فيلمي الأخير عبارة عن حكاية شابة ذات جذور عربية تقيم في فرنسا بدأت الممثلة الفرنسية المغربية الجذور صوفيا منوشة مشوارها الفني في أفلام قصيرة عرضت في المهرجانات والتلفزيون قبل أن يمنحها السينمائي الفرنسي لوران فيرود بطولة فيلمه «بدافع الحب»، ما جعلها تعثر على فرصة العمل في مسرحية فكاهية عنوانها «نسائيات» عرضت على خشبة مسرح «مونمارتر غالابرو» الباريسي. وتعلمت منوشة (25 سنة) مبادئ التمثيل في مدرسة فرنسية مختصة، قبل أن تسافر إلى الولاياتالمتحدة وتقيم فترة هناك لأنها تفضل معايشة التجارب بنفسها والتعلم من طريق الممارسة، بدلاً من متابعة الحصص النظرية فقط. ولأنها احتكت بالوسط الفني في نيويورك وعثرت فيه على أسلوب عمل يناسب تصورها لمهنتها كممثلة، تكررت التجربة مرات عدة مع تفتح ذهني أفادها في شكل كبير كلما واجهت مسؤولية دور جديد في فرنسا، إذ صارت تتخيل أبعاد الشخصية التي تؤديها بطريقة تلغي تماماً كل ما هي عليه في الطبيعة كي تنغمس في الدور الجديد، مقتربة منه بدلاً من أن تجلبه هو إليها، مثلما يحدث غالباً حيث يضع الممثل مزاجه وطباعه في قلب دوره المسرحي أو السينمائي جاعلاً من الدور نسخة منه نوعاً ما. وغير ذلك تستعين علامات دولية معروفة من الثياب والجمال بمنوشة للظهور في إعلاناتها والتحول بالتالي إلى سفيرة رسمية لها حال ما يحدث مع أكبر نجمات الفن السابع. أحدث أفلام منوشة «الأسود يليق بك إلى حد كبير» وهو يروي حكاية شابة ذات جذور عربية تقيم في فرنسا مع عائلتها وتجد نفسها ممزقة نفسياً بين التقاليد الشرقية التي تسود في البيت العائلي وشعورها على رغم كل شيء واحترامها لهذه التقاليد، بتأقلمها مع الثقافة والعادات الغربية، وهي تحب شاباً فرنسياً وترغب في الزواج به إلا أن شقيقها الذي يراقب أدق تصرفاتها سيتسبب في كارثة تهز كيان العائلة. وبين أبطال الفيلم إلى جوار منوشة النجم تييري ليرميت وغريغوار لو برانس رانغيه وسعاد حميدو وسليم كشيوش واليونس تازايرت وإيليز لومو. وما يلفت في الفيلم الأداء القوي لمنوشة في كل لقطة، ما دفع الإعلام الفرنسي الذي شهد العمل في العروض المخصصة للصحافة إلى التوقع لبطلته أن تكون مرشحة للفوز بجائزة أفضل ممثلة في مناسبات سينمائية خلال عام 2013. وبمناسبة ظهور فيلم «الأسود يليق بك إلى حد كبير» Le Noir te (vous) va si bien للسينمائي الفرنسي الإيراني الجذور جاك برال والذي تؤدي منوشة بطولته، فيما يلي ننشر أخر حوار أجري مع هذه النجمة المغربية الشابة. كيف حصلت على البطولة المطلقة في فيلم «الأسود يليق بك إلى حد كبير»؟ كنت قد التقيت المخرج جاك برال من أجل أحد الأدوار الصغيرة في الفيلم وحصلت عليه، ثم سافرت إلى المغرب لأمثل في فيلم تم تصويره هناك وتلقيت أثناء إقامتي في الدارالبيضاء مكالمة هاتفية من وكيلة أعمالي في باريس أخبرنني فيها بضرورة أن ألتقي برال مرة جديدة فور عودتي من المغرب وذلك في شأن موضوع مهم جداً. ولم أستطع معرفة أي شيء أكثر من ذلك عن هذا الموضوع المهم إلى أن عدت من رحلتي والتقيت برال بالفعل مرة جديدة لأسمعه يعرض علي الدور الأول في فيلمه بدلاً من الدور الذي سبق ومنحني إياه. وكان ذلك قبل أسبوعين فقط من بدء التصوير، وعندما سألته عن سبب قراره المفاجئ رد بأنه انفصل مهنياً عن الممثلة التي كان قد منحها البطولة وفكر في أنني أتمتع بالموهبة الضرورية للدور إذا كنت مستعدة للعمل الشاق طوال الفترة القصيرة التي سبقت التصوير الفعلي. ووجدت نفسي أوافق حتى من دون أن أفكر في الأمر ولا في العمل الشاق الذي ذكره المخرج. وكيف دار العمل الشاق بالتحديد؟ الذي حدث هو قيامنا أنا والمخرج بعقد جلسات يومية طوال الأسبوعين وقبل بدء التصوير، لنتكلم عن دوري وعن شخصية هذه الفتاة وكيفية مواجهتها مشاكلها وحياتها اليومية في شكل عام أي عملها وحبها للشاب الفرنسي الذي ترغب في الزواج به وعلاقتها مع أهلها في البيت وكل ما يمسها من قرب أو من بعد، حتى الأشياء التي لا تظهر في الفيلم والتي تخيلناها كي تغذي مضمون الحبكة. وكنا أيضاً نتحدث هاتفياً إضافة إلى الساعات التي كنا نقضيها معاً. هل أتيت شخصياً بأفكار في ما خص دورك أم اكتفيت بمتابعة رغبات المخرج؟ قدمت أفكاراً لأنني كنت، من ناحيتي وخارج أوقات عملنا المشترك، أفكر في الشخصية وأتخيل نفسي في موقفها، ثم كنت أعرض أفكاري على برال وهو يستوحي منها ليبني شخصيتي في فيلمه بطريقة جديدة مختلفة بعض الشيء عما كان مكتوباً في السيناريو الأصلي. ومع ذلك فهو كان يعرف جيداً ماذا يريد وبالتالي وجدت في النهاية أن كل ما وافق عليه لم يكن سوى تتمة لنظرته إلى الدور بمعنى أنه بنى من طريق أفكاري بعض الطبقات فوق القاعدة الموضوعة من قبله أصلاً والتي لم تتحرك بالمرة. شخصيتك في الفيلم اسمها كبرى، لماذا؟ أراد برال أن يرمز إلى كونها كبيرة عقلياً وإنسانياً وراح يمنحها هذا الاسم الذي يعني الشيء نفسه باللغتين الفارسية والعربية نظراً إلى أنه من أصل إيراني ويعتز بجذوره إلى أبعد حد. كيف كانت علاقتك مع سائر أبطال الفيلم، خصوصاً مع النجوم منهم، حال تييري ليرميت وسعاد حميدو وغريغوار لو برانس رانغيه؟ - لقد عثرت على فريق بأكمله سادته الإنسانية وحسن معاملة الآخر وذلك من نجوم وغير نجوم ومن ممثلين وتقنيين، وبالتالي تكونت علاقة ممتازة بيني وبين كل واحد من هؤلاء ساعدتني بطبيعة الحال في حسن إنجاز مهمتي. والواقع أن الانسجام الذي ساد التصوير نبع في الأساس من رئيسنا كلنا وهو جاك برال، وأقصد بكلامي أن إنسانيته تجاهنا لم تسمح بحدوث أي شيء سلبي بل رفعتنا ودفعت بنا إلى الأمام. إنه يتميز بالصفات الشرقية الأصيلة وجاءت هذه بمثابة نعمة في إطار جو العمل. وأضيف أن برال يحترم النساء إلى أبعد حد وفيلمه عبارة عن أنشودة للمرأة. سلبيات الحرية كيف تصفين شخصية كبرى؟ إنها إمرأة شابة وهادئة متمسكة إلى أبعد حد بتقاليد عائلتها، ومن ناحية ثانية ترغب في الحرية التي تتمتع بها الفتيات في مثل عمرها في فرنسا لكن من دون السقوط أبداً في سلبيات هذه الحرية، فهي مثلاً تحب فرنسياً إلا أنها تصرح له بأنه سيكون الأول والأخير في حياتها، فهي تريد تطبيق التقاليد الشرقية على علاقة تقيمها مع رجل غربي. لكن عائلتها لا ترى المسألة كما تراها ابنتهم، ومن هنا ستبدأ المشاكل. هل وضعت بعض صفاتك الشخصية فيها مثلاً؟ لقد حدث تبادل بيننا، وأعني أنني وضعت روحي المرحة التي تميزني في حياتي اليومية، في خدمة كبرى، بينما أدخلت هي إلى نفسي بعض الهدوء الذي تتميز به والذي ينقصني كلياً في الواقع، فأنا امرأة ثورية ومتمردة بشكل عام، لكنني منذ أن أديت دور كبرى أصبحت أنقل ميزاتها، خصوصاً الهدوء والنعومة، إلى الأدوار الجديدة التي تطرح علي. لقد صارت كبرى جزءاً مني في الواقع. وكل هذا بفضل السينما. *(كاتب صحافي)