الفضاء الصحراوي سينمائيا بين وحدة المشهد وتباين الخصوصيات البيئية والثقافية تحت شعار «السينما والبيئة»، انطلقت يوم أمس الأحد فعاليات الدورة الثامنة للملتقى الدولي للفيلم عبر الصحراء الذي تنظمه سنويا بمدينة زاكورة، جمعية الفيلم عبر الصحراء، وقد تميزت الانطلاقة بعرض فيلم الجامع لداود اولاد السيد، وهو فيلم تم تصويره بزاكورة ويستند إلى قصة واقعية حصلت هناك أيضا، ويعتبر امتدادا لشريط في انتظار بازوليني لنفس المخرج، ويعتبر هذا اللون من الأفلام المغربية فرصة لكي يرى مغاربة زاكورة وورززات صورتهم منعكسة بصدق على الشاشة الكبرى من خلال إنتاج مغربي، وقد تسنى لهم مشاهدة هذه الصورة في انتاجات سينمائية ضخمة أدارها مخرجون كبار تحت سماء هذه المنطقة ذات الخصوصيات الفريدة سينمائيا، لكنها لم تكن لتعكس صورتهم الحقيقية، وهذا يولد سؤالا كبيرا يتمثل في قلة الانتاجات المغربية المنجزة في هذا الفضاء والتي ربما لم ينتبه منتجوها إلى ما توفره منطقتا زاكورة وورزازات من معطيات وإمكانيات للاشتغال السينمائي، الشيء الذي تنبه إليه كبار المخرجين الايطاليين والأمريكيين منذ مدة طويلة وانتبه إليها قبل حين المخرج المغربي داوود اولاد السيد في فيلميه سواء في انتظار بازوليني أو الجامع اللذين تكللا بالنجاح في مختلف المهرجانات الوطنية والدولية، وفي هذا الباب تجدر الإشارة إلى انه وتزامنا مع أيام ملتقى الفيلم عبر الصحراء، ينتهي المخرج عبد الواحد بوجنان من وضع اللمسات الأخيرة على شريطه القصير «نعل أيوب» أو « Sandales d'Ayoub « الذي صوره بالاستوديوهات الطبيعية لزاكورة منذ منتصف أكتوبر الجاري، وللتذكير فان سيناريو هذا العمل هو من كتابة الشاب أحمد آيت العربي الفائز بجائزة أحسن سيناريو خلال الدورة الأولى من مسابقة السيناريو المنعقدة في إطار ملتقى الفيلم عبر الصحراء السنة الماضية، وهذه السنة أيضا وهي مفتوحة في وجه كل من يهتم بكتابة السيناريو، لكنها موضوعاتية وتشترط للمشاركة أن تتناول مواضيع لها علاقة بمحورين اثنين هما «الصحراء والحقوق الثقافية»، و»البيئة». ويحظى أصحاب المشاريع المنتقاة بتأطير من طرف أساتذة مختصين عبر الانترنت في مرحلة أولى و في مرحلة ثانية بشكل مباشر لإنهاء مشاريعهم من خلال ورشة تقام أياما قبيل بداية الملتقى ويترأس لجنة تحكيم مسابقة السيناريو هذه السنة المخرجة المغربية فريدة بليازيد . وفيلم «نعل أيوب» تنتجه الجهة المنظمة والراعية للملتقى، جمعية زاكورة للفيلم عبر الصحراء، ويلعب فيه دور البطولة (أيوب) في الفيلم، طفل من نواحي المدينة، بينما يشارك فيه الممثلان المغربيان محمد الشوبي ونجاة العروسي، محمد الشوبي الذي يكرمه الملتقى هذه الدورة رفقة الناقد السينمائي محمد سكري، لمساهماتهما في المجال السينمائي الوطني. وتدور قصة الشريط حول شروط التمدرس في المدارات القروية المعزولة بالنسبة لأبناء الأسر الفقيرة مثل أيوب الذي يتمزق نعلاه ويحتاج إلى نعلين جديدين، فتبادر الأم بتقديم الطلب إلى الوالد الذي يرفض في البداية الإذعان إلى طلب طفله لكن ومع توالي أحداث الشريط سيتوضح للوالد مدى نبوغ ابنه في الدراسة وينتهي الأمر بان يحقق له طلبه حذاء عوض النعل وهو فخور به، مع تغير ايجابي يطرأ على نظرته للعملية التعليمية التي كان إلى حين يعتقد في لا جدواها، الفيلم الذي من المتوقع أن يعرض خلال هذه الدورة من ملتقى زاكورة للفيلم عبر الصحراء. وتعزز هذه الدورة مسار هذا المهرجان الذي اختار إبراز تيمة الصحراء كفضاء بحمولاته الثقافية المتنوعة عبر العالم واكتشاف سينمات عالمية وكيف تتمثل الصحراء كفضاء من خلال الحكاية والصورة السينمائية، ولهذا المهرجان خاصيات أخرى من بينها تنظيم ورشات حول المهن السينمائية وتقنيات المجال السمعي البصري و القراءة الفيلمية ينشطها مختصون في مجال الفن السابع. و لا يبرمج الملتقى أي مسابقات بين الأفلام المشاركة، لكنه يمنح الجمهور مجموعة منتقاة من الأعمال السينمائية لها علاقة بموضوع الصحراء، وستعرف هذه السنة مشاركة أفلام من فرنسا، الجزائر، تونس، تشاد، بلجيكا، ألمانيا، هولندا، المكسيك إضافة إلى أفلام من المغرب. ملتقى الفيلم عبر الصحراء من خلال مضمونه أو شعاره يعكس جمال واحة زاكورة التي ظلت ظلا وارفا عند أبواب الصحراء وملتقى لتبادل السلع والقيم الثقافية بين شمال وجنوب القارة الإفريقية، وشكلت زاكورة عبر التاريخ ذلك الخيط الرابط بين جنوب الصحراء وشمالها فكانت خير ممثل للثقافة المغربية ومازالت خزانة تامكروت وما تحتويه من نفائس المخطوطات شاهدا على هذا الماضي التليد، لقد قدمت هذه المدينة الكثير من الإضافات للثقافة المغربية، من خلال العديد من الأسماء التي نبغت في الكثير من المجالات كالشعر والأدب وعلوم الدين، وتتميز حاضرا بمثقفيها وبنسيجها الجمعوي الدينامي الذي يربط علاقات متميزة مع إفريقيا ومع العالم، ويقيم أنشطة ثقافية يمتد إشعاعها إلى خارج الحدود ومن بينها بطبيعة الحال الملتقى الدولي للفيلم عبر الصحراء الذي يعرف هذه الدورة حضورا كثيفا لضيوف من كل صوب، بينهم إعلاميون وعشرات الفنانات والفنانين المغاربة، إضافة إلى شخصيات أجنبية من عالم السينما ، وجوه صديقة للملتقى وآخرون يكتشفون لأول مرة حميمية هذا المهرجان السينمائي المتميز الذي يستمد خصوصيته من بيئته الثقافية.