوات الصرف الصحي إضافة إلى مخاطر التلوث البيئي والحرائق التي تهدد الحياة. وخير مثال على هذا الواقع المتردي السكان الذين مازالوا يقبعون في بيوت هي أقرب إلى الكهوف بالسوق الذي تم نقله حيث يعيشون في جحيم لا يطاق. وبعضهم قضى ما يناهز عشرين سنة داخل السوق .هؤلاء السكان المغتربون في بيوت الصفيح، يؤدون مبلغ 370درهم شهريا كواجب كراء للبلدية، وهم يتوفرون على بطائق الناخبين و تحمل عناوين بطائقهم الوطنية «براريك السوق». والغريب، أن أصحاب هاته البطائق لما أرادوا تجديدها في إطار الحملة التي تقوم السلطات الأمنية على الصعيد الوطني، امتنعت السلطة المحلية عن تسليمهم شواهد السكنى ليظلوا وأبناؤهم المتمدرسون معلقين إلى إشعار آخر!. استمرار ظاهرة دور الصفيح في المدينة أو عودة الظاهرة من جديد كما يحلو للبعض نعتها ،لا يدل فقط على فشل البرنامج الوطني ''مدن بدون صفيح'' في تحقيق الأهداف المرجوة منه، بل أيضا يعني التهديد بدخول سياسة محاربة السكن غير اللائق ببني ملال حلقة مفرغة يتم فيها هذر المال العام لصالح لوبيات من السماسرة والوسطاء، بسبب الفساد الإداري المستشري، والذي يعتبر راعي ظاهرة انتشار السكن غير اللائق بكل أنواعه. ولقد أخذت ظاهرة دور الصفيح أشكال متعددة منها تجمعات سكنية صفيحية استمرت في البقاء بالرغم من إعلان المدينة بدون صفيح. ومن هذه الأشكال ما يصطلح على تسميته ب''ترييف المدينة''، إذ نجد أن بعض المستفيدين من البرنامج الوطني لمحاربة دور الصفيح نقلوا عاداتهم إلى مساكنهم الجديدة التي استفادوا منها ضمن البرنامج، حيث حولوا الفضاءات المتاخمة لمساكنهم إلى إسطبلات تأوي أغناما وأبقارا، وأحصنة لجر عربات تقليدية لنقل البضائع، فضلا عن انتشار الأزبال، وبيع المخدرات وشيوع الإجرام وغيرها التي تساعد الظاهرة في شيوعها. وبهذا صارت المدينة ، كقرية كبيرة بسوقها الذي لم يكترث المسؤولون لدور الصفيح «لمعشعشة» فيه، ولا للبراريك المغطاة بالبلاستيك والزنك المنتشرة في الأماكن الإستراتيجية فيها، نموذج ذلك المحطة الطرقية القديمة بشارع محمد الخامس، وسوقا «برا «و «النوايل» بالقرب من كل من شوارع الجيش الملكي ومحمد الخامس ومحمد السادس، حيث تستفحل ظاهرة الباعة المتجولين بعرباتهم المجرورة، وهي الظاهرة التي تستمر رغم الحملات المحتشمة للسلطة المحلية، بإصرار من أصحابها الذين يساهمون في تلويث الشوارع ببقايا الخضر والأزبال و يحولون الحدائق العمومية إلى مراع لدوابهم والأرصفة إلى مستودعات للعربات اليدوية والمجرورة .