بحث في الوطأة الأزلية التي يحيا تحتها الكائن الإنساني وهو يواجه السلطة يبحث الكاتب المغربي مصطفى الحسناوي في الوطأة الأزلية التي يحيا تحتها الكائن الإنساني وهو يواجه السلطة٬ في أشكال ومفاعيل متعددة٬ بعضها ظاهر صريح وبعضها الآخر مضمر صامت٬ مستشرفا الآفاق والممكنات المتاحة للخروج من المأزق المزمن للسياسة٬ وبناء مقدمات لهندسة جديدة للحياة٬ قوامها الحرية والكرامة. تلك هي الفكرة العامة للكتاب الجديد للباحث المغربي الذي صدر مؤخرا عن دار النشر «دال» بدمشق٬ تحت عنوان «الحياة والسلطة.. مقدمات لإعادة تأسيس سياسة الوجود»٬ والذي يندرج في صميم الانشغالات البحثية التقليدية لهذا الكاتب الذي سبق أن قارب إشكاليات مماثلة في كتابه «كتابات للأحياء : نحو ثقافة أكثر إنسانية». هو كتاب حول وقوع حياة الفرد والجماعة تحت نير السلطة المتغلغلة٬ التي تعيد إنتاج نفسها وتوسيع نطاق ممارستها وتمثلها. يقدم قراءة في التراث الفلسفي الحديث٬ بشكل خاص٬ في أفق تصيير الحياة شكلا دائما من أشكال المقاومة. «فليس ضروريا أن نستسلم للحزن ونتبناه لكي نكون مناضلين أو نمارس النضال٬ حتى لو كان الشيء الذي نحاربه موغلا في فاشيته الرعناء٬ مسكونا بنظرة سديمية وكارثية لانسانية الإنسان ومثيرا للغثيان والقرف». يذكر الحسناوي بأن الإنسان الجدير بإنسانيته هو كائن متحقق بوجوده وحريته٬ في إطار شكل للحياة ممكن ومختلف جذريا عن السائد. والمشروع المطروح أمام هذا الكائن٬ بالنسبة للكاتب٬ يتمثل في إنتاج حيوات بديلة لتلك التي تؤسسها وتمأسسها السلطة وتوزعها الرأسمالية في شبكاتها السائلة٬ المعولمة المتحركة المنتجة باستمرار٬ للمزيد من الأشكال الجديدة للاستغلال والإقصاء٬ وأنماط بؤس جديدة وقلق جديد مرتبط أساسا بعولمة انعدام الأمن والحروب النيوكولونيالية التي يتساوق داخلها انتشار/ نشر سياسة المراقبة على المستوى العالمي بمضاعفة السوق الرأسمالية لقواها وقدراتها ومجالات فاعليتها٬ عبر التسليع المتزايد لعالم فقد معناه. تشخيص شراسة السلطة لا يقود حتما إلى التشاؤم. بالعكس٬ هذه الدينامية منذورة لأن تنتج ضدها٬ حسب الكاتب: «سلطة للحياة بدل السلطة على الحياة». إنه مفهوم جديد للسياسة لا يعني الانسحاب منها بل إعادة تقويم المعنى الممكن الذي يمكن أن تأخذه. عن هذا الاكتساح لحركية السلطة في مختلف المجالات الحيوية للكائن٬ وعن انبثاق آليات مقاومة هذا المد٬ يستدعي مصطفى الحسناوي التراث الفكري الفلسفي الحديث٬ وبخاصة كتابات ميشيل فوكو واسبينوزا٬ بوصفهما من أبرز من اشتغل على مفاهيم السلطة والحرية في تاريخ الفلسفة الغربية. يعتبر فوكو أن السلطة حاضرة في كل مكان ٬ حتى في المجالات المعرفية التي يفترض أنها غير منشغلة بها٬ « إلا أن هذا التصور لا يقود بالضرورة إلى نوع من الحتمية المتشائمة التي تلزمنا بالبقاء جامدين حيث نحن بلا فاعلية٬ بل يمنحنا تصور السلطة هذا فرصة فعل شيء ما». أما مع سبينوزا٬ فيقدم الحسناوي فلسفته بوصفها فلسفة الفرح بامتياز تماما كما هي فلسفة الحرية٬ «الحرية التي تهب الفرد القدرة على الاشتغال بشكل فعال٬ وتحقيق ماهيته المتفردة بأصالة داخل الفرح والاستقلال وحين يتحرر الإنسان من القيم المتعالية والموضوعية ومن الخوف من الموت والقلق الميتافيزيقي٬ يصير فعلا ما يرغب أن يكونه». يخلص مصطفى الحسناوي إلى أن الحرية عند سبينوزا هي الخير الأسمى. هي متعة وتأمل في آن. بالنسبة له٬ الديموقراطية والفلسفة يمتلكان عمليا مصلحة وحيدة متماثلة وهي الحرية. لا يمكن تفويض القدرة على التفكير والقول وحريتهما لأحد وكل دولة تمارس سيادتها عبر الرعب والخوف اللذين تبثهما٬ تذهب حتما في الاتجاه المعاكس للمصلحة الحقيقية للعقد الاجتماعي الرابط بينها وبين الأفراد. يذكر أن الكاتب مصطفى الحسناوي أصدر عددا من المؤلفات منها : «الذات والآخر» (كتاب مشترك/1990)٬ «الكتابة والموت» (كتاب مشترك/1998)٬ «خرائطية الكتابة» (بيروت/ 1998)٬ «نسيج الصداقة» (منشورات اختلاف/2001)٬ «في الفكر والشعر» (منشورات اتحاد كتاب المغرب/2001)٬ «فوكو والسياسة» (منشورات اختلاف/2003).