الإكفراسيس كنوع أدبي لكي يكتبوا أو يصفوا تفاصيل لوحة فنية، غالبا ما كان الكتاب يميلون إلى كتابة وإنجاز " إكفراسيسات des ekphraseis ". إذ تدل أو تشير هذه اللفظة المستعارة من اللغة الإغريقية إلى عملية وصف عمل فني واقعي أو متخيل. و " الإكفراسيس " تقنية مستعملة في صميم مختلف الأنواع الأدبية، منذ العصور القديمة إلى اليوم، سواء كانت ملحمة أو رواية أو شعرا أو نصوص أفكار. مثل : " ذرع أخيل bouclier d?Achille " في إلياذة هوميروس، لوحات " شاردان Chardin " في صالونات أو معارض ديدرو الفنية، بورتريه " سالومي Salomé " في " عكس اتجاه التيار à rebours " ل " هويسمانس Huysmans " أو أيضا " لوحات إلستير d?Elstir المتخيلة " في : " البحث عن الزمن الضائع " لمارسيل بروست. 1 الإكفراسيس : مصطلح قديم النشأة تتكون لفظة Ekphrarsis، بالنظر إلى أصل اشتقاقها، من " phrazo " التي تعني : " شرح شيء ما وجعله مفهوما "، ثم من " ek " والتي تعني : " إلى أقصى حد ". وتشير لفظة " الإكفراسيس " إلى وصف شيء واقعي أو وهمي. وقد كان خطباء المرحلة السفسطائية الإغريقية الثانية، في القرن الثالث الميلادي، يشيدون نظرية " الإكفراسيس " من خلال اعتمادها كتمرين تحضيري لتكوين تلامذتهم. حددوها كخطاب وصفي تعمل على إظهار الشيء الموصوف داخل مسرح الخطابة وعلى منصتها. كان يتم تشكيل هذه " الإكفراسيسات " انطلاقا من أشخاص وأمكنة أو أشياء. ومن خلال استعمالاتها المتعددة على مر الأيام، أخذت هذه الممارسة الأدبية تتقنن. ومع " فيلوسترات Philostrate " ( القرن الثالث الميلادي ) فرضت هذه التقنية الكتابية نفسها كنوع أدبي. أخذت " لوحاته " تظهر على شكل تجميع لتوصيفات وشروحات تصويرية. أصبحت " الإكفراسيس " إذن كقطعة أدبية تعكس مهارة الكاتب في وصف وشرح الأعمال الفنية، أصبحت وسيلة تحد بلاغية وبيانية. أضحت هذه الروابط بين الأدب والصورة تترجم من خلال تماثل أو مشابهة تلخص صيغة أو قاعدة " هوراس " في " épître aux pisons " ل " فنه الشعري Art poétique " : " ut pictura poesis ". " إذ يوجد في ذلك من الشعر بقدر ما يوجد من التصوير ". إنه التصور المتبادل الذي يجعل من الشعر تصويرا كلاميا موهوبا، ومن التصوير شعرا صامتا. كان المؤلفون القدامى يعتمدون تقنية " الإكفراسيس " من خلال إدخالها في الملاحم : اعتمدها هوميروس في " الإلياذة "، وفرجيل في " الإنياذة "، واعتمدها " لونغوس Longus " في روايته " دافنيس وكلووي daphnis et Chloé ". لكن استعمال " الإكفراسيس " سيتقلص فيما بعد ويصبح أكثر تخصصا. تشير " الإكفراسيس " إذن إلى تقنيات وصف الأعمال والأشياء الفنية، من تصوير ونحت ورسم وذروع وزخارف السجاد. وغالبا ما يعتبر وصف " ذرع أخيل " في نهاية النشيد الثامن عشر من الإلياذة بمثابة أول " إكفراسيس " في تاريخ هذا النوع الأدبي. تمسك هوميروس، في هذا الجزء من الإلياذة، بوصف دقيق لأسلحة المحارب أخيل. حيث عمل على استحضار المادة التي صنع منه الذرع وشكله، بل