راتكو ملاديتش يدافع عن براءته من تهم الإبادة ضد المسلمين والكروات.. وعائلات ضحاياه تصفه ب «الجزار» بدأت محاكمة القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش المتهم خصوصا بارتكاب مجزرة سريبرينتسا في يوليوز 1995، أمس الأربعاء في لاهاي أمام محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة. وقال درموت غروم ممثل مكتب المدعي لدى افتتاح المرافعة التمهيدية بعيد الساعة 9,00 (7,00 ت.غ) «لقد تولى عملية التطهير الاتني في البوسنة». ووصف غروم مستندا الى خريطتين ديموغرافيتين للبوسنة واحدة ما قبل الحرب (1992-1995) والثانية ما بعدها، كيف أن عدة بلديات كانت مختلطة أو ذات غالبية مسلمة وأصبحت صربية بعد حملة «التطهير الاتني» التي حدد «أهدافها الإستراتيجية». وقال غروم «كان الهدف الأول فصل الصرب عن المجموعتين القوميتين الأخريين» المسلمين والكروات، واصفا كيف أن صبيا شهد مقتل والده وعمه خلال الحرب. وأضاف أن «ألاف الأسر أرغمت على مغادرة أراضيها». وأضاف لقد «شارك فعليا في آلة إجرامية كانت ناشطة في البوسنة». وجلس المتهم البالغ السبعين من العمر وراء محاميه الى يمين القضاة. ولم يتحدث ملاديتش كما كان أعلن محاميه. وعند قرابة الساعة 10,45 (8,45 ت.غ) طلب القاضي الهولندي الفونس أوري الذي ترأس الجلسة من ملاديتش الامتناع عن «التفاعل» مع الحضور ونصحه «التركيز على ما يحصل في قاعة المحكمة». وملاديتش الذي نجح في الإفلات من العدالة الدولية 16 عاما، اعتقل في 26 ماي 2011 في صربيا وهو متهم بجرائم ارتكبتها قواته خلال حرب البوسنة التي أسفرت عن سقوط 100 ألف قتيل ونزوح 2,2 مليونا بين عامي 1992 و1995. ويتوقع أن تستمر المرافعة التمهيدية للادعاء ست ساعات يومي الأربعاء والخميس. وستتواصل المحاكمة في 29 ماي مع الاستماع إلى أول شهود الادعاء الذي يرجح أن تستمر ثلاث سنوات. وهو متهم بالجرائم نفسها الموجهة الى الزعيم السياسي لصرب البوسنة رادوفان كرادجيتش (66 عاما) الذي يحاكم في لاهاي منذ تشرين أكتوبر 2009. وكان الرجلان مسؤولين بحسب الادعاء عن «شبكة إجرامية مشتركة» هدفها تهجير مسلمي وكروات البوسنة إلى الأبد من الأراضي التي يطالب بها الصرب في البوسنة والهرسك. ووصف غروم كيف «أصبح الوضع أكثر هشاشة» قبل بدء الحرب في البوسنة وكيف أن «رعب السكان كان يزداد» مع تصريحات شخصيات سياسية مثل كرادجيتش. ويدفع ملاديتش الذي يواجه عقوبة السجن المؤبد ببراءته من تهم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الموجهة إليه، وهو متهم خصوصا بمجزرة سريبرينتسا التي قتلت قوات صرب البوسنة فيها حوالى ثمانية آلاف رجل وفتى مسلم في يوليوز 1995 في أسوإ مجزرة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. واتت حوالي 20 والدة وأرملة فقدن أزواجهن أو أولادهن في سريبرينتسا إلى لاهاي وتجمعن أمام المحكمة قبل بدء الجلسة ووصفن ملاديتش ب «الجزار». كما يلاحق ملاديتش لدوره في حصار ساراييفو الذي قتل خلاله 10 ألاف مدني واحتجاز 200 جندي ومراقب من الأممالمتحدة رهائن في 1995. وقال غروم إن «ساراييفو كانت نموذجا للتنوع (...) كانت مدينة جامعة لجنسيات مختلفة». وأوضح «أرادوا القضاء على هذه الميزة وتقسيم المدينة الى قسمين الصرب من جهة وغير الصرب من جهة أخرى». والجنرال السابق الذي أصيب بثلاث جلطات دماغية في 1996 و2008 وفبراير 2011 يعاني من شلل نصفي في الجانب الأيمن من جسمه بحسب محاميه برانكو لوكيتش. وشكا ملاديتش مرارا من مشاكل صحية خلال الجلسات التحضيرية لبدء المحاكمة. وقال لوكيتش إن «وضعه أفضل حاليا مما كان عليه عند وصوله الى لاهاي