جمعية بييزاج للبيئة والثقافة تدعو إلى إعادة النظر في تسليم رخص فتح مؤسسات التعليم الخصوصي وتشدد على ضمان الحقوق الأساسية للطفل في اللعب في وسط بيئي نظيف وطبيعي أنجزت جمعية بييزاج للبيئة والثقافة بأكادير، بحثا ميدانيا مشفوع بدراسة مقارنة حول نسب المساحات الخضراء والساحات المخصصة للعب الأطفال والملاعب وجودة الحياة بالنسبة للطفل، بمؤسسات التعليم الخصوصي والعمومي بأكادير لتبيان مستقبل التربية البيئية وجودة الفضاءات والتعليم للطفل والتلميذ. وخلصت الجمعية في بحثها الذي جاء بناء على طلب من جمعيات ومهتمين بالشأن التربوي والبيئي والحقوقي للطفل، إلى أن 81.96 بالمائة من مؤسسات التعليم الخصوصي بأكادير وضواحيها عبارة عن «صحاري قاحلة»، في مقابل مدارس التعليم الأولي لمؤسسة محمد السادس التي تعتبر نموذجا للمدارس الخضراء. 1-نقص كبير في المساحات الخضراء بمؤسسات التعليم الخصوصي لقد خلص البحث الميداني والمعاينة وكذلك معالجة المعطيات والبيانات التي جمعهتا الجمعية، حول نسب الفضاءات الخضراء والساحات والملاعب الرياضية لمؤسسات التعليم الخصوصية والعمومية ومؤسسات البعثات الأجنبية بأكادير، الى نتائج مخيبة للآمال، حيث تبين أن جل مؤسسات التعليم الخصوصي، لا تتوفر على مساحات خضراء وساحات وملاعب رياضية، تستجيب للمعايير الدولية الخاصة بلعب الأطفال والتلاميذ، خصوصا ما بين سن 07 إلى 12 حيث يحتاج هؤلاء بالاضافة الى نموهم العقلي والعصبي الى نمو جسدي سليم في وسط تربوي يوفر كافة الشروط الأساسية لتربية نفسية وجسدية سليمة عبر اللعب والركض والاستئناس بالوسط الطبيعي، حسب، ما تقتضيه المواثيق الأساسية لحقوق الطفل في التعليم والدراسة والعيش في بيئة سليمة ونظيفة. وتعتبر الجمعية، أن الحالة هاته،لا تساعد على تربية بيئية حقيقية، عبر الاستئناس بالمكونات الطبيعية واستكشاف أنواع من الأشجار والنباتات والأحزمة بشكل مباشر، كما أن الفضاءات المجاورة لهذه المؤسسات تنعدم فيها المساحات الخضراء وهو ما يجعلها في نظر الجمعية تختفي في وسط غابة من الاسمنت و صحاري إسمنتية قاحلة، الشيء الذي يجعل التلاميذ ينتقلون من أقفاص إسمنتية بالمدرسة لأخرى في ببيوتهم ولا يستفيدون بالتالي من حقهم الطبيعي في اللعب والاستئناس بالطبيعية والوسط الأخضر ما يجعلهم عرضة للضغط منذ الصغر، وهو ما لا يخدم التربية بشكل عام ويساهم في تربية نفسية وجسدية و بيئية مستقبلية في أوساط المتعلمين، الذين يحتاجون يوميا إلى فترة ومعدل قدره 20 دقيقة من الاستئناس واللعب والاستكشاف في الأوساط الطبيعية بين الأشجار والنباتات موزعة بين عشر دقائق صباحا ومساءا. ومن ضمن 61 مؤسسة موضوع البحث في التعليم الخصوصي والعمومي، تبين أن %81,96 مؤسسة لا تتوفر فيها مساحات خضراء للعب والركض والتحرك والاستكشاف وهو ما يقتضيه نموهم العصبي والجسدي والانفعالي في هذه المرحلة، أما بالنسبة للأطفال المعاقين، فهم في حاجة الى فضاء خاص ووقت اكبر وأطول يراعي حالتهم الجسدية والنفسية. بينما تبقى نسبة %18,03 مؤسسة تعليمية هي التي تتوفر فيها شروط نسبيا مناسبة للعب الأطفال في وسط شبه طبيعي، وتعتبر الجمعية أن هاجس استغلال المساحات لبناء الحجرات هو الطاغي على مؤسسات التعليم الخصوصي أمام ضيق المساحة وانعدام الوعاء العقاري، فيما خلصت الدراسة الى ان جل مؤسسات التعليم العمومي تتوفر على نسبة 100% من الساحات الخضراء وتراعي المعايير الدولية الخاصة بحقوق الطفل من اللعب في وسط مفتوح، لكن هناك تباين في نسب المساحات الخضراء والتشجير من مؤسسة الى أخرى لاعتبارات مرتبطة بالثقافة البيئية لدى المديرين. 