كيف تواجه السينما أسئلة الراهن وتضع الهجرة على مشجب يتأرجح بين الأحلام والكوابيس بعد أربعة أيام متوالية من الأنشطة المتنوعة، بين عروض سينمائية وندوات فكرية، انصبت حول الهجرة والسينما، وورشات تكوينية، اختتمت بمدينة زاكورة يوم أمس الأحد فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان للفيلم عبر الصحراء، وقد تميزت كما هو معلوم بحضور كثيف للفنانين وصناع السينما المغاربة والأجانب، ومما تجدر الاشارة اليه الحضور الافريقي الكمي والنوعي، ومساهمته في العديد من الانشطة المقامة بالمناسبة، ومن سمات هذه الدورة التي ودعناها، إفساح المجال واسعا أمام السينما المهتمة بالهجرة عبر الصحراء، حيث أتيحت الفرصة لأزيد من 40 فنانة وفنانا من المغرب ومن الخارج لتسليط الأضواء على هذا الموضوع من زوايا مختلفة، وذلك بحضور مجموعة من الفعاليات العاملة في حقل السينما الوطنية، إلى جانب ثلة من السينمائيين من جنسيات أجنبية مختلفة. وذلك باعتبار الهجرة عبر الصحراء صارت تعتبر في السنوات الأخيرة موضوعا شائكا بالنسبة لبلدان الشمال الافريقي وبالنسبة للمغرب خاصة. وحسب منظمي المهرجان فإن هذه التظاهرة الثقافية التي تقام عند أحد الأبواب المفتوحة على بلدان الجنوب الافريقي، معنية بهذا المشكل وتجلياته، معتبرين أنه يتوجب على المغرب التعامل مع الاشكالات التي تطرحها الهجرة جنوب الصحراء بمسؤولية كبيرة وإجراءات تتمثل المواثيق الدولية لحقوق الانسان. إنه موضوع ملتصق بالواقع باعتبار المغرب يعيش مشكل الهجرة القادمة من بلدان جنوب الصحراء، وهي هجرة متعددة الاشكال من بينها التي تروم الاستقرار وأخرى تجعل من المغرب محطة عبور نحو أوروبا، ولعل اختيار ملتقى الفيلم عبر الصحراء لعنوان : « السينما والهجرة عبر الصحراء، لدورته التاسعة، كان موفقا للمساهمة في إغناء النقاش الدائر حول هذه المشكلة التي باتت مستعصية، حيث كان من بين أبرز فقرات الدورة التي ودعناها، تنظيم ندوتين حول الموضوع، جمعت السينمائيين والإعلاميين بجمهور المهرجان متعدد التوجهات، أغنت النقاش بخصوص هذه القضية التي صارت تكتسي راهنية لا مهرب منها. وتعتبر المجازفة في طرح سؤال شائك في تجلياته الانسانية والحقوقية من خلال صناعة الصورة والإبداع السينمائي، عنوانا كبيرا ومؤشرا ذا دلالة كبيرة على كون المهرجان يضع نفسه كطرف معني بمشكل الهجرة وتبعاتها، ومنتدى للحوار والتبادل في فضاء زاكورة الذي كان على الدوام مرتبطا بالقيم الاصيلة للمجتمع المغربي مع الكثير من الانفتاح والتسامح. أما بخصوص السينما كعروض لتجارب انسانية، فقد كانت حاضرة بقوة من خلال عرض العديد من الأعمال من بلدان مختلفة، تحاول مقاربة مشكلة الهجرة انطلاقا من أحلام وردية، مرورا برحلة منهكة باتجاه كوابيس ونهايات مأسوية، غير أن السينما بجانبها الجمالي وسردها المغرق في التشويق، استقطبت الى دار الثقافة بزاكورة جمهورا كبيرا من عشاقها يتكون في أغلبيته من الشباب. هي فرصة إذن لتحريك الفعل الثقافي في مدينة زاكورة وجعلها تصنع الحدث المتميز، وتبرز الى الواجهة بعناصر قوتها ومعطياتها التاريخية والطبيعية وأيضا بجوانبها الهشة في محاولة لتلافيها أو على الأقل الحد من تأثيراتها السلبية على تطور المنطقة. ومهرجان الفيلم عبر الصحراء في معناه العميق ليس سوى محاولة جادة لشد الانتباه الى ما تتوفر عليه زاكورة ونواحيها من جمال طبيعي: فضاءات وبلاتوهات للتصوير السينمائي، يعد التعريف بها وما سيحمله من نتائج دفعة تنموية كبيرة تنعكس ايجابا على زاكورة وأهلها. ويبقى من الأساسي الحديث عن الورشات التكوينية التي دأب ملتقى زاكورة على برمجتها دورة بعد أخرى ويستفيد منها تلاميذ المدارس بالمنطقة باستغلال وجود صناع ونجوم الفن السابع مغاربة وأجانب يقدمون تجاربهم وطرق اشتغالهم للشباب، وهذا هدف بعيد المدى سيؤتي أكله مع توالي السنوات، يقول أحمد شهيد مدير المهرجان «باعتبار أن هدفنا كامن في خلق نهضة سينمائية بزاكورة لا تقف عند استقبال الانتاجات العالمية الكبرى أو الوطنية فحسب، بل بإشعال شرارة الابداع السينمائي محليا، ويضيف أحمد شهيد: لقد انطلقنا في هذه التجربة السينمائية الجميلة لكن الهاجس الذي كنا نتحرك على ضوئه، هو هاجس تنموي بالأساس يروم خلق حراك تنموي موازي للحراك الثقافي وإشراك السينما في التنمية، للتعريف بغنى المنطقة سواء من خلال مآثرها التاريخية والحضارية أو معطياتها السياحية وما تتيحه فضاءاتها الطبيعية الشاسعة للتصوير السينمائي، ومنذ انطلاقتنا الأولى قبل ثمان سنوات، كنا واعين بأن مشروعنا له من القوة والمثابرة ما يجعله يستوعب مدى ما سيتطلبه من وقت لكن بيقين راسخ أنه سيجود بثماره في نهاية المطاف».