وجدت المستشرقة الألمانية» كلوديا أوت» بمكتبة جامعة» توبنغن» مخطوطا قديما «لألف ليلة وليلة»: إنها نظرة جديدة تماما لقطعة من الأدب العالمي. لقد ترجمت بالفعل نسخة من»ألف ليلة وليلة» وصلت عدد لياليها إلى 282 ليلة. وقد اكتشفت الآن مخطوطا جديدا يبتدئ من الليلة 283. هل لدينا الان بين أيدينا تتمة الليالي؟ إن التتمة المباشرة لنفس تلك النسخة بالضبط لن تجدها ربما أبدا. ولكنني اكتشفت مخطوطا قديما أو بتعبير أصح أعدت اكتشافه و الذي يبتدأ بالليلة 283. و هذا لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة. على ماذا يشتمل هذا المخطوط بالضبط ؟ كلاوديا أوت: إنه أمر مثير للدهشة بالفعل ذلك لأنه ليس مجرد جزء من «ألف ليلة وليلة»، يبدأ في مكان ما وينتهي في مكان اخر كما هو الحال بالنسبة للمخطوط الأول. بل إن مخطوط مكتبة «توبنجن» يحوي بالضبط رواية كاملة للقصة والتي تسمى برواية «عمر».ويتداخل في هذا التاريخ بعض الأقاصيص التاريخية و روايات الفرسان وبالتالي يمكن النظر إليها كصورة مصغرة ل «ألف ليلة و ليلة» . ماذا سوف يحدث بعد الليلة 542؟ هل سيتوقف كل شئ مرة أخرى ؟ أنا مقتنعة بأنه يمكن أن ننجح في عملية إعادة بناء نسخة كاملة من خلال جمع مخطوطات «ألف ليلة وليلة» القديمة. ماذا تعنين هنا عبارة المخطوطات القديمة؟ و كم يجب أن يكون المخطوط لكي تأخذوه بعين الاعتبار. يجب أن يكون المخطوط أقدم من سنة 1704. إننا نقسم منقولات» ألف ليلة و ليلة» إلى قسمين: القسم الشرقي و القسم الأوروبي والتاريخ الفعلي للفصل بين المرحلتين هو سنة 1704. وهو تاريخ أول ترجمة ل» ألف ليلة و ليلة «إلى اللغة الفرنسية من قبل» أنطوان غالان» و بدءا من هذه الترجمة الفرنسية الأولى صارت لاحقا كل الترجمات الأوروبية متأثرة بها وكذا العديد من الطبعات العربية الحديثة الصادرة ابتداءا من سنة1800. كيف يمكن للترجمة الأوروبية التأثير في العمل الأدبي؟ أولا، من خلال اكتشاف العديد من المخطوطات العربية الجديدة عن طريق موكلين أوروبيين و الحديث هنا عن المكتبات والمستشرقين والتجار الرحالة والدبلوماسيين. إذ أنه بعد نجاح صياغة «غالان» لترجمة «ألف ليلة وليلة» ، ظهراهتمام كبير في أوروبا بهذه القصص و بحلول سنة 1800 دخل الأوروبيون بشكل رسمي لأسواق الكتب المشرقية على قدم و ساق للبحث عن» ألف ليلة وليلة « و قد كان الشخص الذي لم يحصل على مخطوطات «ألف ليلة وليلة» -نظرا لفقدانها من السوق تماما- يشترى للوكلاء كتبا «ذات صلة» بها. هل يعني ذلك أن الأوروبيين تسلموا من العرب ما كان موجودا لديهم من قبل؟ نعم، يمكن أن ينطبق ذلك على بعض القصص على الأقل و قد كان ل»أنطوان غالان» في الواقع نسخة مخطوطة تصل إلى الليلة 282 فقط . ثم بعد ذلك حكى قصصا أخرى كتبها بأسلوبه و قد تمت ترجمة هذه القصص مرة أخرى في الاتجاه المعاكس جزئيا من الفرنسية إلى العربية -مع مراعاة جميع التأثيرات الأسلوبية للغة الفرنسية-. وهذا ينطبق بشكل خاص على قصة «علاء الدين و المصباح السحري» و كذا قصة «علي بابا و 40 حرامي». إذن تقصدين هنا بالتحديد القصص الأكثر نجاحا. نعم، وهذا ليس من قبيل الصدفة لأن المترجم الفرنسي لم يكن لديه أصل كامل كتب باللغة العربية و لكنه قام بنقل تلك القصص الناجحة إلى اللغة الفرنسية فوريا من فم الراوي و قد كان المتلقي المستهدف خلال تلك العملية هو القارئ الفرنسي وهذا ما دفعه إلى شطب و محو كل ما هو عربي فيها وأذكر على سبيل المثال العديد من القصائد و الحكايات الشعبية التي تؤثر سلبا على العمل الأدبي. وقد قام «غالان» في نفس الوقت بتكييف القصص العربية مع قصص أخلاقيات البلاط الفرنسية التي ظهرت حوالي سنة 1700 ? و التي قام نفسه في واقع الأمر بانتقادها.وأنا لا أريد التقليل من قيمة كل تلك الإضافات و التغييرات. ولكنني أريد إعادة بناء نسخة كتلك النسخ القديمة و الأصلية و شبه «الشرقية» بدون زيادات. جريدة الزايت: هل لدينا الان بين أيدينا في نهاية المطاف بفضل اكتشافاتك النسخة الأصلية لألف ليلة و ليلة؟ كلاوديا أوت: عندما أتحدث عن» ألف ليلة وليلة « فإنني أتجنب مصطلح «الأصلي».