2 -الآثار النفسية والاجتماعية للظاهرة على الأطفال. خلصت الجمعية إلى أن هناك حوالي 20000 تلميذ يدرسون بمؤسسات التعليم الخصوصي المتواجدة بجماعة أكادير، وهناك مؤسسات يتعدى عدد تلاميذها 1000 تلميذ يتناوبون على حجرات إسمنتية، مما يطرح التساؤل حول جودة الحياة داخل الفصول والحجرات، دون فضاءات خضراء، والأمر يطرح مشاكل بيئية خطيرة بازدياد أعداد السيارات في أوقات الذروة، وارتفاع نسب تلوث الهواء وازدحام واختناق حركة السير واستعمال المنبهات، وهو ما يعتبر مؤشرا خطيرا على نفسية الأطفال التي تنشئ وتنمو وسط عوامل من الضغط النفسي مند الصغر. وترى الجمعية انه لا يمكن الحديث عن طفولة سوية ومواطن صالح معطاء، دون أن يرتبط ذلك بحقوقه، أي بمدى ممارسته لحقه في اللعب، على اعتبار أن اللعب من أهم حاجات الطفل اليومية الى جانب الأكل والشرب والنوم والتربية والتعليم والصحة الجيدة، وهو معيار أساسي من معايير الشخصية السوية. كما ترى الجمعية أنه في الوقت الذي يعيش فيه معظم الأطفال في مساكن لا تتعدى مساحة الواحد منها 60-100مترأو أقل، ولا تتوفر فيها حديقة أو حتى شجرة واحدة، أو مساحة مناسبة للعب في الحي، ينتقل الطفل بعدها إلى المدرسة التي تكاد تخلو من الملاعب المناسبة أو من أدوات اللعب أو من الحدائق الخضراء التي تؤثر بصورة مباشرة على نفسية الطفل وسلوكه وتعلمه وخاصة في موضوع الحفاظ على البيئة والتعامل معها، ويمكن القول بان معظم مؤسساتنا التعليمية تشبه الثكنات في عيون الأطفال بلونها الشاحب وقضبان أسوارها الحديدية والإسمنتية وقوانينها التي تمنع غالبا تلامذتها من الركض، بينما يتم إهمال دروس الرياضة والرسم. 3 -مقارنة بين نماذج وعينات مختلفة، خلال زيارة ميدانية لأعضاء الجمعية لمؤسسة تعليمية ابتدائية بضواحي مدينة فانلو بهولندا، في إطار تبادل الزيارات والتجارب بين جمعية «بييزاج» وجمعية «روندزين» وقف وفد الجمعية على تجربة تربوية وتعليمية رائدة، حيث عاينت الجمعية كيفية توزيع الفضاءات ونسب المساحات الخضراء الكبيرة وفضاءات مختلفة للعب الأطفال، وانتشار للمواد الطبيعية عوض المصنعة: كالخشب والحجر والحصى الصغير والرمل للاستئناس والاكتشاف،وألعاب خشبية، وكذلك في توزيع الحجرات وقاعات الرياضة وقاعات متعددة الاختصاصات وتجنب البناء العمودي، أي بناء الطوابق، واستغلال التهوية واستغلال ضوء النهار في الإنارة الطبيعية، والتوعية والتربية البيئية وقاعات الأوراش، دون الحديث عن البيداغوجيا والبرامج والمناهج التربوية المنفتحة كشكل المدرسة، كل ذلك في مدرسة عمومية ترعاها الدولة والجماعة المحلية للمدينة. وترى الجمعية أن مدارس التعليم الأولي لمؤسسة محمد السادس تعتبر نموذجا رائدا على المستوى المحلي من خلال تنظيمها الهندسي وبعدها الايكولوجي ومساحتها الخضراء واهتمامها بالتشجير، وتوزيع الفضاءات، واستغلال ضوء الشمس، والألوان المستعملة في طلاء الجدران والأسوار، وشاكلة الأبواب وتعتبر مدارس التعليم الأولي لمؤسسة محمد السادس برأي الجمعية نموذجا حقيقيا للمدارس الخضراء بأكادير ولما يجب أن تكون عليه المدارس الخصوصية والعمومية بيئيا وجماليا وتربويا على حد سواء. وتعتبر مؤسسات البعثات الأجنبية ضمن نفس الإطار بأكادير حيث البناء يمتد بشكل أفقي فيما يخص التعليم الأولي والابتدائي. 