حتى مختلف الأشكال الزخرفية التي تزين هذا الذرع. حرص الشاعر كذلك على إدخال مستمعيه أو المنصتين إليه في عالم الذرع بجعل الأشكال الزخرفية المنحوتة تتحرك : مشاهد طبيعية تنبثق، ويتم وصف تفاصيل الحياة اليومية لمدينتين إغريقيتين، حيث تبدأ الشخوص في الحديث فيما بينها. يصبح العمل الفني نابضا بالحياة : يتحول إلى مسرح أو خشبة للحكي، حيث تتفاعل الشخوص فيما بينها. وباعتمادنا على هذا النص، استطعنا تحديد نموذج من " الإكفراسيس " : باعتبارها مقطعا معبرا وقابلا للفصل عن العمل الأصلي، هو المقطع الذي يجعلنا ندرك الشيء الموصوف بشكل حسي مباشر وفوري. وفي الإنياذة، يستعيد فرجيل النموذج الهوميري ( نسبة إلى هوميروس ) من خلال بنائه ل " إكفراسيس " تصف، في الكتاب الثامن، ذرع أحد ملوك روما. حيث قام الشاعر اللاتيني فرجيل أيضا بإدخال أوصاف للوحات خيالية في ملحمته. هكذا يقوم الكتاب الأول من الإنياذة باستحضار مسهب وطويل لمشاهد مرسومة على جدران معبد أكتشفه " إينيه Enée " في قلب غابة إفريقية. إذ يحكي الشاعر اللاتيني عبر هذه اللوحات عن حرب طروادة. ظهرت " الإكفراسيس " أيضا في النصوص النثرية. وكانت النصوص الروائية القديمة تخصص لها مكانة متميزة : حيث كانت توضع في الغالب كذريعة للحبكة الروائية. وقد افتتح " لونغوس Longus " على سبيل المثال روايته " دافنيس وكلووي " بوصف مسهب وطويل للوحة فنية تم تقديمها كمصدر للابتكار الروائي. إذ يوضح السارد في مقدمة روايته بأنه يحكي قصة عاشقين، إثر اكتشافه للوحة توضح بالرسوم حبهما البريء. إذ يكون وصف اللوحة هو المحرك للحبكة الأدبية. هذا التقليد الخاص بالإكفراسيس، والمنتمي إلى الثقافتين الإغريقية واللاتينية، تمت المحافظة عليه، وتم إدماجه أيضا في النصوص الأدبية للعصر الوسيط وعصر النهضة وآداب القرن السابع عشر. وعمل المؤلفون حينئذ على تضمين رواياتهم أشكالا مسهبة وطويلة من الوصف للأعمال الفنية والمنحوتات والسجاد أو حتى الخيام الموشاة بالرسوم والأشكال والزخارف : مثل خيمة الملك " أدراست Adraste " في " رواية طيبة Roman de Thèbes ". وانطلاقا من القرن السادس عشر، أصبحت الإكفراسيس تستعمل من قبل الكتاب والمؤلفين والأدباء للتأكيد والبرهنة على سمو وتفوق الأدب على فن التصوير. 2 الإكفراسيس في الصالونات أو المعارض الفنية خلال القرن الثامن عشر، استعملت الإكفراسيس ضمن نوع أدبي جديد عرف ب : " الصالون الفني salon ". وبالفعل، فإن المقاصد والغايات الخاصة بهذه التقنية، تتناسب تماما مع المشروع الجوهري لهذا الشكل الجديد وغير المسبوق للنقد الفني : من خلال وصف لوحات وأعمال فنية لم يرها القارئ معروضة. لم تعد هذه الأعمال الفنية خيالية مثلما كان الأمر وقتها : أصبح الأمر يتعلق، من الآن فصاعدا، بلوحات فنية حقيقية, والأكثر من هذا، فهي لواحات معاصرة. والكتابات حول الفن أخذت تطور كل الإمكانات التقنية لهذا الشكل. وأخذ الكتاب المشرفون أو المؤسسون لهذه الصالونات الفنية، يسعون إلى