«وحين طرد الفجر عتمة الليل، توقفت شهرزاد عن الكلام المباح..». كل شيء بدأ مع مرارة ملك خانته امرأة فقرر الانتقام من كل نساء العالم، فصار يتّخذ لنفسه كل ليلة امرأة جديدة ويقتلها عند الفجر. ولكن ذات يوم قررت إحداهن وهي امرأة جميلة وذكية تدعى شهرزاد أن تجعل الوقت يتوقف عندها بمساعدة قصة هي أشبه بقصيرة جميلة لا تنتهي، بدأت تخبره إياها منذ الليلة الأولى وليلة بعد ليلة، راح الملك المتشوّق للنهاية ينتظر وينتظر الى أن وقع في غرامها وبقيت القصة من دون نهاية أي قصة شهرزاد، أما قصة الملك وانتقامه من النساء انتهت هنا أمام واقع «ألف ليلة... وليلة»... هذا هو العالم الساحر لقصة «ألف ليلة وليلة» التي لا زالت تسحر كل من اقترب من أجوائها وقد أوحت ومنذ مئات السنين لفنانين من رسامين ونحاتين وموسيقيين ومسرحيين: كلٌ يقول جماليات ومناخات هذه القصة على طريقته: لوحات وصور فيها أسفار الى أرض الهند والصين وآسيا الوسطى وبلاد فارس والعراق وسوريا ومصر... ولكن يبقى السؤال الذي يُطرح في كل مرة يقام معرض بوحي من «شهرزاد»: لماذا كل هذا السحر المتدفّق من عالم «شهرزاد» مع أن الكتاب حين صدر ولتاريخ اليوم لم يأخذ مكانة مميزة في الشرق، بل مرّ مثل غيره من الكتب، خصوصاً أنه لم يتميّز بلغة أدبية راقية كما أنه لم يُدرج ومنذ زمن في خانة الكتب الفلسفية أو الكتب الأدبية الرفيعة المستوى، لكن الوهج الذي فعله في عالم الغرب أضاء عليه. واليوم باريس تقع من جديد تحت سحر «ألف ليلة وليلة» في معرض يقول كل شيء عنه: الكتاب لم يُنجز دفعة واحدة بل هو من النصوص المتوارثة التي اُضيف إليها الكثير على لسان الرواة الشفويين الذين تناقلوا القصة من القرن العاشر الى القرن الثالث عشر. هذا الكتاب، الذي طلع من الثقافة الشعبية المتوارثة، طبع آلاف المرات، غير أنه لم يعرف الرسوم المرافقة له إلاّ بعد وقت طويل وتحديداً في بدايات القرن التاسع عشر، لذا يمكن القول إن كل الرسوم الخاصة بألف ليلة وليلة والتي تستقبلها باريس اليوم هي رسوم أوروبية زيّنت النسخ وأقدمها تلك الخاصة بالنسخة الفرنسية الأولى وكان ذلك عام 1704 وصولاً الى 1717 حيث ظهرت بالتتابع الأجزاء وعددها 12 جزءاً. وقد عرفت هذه المجموعة انتشاراً واسعاً وغزت كل أوروبا تقريباً وهي كانت المحرّض الكبير على إعادة النظر في هذا الكتاب في العالم، وقد ترجمها الفرنسي أنطوان غالان بمساعدة راهب سوري ملمّ باللغات ولكن غالان اقتبس نصاً يتماشى مع عصره فمزّق منه كل المقاطع الإباحية أو العنيفة، ومع هذا الحذف بقيت نسخته هي الأجمل التي أوحت لفنانين كبار برسومات من وحيها: غوستاف دوريه المشهور بالرسوم التي وضعها عام 1857 لكتاب «مغامرات سندباد البحّار»، رسم أيضاً بوحي من «ألف ليلة وليلة»: أعمال غوستاف دوريه الأولى إضافة الى رسوم عشرات الفنانين معروضة الآن في «معهد العالم العربي» في باريس (نحو 300 لوحة) مستوحاة من عالم شهرزاد وقصصها الخيالية الجامحة: الرسام جاك إميل بلانش رسم إيدا روبنشتاين التي مثّلت دور «زبيد» في مسرحية «شهرزاد» التي اقتبسها للباليه الروسي عام 1910 سيرج دو دياغيليف بالتعاون مع مصمم الرقص ميشال فوكين والموسيقي ريمسكي كورساكوف... كذلك رسومات لان دونغن وإدمون دولاك وشاغال: كل عالم «ألف ليلة وليلة» يستضيفه «معهد العالم العربي» حتى 28 من شهر نيسان 2013 المقبل مع كتيّب رائع يباع في المعرض عن منشورات «إيما هازان» فيه. كل ما قيل عن «ألف ليلة وليلة» وكل ما رسم عنها وكل ما تم اقتباسه عنها للسينما والمسرح والباليه والتلفزيون... ومن أجمل ما وضع في الكتيّب كلمة للكاتب الكبير خورخي لويس بورخيس الذي لطالما تحدث عن إعجابه بهذا الكتاب فقال: «كتاب «ألف ليلة وليلة» هو «كتاب من رمل»، تُعاد قراءته تكراراً وتقلّب صفحاته الى ما لا نهاية، تماماً مثل الرمل...».