ضرورة تجديد الثقة في طاقم الطاوسي وإعادة المشروعية للجامعة سيناريو هيتشكوكي عاشه الجمهور الرياضي الوطني مساء يوم الأحد، وهو يتابع مقابلة المنتخب المغربي لكرة القدم ضد جنوب إفريقيا في ثالث لقاء له عن المجموعة الأولى من كأس الأمم الأفريقية لسنة 2013. سيناريو تنوعت فيه لحظات الفرح العارم بحزن المدمر، واختلطت فيه مشاعر الفخر والاعتزاز بحالات الغضب الساطع، لتكون الخاتمة مؤلمة قاسية على التقبل والمستساغ... أقصي الفريق الوطني مرة أخرى من الدور الأول لنهائي المونديال الأفريقي وغادر مبكرا المنافسات للمرة الرابعة على التوالي، غادر رغم أنه لم ينهزم، ورغم تقديمه لعروض مقبولة، ورغم بروز عناصر شابة واعدة، إلا أن مجموعة من الأخطاء المرتكبة عجلت برحيله، ليجد نفسه من جديد متخلفا عن ركب صفوة كرة القدم على الصعيد القاري، وهو الذي شكل لسنوات أحد أعمدتها الأساسية. ثلاث نقط من ثلاثة لقاءات، حصيلة لم تكن كافية للعبور نحو الدور الثاني، رغم أن القرعة كانت رحيمة، بعد أن وضعت الفريق الوطني ضمن مجموعة تبدو ظاهريا سهلة للغاية، إلا أن الطموح الكبير الذي امتلك منتخب الرأس الأخضر قلب المعطيات رأسا على عقب، وجعل كل منتخبات المجموعة الثانية متساوية، إذ لم تحسم الأمور إلا في الثواني الأخيرة من عمر اللقاءين الأخيرين، بتأهل البلد المضيف، ومعه المنتخب الجديد عن التظاهرة «الكاب فير» المتأهل لأول مرة ل «الكان» بعد أن أزاح من طريقه كامرون صامويل إيطو، بكل ما يملكه هذا المنتخب من تجربة وخبرة... أغلب المحللين التقنيين خرجوا بقناعة واحدة، ألا وهى أن المنتخب المغربي كان من الممكن أن يواصل مشوار العرس الأفريقي، لولا ارتكاب أخطاء ساهمت في التقليل من قوته ومناعته، ولعل أولى هذه الأخطاء الاستغناء عن عناصر تتمتع بالتجربة أبرزها الحسين خرجة وامبارك بوصوفة، حيث كان واضحا غياب اللاعب المحور بوسط الميدان، كما افتقد للقائد سواء داخل الملعب أو خارجه، وهو ما كان له انعكاس سلبي على أداء النخبة الوطنية. ولم يكن غياب القائد المشكل الوحيد داخل الفريق الوطني، فعدم الاعتماد على تشكيلة قارة وإحداث تغييرات مستمرة بأهم المراكز، ساهما في عدم الاستقرار على مستوى الأداء الجماعي، وظهر ذلك جليا على مستوى خط الدفاع، الذي برز فيه كل من بنعطية وشاكير، بينما ظل باقي اللاعبين تائهين غير مستقرين على حال، نفس الشيء بالنسبة للوسط الدفاعي الذي لعب به أكثر من لاعب في ثلاث لقاءات، وفي هذه الحالة يبرز الغياب غير المفهوم للاعب الجيش صلاح الدين السعيدي، الذي كان من الممكن أن يمنح حضوره التوازن المطلوب، في مثل هذه المراكز الحساسة والمؤثرة. هذه الأخطاء يتحملها المدرب رشيد الطاوسي بمفرده، لكن عذر هذا المدرب الوطني الذي تحمل المسؤولية في مرحلة جد صعبة، تكمن في قلة فترة الإعداد، رغم إجراء خمس لقاءات إعدادية، كانت تبدو كافية للوقوف على إمكانيات كل عنصر على حدة، إلا أن الارتباكات الذي صاحب إعداد التشكيلة الرسمية، والتأثيرات الخارجية، أسقطت الطاقم التقني في أخطاء كانت للأسف مؤثرة للغاية. والواقع أن مستوى الفريق الوطني خلال الكأس الأفريقية، ما هي إلا نتاج لمرحلة سابقة امتدت لسنتين، وهى فترة كانت كافية لبناء فريق جاهز للمنافسة، لكن ضياع الوقت خلال فترة البلجيكي ايريك غيريتس، كان سببا مباشرا في حدوث مثل هذه الأخطاء التي ارتكبت في فترة الإعداد القصيرة وخلال المنافسات الرسمية. والآن، وبعد أن غادر الفريق الوطني «الكان»، من المفروض أن يتم الانكباب بسرعة على الاستحقاقات القادمة، دون السقوط مرة أخرى في الفراغ القاتل، والمصلحة تقتضي نسيان ما حدث بجوهانسبورغ ودوربان، والدخول بسرعة في مرحلة إعداد تأهيل الأسود للمباريات القوية، الخاصة بإقصائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل، وبعدها المشاركة بكأس إفريقيا سنة 2015 بالمغرب، وهذا يمر عبر تأكيد الثقة في الطاقم التقني بقيادة رشيد الطاوسي، وتهيئ كل الظروف المناسبة للعمل، مع توفير كافة الشروط التي يتطلبها إعداد منتخب مؤهل للمنافسة. ولعل ما يشجع على ضرورة ضمان الاستمرارية، ظهور بوادر فريق وطني في الأفق، وذلك بفضل مجموعة من العناصر الواعدة بمختلف الخطوط، جعلت الأوساط الرياضية تتفاءل بإمكانية بناء فريق وطني قادر على العودة بقوة للمنافسات القارية والدولية، شريطة تجديد الثقة في الطاقم التقني، وتوفير شروط العمل، لكن هذا غير كاف، فالأجواء المحيطة بالمنتخب يجب أن تكون سليمة ومساعدة على العمل، وهذا يمر عبر وجود طاقم جامعي فعال ومتجانس، يؤمن بالعمل الاحترافي والمهني، يحترم كافة التخصصات ومؤهل للتدخل لحظة وجود اختلالات، كما يتسم باليقظة وحسن التتبع والإشراف... والمؤكد أن وجود طاقم مسير بمثل كل هذه الخصوصيات المطلوبة، يتطلب أولا إعادة المشروعية للجامعة المشرفة على اللعبة الشعبية الأولى على الصعيد الوطني، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والمنافسة على البرامج وليس الولاءات والمحسوبية والزبونية، كما هو حاصل الآن على أكثر من صعيد وأكثر من مجال. إذن نحن الآن أمام محطتين أساسيتين لا تحتملان التأجيل أو المماطلة، أولا إعادة الثقة في الطاقم التقني وتهيئ العمل وظروف الاشتغال المناسبة، وإعادة المشروعية للجهاز الجامعي على أسس وقواعد جديدة، تقطع الطريق على ممارسات أفقدت كرة القدم الوطنية هيبتها على صعيد القارة الإفريقية، باعتبارها المنبر الوحيد الذي يقدمنا للعالم، وعلى هذا الأساس فنحن مطالبون على الدوام بسبر أغواره والتعمق في تضاريسه والتمرس على أدغاله ومفاجئاته التي لا تنتهي... وهذه هي الحقيقة التي يجب أن يستوعبها كل من يريد تحمل مسؤولية الشأن الرياضي ببلادنا، فنحن أفارقة أولا وأخيرا...