التعبير بالقول عن التصوير باستعمالهم وصفا دقيقا للمواد المستعملة في الأعمال الفنية، محللين كذلك المشاريع التصويرية للفنانين والرسامين. وقد تمسك ديدرو، على سبيل المثال، بإظهار مهارة الرسام " شاردان Chardin " محللا الطريقة والأسلوب اللذين كان هذا الرسام يشتغل بهما على اللون وتأثيرات شفافيته. عبر هذه النصوص المنتمية إلى النقد الفني، أصبحت " الإكفراسيس " أكثر مقروئية. أخذت تظهر من خلال مختلف العلامات اللسانية من قبيل : عنوان العمل الفني، اسم الرسام أو الفنان والقاموس التقني للعمل التصويري. وهي في نفس الوقت وصفا وتوضيحا وخطابا مستقلا، ثم تأملا في العمل الفني. أصبحت " الإكفراسيس " إذا خطابا إيضاحيا بقدر ما هي خطاب وصفي. 3 لوحات فنية بصيغة أدبية في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين، تم استعمال وتوظيف " الإكفراسيس " في النص الروائي، باعتباره واحدا من أصنافها التاريخية. في حين كانت لها، بشكل أساس وطيلة القرون السابقة، وظيفة التزيين والزخرفة. أما في الوقت الحاضر، فقد أصبحت النصوص الروائية تمنح مكانة متميزة لوصف اللوحات الفنية وشرح مكوناتها التعبيرية والفنية. لم يعد التصوير مجرد زينة أو حلية للنص : أصبح التصوير فاعلا. إذ يلج القارئ، من خلال ذلك، إلى محترفات الفنانين وإلى فضاءات داخلية حيث الأعمال التصويرية تصبح معروضة وظاهرة للعيان. وقد قام كل من : هنري دو بالزاك وإميل زولا ومارسيل بروست بإدخال أو إدماج أوصاف وشروح للوحات الرسامين : " بوربوس Porbus " و " لانتيي Lantier " و " إلستير Elstir " الفنية، في قلب أعمالهم الروائية : في : " Chef-d??uvre inconnu " و " L??uvre " وفي" البحث عن الزمن الضائع". حيث تم استحضار هذه اللوحات الفنية بكل ماديتها : من تحديد دقيق لألوانها وحجمها والمشاهد التي تجسدها هذه اللوحات. وفي تعدد هاته اللوحات وكثرتها، نكتشف من جديد عددا كبيرا من اللوحات التي هي أعمل فنية خيالية بقدر ما هي واقعية. من هنا، ندرك إذا تشكيلية وليونة الإكفراسيس. هكذا يصف السارد ( هويسمنس ) في روايته " عكس اتجاه التيار à rebours " لوحة فنية حقيقية ( سالومي ) ل " غوستاف مورو Gustave Moreau ". في حين نعثر في رواية " البحث عن الزمن الضائع " لمارسيل بروست على أعمال فنية ل " كاراباشيو Carapaccio " وعلى لوحات فنية خيالية للرسام " إلستير ". وغالبا ما كانت القصائد تتناول أعمالا تصويرية حقيقية : حيث يصف بودلير في " المنارات Les Phares " أعمالا فنية ل " واطوWatteau " و " دولاكروا " أو " روبنس Rubens ". كان الشعراء يجعلون من الإكفراسيس صورة أو دليلا في نصوصهم، باعتمادهم أحيانا على المحاكاة الساخرة، مثلما هو الحال في " انتصار رافنسبروك " لآرثور رامبو. أو باعتمادهم أسلوب أو تقنية المعارضة ( محاكاة أسلوب أثر أدبي أو فني سابق )، مثلما فعل " بيريك Perec " في " un cabinet d?amateurs ". هذا العمل الذي استطاع أن يشيد نوعا من الاستعادية المدوخة للأسلوب