لكنه لم يتعاف بشكل كامل بعد». وأضاف المحامي للصحافيين إن ملاديتش «فقد عددا من أضراسه» عندما كان طليقا مؤكدا أن موكله «كان في حالة صحية سيئة» لدى وصوله الى مركز الاعتقال في لاهاي، وأن الأطباء «اضطروا الى معالجته علاجا كاملا». وسيرد ملاديتش على الاتهامات المتعلقة بدوره في مجزرة سريبرينيتسا حيث اعتبر القضاء الدولي مجزرة سريبرينيتسا جريمة إبادة جماعية. ولدى مثوله للمرة الأولى أمام القضاء في لاهاي في يونيو الماضي قال الجنرال السابق الذي يدفع ببراءته وقد يحكم عليه بالسجن مدى الحياة «لقد دافعت عن بلدي وعن شعبي». وقد بدا ملاديتش آنذاك رجلا مسنا نحيلا يختلف كليا عن الجنرال الذي كان يتجول في 1995 في جيب سريبرينيتسا شرق البوسنة. ولم يتحدث ملاديتش كثيرا خلال حوالي عشر جلسات للإعداد لمحاكمته، وتركز حديثه على شكاوى من وضعه الصحي. فمنذ نقله الى لاهاي بعد أيام على اعتقاله في قرية شمال صربيا حيث كان يختبئ في منزل قريب له، لم يكف ملاديتش وعائلته ومحاموه عن التركيز على مشاكله الصحية. وكان راتكو ملاديتش يؤكد باستمرار خلال الحرب انه مستعد لشن حرب على العالم اجمع لإثبات «عدالة القضية الصربية». ويؤكد عسكريون أجانب رافقوه انه «خبير في الخطط الإستراتيجية»، يغضب أحيانا ويضحك أخرى لكنه يسعى دائما الى كسب ثقة محدثيه. وبعد إقصائه سنة 1997 إثر توقيع اتفاقات دايتون للسلام التي أنهت حرب البوسنة، استقر ملاديتش من دون أن يتعرض لأي مضايقات، لفترة في قاعدة هان بييساك العسكرية في البوسنة المزودة بشبكة واسعة من الأنفاق. ثم أقام في حي راق ببلغراد تحت حماية الجيش لسنوات عدة. وكان يهوى العناية بالورود وهو أيضا يحب الغناء، كما يقول بعض جيرانه القدامى. لكن سيارة عسكرية كانت ترافقه عندما يخرج للتجول حرصا على أمنه. وكان يعتبر حينذاك بطلا تلاحق الصحافة تنقلاته مع قول أنه شوهد في هذا المطعم أو ذاك. وفي يوليوز 1997 انتقل الى ساحل مونتينيغرو للاستجمام تحت حماية الجيش أيضا. لكن المجتمع الدولي كان يبدي نفاد صبر، مطالبا بتسليم ملاديتش حتى تتمكن جمهورية صربيا-مونتينغرو من الانضمام الى المؤسسات الأوروبية والأطلسية. وفي بداية سنوات ال 2000 توارى ملاديتش عن الأنظار، وأكدت سلطات بلغراد أنه غادر صربيا. ونددت محكمة الجزاء الدولية بعدم تعاون بلغراد. وكثرت الشائعات حول الأماكن التي يختبئ فيها. فقيل حينا أنه في بلغراد، وحينا في مجمع عسكري لصرب البوسنة أو أنه يقوم بتربية النحل في فالييفو على بعد مئة كيلومتر غرب العاصمة. وولد ملاديتش في 12 مارس 1942 في بوزينوفيتشي (شرق البوسنة). وكان في الثانية من عمره عندما اغتال عناصر من الكروات الموالين للنازيين (أوستاشي) والده، وظل يعتبرهم مثل المسلمين من ألد أعدائه. ونصب ملاديتش الذي يتعطش للانتقام، نفسه مدافعا عن الشعب الصربي الذي كان «مهددا بعملية إبادة وبالزوال أمام زحف الإسلام»، كما كان يقول مرددا بذلك صدى مواقف لسلوبودان ميلوسيفيتش. وفي يونيو 1991 كلف ملاديتش عندما كان برتبة كولونيل في بريشتينا (كوسوفو) بتنظيم الانفصاليين الصرب في كرواتيا الذين أعلنوا جمهورية صربية في كرايينا أتى عليها الكروات سنة 1995. وتمت ترقيته الى رتبة جنرال في ماي 1992 وأصبح قائد جيش صرب البوسنة الذين أعلنوا جمهوريتهم رافضين العيش «أقلية» في بوسنة مستقلة. وبرز ملاديتش آنذاك عندما قاد بدعم بلغراد، معارك عنيفة من أجل فتح «ممر» حيوي نحو الشمال يربط أراضي شرق وغرب البوسنة التي تسيطر عليها قواته، وأعلن آنذاك أن «الحدود رسمت دائما بالدم والدول بالقبور»، وأسفرت تلك الحرب عن سقوط مائة ألف قتيل و2,2 مليون نازح.