لا يمكن أن يكون لهذا الكتاب نسخة أصلية لأنه عمل مفتوح و نقل عن مجهول. وقد وصلت «ألف ليلة و ليلة» إلى الأدب العربي عبر عدة مراحل من الترجمة بدءا من الهندية أولا ثم الفارسية بعد ذلك فتم إعادة بنائها مرات متكررة وهذا مثال مهم جدا و واضح من التبادل الأدبي و الذي تم قبل 2000سنة! هل نفهم مما ذكرت أن «ألف ليلة وليلة « من حيث مبدأ السرد هي أقل من عمل أدبي مصاغ بعناية وأن قوة أدائها تتجلى في كونها قادرة على قلب كل شيء و أعني هنا مادة السرد؟ جوابي هو:لا، ف»ألف ليلة وليلة «لم تستوعب كل شيء ولكن كان هناك شرط واضح: إذ كان يجب أن تكون القصص مثيرة و مشوقة مما يجعل السلطان دائما حريصا على الاستمرار في سماع تتمة القصة في الليلة الموالية. وهكذا فإنه مع مرورالوقت أصبحت الكثير من القصص جزءا من «ألف ليلة وليلة «وأضحى عددها في تزايد دائم و نتيجة لذلك فاقت العدد الذي يمكن إدخاله في»ألف ليلة و ليلة» فتجاوزت هذا الرقم. إن هذه القصص متشابهة جدا و هي كالقطع الأثرية: إذا وضعت جميع القطع معا فإنك تحصل على مشهد فسيفسائي كامل وهناك أيضا عدد كبير من القصص التاريخية المستوحاة من ألف ليلة وليلة. في أي حقبة زمنية ظهرت هذه القصص؟ يجب أن نفرق بين إطار القصة من جهة والقصص الفردية المحكية من جهة أخرى.إن إطار القصة قديم ويرجع إلى ما يقرب الألفي سنة وهو جد مرتبط بالأدب الهندي السنسكريتي القديم وقد أمكن إثبات دوافع هذه القصص في هذا الأدب أما القصص الفردية فقد تبلورت من نصوص أدبية مختلفة جدا وفترات تاريخية متباعدة و قد بدأ ظهور هذا الأمر في القرن الثامن و امتد إلى حوالي القرن الثامن عشر و بالضبط سنة 1800و في نفس هذه السنة توقف تعميم النسخ المكتوبة للمنقولات الشرقية فعليا. لذلك نستطيع أن نقول: إنها 1000 سنة لألف ليلة وليلة! إذا اعتبرنا أن نظرتنا لألف ليلة وليلة هي كالنظرة لثقافة أجنبية فما هي صورة هذا العمل الأدبي في العالم العربي ؟ هنا ينشأ المفهوم الرائع ل «شرق الشرق» فهناك تأثير وتأثر متبادلين للعمل الأدبي بين الشرق العربي المتمثل في «القاهرة وبغداد و دمشق» و بين الشرق الاسيوي المتمثل بالتحديد في «جزرالهند والصين». إن مقاربة «شرق الشرق» هذه هي تقريبا مقاربة غرائبية ونمطية تشبه إلى حد كبير بعض الأفكار و التصورات الأوروبية عن الشرق. وقد وضعت «ألف ليلة و ليلة» بهذه الطريقة قراء العالم العربي و متلقيه تحت تأثير سحرها ومع ذلك ففي بعض دوائرالثقافة العربية يتم نقل وجهة نظر سلبية عن «ألف ليلة وليلة». لقد كان هناك إحساس لدى الكثيرين بأن «ألف ليلة و ليلة» عمل أدبي غير أخلاقي و قد تم التشديد على أنه لا ينتمي إلى مذهب الأدب الرفيع والمخطوط المكتشف حديثا يظهر عكس ذلك. إنه كل شيء اخر ماعدا كونه كتابا تافها فهو مكتوب بشكل جميل ومعروض بأسلوب دقيق و متميز وفقراته مترابطة بدقة وأفكاره متسلسلة وهذا يتناقض مع الصورة المهلهلة التي ينظر بها إلى هذا العمل الأدبي وخاصة في الأوساط الدينية. و هذا ما يفسر نجاح الدوائر الإسلامية في مصر سنة 1985 بواسطة حكم قضائي إدخال هذا العمل الأدبي إلى قائمة «الأدب اللاأخلاقي» مما يمكن اعتباره قرارا رجعيا. وقد تم تقديم شكوى مماثلة أمام النيابة العامة المصرية في أبريل من إحدى السنوات الموالية، حيث قام مجموعة من المحامين بإجراءات قضائية ضد رئيس تحريرالطبعة المعادة لمنشورات»بولاق»المصرية الشهيرة و ذلك سنة 1835. و كان المحامون قد اعترضوا على الكلمات غير اللائقة الواردة في النص واقترحوا صيغا بديلة لها. والغريب هنا أنهم انتقدوا نفس المواضع بالضبط كما انتقدها انذاك المترجم الفرنسي «غالان»! هل يمكننا أن نستنتج من كل هذا بأن»ألف ليلة وليلة» ليست أثرا من اثار الثقافة العربية ؟ -: لا، ليس الأمر كذلك بل تعتبر»ألف ليلة وليلة» في العالم العربي كتابا معرفيا ثمينا وعلامة مميزة للهوية الثقافية، فالجميع يعرفها ويفتخر بها شكلا و مضمونا إلا أن بعض المسلمين المحافظين يهاجمونها لأنها حسب وجهة نظرهم تشتمل على الكثير من الإيحاءات والإثارات الجنسية.