4 - الإجراءات من وجهة نظر الخبراء العالميين يؤكد الباحثون والمختصون في تربية وصحة الطفل النفسية، على أن اللعب في الأماكن المفتوحة والخضراء يعد من الوسائل التي تساعد على تطور الطفل ونموه السليم وتكوين شخصيته المتميزة عكس الأماكن المغلقة. وقد ابتكر باحثون في دول عديدة برنامجا تربويا تحت اسم ساعة خضراء، وهو برنامج تعليمي للحفاظ على الحياة البرية الطبيعية، يستجيب لانقطاع الصلة المتزايد بين الطبيعة والأطفال في الوسط الحضري خصوصا وببعض المؤسسات التعليم الخصوصي، وهي الحالة التي يُطلق عليها اسم اضطراب نقص الطبيعة، من قِبل ريتشارد لوف (Richard Louv) في كتابه Last Child in the Woods (آخر طفل في الغابة)، وأحد الأعراض الرئيسية لاضطراب نقص الطبيعة، وفقًا ل «لوف»، هو استبدال الأنشطة التي تمارس في الهواء الطلق ب «وقت الشاشة أو التلفاز»، وهو الوقت الذي يُقضى أمام شاشة الكمبيوتر أو التلفزيون أو الآي باد أو غير ذلك من الأجهزة الإلكترونية الأخرى. ويوصي الخبراء، بأن يقوم أرباب المؤسسات الخاصة والعمومية وآباء وأولياء الأطفال والتلاميذ، بإعطاء أطفالهم «ساعة خضراء» كل يوم أو قضاء مدة 6 ساعات في يوم عطلة نهاية الأسبوع بأماكن طبيعية: غابات، حدائق عمومية، شواطئ، منتزهات، حدائق الحيوانات أو الطيور، المحميات الطبيعية وهو وقت لممارسة اللعب التلقائي والتفاعل مع عالم الطبيعة. وهذه الإستراتيجية الخاصة تُسمى عكس عجز الطبيعة. وهي فرصة لتعلم ممارسة الألعاب التلقائية وإمكانية ممارستها في الحدائق أو المتنزهات أو أي مكان فيه مساحات خضراء آمنة يمكن للأطفال التعلم وممارسة اللعب فيها. ويستشهد الخبراء بدراسة أجرتها مؤسسة كايسرالأسرية (Kaiser Family Foundation) والتي تشير إلى أن الطفل الأمريكي العادي يقضي 44 ساعة أسبوعيًا - أكثر من ست ساعات يوميًا - محدقًا في شاشة من شاشات الأجهزة الإليكترونية. كما ربطت بعض الدراسات بين المشاهدة المفرطة للتلفزيون والسمنة والعنف وحتى انخفاض الذكاء والذكاء الحسي الحركي والاستكشافي لدى الأطفال. كما أن الأطفال بحاجة الى كتب وقصص حول موضوعات الهواء الطلق الجديدة التي تقدم فرصة للقراءة للأطفال من مختلف الأعمار وممارسة الأنشطة والمهارات التي تُمارس في الهواء الطلق وحول الحقائق عن الطبيعة. 5 -نتائج وتوصيات الجمعية بعد هذا البحث الميداني، الذي أنجزته جمعية بييزاج للبيئة والثقافة بأكادير، فالجمعية توصي بضرورة إعادة النظر في دفتر التحملات الخاص بطرق تسليم رخص فتح مؤسسات التعليم الخصوصي، وضرورة إيلاء الشق البيئي والمساحات والفضاءات الخضراء وملاعب الأطفال الأهمية القصوى داخل المؤسسات، بما يضمن الحقوق الأساسية للطفل في اللعب والنمو النفسي والجسدي والعصبي والمعرفي، في وسط بيئي نظيف وطبيعي، بعيدا عن الضغوطات الإسمنتية واضطرابات حركة السير ودخان السيارات، مع ضرورة تعزيز وتوطين مختلف أنواع الأشجار داخل مؤسسات التعليم الخصوص والعمومي التي تتوفر فيها ساحات خضراء، عبر حملات سنوية للمساهمة في الحفاظ على البيئة واقتصاد الماء وتعزيز التربية البيئية عند المتعلمين، كما توصي الجمعية بتعزيز الفضاءات الخضراء بالوسط الحضري وداخل الأحياء للوصول الى المعدلات العالمية للفرد من المساحة الخضراء بالوسط الحضري. كما تدعو الجمعية إلى نهج سياسة بيئية اجتماعية متعددة الأبعاد خصوصا للطفولة والشباب والشيوخ، وترى انه من واجب الوالدين والقائمين على تربية ورعاية الأطفال عدم إغفال هذا الجانب المهم، لان الطفل بحاجة أن يعبر عن ذاته من خلال اللعب وأن يطور مهاراته ويكتشف الجديد من حوله بهذه الوسيلة.